تستمر الموجة الثقافية الكورية، المعروفة باسم "هاليو"، في توسيع حضورها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعتبره متابعون لهذه الموجة نجاحاً كبيراً للقوة الناعمة الكورية.
وأصبحت الإمارات والسعودية ومصر والمغرب وحتى إسرائيليين وفلسطنيين بيئة شعبية للدراما الكورية، وهو ما تظهره أرقام "Netflix" التي كشفت مؤخراً ارتفاعاً كبيراً في عدد المشاهدين والمستمعين للمسلسلات والموسيقى الكورية في المنطقة.
وبعدما نجحت هاليو في خلق مجتمع لديه إعجاب بكل ما هو كوري، بدأت شركات كورية تفتتح فروعاً لها في المنطقة، وهو ما يُظهر مجدداً كيف يمهد الفن في نشره لثقافة مجتمع ما الطريق أمام الاستثمار في الأسواق التجارية العالمية.
"هاليو"
شهدت هاليو التي أطلقتها الحكومة الكورية الجنوبية صعوداً ملحوظاً خلال العقدين الماضيين في آسيا، حتى وصلت إلى صدارة ثقافة البوب العالمية.
يرجع تطور الموجة الثقافية الكورية هاليو إلى انتشار موسيقى البوب الكوري (كي بوب/ K-pop ) على مواقع الفيديو العالمية منها يوتيوب، لتتحول من موجة إقليمية تسيطر على جنوب شرق آسيا إلى عالمية تصل إلى الشباب والمراهقين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
مع ظهور شركة Netflix، تم إنشاء شركات محلية في الشرق الأوسط ملتزمة بجلب الموجة الثقافية الكورية إلى المنطقة. وفي ظل الانتشار العالمي للأغنية الكورية، بدأ المستثمرون الكوريون بملاحظة المجتمعات المعجبة بالثقافة الكورية والمتشوقة للتعرف عليها، وهكذا بدأ تصدير فروع مطاعم وشركات وعلامات تجارية من كوريا إلى الشرق الأوسط.
اعتباراً من عام 2019، كان 30% من مشتركي Netflix يأتون من الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا، وظهر أن دولة الإمارات وحدها لديها أكثر من 300 ألف مشترك اعتباراً من الربع الأول من عام 2020.
على الرغم من أن هذا الرقم ليس مرتفعاً بين المعدلات العالمية، إلا أن الإيرادات التي توقعت Netflix أنها ستكسبها من تدفقاتها في الإمارات زادت من أقل من مليون دولار في عام 2017 إلى 6.03 مليون دولار في عام 2020.
تعتبر الدراما الكورية عاملاً مساهماً في نجاح Netflix بشكل عام في الإمارات، حيث تستمر المسلسلات الكورية في الظهور ضمن قائمة أكثر 10 عروض مشاهدة في الدولة الخليجية.
بحسب موقع "ذا دبلومات" (The Diplomat) المختص في الشؤون الآسيوية، فإن قائمة المسلسلات الأكثر بثاً في الإمارات شملت العديد من الأعمال الدرامية الكورية منها على سبيل المثال "Itaewon Class" و"Crash Landing on You" و"Guardian: The Lonely and Great God".
ويتزايد الطلب على الأفلام والمسلسلات الكورية بشكل واضح، على سبيل المثال، نشرت الصحف الإماراتية المحلية مقالات تقدم أفضل العروض الكورية لمشاهدتها على Netflix.
في ظل الانتشار العالمي للأغنية الكورية، بدأ المستثمرون الكوريون بملاحظة المجتمعات المعجبة بالثقافة الكورية والمتشوقة للتعرف عليها، وهكذا بدأ تصدير فروع مطاعم وشركات وعلامات تجارية من كوريا إلى الشرق الأوسط
مع استمرار نجاح الدراما الكورية، أدركت Netflix إمكانات هذا النوع من المسلسلات، واستثمرت في إنتاج المزيد منها.
وأصدرت Netflix أول عمل درامي وهو "Kingdom"، في كانون الأول/يناير عام 2019. وفي آب/أغسطس عام 2020، أعلنت Netflix عن إطلاق ثلاثة عروض هي "Start-up" و "Alive" و "The School Nurse"، وأكدت إنتاج ثلاثة مسلسلات جديدة وهي "Hellbound" و"Move to Heaven" و"Deserter Pursuit".
وفي نهاية شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلنت سفارة كوريا الجنوبية لدى الإمارات والمركز الثقافي الكوري عن تنظيم مهرجان الأفلام الكورية الرابع خلال الفترة بين 1 و25 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، وتقديم العروض عبر الإنترنت.
ويحتفي المهرجان بمرور 40 عاماً على العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وجمهورية كوريا، ويتم تنظيمه كجزء من الحوار الثقافي الإماراتي الكوري، وذلك عبر تقديم مجموعة من الأفلام الكلاسيكية والحديثة التي تصوّر جمال الموسيقى التقليدية الكورية "بانسوري" المعترف بها من قبل "اليونيسكو"، ويضم المهرجان 12 فيلماً كورياً تم اختيارها في إطار الموضوعات الرئيسية الثلاثة وهي، الأفلام الكورية الحديثة، والأدب على الشاشة، والتاريخ الكوري على الشاشة.
وفي فئة الأفلام الكورية الحديثة تم اختيار مجموعة من الأفلام تظهر قيمة الأدب الكوري، وسيتم عرض فيلم "جنود البحرية الذين لم يعودوا" في اليوم الأخير، كما تتم خلال أيام المهرجان استضافة ممثلين كوريين للحديث عن أفلامهم للجمهور.
السعودية في الصدارة
كشف تقرير لشركة "Spotify" السويسرية، في شباط/فبراير الماضي أن السعودية أكثر الدول استماعاً لموسيقى "بوب" الكورية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مستشهداً بحفل الفرقة الكورية الشهيرة BTS في الرياض في 11 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي والذي بيعت جميع تذاكره.
واحتفى المغردون في المملكة، عبر منصات التواصل الاجتماعي، بإحياء الفرقة الكورية الجنوبية حفل لها في السعودية، و دشنوا هاشتاغ "BTSInRiyadh".
و"بي تي أس" واحدة من أشهر فرق موسيقى البوب العالمي، وتُعد فرقة البوب الكورية الجنوبية الوحيدة التي حصدت نحو 25 مليون استماع على منصة "أنغامي"، أكبر منصات الموسيقى عبر الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وكان الحفل هو الثاني لفرقة غنائية كورية جنوبية في السعودية، بعدما أحيى فريق "سوبر جنيور"، في تموز/يوليو العام الماضي، حفلاً استعراضياً غنائياً، ضمن فعاليات "موسم جدة".
وقالت الشركة التي تعتبر من أكبر المنصات التي تتوفر عليها الموسيقى العالمية إن أبرز خمس دول يتابع أفرادها موسيقى البوب الكورية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هي السعودية والإمارات ومصر والمغرب والجزائر.
تُعتبر الدراما الكورية عاملاً مساهماً في نجاح Netflix في الإمارات، حيث تستمر المسلسلات الكورية في الظهور ضمن قائمة أكثر 10 عروض مشاهدة في الدولة الخليجية، وتنتشر موسيقى البوب الكورية بشكل أساسي في السعودية والإمارات ومصر والمغرب والجزائر
وتتصدر مصر قائمة الدول التي تشهد إقبالاً متزايداً على البوب الكوري، بمعدل نمو يبلغ 33٪ سنوياً، وهو أعلى معدل نمو على مستوى العالم.
وفي عام 2013، نقل عدد من المواقع العالمية تصريحات عن باحثين في الجامعة العبرية في القدس قولهم إن الهاليو آخذة في الانتشار في إسرائيل، وبدأت تحدث تأثيراً بين الفلسطينيين كذلك.
أسباب الإعجاب بالهاليو
أرجع موقع "ذا دبلومات" الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة إلى سياسة كوريا الجنوبية التي تهدف إلى جعل الثقافة الكورية بارزة على مستوى العالم والاستثمار من خلالها، وأيضاً إلى نجاح عدد من الأفلام وفوزها بجوائز مثل فيلم "Parasite".
وقالت الباحثة في العلوم الاجتماعية والمحاضرة في جامعة "ميدلسكس" في دبي دنيا صبري إنه يتم الترويج للمسلسلات الكورية على أنها مسلسلات تعطي "شعوراً جيداً" وعليه يمكن أن تصرف انتباه المشاهدين عن وباء كورونا، مضيفة "ما يميز المسلسلات الكورية وتشتهر به هو أسلوبها الفريد في الحب، وتمثيل الرومانسية في سياقات غير جنسية، وتقديم أدوار نسائية قيادية".
ولفتت إلى أن الفتيات هن الأكثر انجذاباً للدراما الكورية، وهو ما فسرته إحدى المتابعات للدارما الكورية لرصيف22 بالقول إن هذا النوع من الفن مليء بالعاطفة والرومانسية، ويساعد على الهدوء والتعبير عن المشاعر والبكاء عند الحاجة.
يخلص الموقع إلى أنه من الواضح أن القوة الناعمة الكورية عبر هاليو تواصل نموها في الشرق الأوسط والإمارات على وجه التحديد.
الفن يمهد الطريق أمام الاقتصاد
لم يؤدِّ الانجذاب إلى الموسيقى والدراما الكورية إلى زيادة السياحة إلى كوريا الجنوبية فحسب، بل شجع أيضاً على افتتاح العديد من الشركات فروعاً لها في الإمارات ودول عربية أخرى، بعدما نجحت ثقافة البوب الكورية وخلقت جمهوراً معجباً بالثقافة الكورية.
مثال على ذلك تم تدشين موقع للتجارة الإلكترونية يسمى "K Girls Closet"، حيث يمكن شراء الملابس ومنتجات التجميل مباشرة من كوريا الجنوبية.
وظهرت شركة أخرى في الإمارات وهي "Chicsta" التي تعمل على تلبية احتياجات "أفراد المجتمع الكوري" الذين يرغبون في اقتناء منتجات العناية بالبشرة والتجميل والشعر.
بالإضافة إلى العديد من مواقع التجارة الإلكترونية المخصصة للمنتجات الكورية، هناك مطاعم كورية تديرها عائلات كورية مقيمة في الإمارات، وكانت شركة الدجاج المقلي الكوري الجنوبي "NeNe Chicken" قد افتتحت أول متجر له في الإمارات.
وفي مقابلة مع "كيلي فروست"، أعلنت مديرة "NeNe Chicken Middle East" أن افتتاح فروع لها لن يقتصر على دبي فحسب، وأكدت أن هناك "خططاً للتوسع في دول الخليج الأخرى بأسرع ما يمكن".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...