"في ليلة شتوية باردة، جلستُ مع من أحبه قلبي جلسة رومانسية، فشعرتُ وكأني أملك الكون كله، لا أذكر التفاصيل سوى أنه أخذ يدنو مني برومانسية، ويميل إلى الداخل بشفتين مفترقتين، ولكن تجربتي الأولى لم تنجح"، تقول ندى، مضيفة أنها شعرت بلسانها يتحول "مطرقة ثقيلة" حينما همّ صديقها بتقبليها، كانت تحاول مواجهة مخاوف مجهولة، ولكنها تغلبت عليها في النهاية.
"لم يكن والدي أو والدتي هما من قتلا الحالة المزاجية الخاصة، فالشخص الوحيد الذي يجب أن أوجه له اللوم على تخريب ما كان من المفترض أن يكون قبلتي الأولى هو أنا"، تقول ندى (23 عاماً)، تسكن في محافظة القاهرة، خريجة كلية تجارة وعاطلة عن العمل.
وتكمل ندى لرصيف22: "شعرتُ بالدوران، والغثيان. باتت ضربات قلبي سريعة، ويداي تتعرقان، وسألت نفسي ماذا لو شعر أن رائحة فمي كريهة، هل سيكرهني ويتركني؟! وعلى الفور تركت المكان وهربت".
"أدركت أني مريضة"
لم تعانِ ندى مثل الكثير من صديقاتها، من تشدد أسرتها، فوالداها يمنحانها الحرية للارتباط بمن تحب، وتحكي لوالدتها عن تجاربها، دون أن تشعر بأنها ارتكبت خطأً ما، ولكنها بمرور الوقت شعرت أن الأمر له علاقة بمرض نفسي يستوجب العلاج، تقول: "بدأت أدرك أنه اضطراب نفسي، ولا بد أن أذهب للعلاج، ولكني لا أريد أن أفصح لما أشعر به بمجرد أن يقترب شخص مني، ويحاول تقبيلي، ليس عندي الثقة في تقبيله إطلاقاً، ينتابني العديد من المخاوف، التى تجعلني لا أقدم على الأمر".
"قبلني فشعرت بلساني كأنه مطرقة ثقيلة، وأحسستُ بالدوران، والغثيان، ضربات قلب سريعة، ويدي تتعرّقان، وسألت نفسي ماذا لو شعر أن رائحة فمي كريهة، هل سيكرهني ويتركني؟! وعلى الفور تركت المكان وهربت"
يعلق الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، بأن رهاب التقبيل أو الفيليمافوبيا يُعاني منه الرجال والنساء مما يتسبب لهم في مشكلات عدة يواجهونها مع مرور الوقت، ففي الحالة السابقة يُعاني الشخص الخوف بسبب قلة الثقة بالنفس والخوف من عدم قبول الطرف الآخر للقبلة أو الخوف بسبب رائحة فمه الكريهة على الرغم من عدم وجود هذه المخاوف إلا أنه يشعر بها، بالإضافة إلى شعوره بخيبه الأمل أو الغباء، وأنه عديم الخبرة، ويسبب هذا الأمر أعراضاً، مثل ضربات القلب السريعة، والقلق، وضيقتً في الصدر، وجفاف الفم، والصداع.
وعن نسبة الإصابة بالفيليمافوبيا، يقول فرويز إن رهاب التقبيل يأتي ضمن اضطرابات الوسواس القهري، وثلاثة في المئة من المجتمع مصابون به.
"مقززة وناقلة للجراثيم"
"شعرت وكأنه في مهمة رسمية، يريد أن ينتهي منها في أسرع وقت، لم يبدأ بالمداعبة والتقبيل، ولكنه جاء بالمرحلة الأخيرة ولم يكملها بعد، انتظرت للنهاية، ولكن خالف توقعاتي ولم يفعل ما أريد فكنتُ أريد حتى قبلة" تقول نهى علي (34 عاماً)، من محافظة أسوان، خريجة جامعية وعاطلة عن العمل، لرصيف22 عن أول ليلة جمعتها مع زوجها، الذي لم تره سوى مرتين قبل الزواج، بحكم العادات والتقاليد، ورغبتها الشديدة في الزواج بعد تقدم عمرها.
تقول نهى: "القبلات هي وسيلة التعبير عن الحب، ولكني تفاجأت أن زوجي يرفضها، معلناً أن هناك العديد من الطرق التى يعبر بها عن حبه لي سوى القبلة التى يراها شيئاً مقززاً، وناقلاً للجراثيم من خلال اللعاب، ولا يسمح لنفسه أن يكون فريسة للعديد من الأمراض بسبب رغبة أريدها أنا".
"كان يخاف من القبلة".
لم تستسلم نهى لما قاله لها زوجها، وأخذت تشجعه على الذهاب لطبيب نفسي، تقول: "الأمر بدأ معه منذ صغره، فكان يخاف من القبلة، ويراها أداة ناقلة للجراثيم، ويعتقد أيضاً أن رائحة فمي كريهة. أثّر الأمر على علاقتي الحميمية به".
تشعر نهى بالفخر لتمكّنها من علاج زوجها، وقدرتهما على ممارسة الحميمية الممزوجة بالقبلات، تقول: "تم علاج زوجي من هذا الاضطراب فتعامل معه الطبيب النفسي بما يُسمى بالعلاج المعرفي السلوكي. عرّفه بالمرض وأعراضه، والطرق التى سيتبعها معه للعلاج".
"أمتع إحساس في الكون"
أدرك محمد (28 عاماً)، يعمل في مجال الإعلام، من محافظة القاهرة، أنه مختلف عن بقية الرجال في بداية مرحلة المراهقة، إذ حاول أن يقبل فتاة، بينما كان صديقه متحمساً، وسعيداً، ووصف شعوره بأنه "أمتع إحساس في الكون"، لكن محمد هرب من المكان حالما حاولت الفتاة تقبيله.
يقول محمد لرصيف22: "ليس بسيطاً أن تجد نفسك مختلفاً اختلافاً كلياً عما حولك، ولكن ذلك يكون رغماً عن إرادتك، وعندما شرحت حالتي للطبيب، قال إن ما أمر به من أخف حالات الاضطرابات، يُسمي فيليمافوبيا، وكنتُ أول مرة أسمع عن مثل هذا الاضطراب، وأخضع الآن لجلسات العلاج".
"يتجنب زوجي النوم معي حتى لا نتبادل القبلات، لا يراها تعبيراً عن الحب، ولكن أداة ناقلة للجراثيم، ويعتقد أيضًا أن رائحة فمي كريهة"
يعدد الدكتور محمد مهدي، أستاذ الطب النفسي، أشكال الخوف من التقبيل المرضية. فبالإضافة إلى من يبررون خوفهم بنقل الجراثيم والرائحة الكريهة، يوجد أفراد يعانون الخوف من اللمس، وهي حالة نادرة ولكن موجودة، وقد يبدو التقبيل بالنسبة لهم انتهاكاً، وهناك من يخاف من الروائح الجسدية، فقد يتحول القلق الطبيعي لرعب، بغض النظر عن كمية غسول الفم الذي يستخدمونه هم أو أصدقاؤهم وشركاؤهم، وهناك من تعرض لتجربة سابقة سيئة نتج عنها هذا الخوف.
يستطرد مهدي في شرح بعض المبررات لمن يعانون من رهاب التقبيل، يقول: "هناك أشخاص يعتبرون أن التقبيل مساحة شخصية على الأفراد ألا يتخطوها مطلقاً، فيرسمون حدوداً لأنفسهم لا يسمحون للآخر بتخطيها، كما يمكن للأفلام أن تؤثر بالسلب على الشخص، مثل مشاهدة القبلات الدموية بأفلام الرعب، وهذه لها أثر سلبي لمن لديهم الاستعداد الجيني للاضطراب".
وكشف مهدي أستاذ الطب النفسي عن عدم اعتراف بعض الذين لديهم هذا النوع من أنواع الفوبيا بالمرض. لذا يحتاجون في هذا التوقيت للشخص الذي يثقون به لإبلاغهم عن هذا الأمر، ومواجهتهم، وخضوعهم للحلول للانتهاء من المشكلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...