سئلت الراهبة "فيكا" وهي واحدة من اللواتي ظهرت لهن السيدة العذراء في عام 1981، عن الرسائل التي أحبت السيدة العذراء أن ترسلها لنا، فقالت: "خلاصة رسائلها وباستخدام مفردات كرة القدم: الشوط الثاني للعالم قد بدأ بالفعل".
ثم ماهي الرسالة؟
مجموعة منتقاة من المعلومات التي يختار جسد مرسل ما إرسالها إلى جسد آخر مستقبل. ترتبط الرسائل عادة باللغة، وأحياناً بإشارات عصبية تحيل بطريقة ما إلى لغة من نوع ما، كلغة الجينات مثلاً، والتي هي رسائل مشفرة يقوم الجسد البشري بنقلها أو بنقل أجزاء منها إلى الوريث القادم، وهذا بدوره ينقلها إلى وريثه بنفس الطريقة، بحيث نحمل جلد أجدادنا فوق عظامنا ويحمل أحفادنا طرقنا نفسها في التقبيل ... فالتناسل، بطريقة ما رسالة خلود، ربما تكون بسيطة وبدائية المرامي، لكن من يستطيع أن ينكر أهمية الاستمرار، البقاء في جسد آخر، نسغ شجرة، أو حتى في جرّة فخارية على رفّ في قبو.
لماذا تبدو رسالة الشيطان وساحرة لهذه الدرجة رغم التشويه المتعمّد الذي خضعت له، بينما فشلت رسالة الرب في إقناعنا باتباع تعاليمه؟
إذن التراسل يفترض فقط وجود جهازين/ جسدين، مرسل ومستقبل، ثم تأتي الرسالة لتوصل بينهما أو تقطع. مليارات الرسائل يتم تداولها أو إرسالها يومياً، عبر وسائل التراسل العديدة، ورغم أنها لم تعد تشبه ما نعرفه عن الرسائل البريدية العادية، من توافر الورق الذي يشكل ملمسه المثير العنصر الأكثر أهمية إضافة لساعي البريد الذي صنعته في مخيلاتنا الروايات القديمة والأفلام السينمائية، لكنها رسائل أيضاً إذ يتوفر فيها مرسل ومرسل إليه، ورسالة، أي الموضوع الذي يتم إخباره أو البت فيه، سواء أكان قائمة بقالية أو بوح بالمشاعر، واحتلت المواقع المعروفة موقع ساعي البريد، حيث لم نعد بحاجة دراجته الهوائية ولا قبعته "الميري" ولم يعد يخشى هو من رد فعل غاضب من المتراسلين ولا من إرهاب الكلاب الصغيرة في البيوت.
وأيضاً، لم نعد بحاجة أن ننتظر قرب صندوق البريد أو أن ننزل في الصباحات الباردة لتفقدها، إذ أصبحت صناديق البريد تلك عبارة عن أجهزة بحجم الكف أو أصغر، ترقد قربنا كحيوان أليف، وعندما نرغب باستخدامها لا نحتاج إلا أن نمسكها بأصابع اللامبالاة وهوووب... أرسلنا الرسالة.
هل نستطيع أن نقول مجدداً إن ما نرسله هو رسائل فعلاً؟ هل تعتبر: "لبنة، نصف كيلو جبنة، مناديل ورقية"، "والدتك تصرخ على الدرج"، "جرة الغاز رح تخلص"... وغيرها، رسائل؟
والرأسمالية تستخدم نظام التشفير هذا، تذهب إلى التلفزيون، الراديو، الجرائد، تنطق بالكلمات التي تعتقد أنها ستعجب الفقراء، مستخدمة جيشاً من الصحفيين والكتاب المهذبين، ترسل رسائل الخنوع والرضا، تبتسم للفقراء وهي تحزّ رقابهم، تدعو قادة الجيوش لاحقاً، الضباط والرؤساء المنتفخين، تحشوهم بنظام التشفير الخاص بكل واحد منهم، ثم تطلقهم لينجزوا لها المهمة الأقذر.
يمتلك الشيطان أجهزة إرسال تلفزيوني، تقوم بالتشويش على البشر لينحرفوا عن جادة الصواب، ليشاهدوا أفلاماً ومباريات كرة قدم ويسمعوا غناء لاهياً، ليأكلوا ويمارسوا الجنس المحرّم، تحت تأثير "أمير الأثير" الشرير
رسائل السماء
منذ القدم، اشتعلت المنافسة بين الرب وإبليس في ارسال الرسائل القوية، ليس هذا فحسب، بل كانت المنافسة على أشدها بينهما على جمع المستقبلين للرسائل وهذا هو الأهم، فبالنسبة لهما الرسالة متشابهة لكن العاقبة هي ما تصنع الفارق، وبينما كانت رسالة إبليس على درجة عالية من التلوّن والبهجة تأتي على أيدي و(أفخاذ) نساء فاتنات، كانت رسالة الرب ضعيفة ومرهقة، يحملها ساع بائس وجاف، لماذا تبدو رسالة الشيطان وساحرة لهذه الدرجة رغم التشويه المتعمّد الذي خضعت له، بينما فشلت رسالة الرب في إقناعنا باتباع تعاليمه؟
يمتلك الشيطان أجهزة إرسال تلفزيوني، تقوم بالتشويش على البشر لينحرفوا عن جادة الصواب، ليشاهدوا أفلاماً ومباريات كرة قدم ويسمعوا غناء لاهياً، ليأكلوا ويمارسوا الجنس المحرّم، تحت تأثير "أمير الأثير" الشرير، نستطيع تمثيل الشيطان بكل ما هو ممتع في الحياة، الأفلام الجيدة، المشاجرات التي تخرج فيها بعين متورمة لكنك سعيد لأنك ألحقت الأذى بخصومك، كتب الطبخ ومجلات الكوميكس، الألبسة الجلدية وأحذية الفرو، الملابس الداخلية المثيرة، الفودكا والويسكي ودعايات السيارات، التبغ والحشيش، ألعاب الميسر والرهان، أفلام البورنو ومجلة بلاي بوي، بينما يبدو "إرسال الرب" كنشرة أخبار مملة، عن أحداث الأسبوع الماضي، يقدّمها مذيع عجوز وبلا أسنان.
رسالة المرأة الصغيرة التي تغادر بيت أهلها: لا تنتظروني على العشاء، لدي حبيب ينتظرني.
رسالة المنتحر في الخامسة صباحاً: وداعاً، أنا أضعف من الاستمرار ضعيفاً بينكم، وأقوى من أن أتنازل عن سعادتي.
رسالة الطاغية لركام البلاد: هههههه.
رسالة رب عمل إلى موظف: لا تفكّر مجدداً، أنا أفكّر عنك. لا تبد رأياً، لا رأي للموظفين من الثامنة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر.
رسالة الطفل الخارج من مجزرة عائلية: خذوني إلى دفء العائلة، الجو بارد في جحيم اليتم.
كل شيء رسائل، الأشجار ترسل رسائل استغاثة إلى الحطابين، النساء يرسلن رسائل ملونة وذات رائحة أحياناً، وأحياناً رسائل غاضبة ومتفجرة، العبيد يرسلون رسائل يائسة إلى السيدة حرية والسادة يرسلون رسائل طماعة إلى السجون
نظام التشفير العجائبي
كل شيء رسائل، الأشجار ترسل رسائل استغاثة إلى الحطابين، النساء يرسلن رسائل ملونة وذات رائحة أحياناً، وأحياناً رسائل غاضبة ومتفجرة، العبيد يرسلون رسائل يائسة إلى السيدة حرية والسادة يرسلون رسائل طماعة إلى السجون. العالم رسائل، الرب رسائل، الحقيقة رسائل، صباح الخير ومساء الخير... كلها رسائل بسيطة لا أكثر، تقول إني لست عدوانياً، أرغب بأن تكون صديقي... المنتحرون أيضاً، وهم يقومون بإنهاء حياتهم على نحو قطعي، يختارون عادة مكاناً مرتفعاً ليرموا أنفسهم عنه، جسراً أو مبنى مرتفعاً، محطة قطار أو شارعاً مزدحماً، أي يختارون مكاناً يستطيعون أن يرسلوا من عليه رسائل الاستغاثة لأكبر عدد ممكن من الأشخاص، يقفون ويرغبون أن يتلقى أحد الموجودين إشعاراً يفيد باستلام الرسالة، لكن الآخرين، المشغولين بيومياتهم الضحلة، يبدو أن أجهزة الاستقبال لديهم قد ضعفت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...