لا تزال قضية العاملات المنزليات الإثيوبيات في لبنان تتفاعل بعدما تُركن بلا مأوى جراء تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد وعجز أصحاب العمل عن توفير العملة الصعبة لدفع أجورهن.
وكانت العشرات من العاملات الإثيوبيات قد افترشن الأرض أمام القنصلية الإثيوبية في الحازمية، إحدى ضواحي بيروت، عدة أيام عقب تخلي كفلائهن عنهن وإرسالهن في سيارات أجرة مع حقائبهن إلى قنصلية بلادهن من دون تحصيل رواتبهن المتأخرة في كثير من الحالات.
قبل بضعة أيام نقل عدد من الباصات العاملات، بناء على طلب وزارة العمل وبالتعاون مع رئاسة الحكومة ووزارة السياحة، إلى أحد الفنادق في منطقة عين المريسة على أن تُبتّ قضيتهن رسمياً صباح اليوم 4 حزيران/يونيو.
تم نقل وبطلب من وزارة العمل وبالتعاون مع رئاسة الحكومة ووزارة السياحة، المساعدات المنزليات الى احد الفنادق في منطقة عين المريسة على ان يبحث في تفاصيل الملف صباح الخميس pic.twitter.com/nboOn3G8LV
— Michel Abi Rached | ميشال (@michelarached) June 3, 2020
وأدى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية إلى عدم استطاعة الكثير من أرباب العمل دفع أجور العاملات الأجنبيات اللواتي يحتجن إلى الدولار تحديداً لإرسال المال إلى ذويهن في أوطانهن. يبلغ سعر صرف الدولار مقابل الليرة نحو 4200 اليوم مقابل 1507 قبل انهيار النظام المالي، أي أن العملة المحلية فقدت ثلثي قيمتها بعدما كانت ثابتة مقابل الدولار نحو عشرين سنة، كما حالت إجراءات الإغلاق ووقف حركة السفر، على خلفية التدابير الاحترازية للحد من تفشي فيروس كورونا، دون عودة العاملات إلى بلادهن.
العشرات أُلقين في الشارع أمام سفاراتهن والمئات يتحملن العمل بلا راتب والتعنيف في المنازل خشية الطرد… أزمتا كورونا والدولار تعمّقان معاناة العاملات الأجنبيات في لبنان
وضع عنصري غير إنساني
وتداولت وسائل إعلام لبنانية مشاهد مؤلمة للعاملات الإثيوبيات المحتشدات مع أمتعتهن على الأرصفة المحيطة لقنصلية بلادهن. وذكرت إحدى العاملات أنها، ورفيقاتها، تم "زتهم (رميهم) مثل الزبالة" أمام القنصلية. وقالت عاملة أخرى: "نحنا مش زبالة".
وأعرب ناشطون وناشطات عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن استيائهم/ن الشديد جراء هذا التصرف "العنصري وغير الإنساني" من قِبل أرباب العمل تجاه العاملات عقب "سنوات من خدمتهن لهم"، مطالبين/ات وزارة العمل اللبنانية بحفظ حقوق العاملات وحمايتهن ضد تعسف كفلائهن.
وزيرة العمل لميا يمين الدويهي نفسها قالت عبر حسابها في تويتر: "أستنكر هذا المشهد المؤسف وأتعهد اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق أصحاب العمل المقدمين على هذا الانتهاك الإنساني".
وأشار معلقون إلى أن الأزمة تتخطى العاملات الإثيوبيات وتشمل الغالبية العظمى من العاملات الأجنبيات في لبنان، لافتين إلى وجود عاملات فلبينيات محتجزات داخل شقة تابعة لسفارة بلادهن "في ظروف غير آدمية".
ولفت فريق منهم إلى أن هنالك عاملات أجنبيات أخريات "مستمرات في العمل بالمنازل من دون أجور وتحت التعنيف خشية الطرد إلى الشارع".
"نحنا مش زبالة لنلقى بالشارع"... وزارة العمل اللبنانية تتدخل لنقل عشرات العاملات الإثيوبيات من أمام قنصلية بلادهن إلى أحد الفنادق وتتعهد محاسبة أرباب العمل الذين تخلوا عنهن، ودعوات إلى وقف العنصرية والتصرفات غير الإنسانية بحقهن
مسؤولية من؟
بإزاء هذا الوضع، ثمة سؤال هو على من تقع المسؤولية عما آل إليه وضع العاملات؟ قسم كبير من المعنيين بالقضية ألقى اللوم على أرباب العمل كونهم استقدموا العاملات من بلادهن وكان حرياً بهم إعادتهن إلى حيث أتين. وهذا ما أشارت إليه متحدثة عن العاملات في تقرير مصور عبر قناة "الجديد" اللبنانية.
ورأى كثيرون أنه كان ينبغي للكفلاء إبقاء العاملات في المنازل وتوفير الطعام والسكن لهن حتى انتهاء أزمة كورونا لتسهل عودتهن إلى بلادهن.
وقالت المديرة العامة بالإنابة لوزارة العمل مارلين عطالله لصحيفة "الأخبار" المحلية: "نعتمد كل السبل التي تؤمن العودة الطوعية للأجانب، لكن المشكلة هي أن الدول المرسلة للعمالة تواجه ضغطاً كبيراً بسبب عودة مواطنيها، وخصوصاً إثيوبيا".
ولفتت "الأخبار" إلى أن أزمة العاملات الإثيوبيات على وجه التحديد سببها قرار الخارجية الإثيوبية إلزام الراغبات في العودة إلى البلاد بالحجر 14 يوماً في فنادق أديس أبابا على نفقتهن الخاصة (نحو 770 دولاراً أمريكياً، أي ما يعادل راتب خمسة أشهر من العمل المضني في لبنان).
وبيّنت الصحيفة أن الكثيرات ليس لديهن هذا المبلغ لأنهن يرسلن الأموال شهرياً إلى أُسرهن.
وأضافت عطالله: "هناك مفاوضات مع السفارة الإثيوبية لتحميل العاملة كلفة التذكرة فقط... لكن لا جواب إلى الآن".
يُذكر أن وزارة العمل اللبنانية كانت قد ناشدت، في بيان، أرباب العمل "اعتبار مدة الحجر التي يقضيها الأجراء والعاملات في الخدمة المنزلية إجازة مرضية مدفوعة الأجر سواء كان الحجر في المنزل أو في المستشفى"، داعيةً "من يرغب من أصحاب العمل في ترحيل العمال أو العاملات لديه إلى التواصل مع السفارات أو القنصليات المعنية لاتّخاذ الإجراءات اللازمة لمغادرة لبنان، مع الحرص على دفع جميع أجور هؤلاء قبل الترحيل".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...