في أواخر عام 2014، تمت إضافتي إلى مجموعة "جروب" على فيسبوك لإنقاذ الحيوانات، وبما أني مُحبة للقطط، تابعتُ باهتمام منشورات المستخدمين عن القطط المعروضة للتبني. آملت وقتذاك في تبني قط وإهدائه لوالدي. وبينما كنت أتابع عشرات الصور، استوقفتي صورة لقط، قيل إنه تائه، ولم يسأل عنه أحد.
لا نختار القطط، القطط هي التي تختارنا
هل تؤمنون بالعلامات؟ حسناً، إليكم القصة بالتفصيل. عندما رأيت صورة مشمش لأول مرة، شعرت بأن هناك شيئاً مختلفاً في هذا القط.
كنت حينذاك في بيروت، وخططت لتبني القط بعد عودتي لمصر، فراسلت صاحب المنشور (البوست) ليُفاجئني بأن القط تم تبنيه، والفتاة ستتسلمه غداً. حزنت قليلاً، لكنه عاود مراسلتي، ليُبلغني بأن الفتاة تراجعت، وبإمكاني تبني القط. راودني شعور بأن كرة الفرو هذه ترغب بي تماماً كما أرغب بها.
عندما رأيت القط لأول مرة بدت عليه علامات إعياء لأنه كان في الشارع لفترة، وكان كبيراً في السن، جائعاً، ومكتل الشعر، ويُعاني من جرح في أحد أظافره، وفي عينه اليُسرى. ابتسمت له، وحضنته لدقيقة، وغادرنا معًا.في صباح اليوم التالي، توجهت من القاهرة إلى مدينة المحلة، حيث تعيش عائلتي، وهناك اكتشفت أن والدي سيُجري عملية جراحية. عندها، طلب مني أخذ القط، لأنه لن يقدر على رعايته.
عُدنا للقاهرة وعرضت القط للتبني. في اللحظات الأخيرة، وبينما أنا أودّع مشمش، سألت المُتبنية هل بإمكاني استعادته لو تحسنّت ظروفي المادية. فهمست لي: "غدير، أنا برتبط بالقطط بتاعتي جداً، لو سيبتي مشمش مش هينفع تاخديه تاني، روحوا سوا النهاردا ولو حسيتي إنك عاوزة تسبيهولي، هاتيه، ولو حسيتي إنك عاوزاه سيبيه". انطلقت وأنا أحتضن مشمش بين ذراعيّ وكأني استعدتُ الدُنيا. وكأن هذه العلامات المُتلاحقة تقول لي: هذا القط يُريدك أنتِ. كنتُ هبلة!
مشمش في المنزل... حياتي بالمقلوب
بعد هذا البُعد الدرامي، أود مشاركتكم جزءًا صغيرًا من حياتنا اليومية.
مشمش قط لطيف، هادىء الطباع إلا في الرابعة فجراً. لا يقفز فوق الدولاب ويبكي بصوت عالِ لإيقاظي. ولا يرمي مستحضرات تجميلي في الأرض ليُجبرني على النهوض من سريري إن تجاهلته. لم يكن هو الذي كسر زجاجة كريم الأساس خاصتي ومشى فوقها وترك علامات على الأرض. ولم يجرؤ على سكب النسكافية على الآيفون والآيباد واللابتوب في وقت واحد. ولا يشعر بالغيرة إن انشغلت عنه، خالص.
لا يتمرد على الأكل، إلا إن لم أحضر له ما يُريد بالضبط. لا يغضب على الطعام إن كان غير طازج، ولا يردمه أمامي في محاولة ظريفة لتهنئتي على اختياري الذي يُشبه "البي بي". لا يتمشى فجأة على الكيبورد، ولا يمسح أو يغلق ملفاتي المهمة إطلاقاً. ويحترم اهتماماتي لدرجة أنه يستقر على اللابتوب، لمنحي راحة من الكتابة.
مشمش لا يحتل سريري، هو يحتلني أنا شخصيًا، يستخدم كل جزء في جسمي كوسادة! يُحبني لدرجة أن ملابسي عبارة عن قطة مُتحركة. يُساعدني في اختيار ملابسي بالجلوس فوق القطع المكوية للتو، كل مرة.
لا يُقطّع فرش المنزل بأظافره. مشمش نظيف، ولذلك لا يستحِم بأي شامبو، له نوع مخصص إن عرف أصدقائي الآن أنني أوصيهم بشرائه من الخارج لمشمش، حتماً سيقطعون علاقتهم بي.
الأمومة: أصبحتُ أمًا لقط
أعيش بمفردي، وأحياناً تُشاركني السكن نساء أخريات. ولهذا السبب نشأت بيني وبين مشمش علاقة ثنائية قوية. مشمش لا يُفارقني، وكذلك أنا. كل ما يدور في عقلي وأنا خارج المنزل، هو مشمش.
مشمش حنون، كل شهر يجلس فوق بطني من أسفله، ويُخرخر ليُزيح عني ألم دورتي الشهرية. يمُد يديه ليحضن ذراعي أثناء النوم، كل ليلة. يُكلمني، ويرُد إن تحدثتُ إليه. يدفع برأسه نحو رأسي إن كنت حزينة أو متوترة. يُرافقني إلى الحمام ليلاً، وينتظرني عند باب الشقة كل مرة خرجت فيها.
مشمش قط ذكي، يُميز بين كلمة "تعالَ"، وكلمة "اجرِ"، ويعرف كلمة "لا"، وكلمة "كورة". مُستجيب ومُتفاعل، ويشكُرني بعد كل وجبة، كالطفل الصغير. اعتاد أصدقائي وصف علاقتنا بالأمومة. لكني لا أراها كذلك.
أعتقد أن ما يجعل العلاقات الإنسانية أكثر حميمية هو درجة القرب والاحتكاك المباشر. لكن هذا التشبيه لفتَ نظري لكيف قد تتورط الأمهات عاطفياً مع أطفالهن. بمعنى أننا نطّور مشاعرنا كنساء تجاه الأطفال، لأننا تربيّنا على أنه دورنا الأساسي ومسؤوليتنا الأولى.
لا أحد يرعى مشمش معي. أتحمل مسؤوليته بالكامل، وأصطحبه إن سافرت داخل مصر، لو لم ألغِ سفري. أضطر لتحمّل سخافات البعض في الشارع. كالأم التي إن بكى طفلها في مكان عام، نظر لها الجميع بإزدراء.
لا يعرفون أن كلتينا لا تملك رفاهية وجود شخص آخر يعتني بالصغير، من باب المُشاركة، وليس المُجاملة. ومع ذلك، أنا أحبه جداً وأستمتع بصحبته حتى أنه صار جزءاً أصيلاً من كل خططي المستقبلية.
لا نختار القطط، القطط هي التي تختارنا
أحياناً أتخيل مشمش يستمر في نموه، ليُصبح أسداً، ويعتمد على نفسه في صيد الطعام، بدلاً من صيد الذُباب، أو إيقاظي ليلاً. اللطيف في الأمر هو سخرية أمي مني ومطالبتها لي بالزواج لأني "أجيد" التعامل مع الكائنات الأصغر. هاهاها. لا تعرف أمي أن لهذا السبب بالتحديد، قررت عدم الزواج والإنجاب.
والآن، ماذا عنكم؟ هل تحبون القطط؟ هل تؤمنون أنها اختارتكم بالفعل؟ هل لديكم قصص طريفة تشاركونها معنا؟ امممم، هل تضبطونها تخطط وتنفذ وتصل إلى كيس الطعام المجفف، أو تتمرن على استخدام السكين؟
شاركوا قصصكم في خانة التعليقات الموجودة بالأسفل. وأخبروني بشكل شخصي، هل تودون معرفة حكايات مشمش مع الهرب أو قصته مع منزل الدكتور حمدي؟
*هذه الدعوة مفتوحة لمحبي الحيوانات الأخرى، لكن كما تعلمون، القطط لا تحب المشاركة، فاكتبوا التعليقات بحذر حرصاً على سلامتكم!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...