ضرب واعتقال ومنع تجمّع وحتى سحل، هذه بعض المشاهد التي حدثت خلال الاعتصام الذي دعا إليه معلمون/ات أردنيون/ات ومناصرون/ات لنقابة المعلمين، يوم أمس الأربعاء، التاسع والعشرين من تموز/ يوليو، في العاصمة عمّان، مشاهد كغيرها من سابقاتها تعكس حالة التأزيم التي تمر بها العلاقة بين الحكومة الأردنية ونقابة المعلمين، أو كما باتت تسمى "نقابة الشعب".
فالضرب والاعتقال والسحل وغيرها من أشكال انتهاكات الحق الإنساني في التجمّع السلمي والتعبير عن الرأي التي حدثت أمس، أعاد الأردنيون إلى حالة التأزيم تلك بين الحكومة والمعلمين، والتي طالما حضرت منذ بدء حراك المطالبة بتأسيس نقابة للمعلمين في العام 2011، مروراً بأطول إضراب في الأردن، وهو إضراب المعلمين الذي جرى في الخامس من شهر أيلول/ سبتمبر 2019، والذي سمي بحراك "علاوة الطبشورة"، ونهاية، أو ربما لا تكون النهاية، بعودة حالة التأزيم عندما داهمت الشرطة، في الثالث عشر من الشهر الحالي، مقر نقابة المعلمين، بناء على صدور قرار من نائب عام عمّان، حسن العبداللات، يقضي بإغلاق مقر النقابة ووقف عملها لمدة عامين.
وكان إضراب المعلمين أو حراك "علاوة الطبشورة" قد انتهى في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2019، عندما استجابت الحكومة الأردنية لمطالب المعلمين في إضرابهم والاتفاق على اتخاذ إجراءات لتحسين الحال المعيشي للمعلمين، والاستجابة لمطالب من شأنها أيضاً أن تحفظ مكانة وكرامة المعلمين، ذلك الاتفاق الذي احتفل به الأردنيون واعتبروا أن المعلم انتصر.
وعادت الخلافات من جديد، بعد قرار النائب العام بإغلاق نقابة المعلمين، توقيف عملها لمدة عامين وتوقيف مجلس النقابة بالكامل، ومن بينهم القائم بأعمال نقيب المعلمين، ناصر النواصرة. وتحتوي المذكرات التي صدرت بتوقيفهم على قضايا جزائية: "القضية التحقيقية المتعلقة بالتجاوزات المالية المنظورة لدى مدعي عام هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، القضية التحقيقية والمنظورة لدى مدعي عام عمّان والمتعلقة بالقرارات الصادرة عن مجلس النقابة، والتي تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واشتملت على إجراءات تحريضية".
الضرب والاعتقال والسحل وغيرها من انتهاك الحق الإنساني في التجمّع السلمي والتعبير عن الرأي، أعاد الأردنيون إلى حالة التأزيم تلك بين الحكومة والمعلمين، والتي طالما حضرت منذ بدء حراك المطالبة بتأسيس نقابة للمعلمين في 2011، مروراً بإضراب المعلمين الطويل عام 2019
قرار المدعي العام بكفّ يد نقابة المعلمين لمدة عامين، قرأه قانونيون أردنيون بأنه قرار مخالف للقانون، مثل المحامي مؤيد المجالي، الذي بيّن لرصيف22: "ليس من صلاحيات النائب العام توقيف عمل أي نقابة من النقابات، فصلاحيات حلّ عمل أي نقابة يكون من خلال إصدار قانون خاص لذلك، كما لا يوجد نص قانوني يسمح للنيابة العامة بحلّ النقابات، ومن يدعي صلاحية ذلك نطلب منه، فضلاً لا أمراً، أن يحضر لنا النص القانوني الذي يثبت ذلك".
"أعطونا السند القانوني الذي يسمح للنائب العام بحلّ نقابة المعلمين"، يتابع المحامي المجالي، ويضيف: "أنا متأكد إذا ما طلبنا منحنا السند القانوني الذي يعطي صلاحيات للنيابة العامة بحل نقابة المعلمين، لن نحصل على إجابة"، واصفاً قرار المدعي العام بـ "التعسفي في استخدام السلطة".
كما أصدر مركز "إحقاق للمحاماة" بياناً يتشابه مع رأي المجالي، وحمل عنوان: "ليس من صلاحيات النائب العام وقف عمل نقابة المعلمين"، من بين ما جاء فيه: "إن صلاحيات إصدار قرار كفّ يد أعضاء نقابة المعلمين، وأعضاء الهيئة المركزية وهيئات فروعها وإداراتها، ووقف النقابة عن العمل وإغلاق مقراتها، هي من صلاحيات الجهات القضائية وفق الشروط والإجراءات القانونية الأصولية والسليمة، وبخلاف ذلك يكون هذا الإجراء باطلاً".
"يثير مخاوف جدية"
ذلك ما أكدت عليه منظمة "هيومان رايتس ووتش" في بيانها الذي صدر اليوم الخميس، والتي وصفت قرار المدعي العام بكفّ يد عمل نقابة المعلمين، أنه يأتي وفق أسباب قانونية "مشكوك فيها"، الأمر الذي اعتبرته "يثير مخاوف جدية بشأن احترام الحكومة الأردنية لسيادة القانون".
كما ذكرت "ووتش": "لا يوجد أساس في القانون الأردني لإصدار أمر إغلاق نقابة المعلمين، وينصّ قانون النقابة للعام 2011 على أنه لا يمكن حلّ المجلس النقابة إلا بتصويت ثلثي أعضاء لجنتها المركزية أو بأمر قضائي".
وعن الاعتقالات التي طالت مجلس نقابة المعلمين، دعت "ووتش" الحكومة الأردنية لإطلاق سراحهم، وتعليقاً منها على ما حدث خلال اعتصام يوم أمس قالت: "على السلطات الأردنية أن توقف أساليب الترهيب والحظر الشامل الذي يمنع الناس من المشاركة في الاحتجاجات والإضرابات".
"قيدوه وحطوه بالزنزانة"
سيف الرواشدة، ناشط شبابي من محافظة جرش شمال الأردن، وهو من الذين قدموا يوم أمس إلى العاصمة من مختلف محافظات المملكة، لمشاركة المعلمين في اعتصامهم، اعتقلته الأجهزة الأمنية خلال مشاركته في الاعتصام.
وبعد إخلاء سبيله تحدث لرصيف22 وقال: "بعد فض الاعتصام بالقوة من قبل الأجهزة الأمنية، مثلي مثل باقي الشباب، قررت أن أبتعد عن مكان الاشتباكات، وخلال محاولة اتصالي بعمي للاطمئنان عليه وعن مكانه خلال الاشتباكات، جاءني رجل أمن وطلب مني أن أعطيه هاتفي واتهمني أنني أصور ما يحدث، ثم سحب الهاتف مني ونادى على ثلاثة عناصر أمنية أخرى لاعتقالي، وبالفعل اقتادوني، وأمرهم رجل أمن رتبة عقيد: قيدوه وحطوه بالزنزانة".
وأضاف: "بالفعل قيدوني ووضعوني في زنزانة سيارة الشرطة، وكان معي فيها 12 شخصاً ممن شاركوا في الاعتصام، وأخذونا على مركز أمن أبو نصير، وبقينا هناك أكثر من ساعة، وبعدها أخلوا سبيلنا".
"لم يسبق أن شعرت بغصّة مثل اليوم"، يقول الناشط الرواشدة، موضحاً: "غصّتي ليست بسبب اعتقالي، بل بسبب ما شاهدته خلال الاعتصام من ضرب واعتقالات وإهانات بحق معلمين، كيف لهم قلب أن يضربوا معلمينا الذين ربونا وعلمونا حب الوطن؟".
"أن يعيدوا لنا كرامتنا"
حسن أبو شعيرة، معلم وعضو هيئة مركزية لنقابة المعلمين فرع محافظة الزرقاء، التقت به رصيف22 خلال اعتصام المعلمين قبل فضّه، يقول عن سبب مشاركته والدعوة للاعتصام: "تعرضنا منذ وصولنا إلى عمّان لسلسلة من المحاولات الأمنية للتفريق والتشتيت والمنع من وصول الدوار الرابع، حيث مكان الدعوة للاعتصام، جئنا لكي ندافع عن نقابتنا، نقابتنا شرعية جاءت بانتخاب، كافحنا عشر سنوات من أجل تأسيسها".
وعن المطالب، قال أبو شعيرة: "أهم شيء أن يعيدوا لنا كرامتنا، موضوع العلاوة آخر شيء نفكر فيه، والشماعة التي يعلقون عليها ما يسمونه أخطاءنا أننا إخوان مسلمون، هو كلام عار عن الصحة، فأغلب المعلمين توجهاتهم غير إخوانية".
وكانت الحكومة الأردنية، قد اتكأت بعد قرار حل نقابة المعلمين، على حجج تدعي بأن نقابة المعلمين تتبع لجماعة الإخوان المسلمين.
"إحنا مش إخوان"، ذات العبارة قالها عضو الهيئة المركزية لنقابة المعلمين فرع العاصمة عمّان، رائد الريموني، في حديثه لرصيف22، خلال الاعتصام، ويقول: "لو استعرضنا مطالب المعلمين منذ حراك العام 2011، هل يمكن لأحد أن يثبت بأن هناك مطالب ذات مآرب سياسية؟ بالتأكيد لا، فكل مطالبنا معيشية مهنية، تنصب نحو احترام قيمة المعلم، أليس نحن الجيش الثاني كما وصفنا الملك؟".
وأضاف: "نحن كهيئة مركزية لنقابة المعلمين، لا نسمح بأن تجر نقابتنا لأجندات سياسية، ومن المعيب أن يتم إلصاق تهم بحقنا بأننا نتبع لجماعة الإخوان المسلمين، وبالمناسبة ثلاثة أعضاء من أصل 13 عضواً في مجلس نقابة المعلمين فقط من يحملون أيديولوجيات إخوانية، نحن نقابة ولسنا حزباً، يكفي شيطنتنا!".
خط ساخن للشكاوى
مركز "عدالة للمساعدة القانونية"، كان قد أعلن يوم أمس عن الخط الساخن الذي يتبع للمركز لاستقبال شكاوى تعرض لانتهاكات خلال اعتصام المعلمين، وفي حديث مع مديرته التنفيذية، هديل عبد العزيز، لرصيف22، أوضحت: "بدأنا استقبال الشكاوى منذ الساعة الواحدة والنصف ظهراً، أي قبل موعد بدء الاعتصام بثلاث ساعات ونصف، حيث بدأت عمليات الاعتقال والضرب ومنع التجمع بحق المتظاهرين القادمين من المحافظات مبكراً، ووصل عدد الشكاوى التي تلقيناها عبر الخط الساخن 98 شكوى".
وأضافت: "بدأ محامونا في مركز عدالة بالانتشار في المراكز الأمنية التي تم اقتياد المعتقلين من المتظاهرين من معلمين وناشطين إليها، ومنعوا مثل باقي المحامين غير التابعين للمركز من الدخول في البداية، ما اضطرني للتواصل مع مركز الشفافية وحقوق الإنسان التابع لمديرية الأمن العام، ووضعهم في صورة تلك المخالفة القانونية، بعدها سُمح للمحامين للدخول، لكن منعوا من توقيع وكالات دفاع عن الموقوفين".
وعن ظروف الاحتجاز في مراكز التوقيف، قالت عبد العزيز: "المعاملة كانت جيدة، لكن الاكتظاظ أدى إلى جلوس المعلمين المعتقلين على الأرض، وأغلب الموقوفين لم يكن أهاليهم على علم بمكان تواجدهم. ووفق تقديرات الرصد الذي قمنا به في المركز، وصل عدد من تم اعتقالهم إلى 500 حالة، وهناك مصادر أخرى تحدثت عن وصولهم إلى 700 حالة، وأغلبهم تم إخلاء سبيلهم منذ الأمس وحتى اليوم".
في حديثها عن كيفما تقرأ المشهد، قالت الحقوقية عبد العزيز: "بصرف النظر عن التجاذبات بين الحكومة ونقابة المعلمين، إلا أن هناك أموراً أساسية لا يجوز المسّ بها، وهي الحريات وسيادة القانون. فحق التجمع السلمي والحق في حرية الرأي والتعبير حقوق مكفولة ومصانة دستورياً وقانونياً، كل ذلك قصة وأمر منع النشر في قضية المعلمين قصة أخرى، تشي بحالة خطيرة جداً لحرية الإعلام، حالة مؤسفة جداً".
"نحن كهيئة مركزية لنقابة المعلمين، لا نسمح بأن تجر نقابتنا لأجندات سياسية، ومن المعيب أن يتم إلصاق تهم بحقنا بأننا نتبع لجماعة الإخوان المسلمين... نحن نقابة ولسنا حزباً، يكفي شيطنتنا!"
قرار منع نشر
وكانت من جملة قرارات مدعي عام عمّان، عقب إغلاق مقر نقابة المعلمين ووقف عملها لمدة عامين، صدور قرار يمنع النشر والتعليق، على قضية المعلمين، ذلك القرار الذي كشف حدة سطوته فيما ظهر خلال اعتصام المعلمين، غياب الوسائل الإعلامية عن الوجود في الميدان وعن التغطية.
عمر الذيب، كاتب وناشط ومهتم بحراك المعلمين، يعلق خلال حديثه لرصيف22 على ما يحدث: "ما يجري اليوم هو استهداف لأكبر مؤسسة منتخبة بشكل حقيقي في الأردن، وإن تم القضاء على نقابة المعلمين فإن ذلك ينذر بمستقبل مظلم، وهو الذي يفسّر حالة التعاطف الشعبي مع النقابة التي يشعرون أنها الجهة الوحيدة التي تمثلهم، فالشعب الأردني طالما تعطش لحكومة منتخبة، ولمجلس نواب يمثلهم، لا أن يأتي بالتعيين غير المباشر".
وأضاف: "من الملاحظ أن حالة العزلة بين الدولة والشعب وصلت إلى مستويات مقلقة، وما يجري أمر مقلق ويعكس تحولاً غير مألوف في سياسة الدولة الأردنية، من تحكيم العقل والحوار إلى قهر الناس ومصادرة حرياتهم"، ورجح في ختام حديثه "توسع رقعة الاحتجاجات في المستقبل القريب، ولا أستبعد أن تنضم فئات معدومة وساخطة، أولها المتعطلون عن العمل... كل شيء وارد".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون