أرفف محال تجارية فارغة إلا في ما ندر، موائد خالية إلا من الفتات، برادات تُخفي خلف أبوابها المياه فقط، طوابير طويلة يصطف فيها الحالمون بالحصول على ربطة خبز أو علبة حليب للرّضع… هذا غيض من فيض المشاهد التي تؤكد أن لبنان ذاهب لا محالة نحو المجاعة.
بين عامي 1915 و1918، قضى ما بين 120 و200 ألف لبناني، أي ثلث عدد السكان آنذاك، في مجاعة إبان الحرب العالمية الأولى نتيجة حصار فرضه الحاكم العثماني جمال باشا على منطقة جبل لبنان القاحلة.
اليوم، يُخشى أن يكون لبنان متجهاً نحو مجاعة ثانية مُشابهة، وهو ما تثبته الصور ومقاطع الفيديو المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع المحلية والعالمية على نحو يعكس انهيار القوة الاقتصادية للمواطنين وارتفاع أسعار جميع السلع الأساسية، بعضها تجاوز الـ200%.
الوضع الراهن
منذ بدء انتفاضة تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 80 % من قيمتها. كان لهذا الأمر أثر مضاعف على بلد 13% فقط من أراضيه صالحة للزراعة.
قبل الأزمة، كان لبنان ينفق سبعة مليارات دولار أمريكي سنوياً على استيراد المواد الغذائية. هذا يعني أن أزمة عدم توفر النقد الأجنبي يؤثر مباشرةً على قدرة المستوردين، لا سيما مع انهيار القدرة الشرائية للمواطنين. فحتى إذا أراد هؤلاء أن يرفعوا أسعار السلع المستوردة لتغطية فرق العملة، فلن يجدوا من يستطيع دفع السعر الجديد بعدما وصل سعر الدولار الواحد في السوق الموازية إلى 9,500 ليرة، أي ستة أضعاف سعره ما قبل الثورة.
في لبنان… أرفف المتاجر والثلاجات فارغة، مطاعم وشركات أفلست وأغلقت، المواطنون يقايضون ملابسهم ومقتنياتهم بالطعام وحليب الأطفال وحفاضاتهم، العتمة قريبة وسعر الشمع ليس في المتناول. الرواتب لا تكفي أسبوعاً إن صُرفت. #شو_ناطرين ؟
حتى الدعوات إلى مواجهة أزمة سد الحاجات الغذائية للبلاد عبر "الزراعة" والاستعاضة بها عن الاستيراد المكلف، تُعدّ غير مجدية إذ لا توجد لدى المزارع المسلتزمات الضرورية من مياه الري والسماد والوقود. ناهيك بعدم صلاحية التربة لعدة أنواع من الزراعة.
وفيما صُدم الكثيرون بقرار المؤسسة العسكرية اللبنانية عدم تقديم اللحوم ضمن وجبات الجنود أثناء الخدمة بعدما ناهز سعر الكيلو الواحد نحو خمسين ألف ليرة، اقتصرت موائد غالبية اللبنانيين على صنف أو صنفين من الطعام الزهيد الثمن.
عتمة ومقايضة
بات اللبنانيون أيضاً عاجزين عن الدفع النقدي في ظل وجود 550 ألف عاطل عن العمل، فلجأوا إلى المقايضة. عبر مجموعة "لبنان يقايض" على فيسبوك، يعرض مواطنون ملابسهم وأحذيتهم وأدواتهم المنزلية مقابل الغذاء وحفاضات الأطفال والحليب المخصص لهم.
العالم بلّشت تبيع عراض بيتها.
— Alien ?فضائي (@The_Engineer961) June 27, 2020
فوتو عغروب فايسبوك اسمه لبنان يقايض و شوفوا المصايب.
السياسيين بيعرفوا عن هيدي الأزمة من ٤ سنين. الخبراء حكيوا عنها بالجرايد، بس كان آخر همهم. انتو آخر همهم.
بعرف كتار ما زالوا بدافعوا عن زعيمهم، بحب قلكم انتو جزء من المشكلة و سبب تعجرف الزعماء pic.twitter.com/BsAFImuq0G
علماً أن الرواتب في كثير من الأحيان لا تسد حاجات الأسر أسبوعاً واحداً، هذا إن قبضوها كاملة بالأساس.
كذلك اصطف مواطنون في طوابير طويلة بحثاً عن الخبز الذي قفز سعر الربطة منه (وزنها 900 غرام) إلى ألفي ليرة، والربطة التي وزنها 400 غرام إلى ألف ليرة، هذا إذا توفّر الخبز! قس على ذلك حليب الأطفال، الذي توثّق صور ومقاطع فيديو متداولة العديد من المشادات بسبب ارتفاع سعره وعدم توفره.
بدو علبة حليب شكرا يا بلد #يا_نايمين pic.twitter.com/j67zmeAlKT
— AbdoChahine (@Chahineactor) June 30, 2020
وهناك تقارير يومية عن وقفات واعتصامات وإضرابات عن العمل لمختلف الفئات الاجتماعية والمهنية اعتراضاً على ما آل إليه الوضع، وطلباً للجم الانهيار الحاصل.
مؤسسات سياحية وغذائية وصناعية، وحتى طبية، تُطلق "صرخة الاستغاثة الأخيرة" قبل التوقف عن العمل من دون أن تلقى استجابة أو دعماً رسمياً. الكثير منها أقفل أبوابه إلى أجل غير مسمى.
وثمة توقعات بأن لبنان مُشرف أيضاً على "العتمة" بعدما انحدر إنتاج الكهرباء إلى أدنى مستوياته (ربع الكمية التي كانت تنتج في الفترة نفسها من العام الماضي) نتيجة نقص في الوقود. حتى الشمع لم يعد في متناول اليد. وصل سعر الكيس منه إلى 31,750 ليرة، وهو مبلغ باهظ مقارنةً بسعره السابق.
في غمرة هذه التقلبات القاسية، تعقد الحكومة اجتماعات عنوانها الرئيسي ضبط أسعار المنتجات وسعر الصرف، لكنها لا تُسفر عن نتائج واعدة.
بين عامي 1915 و1918، قضى بين 120 و200 ألف لبناني، أي ثلث عدد السكان آنذاك، في مجاعة إبان الحرب العالمية الأولى. يُخشى أن يكون لبنان متجهاً نحو مجاعة ثانية مشابهة في ظل العجز عن استيراد السلع الغذائية وانهيار القوة الشرائية للمواطنين
"مستعد أقتل"
الأوضاع الموغلة في التدهور، دفعت الكثير من اللبنانيين إلى التساؤل: #شو_ناطرين؟ وسط دعوات إلى "ثورة شعبية" ضد السلطة التي يتهمونها بالفشل والعجز عن القيام بأي إصلاحات توقف التدهور أو تعيد الأموال المنهوبة.
لكن الخوف ليس من أن يموت لبنانيون جوعاً، بل من ازدياد معدل الجريمة والفوضى لأجل "سد الجوع".
كتب مواطن عبر تويتر: "سجلوها عندكم، أنا مستعد أقتل، إيه (نعم) أقتل كرمال أمّن حليب لبنتي... الله لا يجربنا. بس صدقوني أي بي (أب) بيعملها".
اللافت أن نائبة رئيس الوزراء اللبناني وزيرة الدفاع زينة عكر لم تستبعد حصول "انفجار اجتماعي" على وقع الأوضاع المأسوية التي يمر بها المواطنون.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...