"في بلد ينتحر فيه آباء لأنهم لا يستطيعون شراء حقائب لأبنائهم، من الطبيعي أن تكون حقيبة أمينة أردوغان موضوعاً للصحافة".
بهذه الكلمات أعلن الصحافي التركي إندر إيمرك استمراره في الكتابة عن مظاهر ترف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأفراد أسرته، فيما يحاكم حالياً بتهمة "إهانة زوجة الرئيس" لإثارته تساؤلات بشأن سعر حقيبتها الباهظ.
إيمرك، الكاتب في صحيفة "Evrensel" اليومية التركية، مهدد بالسجن عامين إذا أُدين بالتهمة الموجهة إليه في بلد يشهد مزيداً من القيود والقمع لحرية التعبير ليس للصحافيين فحسب، بل كذلك للمواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
حظر الحديث عن الحقيبة
بدأت الضجة حول سعر حقيبة زوجة أردوغان، المعروفة بـ"هوس التسوق"، أواخر حزيران/ يونيو عام 2019، حين حملتها خلال مرافقة زوجها إلى قمة مجموعة العشرين التي استضافتها اليابان.
أُثير نقاش واسع بشأن الحقيبة التي قيل إن سعرها يراوح بين 50 و 67 ألف دولار أمريكي، وهي من ماركة "هرمس" العالمية. بعض المعلقين رآه استفزازاً للمواطنين الأتراك الذين يعيشون ظروفاً اقتصادية خانقة، فيما اعتبرت قلة أن مظهر قرينة الرئيس في المحافل الدولية ليست من قبيل الرفاهية.
"سعر حقيبتها يمكن أن يُعيل 144 عاملاً وأُسرهم"… صحافي تركي مهدد بالسجن عامين لأنه كتب مقالاً "لا يذكر مآثر" زوجة الرئيس التركي وينتقد ترفها. ما قصة الحكم القضائي بمنع تداول عبارتَيْ: "حقيبة أمينة أردوغان" و"كما أشرح لبلال" في تركيا؟
وقالت صحيفة "جمهوريت" المحلية آنذاك أن سعر الحقيبة يعادل الراتب السنوي لـ11 مواطناً على أقل تقدير، قبل أن تحذف مقالها. ولفت ناشطون إلى أن مواطنين أتراك انتحروا لعجزهم عن دفع بدل الإيجار فيما السيدة الأولى تتقيّد باعتبارات المظهر اللائق.
لكن مثل هذا الأمر لم يعد متاحاً للنقاش بعدما أمرت محكمة تركية، قبل أيام، موقع "إسكي سوزلوك"، أحد أشهر المواقع في البلاد، بمنع نشر أي مواضيع تتعلق بـ"حقيبة أمينة أردوغان".
حقيبة #أمينة_أردوغان، زوجة الرئيس التركي، تثير الجدل في #تركيا مجدداً .. فما السبب؟ pic.twitter.com/RFcG5y3NRw
— DW عربية (@dw_arabic) June 29, 2020
في الأثناء، يُحاكم الصحافي إيمرك للسبب نفسه. قال إيمرك لـ"DW" بنسختها التركية إنه "وفقاً للائحة الاتهام، التهمة هي ‘إهانة‘ بعدم الإدلاء بكلمات المديح للسيدة الأولى. تخبرنا لائحة الاتهام هذه أنه لا توجد حرية صحافة، أو حرية رأي"، مبرزاً أن مقاله الذي يحاكم بسببه تضمّن "نقداً وليس إهانة".
تمسك فريق دفاع إيمرك أيضاً ببراءته للسبب نفسه، لافتين إلى أن ما كتبه لا يتجاوز هامش الديمقراطية ونطاق حرية التعبير والصحافة. وأشار أحد محامييه إلى أن "الجريمة لم يتم وصفها بشكل ملموس في لائحة الاتهام"، موضحاً أن المدعي العام "يمكنه ألا يحب المقارنة في المقال (بين ترف زوجة الرئيس وبساطة السياسية التركية الشهيرة المعارضة جنان كفتانجي أوغلو)، لكن حكمه الشخصي لا يمكن استبداله باتهام قانوني".
وشدد المحامي على أن "لائحة الاتهام، التي تجبر على مدح السيدة الأولى أمينة أردوغان، لا يمكن قبولها في بلد ديمقراطي"، وأنها "غير قانونية".
وورد في لائحة الاتهام: "في مقالة إيمرك، تمت مقارنة موضوع الشكوى (أمينة أردوغان) بشخص ثالث ليس لديه اتصال به، ومن المفترض أن الصفات الجيدة هنا والجيدة على الجانب الآخر كانت غائبة، وأيضاً سلامة المقالة، وطريقة التعامل مع الأحداث. البيانات المستخدمة تمثل ازدراءً لموضوع الشكوى وجريمة تشهير".
وأضاف إيمرك لـ"DW": "إدارة حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان لا يحبان الصحافيين والكُتّاب الذين يكتبون الحقائق (...) إنهم يريدوننا أن نكتب مثل المقالات التي تمت الإشادة بها"، في إشارة إلى الصحافة الموالية للنظام. رأى إيمرك في مقالته أن حقيبة زوجة أردوغان تُعادل الحد الأدنى لأجور نحو 144 عاملاً وعائلاتهم في السنة. وهو يعتقد أن ذلك "أزعجهم".
"في بلد ينتحر فيه آباء لأنهم لا يستطيعون شراء حقائب لأبنائهم، من الطبيعي أن تكون حقيبة الخمسين ألف دولار التي حملتها أمينة أردوغان موضوعاً للصحافة"
ترف أسرة أردوغان
اللافت أن مظاهر الترف في حياة الرئيس التركي وعائلته ليست جديدة على الطرح الصحافي المحلي، لا سيما بعدما شيّد قصراً رئاسياً بـ600 مليون دولار. يُلاحظ أيضاً أن أردوغان لا يشرب إلا الشاي الأبيض الذي يصل سعر الكيلو منه إلى 500 دولار.
ويفرض الرئيس التركي قيوداً صارمة على تداول أي انتقاد أو أخبار عن أسرته بشكل عام.
وأواخر أيار/ مايو الماضي، اعتقل مغني الراب التركي بولوت ألبمان المعروف باسم روتا، بعد يوم واحد من نشره فيديو لأغنية "أغلا" أو "صرخة"، التي يسخر فيها من نجل الرئيس التركي، بلال.
مُنعت عبارة "كما أشرح لبلال"، وهي من كلمات الأغنية من التداول أيضاً بحكم قضائي على غرار عبارة "حقيبة أمينة أردوغان".
وتشير أغنية روتا، التي يظهر فيها شخص يرتدي قناعاً (وجه بلال أردوغان) فيما يتظاهر أمام مكتب الضرائب في إسطنبول، إلى فضيحة فساد أثيرت عام 2013 بنشر تسريب تسجيل صوتي يظهر فيه صوت أردوغان وهو يطلب مراراً من نجله التخلص من ملايين الدولارات من الأموال المخبأة ضمن عقار، في حين يكافح بلال لفهم تعليمات والده. حُذف التسجيل لاحقاً وزعم أردوغان أنه "مفبرك".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...