شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"اعموا الشرطة عنا واحمونا من الإفلاس"... تجار في غزة يلجؤون إلى السحرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 4 يونيو 202002:59 م

يعاني سكان قطاع غزة، منذ العام 2007، من ظروف اقتصادية استثنائية، والسبب حصار إسرائيلي خانق وانقسام فلسطيني مقيت، إضافة إلى تداعيات فيروس كورونا مؤخراً، وللتحايل على هذه الأزمات التي عصفت بكل شرائح المجتمع، قرر بعض التجار في غزة القيام ببعض الحيل لجلب الزبائن لم تكن لتخطر ببال أحد.

سوء الحالة الشرائية، ضعف إقبال الزبائن وعدم قدرة التجار على الوفاء بالتزاماتهم المالية جراء ما سبق، دفعهم في حيلة أخيرة إلى الشعوذة، بعدما وصل الحال بأغلبيتهم إلى السجن، على قضايا ذمم مالية وشيكات مرتجعة.

إذ وصلت قيمة الشيكات المرتجعة خلال عامي 2018 و2019، إلى 78 مليون دولار أمريكي، ناهيك عن آلاف القضايا في المحاكم ضد التجار، بالإضافة إلى أن هناك مئات من التجار أعلنوا إفلاسهم، وأكثر من ثلاثة آلاف تاجر يقبعون في السجون بسبب الذمم المالية المتراكمة.

"حُجب" لجلب الرزق

ويكمن الحل، من وجهة نظر بعض التجار، في التوجه إلى مشعوذ، أو ما يسمونه "معالج روحاني"، كي يصف طريقة لجلب الزبائن وتفعيل حركة البيع.

يقف إبراهيم نمشة (56 عاماً)، تاجر أقمشة، على باب محله الكائن في سوق عمر المختار وسط مدينة غزة، يشتكي قلة الزبائن بعد الظروف الاقتصادية الأخيرة التي ألمت بالقطاع، حيث قاربت الحركة الشرائية على التلاشي.

"يومياً أستقبل عشرات الأشخاص، من بينهم تجار ذوي قصص وأهداف مختلفة، بعضهم مديون بمبالغ مهولة، وبعضهم يريد أن يعمي عين الشرطة عنه وألا يبقى ملاحقاً ومطارداً منها، وبعضهم يريد حجاباً لجلب الرزق، وبعضهم يريد تهدئة الدائنين ضده، وبعضهم يريد حجاباً مؤقتاً من أجل التهرب من دفع الشيكات المطلوبة منه"

يقول نمشة لرصيف22: "في يوم أتاني أحد أصدقائي يسأل عن حال البيع وحركة الشراء لدي، فقلت له للأسف الوضع نايم، وإذ به ينصحني بالقول: اسمعني... في شيخ شاطر بيعملك طريقة أو حجاب لجلب الزبائن مقابل مبلغ مالي بسيط".

ويضيف نمشة: "بدت لي الفكرة منطقية، فتوجهت معه إلى الشيخ، فأنا لا أعلم إن كان مشعوذاً أم لا، والذي أخبرني بعدما تمتم ببعض الكلمات غير المفهومة، بأن نحساً أصاب المحل، فقام بإعطائي مسحوق لونه أبيض، وقال لي أن أخلطه بمقدار 3 لتر ماء وأقوم برش المحل فيه، وبصراحة لا أعلم ماذا يحوي ذلك المسحوق".

أما الكوافيرة الأربعينية مي رشاد (اسم مستعار) فتقول لرصيف22: "لم نشهد أوقاتاً عصيبة كما في هذه الأيام، فلا حركة شرائية ولا زبائن، وبالتالي وضعي الاقتصادي في السوق متدهور، وأصبحت أفكر بإغلاق المحل الخاص بي".

وتضيف رشاد: "فكرت في الذهاب إلى أحد المشعوذين ليساعدني في جلب زبائن للمحل، فأنا أسمع أن هناك وصفات أو حجب معينة توضع في المحل لجلب الرزق، أنا أعلم أن الأمر حرام شرعاً لكنني لا أسعى سوى لزيادة وتحسين الرزق عندي، فأنا مسؤولة عن 3 أطفال ولدي من الالتزامات ما يثقل ظهري".

وتنتشر شائعات بين الباعة حول تأثير المشعوذين، والبعض عندما يشاهد تحسناً في عدد الزبائن يرجع ذلك إلى الحجب والتمائم.

يحكي تاجر المخراز (البالة) سعيد دقة (50 عاماً) حول تجربته هو الآخر مع المشعوذين وجلب الرزق: "جاءني أحد الزبائن وعرض عليّ وصفة لجلب الرزق، بعدما شكوت قلة البيع في المحل وقلة الزبائن، فعرض عليّ أن يحضر لي حجاباً لجلب الرزق، يتم وضعه في مكان خفي في المحل، وفعلاً هذا ما حدث".

ويضيف دقة لرصيف22: "وبعدما وضعت الحجاب في المحل، تحسن البيع، وازداد عدد الزبائن الذين يأتون للمحل نوعاً ما، ولكنني بعدها أصبحت أشعر بنوع من ضيق الصدر والنعاس، فسألت أحد الأصدقاء المتدينين، فأخبرني بضرورة إبطال هذا الحجاب لأن السحر أحياناً ينقلب على الساحر".

أفسدوا حياتي بسحر

لم يكتف بعض من أولئك التجار بتصديق تلك التمائم، ولكن سعوا إلى تحسين حركة البيع لديهم دون إضرار الغير، والبعض أيضاً يشعر ببعض الأمراض "الغريبة" وينسبها لهؤلاء السحرة.

يحكي محمد شنتف (23 عاماً)، يعمل على إحدى بسطات ملابس الأطفال، وقد كانت حركة البيع لديه ممتازة جداً، "والله فتح عليه"، الأمر الذي أغاظ بعض التجار ممن يرون تجارته تكبر يوماً بعد يوم أمام أعينهم، بينما لا حركة تجارية لديهم.

يقول شنتف لرصيف22: "استيقظت يوماً ولم أقو على الوقوف على قدمي لسبب لا أعلمه، كما وفقدت الإحساس بنصفي السفلي كلياً، لدرجة أن الأطباء وضعوا لي كيساً خارجياً للبول، وذهبت بعدما ضاقت بي السبل إلى مصر والأردن للعلاج، ولكن دون فائدة".

"قررت الذهاب إلى أحد الشيوخ للعلاج، وهناك أخبرني بأن (سحراً) قد تم عمله للتسليط ليفسد حياتي، وخاصة تجارتي، كما وأخبرني الشيخ بأن من قام بسحري هو أحد التجار"، يقول محمد.

بيع للوهم

أما المشعوذون فقد وجدوا في هذه الظروف "سبوبة"، فأصبحوا يفتحون محلات ويمارسون عملهم تحت مسمى العطارة أو الحجامة، ويقول المشعوذ أبو الحظ، كما يسمي نفسه، (66 عاماً): "يومياً أستقبل عشرات الأشخاص، من بينهم تجار ذوي قصص وأهداف مختلفة، بعضهم مديون بمبالغ مهولة، وبعضهم يريد أن يعمي عين الشرطة عنه وألا يبقى ملاحقاً ومطارداً منها، وبعضهم يريد حجاباً لجلب الرزق، وبعضهم يريد تهدئة الدائنين ضده، وبعضهم يريد حجاباً مؤقتاً من أجل التهرب من دفع الشيكات المطلوبة منه".

وحول ماهية ما يقوم به، يضيف أبو الحظ: "الحجاب عبارة عن طلاسم تكتب بحبر خاص، وأستخدم في تحضيره أغراضاً غريبة لا أستطيع ذكرها، وأقوم بطقوس خاصة أثناء تحضير الحجاب، كأن يتم تنجيمها "وضعها تحت النجم" ليلاً في وقت معين ومقابل مبلغ معين، ويتم وضعها في مكان معين كي تعطي النتيجة المطلوبة".

ويدافع أبو الحظ عن نفسه بكل ثقة، قائلا لرصيف22: "هذا هو باب رزقي، فأنا لا أسعى لضرر أحد، بل على العكس، أساعد المكروبين من التجار الذين تدهورت أحوالهم، وبصراحة لم يكن لدي هذا التوجه من قبل، لكن مؤخراً هناك طلب على هذه الحجب، والسبب هو الظروف الاقتصادية "، على حد قوله.

"حيل المشعوذين مضلّلة"

يعلق "المعالج الروحاني"، أبو محمد (50 عاماً)، من مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، حول هذا الموضوع بقوله: "أصبح هذا التوجه شائعاً مؤخراً، بسبب الظروف الاقتصادية التي دمرت سيولة بعض التجار وأنشطتهم التجارية، لذلك لجؤوا لهذه الحيل التي أعتبرها مضللة، والتي يُعتقد أنها تجلب الرزق".

ويضيف أبو محمد: "يقوم المشعوذ أو الدجال بتحضير شيء يسمى حجاب لجلب الرزق، وهو عبارة عن توكيل من العالم الآخر "الجن" بأن يحضر للمكان الفلاني، ويجلب الناس للمكان المقصود، ويعلق هذا الحجاب في مكان خفي داخل المحل، بحيث لا يراه أحد تجنباً للشك والريبة".

"إذا قمنا بفتح هذا الحجاب نجد رموزاً جنية أو تعاويذ برموز وطلاسم غريبة وغير مفهومة، بالإضافة إلى بعض الآيات من القرآن، وهذا الحجاب يكلف مبلغاً كبيراً يدفعه التاجر للمشعوذ، يأتيني يومياً أعداد كبيرة من التجار لأقوم بما يفعله الدجالون، لكنني أرفض، فأنا فقط أعالج بالقرآن"، على حد قوله.

نصائح العطارين

ويلقى سوق العطارة هو الآخر رواجاً في غزة هذه الأيام لبعض الوصفات، التي يُعتقد أنها "تبطل العين"، وتجلب الرزق، يقول محمد قاسم (29 عاماً)، صاحب محل عطارة في سوق الزاوية، وسط مدينة غزة: "لدي الكثير من الزبائن، معظمهم من التجار، يأتون لطلب وصفات من البخور الذي يساعد في جلب الرزق، وبعضها لمنع الحسد، والخلطة عبارة عن شبة بيضاء وبخور جاوة ورصاص وحصى لبان، ويتم تبخير المكان المقصود جلب الرزق إليه".

"في يوم أتاني أحد أصدقائي يسأل عن حال البيع وحركة الشراء لدي، فقلت له للأسف الوضع نايم، وإذ به ينصحني بالقول: اسمعني... في شيخ شاطر بيعملك طريقة أو حجاب لجلب الزبائن مقابل مبلغ مالي بسيط"

ويؤكد قاسم في تصريح لرصيف22: "الخلطة سعرها معقول، ويتم التبخير بها يوم الجمعة، بإشعال الفحم حتى يجمر، ثم توضع عليه مكونات هذه الوصفة، والتي تلقى إقبالاً شديداً، خاصة في الآونة الأخيرة، ربما بسبب ما يعانيه التجار من قلة البيع والربح".

ويعتقد قاسم في مفعول تلك "الخلطات"، يقول لزبائنه: "قد يكون سبب قلة الرزق هو الحسد، فبهذه الوصفة يفسد الحسد، وما إن يفسد الحسد حتى يتحسن الرزق في المحل أو البيت وهكذا".

وفي قراءة اجتماعية لتفسير ما يحدث، يقول محمد حلس، أخصائي اجتماعي، حول هذه الظاهرة: "على مر العصور وفي كثير من البلدان، ينتشر المشعوذون ليبيعوا الوهم للناس لكسب المال، واستغلال الحاجة الملحة لهم في مواجهة المشكلات التي يلجأ إليها البعض كحل سهل للتخلص من مشاكلهم، وهم لا يدرون بأنهم يقعون فريسة لأولئك المشعوذين".

ويرى حلس أن تجار غزة لجؤوا مؤخراً إلى طريق الشعوذة، بسبب "الظروف المادية، وانسداد الأفق الاقتصادي".

يشرح حلس وجهة نظره أكثر لرصيف22: "عندما يفقد الإنسان السيطرة على زمام أموره، يتجه دون وعي منه للجانب الروحاني، كونه أسهل الحلول، وكنوع من رفض التعامل العقلاني مع وضع غير منطقي".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard