شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"قواسم جينية مشتركة" تربط العرب واليهود المعاصرين بالكنعانيين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 2 يونيو 202007:53 م

"يستمد اليهود والعرب الذين يعيشون اليوم في إسرائيل والأردن ولبنان وأجزاء من سوريا نصف أصولهم الوراثية من الكنعانيين الذين عاشوا في العصر البرونزي ببلاد الشام، وهم ينحدرون من مزيج من السكان المحليين والمهاجرين من إيران أو بلاد القوقاز البعيد".

هذا ما خلصت إليه دراسة حديثة نُشرت نتائجها أواخر أيار/ مايو الماضي في مجلة "سيل"، أجراها فريق دولي من علماء الآثار والوراثة لتحديد أصول الكنعانيين وما إذا كان يمكن وصفهم بمجموعة متماسكة وراثياً، أي "شعب كنعاني" متميز عن جيرانه.

انتهت الدراسة، وعنوانها: "التاريخ الجينومي للعصر البرونزي جنوب بلاد الشام"، إلى نتائج لافتة. وقد اعتمدت على عينة كبيرة من 93 هيكلاً عظمياً لأشخاص عاشوا بين عامي 2500 و1000 قبل الميلاد وعثر عليها في إسرائيل والأردن ولبنان. حلل خبراء المواد الوراثية لهذه الهياكل وقارنوها بجينومات السكان القدماء الآخرين ثم بمجموعة سكانية من العصر الحديث من 17 مجموعة، بينها يهود أشكنازيون/ أوروبيون وفلسطينيون وفئات من الشرق الأوسط).

التراث الوراثي الكنعاني باق في العرب واليهود

اتضح من الدراسة التي استغرقت أربع سنوات أن القواسم الجينية المشتركة بين المجموعات الشامية الحديثة وأسلافها الكنعانيين "قوية"، وأن "التراث الوراثي الكنعاني باقٍ على قيد الحياة في العديد من اليهود والعرب المعاصرين". وجاءت عينات الأفراد مطابقة لعينات من العصر البرونزي بنسبة 50% وأكثر، إذ حقق السعوديون والبدو واليهود الإيرانيون أعلى نسبة تطابق، أي 90%. أعقبهم فلسطينيون وأردنيون وسوريون بنحو 80%. في مقابل، 60 إلى 70% نسبة التشابه في القواسم الجينية لليهود المغاربة والأوروبيين.

البحث في أصول الكنعانيين الجينية يقود إلى نتائج لافتة… التراث الوراثي الكنعاني باق في العديد من اليهود والعرب المعاصرين، لكن أصولهم أيضاً خليط من سكان بلاد الشام المحليين والمهاجرين من القوقاز أو إيران

وكانت أدنى نسب تطابق وراثي لدى المغاربة المعاصرين (40%)، واليهود الإثيوبيين (20%).

وبدرجات متفاوتة، أظهرت جميع المجموعات صلة قوية وأثر وراثي من الشعوب الأخرى التي سكنت الشرق الأدنى القديم، فيما أظهرت أيضاً أنه منذ العصر البرونزي كان لديها اتصال مع مجموعات أخرى من أجزاء مختلفة من العالم.

وتعد هذه الدراسة الأكبر من نوعها في المنطقة. وكان مارك هابر، عالم الوراثة في المملكة المتحدة، قد توصل في دراسة محدودة أجريت عام 2017 على خمسة أفراد من الكنعانيين من مدينة صيدا الساحلية اللبنانية، إلى أن أكثر من 90% من أصول اللبنانيين المعاصرين الوراثية تعود إلى الكنعانيين.

الكنعانيون بين التفرد والغموض

بحسب الدراسة، فإن السكان المحليين مع المهاجرين شكلوا الثقافة الكنعانية الفريدة التي سيطرت على المنطقة بين مصر وبلاد ما بين النهرين خلال العصر البرونزي (من 3500 حتى 1200 قبل الميلاد). 

علماً أن الكنعانيين انقسموا إلى مدن وولايات بين الإمبراطوريات الكبرى، شكل بعضها أسماءً قوية مثل مجدو وحاصور وعكا، وقد أثيرت شكوك بشأن النصوص المتعلقة بهم لا سيما أنها أتت غالباً من مصادر خارجية أو لاحقة.

وفيما ذكرت أرض كنعان وسكانها في وثائق من الألفية الثانية قبل الميلاد، بينها رسائل تل العمارنة، وهي أرشيف للمراسلات المصرية القديمة بين ملوك الفراعنة وإمبراطورياتهم الاستعمارية في بلاد الشام، ظل تاريخ الكنعانيين محاطاً بالغموض. خصوصاً أنهم كانوا يعيشون في المدن النائية، ولم يندمجوا في إمبراطورية. وهم في الكتاب المقدس الأشخاص الذين عاشوا "في أرض تتدفق مع اللبن والعسل" وسكان الأرض المقدسة قبل أن يغزوها الإسرائيليون بعد خروجهم من مصر. يقول النص المقدس أيضاً إن الإسرائيليين "دمروا كل ما يتنفس" وأبادوا الكنعانيين خلال احتلال أرضهم. ويتم التشكيك في هذه الرواية بالقول إنها كتبت في وقت متأخر جداً.

في حين تصر النصوص التوراتية، التي كتبت بعد قرون عدة، على أن الرب وعد الإسرائيليين بأرض كنعان بعد هروبهم من مصر، مبيناً أن الوافدين الجدد انتصروا في نهاية المطاف. ولا تُظهر الأدلة الأثرية دماراً واسع النطاق على السكان الكنعانيين.

يسعون إلى إثبات أحقيتهم بالأرض… باحثون إسرائيليون ينبشون الأصل الجيني للكنعانيين ويأملون أن يتمكنوا من إثبات أنهم كانوا يهوداً وموآبيين وعمونيين أو أياً من الشعوب السامية المذكورة في النصوص الدينية

في الأثناء، يرجح أن الثقافة الكنعانية تطورت ببطء بين نهاية العصر البرونزي والعصر الحديدي المبكر (أي قبل نحو 3000 عام) وتحولت إلى ثقافة الشعوب المختلفة المألوفة للإسرائيليين.

أصول إيرانية أم قوقازية؟

وتظهر الدراسة، على الأقل وراثياً، أنه كان لدى الكنعانيين الكثير من القواسم المشتركة. معظم الجينومات المحللة، من صيدا في لبنان حتى مجدو (شمال فلسطين) وصولاً إلى عسقلان (جنوب إسرائيل)، يمكن القول إن 50 في المئة منها تتطابق مع السكان الأصليين والنصف الآخر من مجموعة نشأت من القوقاز أو جبال زاغروس (غرب إيران/ شرق العراق حالياً).

وثبت للباحثين أن تدفقاً كبيراً من الناس توالى على جنوب بلاد الشام على مدى آلاف السنين الماضية من عصور ما قبل التاريخ.

وقد وجدت دراسة سابقة للحمض النووي القديم، على سبيل المثال، أن ثقافة العصر النحاسي المتمركزة بالقرب من قرية البقيعة بالجليل ظهرت من مزيج من السكان المحليين ووافدين من الأناضول (آسيا الصغرى) والإيرانيين.

في حالة الكنعانيين، رجحت الدراسة الأخيرة أن تدفق السكان جاء من القوقاز، لا من إيران. "لأن لدينا أدلة على وجود صلة ثقافية بين القوقاز وجنوب الشام في العصر البرونزي"، قال إسرائيل فينكلشتين، وهو عالم آثار من جامعة تل أبيب شارك في الدراسة.

يتضح هذا الارتباط على نحو خاص في خربة الكرك (بيت يراح)، وهو موقع على الشاطئ الجنوبي لبحر الجليل يعود إلى النصف الأول من الألفية الثالثة قبل الميلاد.

هناك عثر علماء الآثار على أوانٍ فخارية تحمل أوجه تشابه قوية مع الأواني الخزفية التي أنتجتها ثقافة "كورا-أراكسيس"، أو الحضارة المبكرة ما بعد القوقازية (بين 4000 و2000 قبل الميلاد)، وهي حضارة امتدت إلى منطقة القوقاز في العصر البرونزي المبكر.

يقول فينكلشتين: "يتأثر هذا النوع من الفخار بشكل واضح جداً بهذه الثقافة الشمالية، والسؤال هو هل حصل التأثير عن طريق الاتصال، مثل التجارة أو تبادل المعرفة، أو انتقال الناس؟"، مستدركاً "لدينا الآن دليل على أن الناس كانوا يتحركون".

يعزز فينكلشتين نظرية "التمازج القوقازي"، بالإشارة إلى أن أسماء بعض الحكام الكنعانيين المذكورة في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، في وثائق العمارنة من مصر، ليست سامية في الأصل.

ويرجح منجزو الدراسة أن تأثر الكنعانيين بالوافدين من أصل قوقازي/ إيراني تم ببطء على مدى عقود طويلة، من دون أن يتمكنوا من اكتشاف هل كان ذلك عبر غزو أو هجرة طوعية.

واستبعد فينكلشتين الغزو، مبيناً "ليس لدينا دليل أثري على الدمار أو حدوث خلل كبير في العصر البرونزي المبكر".

شدد الرئيس محمود عباس في العام الماضي: "نحن الكنعانيون. هذه الأرض لأهلها... الذين كانوا هنا قبل 5000 سنة". في حين قال رئيس الوزراء الإسرائيلي حديثاً إن أسلاف الفلسطينيين المعاصرين "جاءوا من شبه الجزيرة العربية إلى أرض إسرائيل بعدنا بآلاف السنين"

من جاء أولاً؟

وهناك صراع سياسي تاريخي بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشأن من جاء أولاً إلى هذه الأرض وموطن أي من أسلافهم تكون. وشدد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في العام الماضي: "نحن الكنعانيون. هذه الأرض لأهلها... الذين كانوا هنا قبل 5000 سنة". في حين قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حديثاً إن أسلاف الفلسطينيين المعاصرين "جاءوا من شبه الجزيرة العربية إلى أرض إسرائيل بعدنا بآلاف السنين".

ويأمل الباحثون الإسرائيليون في هذه الدراسة أن يتمكنوا عبر توسيع النتائج وجمع المزيد من عينات الحمض النووي من بقايا سكان المنطقة القدماء، أن يتمكنوا من معرفة إذا ما كانوا يهوداً وموآبيين وعمونيين ومجموعات أخرى من الشعوب السامية المذكورة في الكتاب المقدس ونصوص أخرى.

وينبّه عالم الآثار الإسرائيلي إلى أن الخطوة التالية للباحثين ستكون مواصلة نمذجة السكان القدامى في بلاد الشام، خاصة بعد زمن الكنعانيين، معتبراً أنه "سيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما حدث بعد ذلك، وما هو الشكل الجيني لشعب إسرائيل التوراتي ومملكة يهوذا (مملكة إسرائيل الموحدة)، وكيف يرتبطون بنا وبأسلافهم، وما هي المساهمات الأخرى في المجموعة الجينية على طول الطريق".

وكان الباحثون قد حذروا من أنه ليس لديهم حتى الآن ما يكفي من عينات الحمض النووي القديمة من العصور اللاحقة، وخاصة العصر الحديدي، لتتبع خط التطور المباشر بين الكنعانيين وسكان الشرق الأوسط اليوم. ولفت بعضهم إلى أنه قد تكون هناك أيضاً مجموعات سكانية أخرى غير ممثلة في عينة الدراسة ترتبط ارتباطاً جينياً مباشراً باليهود والعرب المعاصرين.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard