شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"فقدت والديّ وأفكر في الانتحار"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 2 يونيو 202003:36 م

كثيراً ما نتعرّض لمواقف وظروف قاسية نمر بها من حين لآخر، ولكن تبقى الصدمة الكبرى في فقدان أحد الوالدين أو كليهما، الأمر الذي يفقدنا الأمان العاطفي والنفسي، ويذهب البعض للتفكير في طريقة للموت، للتواصل مع والديه اللذين فقدهما وفقد معهما الحياة.

وتشير دراسات حديثة إلى أن الأطفال أكثر تأثراً برحيل أحد الوالدين أو كليهما، ما يؤدي إلى تفكيرهم في الانتحار.

فقد أقدمت جامعة "آرهوس" الدنماركية على إجراء دراسة حول تأثير وفاة أحد الوالدين على الأطفال، وجاءت النتائج لتؤكد أن المراهقين الذين فقدوا آباءهم قبل الثامنة عشر، أقدموا على الانتحار بصورة أكبر من زملائهم من نفس العمر، كما وجدت الدراسة أن فكرة الانتحار تلازمهم طيلة حياتهم.

ورغم أن الدراسة الدنماركية قد أجريت على عينة من الأطفال فقط، دون البالغين، إلا أن الأثر النفسي لفقدان الأب أو الأم يتعدى قدرة الأفراد، حتى البالغين منهم، على الاستيعاب. تقول إلهام، اسم مستعار (27 عاماً)، وتسكن في القاهرة الكبرى، أنها فقدت والدتها منذ سنة تقريباً، إلا أنها تعاني من ألم الفقدان حتى الآن، ولا تستطيع أن تتعايش مع فكرة رحيلها.

"ورثت مسؤوليات والديّ"

تقول إلهام لرصيف22: "لقد فكرت كثيراً في الموت لملاقاة أمي، ولكن لم أستطع إيجاد وسيلة مناسبة لفعلها، ولم يوقفني عن التفكير في الأمر سوى صوت رضيعتي، فلم أستطع تخيل أن تمرّ ابنتي بما أمرّ به".

لا يقتصر الشعور بفقد الوالدين على الحزن فقط، في كثير من شرائح المجتمع المصري، خاصة في المحافظات الإقليمية البعيدة عن العاصمة، يتولى الأخ الأكبر، أو الأخت الكبرى، المسؤولية كاملة عن بقية أفراد الأسرة.

"لقد فكرت كثيراً في الموت لملاقاة أمي، ولكن لم أستطع إيجاد وسيلة مناسبة لفعلها، ولم يوقفني عن التفكير في الأمر سوى صوت رضيعتي، فلم أستطع تخيل أن تمرّ ابنتي بما أمرّ به"

عانت أميرة فريد (31 عاماً)، مقيمة في محافظة القاهرة، بعد وفاة والديها من تلك المسؤولية، وتصف إدارة ميزانية المنزل الاقتصادية بالمهمة الصعبة، تقول: "فقدت والدتي في سن الـ18، بينما رحل والدي عن عالمنا وأنا في الـ20 من عمري، وبفقدانهما بت وحدي المسؤولة عن البيت وشقيقتي".

ولايزال ينتاب أميرة شعور بثقل المسؤولية والفشل، خاصة في إدارة ميزانية المنزل.

وتضيف أميرة لـرصيف22 أنها شعرت بكونها عبئاً على شقيقتها الصغيرة بعد وصول الأمور بينهما إلى ذروتها، وأصبح لكل منهما حياتها الخاصة، ما أدى بها إلى محاولة الانتحار، بعد أن كتبت لشقيقتها رسالة مفادها "أن انتحارها أفضل لها، حتى لا تكون عبئاً عليها".

تقول أميرة أنها أعدت نفسها، وكذلك شريط دواء خاص بالقلب، كانت تنوي أخذه قبل نومها ليسبب لها هبوطاً في الدورة الدموية.

وتستطرد أميرة في حديثها قائلة: "على آخر لحظة تراجعت؛ لأني خفت على أختي إنها تبقى لوحدها، وفكرت إني أكون موجودة في حياتها بأي صفة هي عايزاها أفضل من عدم وجودي فيها".

"صوت يأمرني بالموت"

فقدت آلاء (اسم مستعار) في العقد الثالث من عمرها تسكن في القاهرة، الشهية منذ رحيل والدها، بعد انعقاد صيوان العزاء مباشرة، وأصابها نزيف، رفضت خلالها العلاج لرفضها ممارسة الجنس مع زوجها، لذا لم تستمر فيه، واستمر هذا الرفض لتناول العلاج 5 أشهر، حتى تدخلت والدتها.

وتواصل آلاء لرصيف22، أنها استيقظت يوماً، بعد وفاة والدها بستة أشهر، مقتنعة تماماً أن والدها لم يرحل، وإنما سافر وسيعود مرة أخرى، ولكن في الذكرى السنوية، وأثناء زيارة المقابر تعرَّضت لصدمة عصبية، أدَّت بها إلى العراك مع زوجها على أي سبب مهما بدى تافهاً، ووصلت تلك المشاكل إلى التجاوز اللفظي والضرب.

وتضيف أنها أصيبت بحالة من اليأس والرغبة في الموت، ما جعلها تفكر هي الأخرى في الانتحار، أثناء تواجدها في محطة مترو المعادي، حيث سمعت صوت داخلي يأمرها بالقفز من على الرصيف، إلا أنها ابتعدت عن الرصيف، ولجأت إلى طبيب نفسي ليساعدها.

"أخسر صداقاتي ولا أبالي"

وبجانب التفكير في الموت، ومحاولات الانتحار التي يسبّبها فقدان أحد الوالدين، فإن هناك عدداً من الحالات النفسية الأخرى التي تواجه من فقدوا آباءهم، كاللامبالاة وعدم الإحساس بالأمان، بحسب من تحدثوا/ن إلى رصيف22.

تقول أميرة الخولي (29 سنة)، تسكن في القاهرة، لـرصيف22، إنها فقدت والديها في بداية العشرينيات من عمرها، أي منذ ما يقارب سبعة أعوام، ما أدى إلى شعورها بالوحدة، حتى وإن تواجد حولها الناس أجمعين، موضحة أنها برحيل والديها أصبحت لا تبالي بأحد ولا بأي شيء، ما جعلها تخسر العديد من أصدقائها، دون أي محاولة منها للتمسك بهم.

"لقد توفى والدي وأنا في الـ32 من عمري، ورغم أننا اتفقنا ألا نتفق، إلا أنني اكتشفت بعد رحيله دوره القوي في حياتي، بالإضافة إلى فقداني لأهم إحساس وهو الأمان والراحة، كما توجب علي مساندة إخوتي واتخاذ قرارات مصيرية هامة، ما سبب لي مشاكل وضغوطاً نفسية كبيرة"

وتحكي أميرة محمود، تسكن في المنصورة، في العقد الثالث من عمرها، لرصيف22: "لقد توفى والدي وأنا في الـ32 من عمري، ورغم أننا اتفقنا ألا نتفق، إلا أنني اكتشفت بعد رحيله دوره القوي في حياتي، بالإضافة إلى فقداني لأهم إحساس وهو الأمان والراحة، كما توجب علي مساندة إخوتي واتخاذ قرارات مصيرية هامة، ما سبب لي مشاكل وضغوطاً نفسية كبيرة".

"والدانا هما الحبل السري"

يعلق جمال فرويز، استشاري الطب النفسي وأمراض المخ والأعصاب، على تأثير فقدان أحد الوالدين قائلاً: "هناك عدة عوامل تؤثر في الأفراد عند رحيل أحد آبائهم منها: السن، النوع وطبيعة العلاقة بين الأبناء والآباء".

يشرح فرويز أنه كلما كان الشخص صغيراً في السن كلما كان تأثير الوفاة كبيراً، وكذلك دائماً ما تتأثر الفتيات بصورة أكبر من الصبيان، مؤكداً أن العلاقة القوية التي تربط الأبناء بوالديهم تكون ذات تأثير واضح عند الفقد.

ويضيف لـرصيف22 أنه يمكن أن يتعرض أحد الأشخاص البالغين لفقدان أبيه أو أمه ويحاول الانتحار، نظراً لطبيعة العلاقة القوية التي كانت تربطه بهما، فهما بالنسبة له الحبل السري الذي يربطه بالحياة.

"فقدان أحد الآباء يؤدي إلى الإحساس بعدم الأمان والميل للعزلة".

وترى سلوى عبد الباقي، أستاذة علم النفس الاجتماعي، أن فقدان أحد الآباء يؤدي إلى الإحساس بعدم الأمان والميل للعزلة والاكتئاب، موضحة أن محاولات الانتحار تأتي بعد الوصول إلى درجة عالية جداً من الاكتئاب.

وتضيف عبد الباقي لرصيف22، أن الفقدان بصفة عامة، سواء فقدان أم أو أب أو حتى صديق أو أخ، يصيب الأشخاص بحالات من الاكتئاب والوحدة النفسية، نظراً لشعور المصاب بعدم وجود سند أو دعم، الأمر الذي يؤدي في بعض الحالات إلى الاكتئاب الشديد الذي بدوره يقودهم إلى الانتحار، مشددة على ضرورة الذهاب إلى الطبيب النفسي حتى لا يتفاقم الأمر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image