شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"لم أرَ أمي… عيد أقسى من زمن الحرب في العراق"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 27 مايو 202004:06 م

لم يتوقع الشيخ أبو أحمد، (71 عاماً) أن يكون منزله الكبير الواقع في حي الكرادة في العاصمة بغداد، والذي يحتوي على مضافة يستقبل فيها المهنئين بعيد الفطر المبارك، أن يكون خالياً منهم هذه السنة، خاصة في الساعات الأولى من صباح يوم العيد.

أبو أحمد، وهو شيخ إحدى العشائر العريقة المنتشرة في بغداد والمحافظات الأخرى، يقوم كل عيد باستقبال ضيوفه من جميع مناطق بغداد ومحافظات العراق، إلا أن هذه السنة كانت مختلفة للشيخ المسنّ، بسبب تطبيق السلطات العراقية "الحظر الشامل"، حثّ المواطنين على اتباع الإجراءات الوقائية وسياسة التباعد الاجتماعي.

"لم أستقبل أي ضيف"

يقول أبو أحمد لرصيف22: "إن هذا العيد اختلف تماماً عن الأعياد السابقة، فجائحة كورونا وفرض حظر التجوال حالا دون وصول الضيوف إلى منزلي، واقتصرت الزيارات على العائلة، وبعض المقربين الموجودين في منطقة سكني".

يكمل أبو أحمد حديث متحسراً على زمن ولّى: "الوسائل المتاحة، كالاتصالات عبر الهاتف، والتطبيقات المعروفة، مثل الفيسبوك والواتساب، أصبحت البديل عن الزيارة اليوم وتقديم التهاني عبرها".

وأنهى الشيخ العراقي حديثه قائلاً: "لم أستقبل أي ضيف من خارج المنطقة التي أسكن فيها".

يقارن علي ناهي في خيال ذاكرته، وهو الذي بلغ العقد السادس من عمره، بين الأعياد في زمن الحروب والإرهاب التي عاشها منذ شبابه، فيصف المشهد الآن بـ"المختلف تماماً"، بشكل يقسو على ذاكرته وروحه

ويتفق معه علاء التميمي (65 عاماً): "كل عيد معتاد أن أذهب إلى أهلي والمقربين مني وبعض الأصدقاء خارج المنطقة، لتقديم التهنئة بحلول العيد، لكن لم أستطع القيام بذلك أول أيام عيد الفطر في العراق، نتيجة الظروف التي فرضتها جائحة كورونا".

"مظاهر العيد أصبحت باهتة في زمن كورونا، لا جلسات عائلية ولا زيارات للأهل والأصدقاء، ولا حتى الخروج للتنزّه والتجول في الأماكن الترفيهية والعامة"، يقول التميمي لرصيف22.

ومع ذلك، رأى التميمي أنه "من الواجب تطبيق الإجراءات السليمة، اليوم نتباعد لنجتمع غداً".

من أبرز مظاهر الأعياد في العراق، تبادل الزيارات بين الأهل، لكن هذا ما ترفضه أم علي (37 عاماً)، التي تمتنع عن زيارة أهلها منذ ظهور إصابات بفيروس كورونا المستجد بالعراق، في فبراير الماضي.

وتقول أم علي، وهي من سكان العاصمة بغداد: "الإصابات بفيروس كورونا بدأت بالارتفاع خلال الأيام الماضية، لم أقم بأي زيارة لأحد لتقديم التهاني في أيام العيد".

"كل عيد أحرص على الذهاب لزيارة أهلي في محافظة البصرة (جنوب البلاد)، إلا أن هذه السنة لم أذهب، حفاظاً على سلامة عائلتي وأهلي وجيراني"، تفول أم علي لرصيف22.

وشهدت الساعات الأولى من صباح أول أيام العيد في العراق، خلو الشوارع والطرق الرئيسية من السيارات، وهو حدث لم يعتد العراقيون عليه، حيث تشهد تلك الطرق عادة ازدحاماً خانقاً، خاصة في أيام العيد، كما أن ارتداء الكمامات والكفوف لبعض المهنئين بالعيد بات أمراً طبيعياً ويتقبله الناس، في مظهر جديد فرضته الجائحة.

فيما غيّب فيروس "كورونا" العادات والتقاليد الاجتماعية العراقية، التي تكون عبر تبادل الزيارات والولائم، وحتى إقامة الأعراس والمناسبات الاحتفالية وإقامة صلاة العيد، حيث أصبحت المساجد ولأول مرة خالية من المصلين.

"عجزت عن رؤية أمي"

"لا أستطيع زيارة أمي في بغداد"، بهذه الكلمات يصف إبراهيم مجيد (45 عاماً)، حاله، وهو المقيم في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق.

ويضيف مجيد لرصيف22، وهو أب لثلاثة أولاد: "فرضت جائحة كورونا علينا عادات وتقاليد جديدة، لا أستطيع الخروج من المنزل ولا حتى زيارة أمي في بغداد، بسبب حظر التجوال المفروض حالياً بالعراق".

ولفت إلى أن "المعايدات عبر الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الدردشة الفورية لا تغني عن الزيارات، لكنها بديل ناجح في ظل هذه الأزمة".

وأمام باب منزله، علق المواطن البغدادي عمر عبد القادر (39 عاماً)، لافتة كتب عليها: "نعتذر عن استقبال الضيوف والمهنئين في عيد الفطر المبارك، تماثلاً لأوامر خلية الأزمة في العراق".

وحول ذلك، يقول عبد القادر لرصيف22: "امتنعنا عن استقبال الضيوف خلال أيام عيد الفطر المبارك والأيام المقبلة، الظروف تجبرنا على ترك تلك العادات والتقاليد التي تعودنا عليها في السابق، ولو بشكل مؤقت، حفاظاً على حياتنا وأرواح من نحب، حتى أن صلاة العيد لم تقم بسبب الفيروس، لكن رغم كل شيء يبقى للعيد رونق خاص وبهجة تغمر الجميع، وإن اقتصرت فقط على العائلة والمقربين".

يقارن علي ناهي في خيال ذاكرته، وهو الذي بلغ العقد السادس من عمره، بين الأعياد في زمن الحروب والإرهاب التي عاشها منذ شبابه، فيصف المشهد الآن بـ"المختلف تماماً"، بشكل يقسو على ذاكرته وروحه.

"رغم الحروب التي شهدها العراق خلال السنوات الماضية، إلا أن هذا العيد اختلف جذرياً عن سابقيه بسبب كورونا، التقبيل والمصافحة تقريباً غائبة عن بعض الأشخاص، الجائحة غيرت عادات وتقاليد عمرها عشرات السنوات"، يقول ناهي متحسراً.

"الجائحة غيرت عادات وتقاليد عمرها عشرات السنوات".

ما نجا هذا العيد من تقاليد العراق، عادة صنع الكليجة، الحلوى العراقية الشهيرة، حيث تقدم العوائل العراقية في عيد الفطر المبارك إلى المهنئين، سواء الأهل أو الأصدقاء والجيران، كطقس يمارس في الأعياد، حيث اعتاد العراقيون في أيام العيد على تناول "الكليچة" كما يلفظها العراقيون، التي تخضع بعض الأحيان لتقييم صارم لطعمها من قبل الأهل والضيوف.

تنقسم العائلات العراقية بين فريقين، الأول يفضل عمل "الكليچة" ووضعها في فرن البيت، أو عند فرن ومخبز للصمون.

وحول ذلك، قال علي شهد، أحد العاملين في فرن ومخبز للصمون في بغداد: "قبل يومين وصولاً إلى الساعات الأولى من أول أيام العيد، تأتي لنا قوالب كبيرة جداً من الكليجة لغرض وضعها في الفرن حتى تنجز بوقت قياسي".

و (الكليجة) من التقاليد العراقية التي لم تندثر رغم مرور عقود طويلة على ظهورها في البيوت العراقية، التي تصنعها في فترات زمنية معينة وتقدمها للضيوف، إلا أنها ارتبطت ارتباطاً مباشراً بأيام عيد الفطر المبارك وكذلك عيد الأضحى.

ما نجا هذا العيد من تقاليد العراق، عادة صنع الكليجة، الحلوى العراقية الشهيرة، حيث تقدم العوائل العراقية في عيد الفطر المبارك إلى المهنئين، سواء الأهل أو الأصدقاء والجيران، وتخضع لتقييم صارم لطعمها من قبل الأهل والضيوف

وهو ما يؤكده أبو رافد (64 عاماً)، يقول لرصيف22: "أقوم بأيام العيد ومنذ سنوات طويلة، بزيارة الأهل والأصدقاء والجيران، نادراً ما أدخل بيتاً ولم يقدم لي الكليجة، الذي يعتبر طقساً عراقياً بامتياز، حافظ على وجوده رغم الاندثار الكبير لبعض العادات والتقاليد المصاحبة للعيد".

وحول الإجراءات التي فرضتها جائحة "كورونا"، من سياسة تطبيق التباعد الاجتماعي، ذكر أن "تلك الإجراءات لم تمنع أي عائلة عراقية من صنع الكليجة وتوزيعها للأهل والجيران، بدل استقبال الضيوف، تجنباً لتفشي الوباء".

ويتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي كل عيد صوراً لعوائلهم وهم يصنعون الكليجة، حيث تحظى تلك الصور بتفاعل كبير جداً من قبل الأهل والأصدقاء، فيما لاقى بعض سفراء البلدان الأجنبية في العراق فرصة لتقديم تهنئة للشعب العراقي بالعيد، وقاموا بنشر فيديوهات وهم يصنعون الكليجة أو يتذوقونها، الأمر الذي حظي بترحيب شعبي كبير.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image