شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"الزكاة لا تجوز لغير المسلم"... الإفتاء المصرية تتراجع عن فتواها الصادمة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 15 مايو 202006:21 م

تراجعت دار الإفتاء المصرية، في 14 أيار/مايو، عن فتوى أصدرتها قبل يوم واحد تقضي بـ"عدم جواز منح غير المسلمين من أموال الزكاة مع جواز منحهم من الصدقات من باب البر"، وذلك على خلفية الجدل الشديد الذي احتدم حولها.

وذكرت "الإفتاء المصرية" أنه "يجوز إعطاء الزكاة لغير المسلمين من المواطنين المحتاجين إلى العلاج أو الوقاية من عدوى كورونا وغيرها من الأمراض، وكذلك في كفايتهم وأقواتهم وسد احتياجاتهم"، موضحةً أن ذلك كان "مذهب عمر بن الخطاب وجماعة من السلف الصالح وبعض فقهاء المذاهب المعتبرين".

وأشارت إلى أن "الدين الإسلامي ضرب أروع المُثُل في التعاون والتعايش وحسن المعاملة لأصحاب الديانات الأخرى"، وأن الدولة الإسلامية منذ قيامها "جعلت لرعاياها على مختلف طوائفهم حقوقاً وواجبات من الكفالة والرعاية والحماية، لم تفرق في ذلك بين المسلمين وغيرهم".

جاءت الفتوى بعدما انطلق جدل حاد، في 13 أيار/مايو، على إثر فتوى لأمين الفتوى في الدار، أحمد وسام، بأن "زكاة المال تكون للمسلم فقط، لأن زكاة المال وعاء ضيق بشروط صعبة وكثيرة ولها مصارفها المخصوصة".

"باطلة وتُسيء للإسلام"

واعتبر كثيرون أن الفتوى في غير محلها وأشار بعضهم إلى بطلانها، فيما استغلها آخرون للمقارنة بين الإسلام وأديان أخرى كالمسيحية، فيما أعرب فريق عن اقتناعه بالفتوى، ودعت قلة إلى احترام "اختلاف الأديان وشعائر كل دين".

الناشط الحقوقي جمال عيد علّق على ذلك بالقول: "مصر: دار الإفتاء: ‘الزكاة‘ لا تجوز لغير المسلم. ألمانيا: كنيسة تفتح أبوابها للمسلمين من أجل صلاة الجمعة... بس خلاص". وردّ عليه معلقون بأن "قياسه باطل وفاسد".

وسخر المفكر والكاتب خالد منتصر من الفتوى في تغريدة: "الكتابية نكاحها حلال وزكاتها حرام؟"، مضيفاً: "السلفنجي (يقصد السلفي) يقبل أن يمد يده لتسول المعونة من البوذي ولكنه يرفض أن يمد يده بالزكاة لمسيحي أو حتى لمسلم مختلف المذهب!".

وتابع في تغريدة أخرى: "أخبرني صديقي حذيفة أن شيخه بحر العلم الحنون السمح، قال له إنه يجوز أخذ الغنائم والسبايا منهم ولكن لا يجوز منحهم الزكاة".

الكاتب العلماني سامح عسكر تبنى وجهة النظر نفسها، موضحاً أن هناك "خطأً كبيراً يقع فيه فقهاء المسلمين إذ يعتقدون أن الزكاة شأن ‘ديني مذهبي‘ لا ‘اجتماعي إنساني‘. والنتيجة أن هذه الصدقة العظيمة تذهب وفقاً للدين والجنس واللون والشكل".

وأشار إلى أن "هدف الزكاة الأعظم والحكمة من تشريعها هو العدل الاجتماعي، لأنه أكثر سعة ورحابة ويشمل الجميع".

"احترام شعائر الأديان"

وتعامل بعض المسيحيين المصريين مع الفتوى بروح الدعابة، قال أحدهم: "يا جماعة، فلوس زكاة إيه اللي تجوز لينا! إحنا بيجيلنا دولارات من بلاد الفرنجة وكل واحد بيقبض مرتب من الكنيسة"، في إشارة إلى بعض المعتقدات المخطئة المنتشرة في المجتمع.

لكن السجال احتدم بين أصحاب الفكر العلماني وأنصار الفتوى الذين هاجموا "دعاة العلمانية المتطرفة" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مذكّرين بأن "الإسلام وضع الزكاة للتكافل بين الأغنياء والفقراء داخل المجتمع المسلم. وإذا اتهمتم الإسلام بالتمييز في ذلك، فإن التمييز قائم في كل الأديان وكل دين له مؤسساته الدينية التي ترعى أنصاره فقط".

وقال أنصار الفتوى: "روح الإسلام هي الأقرب من بين كل الأديان إلى الروح العلمانية"، داعين الساخرين والمعترضين على الفتوى إلى التزام "أهم مبادئ العلمانية وهو احترام عقائد الآخر وشعائره".

"الكتابية نكاحها حلال وزكاتها حرام؟" vs "احترام الثوابت الدينية لا علاقة له بالتعايش السلمي"... الإفتاء المصرية تقول إن مال الزكاة لا يجوز منحه لغير المسلم ثم تتراجع عقب اعتراضات

واستدعى مغردون ومتابعون في هذا السجال ضرورة "احترام الثوابت الدينية"، ونفوا وجود علاقة لذلك بـ"الوطنية والتعايش السلمي، إلا من باب احترامها وتفهمها كما هي، فالمقدسات لا تحتمل المزايدة ولا التجاوز ولا الخوض مع الخائضين".

وشدد هؤلاء على أن "الزكاة- باسمها ونصوصها ومقاديرها وتوقيتها وشروطها ومشروعيتها وحكمتها والغرض منها- هي عبادة دينية محضة، ومخصوصة لدين مخصوص، مثلها في ذلك مثل الشهادتين والصلوات والصيام والحج، مكلف بها ومشمول بها أهل المعتقد الواحد الذين يتعبدون الله بجمعها وتوزيعها وأدائها وقبولها".

واتفق المفكر القبطي كمال زاخر مع ذلك وأوضح في تصريحات صحافية: "لكل دين قواعد تنظم شؤونه، ولا يحق لغير معتنقيه وأتباعه تقييمه أو رفضه أو قبوله، ما دامت آثاره لم تمتد إليهم، ويقع موضوع الزكاة في هذه الدائرة"، معتبراً أن الجدل الحادث نتاج "خلط ما هو ديني بما هو سياسي ومجتمعي".

وأكد المفكر القبطي أن مثل هذه الفتوى "لا يؤثر في العلاقات بين المصريين (مسلمين ومسيحيين). فقد تجاوزها المصريون بفعل الحميمية المصرية وموروثها الثري".

"التراجع عن الفتوى محمود"

بمعزل عن الجدل، قالت أستاذة العقيدة والفلسفة في جامعة الأزهر، آمنة نصير، لرصيف22: "لا أرى أي غضاضة في رجوع دار الإفتاء عن الفتوى. كما لا أرى أي غضاضة في منح غير المسلمين من أموال الزكاة قبل الفتوى وبعدها، وحتى التبرع لغير المسلم أو للكنائس جائز، فهي بيوت يذكر فيها اسم الله".

أستاذة العقيدة آمنة نصير لرصيف22: "لا غضاضة في تراجع الإفتاء عن فتواها، والآراء الفقهية عديدة ينبغي أن نأخذ منها ما يواكب ظرفنا وعصرنا"، مردفةً "لا عيب حتى في تبرع المسلم للكنيسة"

ولفتت إلى أن عمر ابن الخطاب كان يعطي غير المسلمين من بيت المال، وأرجعت العدول عن الفتوى إلى "دراسة الآراء الفقهية باستفاضة عقب الجدل"، مضيفة: "كان الأفضل تدارس الأمر قبل صدور الفتوى لكن تصحيحها غير معيب".

وبيّنت نصير أن جواز المنح من الزكاة أو عدمه يخضع لآراء فقهية صدرت عن أشخاص، وهي تعبر عن ثقافتهم ووجهات نظرهم وترتبط إلى حد كبير بظروف حياتهم والعصور التي عاشوا فيها".

وأضافت: "اختلافهم (أي الفقهاء) رحمة لأنه يمنحنا سعة من الخيارات لأخذ ما يناسبنا. هنا ينبغي استيلاد الآراء التي تناسب العصر وطبيعة المجتمع".

اللافت أن هذه ليست المرة الأولى التي تقول فيها الهيئة الدينية المصرية بعدم جواز منح غير المسلمين من مال الزكاة. سبق أن قال أمين الفتوى في الدار عام 2017 أحمد ممدوح: "هناك فرق بين الزكاة والصدقة والهدية، فالزكاة لها أصنافها المخصوصة التي حددها الشرع وجعل شرط المعطي في الزكاة أن يكون من المسلمين فلا يجوز إعطاء الزكاة لغير المسلم".

ويُوجّه هذا السؤال بانتظام إلى الدار التي كانت تقول بعدم الجواز في السابق.

و"أموال الزكاة مقصورة على فقراء المسلمين" هو الرأي الذي تبناه مراراً مفتي مصر الأسبق علي جمعة برغم أنه اشتهر بآرائه الدينية المتجددة والمتماشية مع العصر.

في المقابل، أقرّ القاضي والفقيه السعودي البارز عبد العزيز بن باز بأن "الله شرّع للمسلمين أن يحسنوا إلى غيرهم من الكفار وغير الكفار، وأن يعطوا المؤلفة قلوبهم من الزكاة وغيرها، تأليفاً لقلوبهم على الإسلام وتقويةً لإيمانهم ودعوةً لغيرهم إلى الدخول في الإسلام، ودفعاً لشر من يخشى شره".

واتفق شيخ الأزهر أحمد الطيب مع جواز ذهاب الزكاة لفقراء المسيحيين واليهود استناداً إلى المذهب الحنفي، معتبراً أن لفظ القرآن كان "عاماً"، أي شاملاً لدى تحديد مصارف الزكاة لـ"الفقراء"، إذ لم يقل فقراء المسلمين.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image