شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"الحياة مقدسة وتستحق أن تعاش"... ما خطتكم/ن المتخيلة لما بعد كورونا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 20 مايو 202004:10 م

فرض علينا فيروس كورونا وضعاً استثنائياً لم يعهده أغلبنا طوال سنوات حياتهم، إذ أجبرنا الوباء الذي يواصل حصد ضحاياه في شتى أنحاء العالم، على المكوث في المنزل، منعزلين عن الآخرين، وانتزعنا من روتين حياتنا اليومي، كالذهاب إلى العمل، لقاء الأصدقاء والأقارب أو الذهاب إلى النوادي والتسوق.

لكن على الجانب الآخر، أوجد العزل المنزلي لدينا الكثير من الوقت لنضع حياتنا، ما قبل كورونا، تحت العدسة المكبرة، ونواجه الأسئلة المؤجلة بسبب انشغالات الحياة اليومية، نعيد تقييم حياتنا واختياراتنا، كي نحظى بحياة أفضل في عالم ما بعد كورونا.

وقد بدأت عدة دول مؤخراً، بتخفيف إجراءات العزل العام، مع انخفاض أعداد الإصابات فيها، لكن العودة الى الحياة الطبيعية، كما عهدناها قبل كورونا قد تحتاج إلى أشهر طويلة، وفق خبراء.

في التقرير التالي سألنا شباباً من عدة دول عربية عن مخططاتهم بعد عودة الحياة إلى طبيعتها، وكيف أثرت جائحة كورونا على إعادة تقييم حياتهم، ومفاهيمهم عن العائلة والمستقبل، وأشياء أخرى.

"قيمة الحرية"

تبدو اليوم مدينة موغلا، الواقعة جنوب غرب تركيا، بهية أكثر من ذي قبل، شهية للمشاوير والنزهات على الشاطئ، فأيام العزل جعلت محمود شمسان (24 عاماً)، يدرك قيمة جمال المدينة السياحية الممتدة على ساحل بحر ايجه.

يصف محمود، وهو شاب يمني يدرس هندسة المعادن في تركيا، نفسه بـ"غير الاجتماعي"، لكنه يقول لرصيف22 إن "كورونا والعزل جعلاني أشعر أكثر بقيمة الحياة الاجتماعية وتقديرها على نحو أكبر، حريتنا في الخروج والتنزه وقتما نشاء كانت تبدو لي أمراً طبيعياً، لكن الآن أتأمل هذه الأمور وأشعر قيمتها، قيمة أن تكون مالك قراراتك".

"لدى الكثير منا في اليمن لدى الكثير إيمان بتساوي الموت والحياة، فكثيراً ما نردد (إنما هي إلا موتة)، لكني الآن أدركت أن الحياة نعمة عظيمة، وفرصة مقدسة"

يشغل محمود نفسه في أثناء الحجر بالمطالعة، ومتابعة دروسه أونلاين، وبين هذا وذاك اكتشف كم هي "الحياة مقدسة"، و"تستحق أن تعاش".

"لدى الكثير منا في اليمن إيمان بتساوي الموت والحياة، فكثيراً ما نردد "إنما هي إلا موتة"، لكني الآن أدركت أن الحياة نعمة عظيمة، وفرصة مقدسة"، يقول محمود الذي انتقل إلى تركيا للدراسة منذ عام 2016.

لذلك، فور عودة الحياة إلى طبيعتها، سينطلق محمود في رحلة تجوال بين المدن السياحية في تركيا، ليتحسّس جمالها، ويدرك ما فاته في أيام العزل.

"سأتجول في المحافظات"

التجوال بحرية بين الحقول الخضراء، صعود الجبل، وحفلات الشواء على سفحه في الهواء الطلق، تبدو اليوم أشياء عزيزة وبعيدة بالنسبة لسهى الدعاسي، 25 عاماً، بعد أسابيع من الحجر المنزلي.

تقول سهى التي تقطن مدينة القصرين في تونس، والتي تشتهر بمساحاتها الخضراء: "قبل الحجر، كنا نتجول مجموعة كبيرة، وننتقل من ولاية لولاية أخرى، نتنقل بين شمال البلاد وجنوبها، لكن الآن أتجول بحذر في مكان قريب، وحدي أو مع والدي، وهي فسحة صغيرة لا تشبه الفسح القديمة".

مع ذلك، استطاعت سهى التحايل على هذه العزلة لتصبح شيئاً "ممتعاً"، تعرفت خلالها بعائلتها "الفرفوشة"، حكايات والدتها التي لا تنقطع طوال ليالي الحجر، كذلك أتقنت صنع طبق الكسكسي اللذيذ.

وتقول سهى لرصيف22: "خلال فترة العزل تقربت أكثر من عيلتي ومن أصحابي، فتعودت على وضع العزل، وصرت مستمتعة فيه، اكتشفت أن عائلتي فرفوشة أكثر من العادة، وتقربت من والدي أكثر، وأصبح يساعد في الأعمال المنزلية، ويقضي أوقاتاً معنا".

أما إذا ما أزيلت قيود العزل العام، فعلى أجندة سهى الكثيرة من الخطط، فهي ترغب بالتجوال في حقول مدينتها بحرية وبدون خوف، والاحتفال بميلاد صديقتها الذي فاتها بسبب العزل.

"سأتجول في المدينة بحرية، بلا خوف".

أما محمد. م (23 عاماً)، من البحرين، فقد أثقلت العزلة والمكوث في المنزل شعوره بالأرق، وفاقمت معاناته مع اضطرابات النوم.

لم يغادر محمد منزله منذ تفشي الوباء وإعلان حالة الطوارئ في البلد الخليجي، وهو إن اضطر إلى ذلك، يخرج بصحبة والده ولا يغادر مقعده في السيارة.

"لا أخرج من البيت إلاّ مع والدي لكي نشترى بعض الحاجيات المنزلية من السوق، وهذا الخروج لم نقم به إلاّ بالسيارة، ولا نغادر السيارة لو كان الأمر للتسوق أو الذهاب لشراء طلب من المطعم، بل كان عمّال المطاعم والأسواق غالباً ما يقومون بالمجيء بأنفسهم إلينا لسؤالنا عن الطلب ليأتوا به"، يقول محمد الذي يعيش قلقاً متفاقماً مع توالي أخبار الموتى جراء الوباء.

على الجانب الإيجابي، أثارت أزمة كورونا والفراغ الهائل من حوله، أسئلة فلسفية سعى للبحث خلفها والتعمق فيما ورائها.

يقول محمد الشغوف بالفلسفة، إن "الأزمة أوضحت بالفعل أن هناك أموراً كنا لا نهتم بها، لكن بفقدها ظهر أنها مهمة رغم بساطتها، جعلنا ندرك عبر الفقد أهمية الأشياء المغفل عنها! مثلاً جعلتني أفكر بالعدل الإلهي، وأبحث أكثر حول هذه القضية".

يتلهف محمد الذي يدرس الإعلام في سنته الأخيرة، للعودة إلى الجامعة، والتواصل مع أصدقائه والمحاضرين، فقد أرهقته الدراسة عن بعد، وأثرت على تحصيله الأكاديمي.

"لن أعود إلى البيت"

"أول ما يفك الحجر مش رح أرجع على البيت، رح أزور المحافظات الثانية، وألتقي أصحابي وأقاربي"، تقول رؤى حوامدة (18 عاماً)، من الأردن.

أسابيع الحجر الطويلة، وروتين الفراغ جعل رؤى تفكر كم كانت حياتها رائعة قبل هذه الأزمة.

وتقول رؤى، التي بدأت لتوها دراستها الجامعية، والانتقال من مرحلة عمرية ونفسية إلى أخرى، إنها تفتقد حتى زحمة الأجساد في المواصلات، مطالعة الكتب في الباص الذي يقلها إلى جامعتها في إربد، المشي مع رفيقاتها في الطرق المشجرة، واجتماعات العائلة في بيت جدها.

التجوال بحرية بين الحقول الخضراء، صعود الجبل وحفلات الشواء على سفحه في الهواء الطلق، تبدو اليوم أشياء عزيزة وأحلام بعيدة بالنسبة لسهى الدعاسي في تونس

ولكن "القصة أصبحت تثير الضيق، لم يعد هناك خطط للمستقبل، نعيش اليوم ونلاحق اليوم الثاني، ننتظر التقرير اليومي الساعة 8 عن أعداد الحالات، الشعور بعدم الاستقرار، لأنه بيوم وليلة كتير أشياء كانت تتغير تغيراً سريعاً ورهيباً"، تصف رؤى الأسابيع الأولى في ظل الحجر.

لم تضيع رؤى وقتاً في تأمل روتينها السابق وتعلم درسها من هذا الوضع الاستثنائي، قائلة: "في كثير نشاطات كنا مفكرين حياتنا ما بتمشي بدونها بس مشيت، الحجر خلانا نعيد حساباتنا مع أنفسنا ونرتب أولويات حياتنا من أول وجديد، اكتشفنا فيه سرعة تكيفنا مع الظروف المحيطة"، توضح رؤى.

أما سمير بدر (24 عاماً)، صحفي مصري، قد وجد في فترة العزل العام، فرصة لإعادة ترتيب حياته الروحانية، والعائلية على نحو أفضل.

ومثل غالبية من هم في مثل سنه، يقول سمير إنه لم يكن يملك قبل الحجر وقتاً كافياً لتمتين علاقاته الأسرية، فهو يقضى جلّ وقته ما بين العمل، ولقاء أصحابه في المقاهي.

ويقول سمير الذي يقطن في القاهرة، إن "العزل كان له حاجات جيدة كتير بالنسبة لي بخلاف الوقاية، إنه خلاني قريب أكتر من ربنا، نومي بقى كويس ومنظم، وأحاول التأقلم مع مواعيد الحظر، وتنسيق أعمالي وفقه، ده بالإضافة إن العلاقات الأسرية بقت كويسة عند الناس كلها، وده بسبب إن ناس كتير مكانتش بتشوف أهلها بسبب ظروف شغل أو سفر أو حاجات تانية كتير".

يأمل سمير أن تعود الحياة لسابق طبيعتها، لينطلق في رحلة سفر خارج البلاد، ولقاء أصحابه هناك.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard