في خطوة عدّها محللون نهاية الحشد العسكري الأمريكي في المنطقة لمواجهة إيران، قررت الولايات المتحدة سحب عدد من قواتها وأنظمتها الدفاعية من السعودية، في وقت تحدثت تقارير عن سعي وزير الدفاع الأمريكي إلى سحب القوات الأمريكية من قوة حفظ السلام الدولية في شبه جزيرة سيناء المصرية.
على الجانب السعودي، عزت وسائل إعلام أمريكية هذه الخطوة إلى خلاف واشنطن مع المملكة على أسعار النفط، مشيرةً إلى أن الولايات المتحدة، على عكس ما أُشيع، لا تزال ترى أن التهديدات الإيرانية مرتفعة بدليل أنها نشرت أنظمة باتريوت، في آذار/مارس الماضي، في العراق للتصدي لأي اعتداء إيراني.
وعلى الجانب المصري، رُبط القرار بالسعي إلى خفض تكاليف الإنفاق العسكري، في وقت أبدت إسرائيل معارضتها الشديدة للخطوة.
خلفيات الخطوة الأمريكية
قال مسؤول عسكري أمريكي إن وزارة الدفاع ستزيل بطاريتي صواريخ من طراز "باتريوت" للدفاع الجوي كانتا تحميان المنشآت النفطية السعودية، لأن التهديد الإيراني قد تراجع، حسب ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال".
وكرر المسؤول العسكري لـ"وول ستريت جورنال" الأمريكية، في 7 أيار/مايو، أن 300 جندي يشغلون البطاريتين سيغادرون السعودية، كما سيُسحب سرب من المقاتلات الحربية.
وتركت واشنطن بطاريتين باتريوت في قاعدة الأمير سلطان الجوية وأنظمة دفاع جوي أخرى ومقاتلات حربية، وفقاً لكلام المسؤول نفسه.
يقلص هذا الإجراء من الوجود العسكري الأمريكي الذي عززته الولايات المتحدة في المملكة، بعدما تعرضت منشآت شركة "أرامكو للنفط " في السعودية لهجمات عبر طائرات مسيّرة في العام الماضي.
وكشفت "وول ستريت جورنال" عن أن الولايات المتحدة قررت سحب عشرات الجنود وبطاريتين أخريتين من منطقة الشرق الأوسط بداعي إجراء صيانة لهما.
ووفقاً للصحيفة، فإن المسؤولين الأمريكيين يفكرون في سحب قوات إضافية من المنطقة لتعزيز قدرات الجيش في مناطق أخرى في العالم، كمواجهة الخطر الصيني.
وعززت الولايات المتحدة قواتها في الشرق الأوسط في العام الجاري من أجل التصدي لأي رد فعل إيراني عقب مقتل قائد فيلق قدس الإيراني قاسم سليماني.
وتشير التقديرات إلى أن لدى الولايات المتحدة نحو 80 ألف جندي في منطقة الشرق الأوسط.
في رد على سؤال عن سحب المنظومات الدفاعية من السعودية، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الولايات المتحدة كانت تحمي دولاً "لا تحترمنا، وفي بعض الحالات لا تحبنا". وأضاف أن الدول الغنية مثل السعودية عليها أن تدفع مقابل حمايتها.
ورأى محللون أمريكيون أن حديث ترامب عن حماسة واشنطن لدول لا تحترمها يعود إلى اتهامات الأمريكية للسعودية بإغراق سوق النفط للإضرار بصناعة الوقود في الولايات المتحدة.
وكانت وكالة "رويترز" قد كشفت عن أن ترامب اتصل بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في 2 نيسان/أبريل، وأخبره أنه إذا لم تخفض منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" إنتاجها، فسيكون عاجزاً عن منع المشترعين من تمرير قانون لسحب القوات الأمريكية من المملكة.
وفي آذار/مارس الماضي، قرّرت السعودية رفع إنتاجها من النفط إلى 13 مليون برميل، وهذا ما أدى إلى انهيار الأسعار في ظل تراجع الاستهلاك وحدوث فائض كبير في السوق نتيجة الشلل الاقتصادي الذي ضرب العالم بسبب أزمة كورونا.
وأصاب هبوط الأسعار القطاع النفطي في الولايات المتحدة بأكبر انتكاسة في تاريخه، إذ باتت مئات الشركات غير قادرة على الإنتاج لأن تكلفة استخراج النفط الأمريكي عالية، ولم تعد تحقق أرباحاً.
وعليه، حمّل الأمريكيون السعودية المسؤولية عن انهيار أسعار النفط بعدما أغرقت الرياض السوق بملايين البراميل.
وقال السيناتور الأمريكي عن ولاية تكساس تيد كروز: "من المفترض أن السعودية صديقتنا، لكنها لم تتصرف تصرف صديقة، لأنها حاولت تدمير آلاف المشاريع النفطية الصغيرة في تكساس والبلاد".
في أول "عقاب" أمريكي للسعودية في أزمة هبوط أسعار النفط، قررت واشنطن سحب منظومتين باتريوت تحميان شركة أرامكو… محللون أمريكيون: بن سلمان أقل ثقة في ترامب وقد يلجأ لروسيا
وفي 23 نيسان/أبريل الماضي، قال السيناتور الجمهوري عن ولاية نورث داكوتا كيفين كرامر: "واجهت صعوبة في شرحي للناخبين لماذا ننفق المال ونخاطر بحياتنا للدفاع عن بلد (السعودية) يتصرف معنا هكذا الآن... لقد أصبح من الصعب الدفاع عنها".
وفي تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، في الشهر الماضي، قال محللون أمريكيون إن التحالف التاريخي الذي أبرمه الرئيس الأمريكي السابق فرانكلين روزفلت مع مؤسس الدولة السعودية الملك عبد العزيز آل سعود عام 1945 بات على وشك الانهيار.
وفقاً لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، قامت ركائز هذا التحالف على ضمان تدفق النفط إلى الولايات المتحدة، مقابل دفاع واشنطن عن المملكة.
إلا أن هذه المعادلة تبدلت، فلم تعد واشنطن تعتمد، كما في الماضي، على النفط السعودي، بل أصبحت هي نفسها أكبر منتج للوقود، ومن أشد المنافسين للرياض، حتى أنها باتت تدرس منع دخول البترول السعودي موانئها أو فرض تعرفة عليه، كي تحافظ على شركاتها، إذ ليس هناك حاجة إلى التزام الدفاع عن المملكة.
من يحمي السعودية؟
ما إن تسربت أنباء خفض واشنطن أنظمتها الدفاعية في السعودية، حتى بدأ الحديث عن كيفية تعويض المملكة الفراغ الذي سينجم عن رحيل القوات الأمريكية، خصوصاً بعدما أعلن وزير الدفاع الأمريكي أن إيران لا تزال تمثل "خطراً حقيقياً وتواصل نشاطها في دعم الحوثيين باليمن".
وقال مسؤولون أمريكيون، حسب ما نقلت "وول ستريت جورنال"، إنهم قلقون من أن تؤدي هذه الخطوة إلى تصعيد جديد تتولاه إيران، خاصة في الوقت الذي تستمر فيه حملة الضغط الاقتصادي لإدارة ترامب على طهران.
عن هذا التخوّف، قال الباحث الأمريكي في معهد "دول الخليج العربية" في واشنطن ديفيد دي ورش إن عدد منظومات باتريوت الأمريكية محدود، وإن لدى الولايات المتحدة مسؤوليات عالمية أخرى، وانتشارها مرتبط بالظروف.
ولفت دي روش في تغريدة إلى وجود بطارية باتريوت يونانية في السعودية تعد ركيزة مهمة وحقيقية.
وأوضح في تغريدة ثانية أن السعوديين لديهم الكثير من أنظمة "باتريوت" مثل الولايات المتحدة، ولكن ليس لديهم متطلبات عالمية أخرى.
وأكدت وزارة الدفاع "البنتاغون" أن القدرات الأمريكية في الشرق الأوسط ما زالت "قوية"، وأنها مستمرة في بذل جهود طويلة الأمد لتعزيز الدفاعات الجوية الإقليمية.
بعد تخفيض قواتها في السعودية، أمريكا تدرس سحب جنودها من قوة حفظ السلام في سيناء بحجة خفض الإنفاق العسكري... وإسرائيل تعترض بشدة
وقال قائد البحرية شون روبرتسون: "تحتفظ الوزارة بقدرات قوية في مسرح العمليات، بما في ذلك أنظمة دفاع جوي، لمعالجة أي طارىء يتعلق بإيران".
وأضاف الجنرال الأمريكي، وفقا لوكالة "بلومبيرغ": "نحافظ أيضاً على قدرتنا على زيادة هذه القوات في وقت قصير".
وقال مسؤول أمريكي إن نظام" ثاد" المخصص لإسقاط الصواريخ الباليستية سيبقى أيضاً في السعودية.
في العام الماضي، أفادت تقارير صحافية روسية بأن السعودية عرضت شراء منظومة أس 400 التي تصنعها موسكو، في خطوة حذر منها محللون أمريكيون.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مؤتمر صحافي، رداً على الهجمات التي تعرضت لها أرامكو، إن لدى موسكو أنظمة دفاعية قادرة على حماية المنشآت السعودية.
أزمة ثقة
منذ وصول ترامب إلى مقاليد الحكم عام 2017، حرص محمد بن سلمان على بناء علاقة شخصية قوية معه، ساعدته على تجاوز أزمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي على يد عدد من الضباط المقربين من ولي العهد.
ومع ذلك، حذر محللون أمريكيون من احتمال انهيار الثقة الإقليمية في إدارة ترامب أو الولايات المتحدة في ظل تخلي واشنطن عن حلفائها.
في هذا الإطار، غرّد مراسل مجلة "إيكونوميست" البريطانية غريغ كارلستروم: "على الرغم من العلاقات الشخصية الودودة، فمن المحتمل أن يُنهي السعوديون الفترة الأولى لحكم ترامب وهم أقل ثقة بالعلاقة الأمنية مع أمريكا مما كانوا عليه في عام 2016".
وعلّق الباحث في الشأن الخليجي ديفيد روبرتس على هذه الخطوة: "عصر الولايات المتحدة يتضاءل، وهو لن ينتهي الآن، لكن الثقة بالولايات المتحدة تتضاءل في الوقت الحالي".
ورأى الباحث في الشأن الإيراني بمعهد "هدسون" الأمريكي مايكل بي بريغينت أن "هذه الخطوة سابقة لأوانها، وتدعو طهران إلى مهاجمة حليف (السعودية) مرة أخرى".
ولفت الباحث إلى أن هذه الخطوة سوف تسمح لروسيا والصين بمساعدة السعودية، في الوقت الذي تريد فيه الولايات المتحدة التعامل مع صعود بكين وموسكو.
الانسحاب من سيناء
في موازاة ذلك، كشفت "وول ستريت جورنال" كذلك عن أن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر حث على سحب القوات الأمريكية من قوة حفظ السلام الدولية في شبه جزيرة سيناء المصرية.
وتنص اتفاقية "كامب ديفيد" التي وقعتها مصر وإسرائيل على وجود قوات حفظ سلام في سيناء لمراقبة النشاط العسكري المصري في هذه المنطقة القريبة من حدود الدولة العبرية.
وتشارك الولايات المتحدة بنحو 400 عسكري أمريكي في هذه القوة التي يبلغ عددها 1100 جندي من 13 دولة.
وقال مسؤولون أمريكيون إن الانسحاب المحتمل يعارضه القادة الإسرائيليون الذين يرون في الوجود الأمريكي قيوداً على نشاط الجيش المصري في المنطقة، بحسب ما نقلت الصحيفة.
وذكرت "وول ستريت جورنال" أن وزارة الخارجية الأمريكية تعارض هذه الخطوة لأنها ترى هذه القوة رمزاً للقوة الأمريكية في الشرق الأوسط.
ولفت مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن الانسحاب سيكون جزءاً من إجراءات خفض التكاليف العسكرية الأمريكية، فيما رأى وزير الدفاع الأمريكي أن نشر هذه القوات لا يستحق التكلفة أو المخاطرة بحياة الجنود في ظل عودة نشاط تنظيم داعش الإرهابي إلى شمال سيناء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين