أن يكون هناك عمل لعادل إمام، فهذا يعني أنه على قائمة أولوياتي في المشاهدة، فبعيداً عن أي معايير، الزعيم بالنسبة لي حالة صعبة التكرار، رقم مهم في معادلة الفن وشمس باقية حتى وقت الأفول، باختصار.. هو ثم يأتي الآخرون.
ومنذ أن انتظم عادل إمام في تقديم مسلسل رمضاني كل عام، بعد صيام طويل عن الدراما، والتي عاد إليها بـ"فرقة ناجي عطا الله"، تابعت كل المسلسلات التي أدى بعضها الغرض المطلوب، وأخرى أثبتت أن الرجل الذي تخطى السبعين لازال معجوناً بالفن.
لذلك في "زحمة" الدراما الرمضانية الحالية كانت خياراتي محددة، وبدأت بـ"فلانتينو"، مسلسل عادل إمام، الغائب الموسم الماضي والعائد في شهر اختفت فيه قامات فنية كبيرة لأسباب كثيرة، وعلى رأسهم يحيى الفخراني، لكن بعد مرور ما يقرب من نصف حلقات المسلسل، لم أمنع نفسي من الاعتراف أنه ذروة سقوط "الزعيم"... لماذا؟
قبل الغوص في الأسباب، فإن الإشارات بدت واضحة، فبمجرد بدء الموسم بدأ معه السباق، فمسلسلات أصبحت "تريند" دلالة على المتابعة الكثيفة، وأخرى أثارت جدلاً عالمياً كـ"النهاية"، وفي وسط ذلك اختفى عادل إمام الذي اعتاد الصدارة مهما كانت الأعمال الأخرى ومهما سطع نجم ممثليها.
سقوط" الزعيم" له أسباب فنية بالطبع، فأي دارس للسيناريو يعلم جيداً أن انتصاف حلقات المسلسل يعني ذروة " الحبكة" وتصاعد الأحداث، وهو ما لم يحدث حتى الآن، ما يعني أننا أمام مشاهد متجاورة وبعض "الإفيهات" المكررة والأحداث المملة، وفي موسم صارخ بالأعمال الفنية هذا لا يجدي، وهذا ما يدركه عادل إمام، وبعيداً عن جدلية أن كاتب المسلسل أحد الأسباب، أو الاعتماد على مخرج واحد مثل رامي إمام لإخراج أعمال الزعيم، تبقى النقطة الأهم وهي أن "طبخة" عادل إمام طوال مسيرته "باظت"، وهذا ليس وليد اللحظة.
لكن "الطبخة باظت"، ففي ظل الوضع الراهن لم يعد بإمكان عادل إمام، رغم علاقته القوية بالسلطة، أن يقدّم أي عمل فني فيه جرعة سياسية، ولأن للعمر أحكامه أيضاً، فإنه لم يعد في استطاعته ضرب من حوله، حتى "الإفيهات الجنسية" التي اشتهر به وهو يظهر كـ"دون جوان" لم تعد مُقنعة
ممثل كوميدي قادر على الإضحاك في أي وقت، "بطل يضرب كل من يقف أمامه"، و"دون جوان تعشقه النساء" وأخيراً "جرعة سياسية قوية هو وحده القادر على تقديمها"، بهذه المحاور قدّم عادل إمام نفسه للجمهور، فبدأ كوميدياً لا ينافسه أحد، حتى تربع على العرش وضمن الأجر الأعلى والمنتج الأقوى، ثم بدأ في تجريب الأدوار الأخرى مثل "المشبوه" وأثبت نجاحه، وحين تفشل تجربة يعود للكوميديا فوراً، كما حدث مع "الحريف" حين سقط جماهيرياً، فعاد بعدها بـ"حنفي الأبهة" واستطاع تصدر شباك التذاكر مرة أخرى.
بجوار ما سبق، استطاع عادل إمام أيضاً، ومن خلال علاقته بالسلطة، أن يمرر بعض الأفلام بجرعة نقدية سياسية عالية، مثل أفلامه مع وحيد حامد وعلى رأسها "الإرهاب والكباب"، وانحاز في تلك الأعمال إلى الناس في وجه السلطة، ما وطّد مكانته كـ"زعيم الفن المصري".
لكن تلك "الطبخة باظت"، ففي ظل الوضع الراهن لم يعد بإمكان عادل إمام، رغم علاقته القوية بالسلطة، أن يقدّم أي عمل فني فيه جرعة سياسية، ولأن للعمر أحكامه أيضاً، فإنه لم يعد في استطاعته ضرب من حوله، حتى "الإفيهات الجنسية" التي اشتهر به وهو يظهر كـ"دون جوان" لم تعد مُقنعة، رغم عدم تخليه عنها حتى في السنوات الأخيرة، لكن ما كان يُبهر بالأمس بات الآن مجرد "تصابي رجل عجوز" لم يفقد حسه الفكاهي بعد.
لم يتبق أمام عادل إمام إلا الكوميديا الملاذ الأخير له، وهو ما اعتمد عليه خلال سنواته الأخيرة في أعماله الفنية، مثل "صاحب السعادة" و"مأمون وشركاه"، لكن إن كان من الصعب أن نطلب من فنان تخطى السبعين أن يُغير من لغته الكوميدية، سيكون من عدم الإنصاف إقناع الأجيال الجديدة أن تُبهر بالكوميديا المكررة، في ظل ظهور "نجوم" آخرين يمتلكون لغة الجيل الحالي ويقدمون أنفسهم بما يلائم العصر.
مسلسل "عوالم خفية" الذي عُرض الموسم قبل الماضي برأيي هو بداية شعور عادل إمام بأن "محاوره" عفا عليها الزمن، وذلك لأن المسلسل اعتمد على الثيمة التشويقية التي هي أضعف الثيمات الدرامية، لأنها لا تتعلق بنجم العمل، بل بالأحداث ونهايتها.
مشكلة عادل إمام أنه لم يتخلّ يوماً عن البطولة، وقد عُرف عنه منذ الثمانينيات إنه لا يقبل عملاً رفضه غيره، ولا يرضى إلا بما كُتب له خصيصاً، ربما هذا ما نفعه كثيراً في تقديم ما يريد وبالشكل الذي يرضيه
في السينما المصرية هناك نجم وحيد استطاع أن يظل على العرش حتى آخر يوم، هو فريد شوقي، لكن هذا البقاء ارتبط بقدرة "فريد" على التكيّف، فمنذ أن شعر الرجل أنه كبر ولم يعد يُقنع كـ"مالك الترسو" الذي يهزم منافسيه بالضرب، اختار أن يكون نجماً لا بطلاً، وهو ما نراه واضحاً في أدوار مثل "يارب ولد" و"شاويش نصف الليل"، فهو ليس بطل الفيلم من ناحية المساحة والأدوار، لكنه نجمه بتاريخه الفني ودوره المحوري في أي عمل، وبتلك الطريقة رحل فريد شوقي نجماً.
مشكلة عادل إمام أنه لم يتخلّ يوماً عن البطولة، وقد عُرف عنه منذ الثمانينيات إنه لا يقبل عملاً رفضه غيره، ولا يرضى إلا بما كُتب له خصيصاً، ربما هذا ما نفعه كثيراً في تقديم ما يريد وبالشكل الذي يرضيه.
تلك المشكلة هي جوهر المسألة في مسلسل "فلانتينو"، والسبب الأقوى في السقوط، وبعده تأتي أسباب أخرى، فرغم أن مؤلف المسلسل، أيمن بهجت قمر، يتحمل جزءاً كبيراً من العمل الممل، لكن عادل إمام يتحمل جزءاً أكبر بإصراره أن يكون هو بطل العمل من الألف إلى الياء، هو محور الأحداث وصاحب المساحة الأكبر، في ظل مشاهدين حفظوا "إفيهاته" ولم تعد تقنعهم "تلميحاته الجنسية"، ولذلك، كثير من مشاهدي المسلسل، وأنا منهم، لا يمثل لنا العمل سوى رؤية عادل إمام على الشاشة، ولكن حتى ذلك قد ينفذ قريباً إن لم يختر عادل إمام أن يصبح نجماً لا بطلاً، وأعتقد أن ذلك صعباً جداً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ 3 اسابيعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...