أثارت قضية عودة العالقين المصرين في الخليج جدلاً واسعاً في الأسابيع الأخيرة، يصوّر البعض أوضاعهم بأنها لا تطاق، بينما يقلّل آخرون من شأنها، واعتبارها مشكلة عابرة، مرتبطة بظروف انتشار فيروس كورونا.
وتمثّل مشكلة العالقين تحدياً حقيقياً أمام المصريين في الخارج، بحسب من تحدث رصيف22 معهم، فمن ناحية، هناك تباطؤ من وزارتي الهجرة والخارجية في التحرك لإجلاء الرعايا المصريين، ومن ناحية أخرى، هناك تحديات مالية تواجه العالقين، والمقيمين خارج حدود الوطن، تتمثل في تذاكر العودة، وتكلفة الحجر الصحي المرتفعة جداً (ما يقارب ألف دولار) لحظة وصولهم للوطن، ومن ناحية ثالثة تتمثل في وضعياتهم المالية التي انهارت عقب فرض الحظر في جميع دول الخليج، ما جعلهم ضحايا لبطالة مؤقتة، تلتهم ما تبقّى في جيوبهم.
"مراكز الإيواء غير آدمية"
يرى هيثم الرفاعي،(37 عاما) مغترب مصري في الكويت، يعمل في قطاع المقاولات الهندسية أن "الحكومة المصرية ترفض عودة رعاياها المقيمين بالكويت، رغم الحالة الاقتصادية الصعبة التي يمرّون بها، والتنسيق بين مصر والكويت كان بشأن العالقين ممن جاؤوا للكويت في زيارات، وفشلوا في العودة، إنما المصريون المقيمون في الكويت أصلاً خارج دائرة الضوء لدى الحكومة".
يتابع الرفاعي اهتمام الناس بمسلسلات رمضان على السوشال ميديا، ويفكّر كيف أن تكلفة مسلسل واحد يمكن أن يعيد عشرات الآلاف من الجالية المصرية في الكويت، ويسأل نفسه: هل نحن مهمون بالأساس في نظر الحكومة؟
"لم تعتبر مراكز الإيواء في الكويت المقيمين ممن انقطعت بهم سبل المعيشة آدميين، وتركتهم يواجهون المجهول، فالعمل هنا توقف منذ شهرين، ونحن عُمال نحصل على أجرنا باليومية ليس لنا راتب شهري"
يحكي الرفاعي عن ظروف المعيشة في مراكز الإيواء في الكويت لرصيف22: "لم تعتبر تلك المراكز المقيمين ممن انقطعت بهم سبل المعيشة آدميين، وتركتهم يواجهون المجهول، فالعمل هنا توقف منذ شهرين، ونحن عُمال نحصل على أجرنا باليومية ليس لنا راتب شهري، لا نلوم بالطبع الحكومة الكويتية لأن كل دولة أولى برعاياها".
ويطالب الرفاعي السفير المصري بالنزول إلى مراكز الإيواء لمعرفة حالة المغتربين والعالقين عن قرب، موضحاً أن إدارة الأزمة من المكتب يصنع فجوة بين الحال على أرض الواقع وبين تحركات المسؤولين.
"نحتاج لحياة آدمية"
يرى جمال هنداوي (29 عاماً)، سائق شاحنة عالق في الكويت، نفسه ذا حظ سيء لأنه وصل قبل يوم واحد من غلق الحدود، وبالتالي مرّ على وجوده في الكويت ما يزيد على 40 يوماً، وكل يوم تزداد مأساته لأن مراكز الإيواء غير كافية لسائقي الشاحنات، فيضطر للنوم في شاحنته طوال هذه الفترة.
يقول هنداوي لرصيف22: "عملنا هو نقل الفاكهة من مصر للكويت والعودة لمصر بالبضائع، عن طريق الشاحنات الكبيرة (الحاويات)، وفي المرات السابقة لم نمكث بالكويت أكثر من 4 أيام على أقصى تقدير، لكن هذه المرة أصبحنا كالسجناء نأكل وننام في شاحناتنا، ولم يتواصل معنا أي مسؤول، نحن 18 سائق جئنا على مدار يومين وفشلنا في التوصل لأي حل، كما نفدت كل أموالنا، ونأكل مرة واحدة في اليوم حتى نقتصد في مصاريفنا".
"نأكل مرة واحدة في اليوم حتى نقتصد في مصاريفنا".
وأضاف، عن مشكلته التي يعتقد أن المسؤولين لن يستمعوا لها: "المشكلة أن البضائع التي تحصلنا عليها من الكويت مقابل الفاكهة التي جلبناها كما تعودنا، بعضها قابل للتلف بعد أسابيع، وبالتالي فخسائرنا متعددة الأوجه، لم نجد مسؤولاً مصرياً واحداً يتقرب منا ويعرف مشاكلنا، جاءنا العديد من الصحفيين لكننا لم نجد ردود فعل لحل أزماتنا، نحن نقدر الوضع ولا نطالب بكسر القواعد والعودة، لكن نحتاج إلى حياة آدمية هنا واهتمام من المسؤولين المصريين".
ويصف أحمد عبد الله (24 عاماً)، مغترب مصري في السعودية، هو الآخر وضعه بـ"غير الآدمي"، ويعمل في أحد المتاجر في مدينة جدة، ويطالب الحكومة المصرية بـ"أن ترد لهم الجميل، وتقدر جهودهم في دعم صندوق تحيا مصر"، قائلاً: "حينما طالبت الدولة أن ندعمها بالعملة الصعبة، ونحول أموالاً بالدولار استجبنا بدون تردّد، وحولنا عملة صعبة لدعم اقتصاد دولتنا، لأننا مهما طالت غربتنا سنعود للوطن وسندفن فيه حينما توافينا المنية".
ويتساءل عبد الله في حديث لرصيف22: "كيف لدولة بحجم مصر أن تعجز عن عودة المغتربين وهي ترسل كل يوم مساعدات طبية على متن طائرات عسكرية للدول المتضررة من فيروس كورونا، بالأمس سمعنا عن مساعدات مصرية لأمريكا، ألسنا أولى بالمساعدة والدعم من أمريكا والصين؟".
"العودة لمصر حلم"
يصف محمود أبو المجد الشهير بـ"الشوري" (28 سنة)، مغترب مصري في الإمارات، وضعه الاقتصادي بـ"الكارثي"، حيث يعاني من البطالة بعد فرض الحظر لمنع انتشار فيروس كورونا.
يضيف الشوري لرصيف22: "الأزمة حالياً أننا منذ شهر ونصف عاطلين عن العمل، وجالسين في السكن، لا يوجد عمل أو رواتب أو أي مصدر دخل لنا، كان عملنا هو مصدر رزقنا الوحيد، كنا نأكل ونشرب منه وندفع إيجار السكن، ومع تفشي الفيروس والتزام دولة الإمارات بالإجراءات الاحترازية صرنا محاصرين، اضطررنا لبيع بعض أغراضنا لنتمكن من توفير الغذاء حتى نبقى على قيد الحياة".
ويحمل الشوري الدولة المصرية مسؤولية رعايته ونظرائه ممن خسروا دخلهم، يقول: "الإمارات لم تقصر معنا، الدولة هنا سمحت للزيارات بالبقاء لنهاية السنة، لكنها غير ملزمة برعايتنا، هذا واجب الدولة المصرية، نوافق على العودة على نفقتنا، ولا نطالب من مصر أن تتحمل تكلفة الطيران في رحلتنا للعودة، لكننا نطالبها بتخفيف تكاليف الحجر الصحي، حق تذكرة العودة يمكن تدبيره بشق الأنفس، لكن كيف سنوفر 15 ألف جنيه، تكلفة الحجر الصحي الإجباري لكل واحد منا لحظة عودتنا".
ويوافقه الرأي أحمد العباسي، مقيم في الإمارات (30 سنة)، يقول لرصيف22: "إحنا فلوسنا خلصت، وخايف إن المصريين ينزلوا يتسولون في الشوارع، أستغيث بحكومتنا لم يعد معنا ما نعيش به، مش ناقصنا حاجه غير إننا نروح بلدنا مصر، اللي هيا المفروض أبسط حقوقنا، وأصبحت بالنسبة لنا أشبه بالحلم".
ولكن لماذا تتعنت الحكومة المصرية مع العالقين، إذا كانت ظروف الكثير منهم بهذا السوء؟
"كيف لدولة بحجم مصر أن تعجز عن عودة المغتربين وهي ترسل كل يوم مساعدات طبية على متن طائرات عسكرية للدول المتضررة من فيروس كورونا، بالأمس سمعنا عن مساعدات مصرية لأمريكا، ألسنا أولى بالمساعدة والدعم من أمريكا والصين؟"
ما يريده أحمد، مثل الكثيرين، أن تكون تكاليف إقامة الحجر الصحي معقولة، يقول: "أريد غرفة صغيرة تتوافر فيها أبسط إجراءات الحجر الصحي، يكون قيمة اليوم مائة جنيه، وليس ألف جنيه لمدة 14 يوماً، ظروفنا الاقتصادية لا تتحمل".
طرحنا السؤال حول طريقة معالجة الحكومة المصرية لمشكلة العالقين على مسؤول في وزارة الهجرة المصرية – رفض الكشف عن اسمه– فأجاب بوجود مخطط بالفعل لإعادة العالقين في البلاد العربية، ويستدرك قائلا: "لكن كل ذلك مرهون بتوقيع كل مواطن عالق على إقرار الدخول للحجز الصحي على نفقته الخاصة، لأن الدولة لا يمكنها تحمل تكاليف حجر صحي للآلاف من العالقين لمدة 14 يوماً".
يشكو عالقون مصريون في دول خليجية أنّ ظروفهم لا تتحمل تكاليف الحجر، ما يقارب ألف دولار، ولكن المسؤول الحكومي يرى أن بعض المصريين في الخليج يحاولون استغلال الأزمة، يوضح: "بعض العالقين حاولوا الاستفادة من الأزمة، فمثلاً في الكويت هناك المئات انتهت إقامتهم ولم يقوموا بتجديدها، وكانوا مطالبين بدفع 700 دولار سنوياً كغرامة إلزامية عن فترة التأخير في تجديد الإقامة، فتحولوا من مقيمين لعالقين، وبالتالي إجلاؤهم يوفر عليهم الإعفاء من الغرامة وهى تحديدا 36 ألف جنيه مصري عن كل سنة بعد انتهاء إقامتهم، كما يوفر عليهم أيضاً تذكرة العودة لمصر، ومع ذلك يرفضون تحمل تكاليف الحجر الصحي الذي لا يوازى نصف الغرامة الموقعة عليهم هناك عن كل سنة تأخير في تجديد إقامتهم".
يخمن العباسي نظرة الحكومة للعاملين في الخليج، ويراها مخالفة للواقع، يشرح وضعه وزملاؤه المالي: "الأزمة الحقيقة إن الدولة تنظر للمغترب على أنه من الأثرياء، يذهب للخليج ويعود محملا بالملايين، في حين أن العامل منا يجمع على الأكثر ما يوازى 60 ألف جنيه في السنة "ما يقارب 4 آلاف دولار" يضيع أكثر من نصفها في كل سفرية لمصر، وبالكاد يتبقى ما يكفي لمصاريف عائلاتنا".
وعن الإجراءات التي تتبعها الحكومة المصرية، يقول المسؤول الحكومي: "نتواصل مع سفرائنا في جميع البلدان العربية، هناك توجيهات بإجلاء العالقين من السيدات أولاً، لكن للأسف أكثر من نصف معسكرات الإيواء للعالقين في كل دولة عربية من المصريين، ما يصلنا من أعداد موثقة لا يزيد عن 3500 فرد، لكن في الحقيقة هناك الآلاف غيرهم يعيشون بشكل غير قانوني، سواء انتهت إقامتهم أو ذهبوا بتأشيرة سياحة ثم قرروا عدم العودة والبحث عن عمل هناك، وتتراوح أعدادهم ما بين 5 آلاف و15 ألف في السعودية والإمارات والكويت والأردن وعمان، ويصلون لـ 30 ألف عالق في ليبيا، لكنها في النهاية أعداد غير موثقة".
وتداول الإعلام المحلي مؤخرا فيديوهات لعودة 150 مصري عالق في السعودية، وصرح اللواء عمرو حنفى محافظ البحر الأحمر، لقناة محلية أنّ مصر استقبلت ما يقارب من ألف عالق، دون أن يوضح الوجهة التي قدموا منها، ونسبة الحاصلين على حجر صحي مجاني.
وينهي العباسي حديثه، مُعبِّرا عن حال مصريين عالقين في دول خليجية عدة، وموجّهاً كلماته لحكومة يرونها شبه غائبة عن معاناتهم: "لم نهاجر من مصر للرفاهية، هاجرنا بعدما ضاقت بنا الظروف، وقتلتنا البطالة، ولا نطلب المستحيل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...