"مصر هبة النيل"؛ هي عبارة قالها المؤرخ اليوناني هيرودوت، وحفرت من نور حتى وصلت لنا، فدائماً ما كانت الحضارة المصرية القديمة مصدر إلهام للعالم بأسره على مرّ العصور؛ فمنذ أن كتب هيرودوت عن رحلاته عبر مصر في القرن الخامس قبل الميلاد تكهّن الناس بكيفية بناء القدماء المصريين لأهراماتهم وآثارهم وتعجبوا من إبداعها وجمالها وهندستها المعمارية، ولهذا سعت أغلب البلدان بإظهار هذا الجمال في بلادهم عبر طرق كثيرة؛ ففي العاصمة الفلبينية، مانيلا، خصص متحف "الفنّ في الجزيرة" الثلاثي الأبعاد منطقةً خاصة بالحضارة المصرية القديمة وأطلقوا عليها اسم "تائه في مصر".
إنه ليس متحفاً نموذجياً لهواة التاريخ، بل هو متحف تفاعلي فني ثلاثي الأبعاد. وعلى عكس المتاحف النموذجية التي لديها قواعد صارمة بشأن التقاط الصّور وعدم لمس المعروضات الفنية فإن متحف "الفن في الجزيرة"، يتيح لكم أن تطلقوا العنان لأنفسكم وتتواصلوا مع اللوحات لتكونوا جزءاً منها وتكون جزءاً منكم، عبر علامات إرشادية ترشدكم إلى مكان الوقوف لالتقاط صور معروضه على الحائط بجوار كل لوحة، لتعطيكم فكرة حول كيفية الحركة التي يجب أن تكون عليها وكيف سيكون شكل الصورة في النهاية.
هذا المتحف يقع فى ضواحي مدينة كويزون شمال مانيلا. أسسه الكوري يون جاي كيونج عام 2014 على مساحة 3800 متر مربع، وهو مكون من طابقين ليكون أكبر متحف ثلاثي الأبعاد في آسيا (من حيث عدد اللوحات)، مع شركائة الكوريين و14 فناناً من كوريا، الذين عملوا جميعاً على أكثر من 200 لوحة جدارية خلال أربعة أشهر وبعناية بالغه، حيث تبدو كلّ لوحة وكأنها تفتقد إلى قطعة ما، وتلك القطعة هي "نحن". وجميعها توهم بالعمق عند النظر إليها من زاوية معينة، وهي مصممة لتكون بمثابة خلفية لصورة نحن جزءٌ منها.
على عكس المتاحف النموذجية التي لديها قواعد صارمة بشأن التقاط الصّور وعدم لمس المعروضات الفنية فإن متحف "الفن في الجزيرة"، يتيح لكم أن تتواصلوا مع اللوحات لتكونوا جزءاً منها وتكون جزءاً منكم
وكان السبب وراء إنشاء هذا المتحف هو حبّ الشعب الفلبيني لالتقاط صور السيلفي، والتي لم تعد مجرّد هواية، بل غدت هاجساً للجميع ونشاطاً شائعاً على مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم. وقد حصلت مدينة ماكاتي (العاصمة المالية للفلبين) عام 2014 على لقب عاصمة السيلفي في العالم في قائمة مجلة "تايم" لأهمّ 100 مدينة حول العالم شغفاً بالصّور الذاتية. وبعد ثمانية أشهر من تصنيف مجلة "تايم" افتتح متحف الفن في الجزيرة أبوابه لعشاق الصور الذاتية.
ولذلك ليس من الغريب أن يُطلب منكم ترك الحذاء بمجرّد الدخول والتجول حفاة الأقدام أو مرتدين جواربكم، لأن أغلب أرضية المتحف هي أيضاً جزء من اللوحات.
يتكوّن المتحف من 12 منطقة، كل واحدة منها مخصصة لموضوع معين. تشمل هذه المناطق كلاً من منطقة الوهم البصري، ومنطقة "الأكوا"، حيث يمكنكم السباحة جنباً إلى جنب مع أسماك القرش العملاقة، أو أن تكونوا حورية بحر، أو عالقين في زجاجة وسط المحيط. ثمّ قاعة اللوحات، حيث العصر الذي كان فيه فينسنت فان غوخ على قيد الحياة.
وبعد ذلك تأتي القاعة المركزية التي ستأخذكم في رحلة إلى مصر القديمة لتتعرفوا على هذه الحقبة التاريخية عبر الجداريات الضخمة التي تضمّ أهرامات الجيزة وبعض المومياوات. وأثناء سيركم يجب أن تكونوا حذرين حتى لا تقعوا في أحد أفخاخ القدماء المصريين أثناء تنقيبكم خلف الآثار. ثمّ إلى منطقة الحيوانات التي ستأخذكم فى رحلة إلى الغابة واللعب مع الحيوانات، ومنطقة عالم الفنّ الديني التي تشاهدون فيها المنطقة الدينية بكل ما فيها من رموز دينية. ومنطقة الخيال حيث الجدران السحرية والغامضة، والمنطقة الأوروبية، والشتاء، وأعياد الميلاد، وغيرها من المناطق.
إلى جانب مطعم يقدم وجبات شهية، أجمل ما في هذا المطعم أنهم أعادو تدوير العديد من الأشياء التي استخدموها أثناء رسم اللوحات كدلوِ الطلاء، والسقالات، والخردة المعدينة، وأقاموا بها هذا المطعم.
ليس بغريبٍ أن يُطلب منكم ترك الحذاء بمجرّد الدخول والتجول حفاة الأقدام أو مرتدين جواربكم، لأن أغلب أرضية المتحف هي أيضاً جزء من اللوحات
تقول ميلي داماسكو لرصيف22: "إنه مكان رائع لاصطحاب أبنائي، حيث يمكننا التقاط الكثير والكثير من الصور أثناء استكشافنا للغرف المختلفة؛ لقد استمتعت بحضور العرض الضوئي ثلاثي الأبعاد حيث تمكنت من رؤية جميع المعروضات مرة أخرى. الرسوم التى ندفعها مقابل الدخول (500 بيزو حوالي 10دولار)، هي رسوم بسيطة للغاية مقابل المتعة التي نحظى بها، ولكن لا أنصح أحداً بالذهاب يوم السبت لأن المكان يكون مزدحماً جدّاً في هذا اليوم".
وأضافت: "إنه مكان نظيف، ومنظم للغاية، والموظفون يتعاملون بلطف مع الزوار، وإن طلبتم أن يلتقطوا لكم بعض الصور فسيرحبون دون مقابل. في الحقيقة عندما وصفوا هذا المتحف بأنه متحف تفاعلي لم يخطأوا، فلقد تفاعلنا مع الجدران والأرضيات وكل زاوية من زوايا المتحف".
وتقول لين يونغ: "أنا من مدينة سيبو (جزيرة من جزر الفلبين)، وكلّ مرة أزور فيها مانيلا، أحرص على زيارة متحف الفن في الجزيرة. إنه كبير بشكل مدهش مقارنة بما يبدو عليه من الخارج. يوجد به الكثير من الأعمال الفنية المحيرة للعقل التي يمكن رؤيتها، والتقاط الصور المضحكة مع اللوحات والجداريات في وضعيات مختلفة، والتي تجلب الابتسامة كلما شاهدناها، والذكريات الجميلة، بالإضافة إلى وجود مطعم بداخله لتناول الطعام. إنه مكان رائع لقضاء بعض الوقت مع الأصدقاء، والخروج عن المألوف ورسم الابتسامة على الوجوه. وهو واحد من أجمل الأماكن المناسبه لكلّ الأعمار، والتي يجب زيارتها في مانيلا".
الفن في الجزيرة هو عالم مختلف تماماً، والجميل فيه أنه وبفضل الأوهام البصرية، نكون جزءاً من هذا العالم وجزءاً من لوحة خُطّت لتجعلنا جزءاً منها، لنستمتع بالفن داخلياً وخارجياً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...