هل لنا أن نتخيل شهراً رمضانياً تكتمل طقوسه دون أن تمتلئ شاشات مختلف المحطات التلفزيونية العربية بعشرات المسلسلات، ودون أن نكون محتارين في الاختيار بين مسلسل سوري وآخر مصري وثالث خليجي ورابع مشترك بين سوريا ولبنان ومصر، وجميعها تعرض ربما في الوقت ذاته؟
على غير المعتاد، قد يكون الجواب لهذا العام "نعم" أو "ربما" أو "لا نعرف"، إذ يفرض فيروس كورونا شروطه على كافة تفاصيل حياتنا، ومنها شهر رمضان، الموسم الأساسي الذي ينتظره محبو الدراما العربية، والذي سيحل بعد حوالي عشرين يوماً في ظروف استثنائية للغاية في معظم بلدان العالم.
وفي سوريا، حيث فرضت الحكومة منذ منتصف شهر آذار/ مارس الفائت، مجموعة من الإجراءات الوقائية للحد من انتشار الفيروس في أنحاء البلاد، توقفت عمليات تصوير مسلسلات هذا الموسم بشكل كلي قبل حوالي أسبوعين، تاركةً الممثلين والمخرجين وبقية الطواقم في انتظار إمكانية استئناف العمل أو البحث عن حلول بديلة، والجمهورَ المحب للدراما السورية رهن أسئلة حول احتمال افتقاد العديد من المسلسلات المعلن عن عرضها منذ عدة أشهر.
حب وتاريخ وقصص مشوقة
رغم أن الموسم المرتقب من الدراما السورية لا يعتبر غنياً على غرار مواسم سابقة شهدت إنتاج عشرات المسلسلات ولاقت متابعة كبيرة، إلا أن الإعلانات التي حفلت بها مواقع التواصل الاجتماعي والنشرات الإخبارية الفنية شوّقت الجمهور لعروض متنوعة يفترض أن ترافقه في أيام شهر رمضان.
من تلك المسلسلات "شارع شيكاغو" الذي يخرجه محمد عبد العزيز وقد كتب النص بالتعاون مع يزن الداهوك، رزان السيد وعلي ياغي، وتنتجه مؤسسة "قبنّض" السورية. تمتد أحداث المسلسل بين ستينيات القرن الفائت والوقت الحالي، وتدور في شارع "شيكاغو" الذي يقع وسط دمشق، وكان له حضور لافت منذ عقود في المشهد الثقافي والاجتماعي للمدينة، وتتمحور حول فتاة دمشقية تهرب وتلجأ لأحد مسارح هذا الشارع منذ حوالي ستين عاماً، لتقع ضحية جريمة قتل تبقى غامضة، حتى يعثر محقق في الوقت الحالي على أحد خيوطها بالصدفة ويباشر بحلها.
المؤسسة ذاتها انتهت من تصوير مسلسل "بروكار" من تأليف سمير هزيم وإخراج محمد زهير رجب، وله طابع تاريخي مع تركيزه على صناعة قماش البروكار الذي تشتهر به مدينة دمشق، وحال تلك الصناعة بشكل خاص خلال فترة الاحتلال الفرنسي لسوريا، إضافة إلى طابع بوليسي وسياسي مع دخول جريمة قتل غامضة وبعض الأحداث السياسية على خط المسلسل الرئيسي.
وبسبب كورونا والحجر الصحي، توقفت عمليات تصوير مسلسلات سورية هذا الموسم بشكل كلي، تاركةً الممثلين/ات والمخرجين/ات وبقية الطواقم في انتظار إمكانية استئناف العمل أو البحث عن حلول بديلة، والجمهورَ المحب للدراما السورية رهن أسئلة حول احتمال افتقاد العديد من المسلسلات المعلن عن عرضها منذ عدة أشهر
مؤسسة إيمار الشام للإنتاج الفني والتي تعمل من دمشق تستعد أيضاً لإتمام إنتاج مسلسل "بورتريه" للكاتب تليد الخطيب والمخرج باسم السلكا، ويتحدث عن قصة حب بين فتاة وشاب، تعترضها رواسب من الماضي بين عائلتيهما اللتين عاشتا تاريخاً متوتراً، يبدو بأن الحب الوليد لن ينجو منها.
وبقالب اجتماعي، باشرت شركة ميسلون فيلم منذ حوالي شهرين تصوير مسلسل "سوق الحرير"، من إخراج الأخوين بسام ومؤمن الملا وكتابة حنان حسين المهرجي، وتدور أحداثه في مدينة دمشق خلال فترة الخمسينيات والستينيات. عُرفت شركة ميسلون في الأعوام السابقة، بإنتاج مسلسل "باب الحارة" الذي اشتهر على مستوى العالم العربي بأجزائه المتتالية وقصته التي تتناول جوانب تاريخية من الحياة في دمشق.
وللقطاع الحكومي الفني في سوريا نصيب أيضاً من مسلسلات هذا الموسم، حيث أنهت المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني في شهر شباط تصوير "حارس القدس" من كتابة حسن م. يوسف وإخراج باسل الخطيب، وهو سيرة ذاتية عن المطران الحلبي إيلاريون كبوجي، الذي خدم في القدس في خمسينيات القرن الفائت وسجن لعدة سنوات من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي وأكمل حياته في روما بعد الإفراج عنه.
مسلسلات أخرى متنوعة أُعلنت شركات إنتاج سورية مختلفة عن انطلاق تصويرها خلال الأشهر الفائتة، ومنها "مقابلة مع السيد آدم" ذي الطابع البوليسي، و"صقّار" الذي يدور ضمن بيئة بدوية، و"الجوكر" الذي يعّرف عنه طاقم العمل بأنه "بوليسي إجرامي يُقدم بسياق شبابي".
"الشاشات العربية ستفتقد الأعمال السورية هذا الموسم، ومن سيتمكن من العرض ستكون مسؤوليته مضاعفة، مع تركيز الاهتمام والنقد عليه"... هل قرر فيروس كورونا مصير الدراما السورية لشهر رمضان المقبل؟
ترقب ودروس مستفادة
لم تنجُ معظم المسلسلات السورية لهذا الموسم من تبعات فيروس كورونا والقرارات المتخذة إثر انتشاره. عدد قليل منها عبر نحو بر الأمان حيث انتهى بشكل كلي من تصوير مشاهده قبل تلك القرارات، ومعظمها علّق العمل أو على الأقل التصوير حتى إشعار آخر.
في حديث لرصيف22، تشير ديانا جبور، وهي مديرة شركة إيمار الشام المنتجة لمسلسل "بورتريه"، إلى توقف تصوير المسلسل في منتصف رحلة العمل تقريباً، مع تفضيل الشركة إيقاف عمليات التصوير "حتى قبل صدور التعليمات الرسمية بذلك حرصاً على صحة ومصلحة طاقم العمل"، وفق تعبيرها.
ولا ترى المتحدثة وجود أي بدائل في الوقت الحالي، "فالتصوير سواء كان داخلياً أو خارجياً سيعني تجمعاً غير محمود، حيث تفرض طبيعة العمل الفني تقارب عشرة أشخاص على الأقل لإتمام مهام التصوير والإضاءة والإخراج والملابس والمكياج وغيرها"، وتضيف بأن فريق العمل ملتزم بالحجر الصحي "إلى أن يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود"، ويعني ذلك تأجيل التصوير وليس إلغاءه، والاستمرار بدفع المستحقات للجميع حسب العقد ونسب التصوير المنجزة.
وبناء على ذلك، تعتقد جبور بأن "الشاشات العربية ستفتقد الأعمال السورية هذا الموسم، ومن سيتمكن من العرض ستكون مسؤوليته مضاعفة، مع تركيز الاهتمام والنقد عليه"، لكنها تصف هذه الحال بأنه "درس علينا الاستفادة منه جميعاً، كي لا نكرر ارتكابات التلميذ الذكي الذي يؤجل الإنجاز إلى اللحظة الأخيرة".
بشكل مشابه أُنجز ما يقارب خمسين بالمئة من العمل في مسلسل شارع شيكاغو، وفق ما صرح به مخرجه محمد عبد العزيز لرصيف22، "في انتظار القرار الرسمي كي نتمكن من المتابعة، وذلك وفق العقود والاتفاقيات المبرمة والتي حصل بموجبها جميع العاملين في المسلسل على النسبة المتفق عليها قبل توقف التصوير بيومين، دون وجود أي تغيير في السيناريو أو خطة العمل". تشمل هذه الاتفاقيات شراكة جهة الإنتاج مع منصة "وياك" الإلكترونية لعرض المسلسل حال إنجازه.
في الوقت ذاته، لا يعتقد المخرج بأن المشاهد سيتفقد الدراما السورية هذه السنة، "فهناك أعمال منجزة وأخرى ستعرض بعد الموسم الرمضاني"، كما يقول، ويضيف بأن الدراما لا تشكّل حالياً التركيز الأكبر للرأي العام في المنطقة والعالم، مع انشغال الجميع بقضايا أخرى على رأسها فيروس كورونا والمرض الناجم عنه.
ويبدو فريق عمل مسلسل سوق الحرير أكثر تفاؤلاً، حيث تحدث مدير إدارة الإنتاج في شركة ميسلون عبد الرزاق حوراني لرصيف22 عن إنجاز حوالي 85 بالمئة من العمل، وانتظار إمكانية استئناف التصوير لإنهاء المسلسل وعرضه في شهر رمضان على شاشة MBC وفق العقود الموقعة.
ويشير حوراني إلى أن مصير الدراما السورية اليوم لا يختلف عما تواجهه بقية الأعمال العربية من صعوبات في استكمال التصوير، لتجنب التجمعات والحد من انتشار فيروس كورونا، "مع ذلك، نتفاءل بحلول شهر رمضان ونحن قادرون على عرض مسلسل مكتمل، وقد يتمثل الحل البديل في العرض بعد انتهاء الشهر المبارك، في حال استمرار الوضع على ما هو عليه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...