ليس فقط درهم الوقاية خير من قنطار علاج، أنا على يقين أن الكلمة الطيبة الخارجة من القلوب التي لا يشوبها السواد خير من قنطار علاج أيضاً، ولعل برقيات أردنيين/ات أرسلوها عبر رصيف22، لرمزهم/ن في النضال والبقاء، تيريز هلسة، خير دليل على كلامي.
تريز هلسة، ابنة السبعين عاماً، مواليد مدينة عكّا الفلسطينية، لعائلة أردنية من الكرك، هي شقيقة الثائرات الفلسطينيات، ترقد اليوم على سرير المرض، محاطة بأجهزة المستشفى الكئيبة وبدعوات محبيها من شابات وشباب أردنيين/ات، بعيدون/ات عنها في صلة الدم وقريبون/ات لها كقرب جنين يتشبث بالحبل السري بيديه وفكيه، فعلاقة الأردنيين بتريز هلسة ليست بعيدة عن علاقة الجنين بأمه، التي تبدأ بالحبل السري ولا تنتهي حتى ما بعد الحياة.
تريز هلسة، ابنة السبعين عاماً، مواليد مدينة عكّا الفلسطينية، لعائلة أردنية من الكرك، هي شقيقة الثائرات الفلسطينيات، ترقد اليوم على سرير المرض
ولمن لا يعرف تريز، هي مناضلة التحقت بالثائرات الفلسطينيات في أوائل سبعينيات القرن الماضي، عندما كانت في سن السابعة عشر، واختارت أن تشارك بالثورة الفلسطينية، وعُرف عنها موقفها أن للنساء حق المقاومة في الصفوف الأمامية.
في 8 أيار/ مايو 1972، كانت واحدة من أربعة فدائيين شاركوا في اختطاف طائرة "سابينا" البلجيكية، وكان الهدف من وراء هذه العملية مبادلة الرهائن في الطائرة بأسرى أردنيين وفلسطينيين.
فشلت العملية واستولى الجيش الإسرائيلي على الطائرة في مطار اللد، وانتهت بإصابتها واعتقالها مع رفيقتها ريما عيسى، واستشهاد الفدائيين علي طه وزكريا الأطرش. قُدمت تريز للمحاكمة، وحكم عليها بالسجن المؤبد مرتين وأربعين عاماً، قضت منهم عشرة أعوام قبل أن تخرج في صفقة تبادل للأسرى في العام 1983.
هي "العنقاء" كما وصفها الناشط عبد الرحمن الشديفات، تعليقاً على تغريدة نشرتها على تويتر لإعداد هذا التقرير، أما خالد المعايطة، فقال: "وهي أيضاً مدرستنا وعروبتنا التي لا تهرم، ورمزنا أينما وليت وجوهنا".
وتريز هلسة، وفق محمد اللحام، هي الحكاية المشرقية التي يرويها الآباء، اعتنقت المقاومة في السابعة عشر فكانت وما زالت، تاريخاً مهماً.
الحقوقية والمحامية نور الإمام، وفي برقيتها، قالت: "نتمنى الشفاء العاجلة للمناضلة تريز هلسة التي أكدت بمسيرتها النضالية بأن الشعبين الأردني والفلسطيني شريكان في النضال والحياة، وبأن فلسطين هي القضية المركزية للشعب الأردني كما هي للفلسطينيين".
"هذا الحجم من التعاطف يأتي في سياق قناعة بأن الرد على صفقة القرن التي تأتي لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعب الأردني، لا يمكن أن تفشل إلا عبر تعزيز اللحمة بيننا في الأردن وبين شعبنا في فلسطين وعبر دعم خيار المقاومة، وهما الأمران اللذان تجسدهما المناضلة تريز هلسة، ابنة الكرك وعكا"
بين الأردن وفلسطين
أما حالة التعاطف الشعبي الأردني مع الظروف الصحية لتريز هلسة، فيراها الدكتور فاخر دعاس، منسّق حملة "ذبحتونا" الطلابية بـ: "إن التعاطف الشعبي على الأرض وعبر مواقع التواصل الاجتماعي مع المناضلة تريز هلسة في الوعكة الصحية التي ألمت بها، وخاصة من قطاع الشباب الذي لم يعاصرها، بل إنه قد يكون لم يسمع بها سابقاً... فهذا الحجم من التعاطف يأتي في سياق قناعة الشعب الأردني، بأن الرد على صفقة القرن التي تأتي لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعب الأردني، لا يمكن أن تفشل إلا عبر تعزيز اللحمة بيننا في الأردن وبين شعبنا في فلسطين وعبر دعم خيار المقاومة، وهما الأمران اللذان تجسدهما الرفيقة المناضلة تريز هلسة، ابنة الكرك وعكا".
أما محمد العبادي فسوف يطلق الاسم "تريز" على ابنته في المستقبل، ويتابع: "رح أعلمها على مين هي تريز هلسة"، أما مأمون الرفاعي فهي في نظره من "أبطالنا القلائل الذين لا يفارقون القلوب"، ويختم في برقيته: "نضالك تريز حفر التاريخ بأحرف من ذهب".
"سلامٌ عليكِ في حياتك التي قضيتها مناضلة صلبة في سبيل الدفاع عن شرف الأمة، تريز لاسمك نصيب يا قدّيسة النضال"، تقول دينا السعدي، أما ندا المجالي، فقالت: "أيتها الرفيقة في الهوى وعن هوى القضية أتحدث… لا أدعي امتلاك ولو جزء بسيط من قوتك... وكم أتمنى أن أعيش لحظة من لحظات نضالك... أتخيّل أن ما يجمعنا أكبر من أصولنا وحبنا المطلق للعروبة"، وتختم: "كم نشعر نساء هذا العصر من أمثالي بصغر حجمنا أمام تريز الشابة".
أن تكون حراً كي تناضل
وأثبتت هلسة، بحسب الناشط مد الله النوارسة، أن النضال لا يعرف جنساً ولا مذهباً ولا ديناً، فيكفي أن تكن حراً لكي تكون مناضلاً.
المناضلون كُثر، بحسب المغرد يزن الضاري، وتتعدد أساليب النضال، ويضيف: "فهناك مئات السبل والطرق يسلكها الشخص منا في نضاله لكن يُسجل التاريخ أقساها وأعنفها وأكثرها خطراً على صاحبها، لا بد أن المناضلين شُجعان".
"أنت نور في العالم الذي لن يطفئه توالي العتمات"، تقول تقى المجالي، في برقيتها لتريز هلسة، وتضيف: "أنت شاهدة البطولة في زمن أغلقت فيه محاكم الآباء أبوابها، أنت قمح الأرض وخضرة كل الآذارات، أنت صوت كل حناجر الأحرار وهديل حمائم القدس حينما ضمت الأقصى بجناح والقيامة بجناح آخر".
فيما يقول سامر المومني عن تريز، بأنها "شخصية حملت هموم الوطن العربي على كفها، لتسطر بأحرف من ذهب تاريخ فخر ووسام شرف يتناقله الأجيال… تريز هو اسم ارتبط على مستوى العالم لسيدات حملن بالذاكرة أجمل المعاني، فلم يتقوقع فكرهم ببوتقة دين أو منطقة، وكن مثالاً للإنسانية".
تناول خجول في وسائل الإعلام الأردنية لقصص تريز هلسة، خاصة في ظل وضعها الصحي الحرج الراهن، حتى أنني بحثت عن "بورتريه" عنها في المواقع الإلكترونية، أو حتى تقرير لبضعة دقائق في القنوات الأردنية، وللأسف لم أجد
"تسميع حكي"
الزمن لم ينصف تريز هلسة بحسب رأي عيسى حدادين، ويبرر ذلك وفق ما غرد في برقيته، ذلك لأنها ناضلت لأجل قضية وليس لاكتساب المال، كما حدث بعد السبعين!
ليس فقط برقية عيسى حدادين كان فيها بمثابة "الحكي الك يا كنة اسمعي يا جارة"، بل أيضاً برقية عاطف الشريف، والذي قال: "سيبقى في الدنيا خيرات رغم سطوة الارتدادات ومر الخيانات تحية لمن لم تستبدل الخنادق بالفنادق".
حضور خجول في الإعلام الأردني
تناول خجول في وسائل الإعلام الأردنية لقصص تريز هلسة، خاصة في ظل وضعها الصحي الحرج الراهن، حتى أنني بحثت عن "بورتريه" عنها في المواقع الإلكترونية، أو حتى تقرير لبضعة دقائق في القنوات الأردنية، وللأسف لم أجد.
حتى أن الإعلام الأردني نال من القصف في بعض البرقيات، مثل ما جاء في برقية صاحب حساب "الجوكر الحر"، الذي كتب: "كنا نتمنى لو سمعنا عنك في الإذاعات والتلفاز، نتخذ أمثالك قدوة في حياتنا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...