شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"ممنوع تاخدها لو بدها تقوم القيامة"... قصة نينا مع حضانة ابنتها التي لا تعرف بوجودها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 13 مارس 202012:29 م

إما الطلاق أو الأمومة. خياران لا ثالث لهما في ظل أعرافٍ وقوانين تؤسس لمؤامرة "شرعيّة" على علاقة بشرية تُعتبر الأكثر حميمية. بين جحيم سجن زوجي بحجة الامتثال لـ"مصلحة الأطفال" وثقل الحرمان من حضانة الأطفال بعد الطلاق بحجة الامتثال للحكم الشرعي، تتأرجح "عقوبات" الأمومة.

الابتعاد القسري عن أطفالهن، كابوسٌ يلاحق أمهات لبنانيات وثّقن زواجهن في المحاكم الجعفرية، ويجعلهن في أحيان كثيرة أسيرات حياة تفتقد معايير المودة والرحمة. في المقابل، من قررن التحرر من تلك الحياة يتعرضن في أحيان كثيرة للاستغلال والمعاقبة، مرة بصيَغ قانونيّة وأخرى بـ"عنتريات" عُرفيّة أو بتعويل خصومهن على امتيازات قد يكسبونها من الأحكام الفضفاضة.

فاجعتا نادين ولينا أيقظتا ثورة نينا: "لم أمت بعد"

فاجعتان جعلتا نينا (اسم مستعار) تخرج عن صمتها: "نحيبُ لينا من خلف السور الفاصل بينها وبين قبر ابنتها عالق في أذنيّ. ارتماؤها بين أحضان القبر عوضاً عن أحضان ابنتها، هي المفجوعة على فراق ابنتها مرتين؛ حين خطفها والدها من حضنها وحرمها رؤيتها لسنتين، وأخرى حين خطفها القدر وحرمها رؤيتها للأبد؛ و موت نادين الثائرة المبتسمة التي خاضت في حياتها معركةً طويلة وشرسة مع الأعراف والأحكام الذكورية، ورحلت قبل تحقيق حلمها باسترجاع حضانة ابنها كرم".

تقول نينا: "لن أنتظر لأكون مكان لينا أو نادين، العمر قصير، وأحكام المجتمع وتحليلاته لا ترحمنا لا في وجودنا ولا حتى في غيابنا"، مضيفة بنفس عميق تختبئ خلفه حرقة أعمق: "أنا لم أمت بعد لكن ابنتي تظنني ميتة! أنا محرومة من كل شيء؛ من رؤيتها، من أخبارها، من أنفاسها، من حقها بمعرفتها بي، ومن حقي بالتعبير لها عن شوقي وحرقتي على غيابها".

نينا، أمٌ لبنانيّة حُرمت من ابنتها منذ سبع سنوات، وباءت محاولاتها التواصل معها من خلال عائلة طليقها بالفشل. "ما عنّا بنات يشوفوا أم مطلّقة، ما عنّا بنات يروحوا ويجوا عذوقن، ما بدنا نشتّت البنت، ما بقى تسألي عنها هالفترة"، هكذا كان جواب والدة طليق نينا في أول اتصال بينهما بعد الطلاق، ومن بعدها قُطع التواصل وطالت "هالفترة" منذ سبع سنوات حتى اليوم.

"يعتبرون الطلاق عيب، وأن هذا العار سيلحق بحفيدتهم، لذلك لا يسمحوا لي أن أتكلم حتى، يسمعون صوتي ويقطعون الاتصال".

في اتصال مع جدة الطفلة أنكرت الأمر، لكنها تقول: "هي فقط تناديني ماما، حتى لا تشعر بالنقص أمام صديقاتها وزميلاتها. لم نخبرها أن أمها ميتة، هي فقط تعلم أن أمها غير موجودة. ونحن نرى أنها غير مؤهلة لنشرح لها الأمر. كنا ننتظر لتصبح أكثر وعياً لنشرح لها أن أمها وأباها مطلّقان وهذا سبب عدم وجود أمها. هذا كل ما في الأمر".

بداية القصة

بعد زواج دام حوالي خمس سنوات، انفصلت نينا عن طليقها وهي في عمر العشرين. كانت ابنتهما حينها تبلغ من العمر سنتين ونصف السنة، ولم تكن نينا تعلم أن ضريبة الطلاق ستكون باهظة إلى هذا الحد.

"كلما حاولتُ الاتصال، أغلقوا الهاتف، لا يسمحون لي بالسؤال عنها، بمجرد أن أقول أنا فلانة يُفصل الاتصال"، تؤكد نينا بحرقة مضيفة: "هم يعتبرون الطلاق عيب، ويعتبرون أن هذا العار سيلحق بحفيدتهم، لذلك لا يسمحوا لي أن أتكلم حتى، يسمعون صوتي ويقطعون الاتصال".

هذا الأمر تُنكره الجدة كذلك، قائلة: "ليس لأنها مطلّقة. هي تركت ابنتها. وأنا أقوم بتربيتها لكي لا تكون عند زوجة أب".

"لطالما كنتُ ضعيفة ولكن معاناتي مع ابنتي قوّتني شيئاً فشيئاً"، تتابع نينا حديثها بصعوبة: "لا أحد يعلم ساعة موته، أنا اليوم لا أودّ أن أفكر بأن يصيب ابنتي مكروه، ولكنني أصبحتُ أفكر في ما لو مت أنا! هل ستكبر ابنتي لتكتشف حقيقة عدم موتي منذ صغرها، فتلومني بدلاً من أن تشعر بمعاناتي على فراقها؟ هل ستقول إن أمي كانت حية لفترة طويلة إلا أنها لم تسأل عني؟ هل سيُقال لها أمك تركتك وهي ستصدق؟".

"لم أرَ سوى يدها من النافذة"

تقول نينا إن حرقة قلبها لم تُطفئها السنوات ولا زواجها من شخص آخر والإنجاب منه.

"ابنتي خلقت مني شخصية عاطفية جداً. كلما فكرتُ بها، أقوم باحتضان إخوتها. لا أعلم، ربما أحاول التعويض بهذه الطريقة".

سبعُ سنواتٍ من الحرمان على الرغم من أن المسافة بين سكن الابنة والأم قريبة جداً.

- منذ متى رأيتها لآخر مرة؟ 

- أبعدوها عني منذ سبع سنوات، ولكنني لمحتها منذ حوالي ثلاث سنوات. مرّت مع جدَّيها بالسيارة من أمام منزلي. 

- هل استطعتِ رؤيتها. 

- لم أرَ سوى يدها على النّافذة. 

- و... 

- بكيت، شعرتُ بالقهر. ابنتي قريبة ولا أستطيع أن أضمها. 

- كيف تعرفين أنها هي؟ 

- أعرف سيارتهم جيداً، وجدّتها كانت تتبضّع من السوق المجاور لمنزلي، لكنها أقلعت عن الأمر حين علمت بمكان سكني.

- لمَ لم تحاولي الذهاب إلى منزلهم بنفسك؟

- كنت أخاف من أية ردة فعل قد تبدر منهم وتؤذيني أو تؤذي عائلتي. كان يتملّكني الخوف والضعف ربما بسبب طفولتي الصعبة وما عشته خلال فترة زواجي السابق.

أذكر جيداً حين حسمتُ مسألة الطلاق وأتى والدي لاصطحابي كيف حمل طليقي السكين بوجهه. ليس لديهم ضوابط، وطليقي تحديداً لا يتمالك نفسه في المواقف العصبية. أتخيل أنهم قد يرمونني عن الشرفة لو ذهبت. تأتيني الكثير من الهواجس.

- لمَ لم تقومي برفع دعوى قضائية من قبل؟

- لو كان بإمكاني لقمتُ بالأمر. ما شجّعني على الحديث عن قصتي هو رغبتي بمتابعتها قضائياً، لكن لا يمكنني إلغاء واقع أنني لا أمتلك القدرة المادية لذلك، بينما سعيت لمعالجة الأمر بمحاولاتٍ شخصية دون جدوى.

- كيف؟

- كنت أحاول التواصل بشكل روتيني مع جدتها، فهي من تقوم بتربيتها، وكلما سمعت صوتي أغلقت الهاتف. هي قالت لي في أول اتصال بعد طلاقي إنها لا تسمح لحفيدتها أن تتواصل مع أم مطلقة، ولن تسمح لها بخروجها على راحتها مع أمها المطلقة. وطلبت مني أن أنساها (هذه الفترة) حتى لا تتشتت. هم ينظرون إلى الطلاق كما لو أنه عيب أو جريمة. كان ذلك آخر رد منها. والمرات الثانية كان تكتفي بإغلاق الهاتف فور سماع صوتي. كنتُ أعوّل على أن الأمر سيتغير وكنت أخاف من المشاكل التي قد تنجم من التصعيد.

في إحدى المرات طلب أبي منهم الأمر، أجابوه بأنه إذا أراد رؤيتها فليذهب إليهم، لن يراها خارج بيتهم. وأكّدوا له ′بدك تشوفها تعا إنت شوفها، بس أمها لا′. أبي لم يذهب ليراها وأكثر ما كان باستطاعته فعله في الماضي كان ينحصر بالاطمئنان عنها هاتفياً، وحين وجد أنهم قد يسببون له المشاكل ابتعد عن الأمر. زوجة عمي حاولت ذات مرة أيضاً التواصل، كانوا فقط يخبرونها عن أحوالها، وحين يسمعون صوتي يغلقون الهاتف.

"ما عنّا بنات يشوفوا أم مطلّقة، ما عنّا بنات يروحوا ويجوا عذوقن، ما بدنا نشتّت البنت، ما بقى تسألي عنها هالفترة"... نينا أم لبنانية حُرمت من ابنتها تروي قصتها مع تعنّت أهل طليقها الذين يصرون على عدم معرفة الفتاة بوجود أمها

تشير نينا إلى أن آخر رهاناتها كان منذ فترة على تطوع امرأة بزيارة عائلة ابنتها، لكنها "اكتفت بوعدي بتحقيق رؤية ابنتي هذا الصيف تحت شروطهم. كل ما قالته في النهاية: ′هم يقولون بأن الأمر سيسبب صدمة للطفلة الان، عليها أن تنتظر حتى انتهاء العام الدراسي′. وأنا لا أؤمن بهذا الوعد. هم يقولون ذلك أمامها وأنا لن أكتفي برؤية ابنتي تحت منزلهم. كما أنني لا أضمن أن أبقى حية إلى حينها، وهذا ما جعلني أتواصل مجدداً مع جدتها بنفسي. 

تقوم بفتح هاتفها حيث تسجيل صوتي أرسلته منذ فترة لجدة ابنتها تقول لها: "أنا لم أعد ضعيفة، لقد أصبحت قوية، أنا لن أسكت بعد اليوم على القضية. إما أن تخبروا ابنتي بأنني حيّة وتسمحون لها بزيارتي، أو أحلّ الأمر إعلامياً. هذا آخر إنذار". لتُجابَه نينا بالحظر، وتعود الوسيطة المذكورة لتطلب منها بإرسال اعتذار صوتي ووعد تؤكّد خلاله أنها لن تراسلهم مجدداً.

"بالطبع أنا لم أقم بالأمر، أخاف أن يكون فخ أو أي خطة يحاولون من خلالها تسجيل شيء ضدي يُظهر أنني أعدهم بعدم التواصل لأجل ابنتي"، تعلّق نينا على طلب الأخيرة.

"ممنوع تاخدها لو بدها تقوم القيامة"

من ناحيتها، تعلّق الجدة التي تتابع أمور تربية الطفلة على تواصل نينا معها قائلةً: "هي تسخر من ابني وتهددني بمتابعة الأمر إعلامياً، بدها تنزع مستقبل البنت. ليس صحيحاً أننا أخبرنا الطفلة بأن والدتها ميتة، هي فقط غير موجودة".

وإذ تلفت الجدة بأنها كانت قد أعطت وعداً للوسيطة بأنّها ستمهّد لإقناع ابنها بإمكانية تحقيق اللقاء بين نينا وابنتها، تقول "والد الطفلة يرفض رفضاً قاطعاً اللقاء، أنا سأقنعه أن يسمح لها برؤيتها تحت المنزل"، مؤكدة أنها بعد دخول الوسيطة وعدتها أنها ستمهد للفتاة لتعرفها إلى أمها الصيف المقبل "كي لا تتأثر خلال العام الدراسي"، ولكن هذا لا يشمل إمكانية حصول تواصل طبيعي بين الأم وابنتها إذ تقول الجدة: "أكثر ما يمكن فعله أن ترى ابنتها تحت منزلنا. وهذا لن يتم إلا بحضوري أو بحضور أبيها أو عمها".

وتشدّد الجدة على موقفها بالقول: "ممنوع تاخدها، بدها تحضنها تحضنها أمام منزلنا وبحضورنا. أما ان تأخذها وتزرع أفكار برأسها فلن نسمح لها. الأب أصلاً مانع تشوفها وأنا بدي ليّن قلبو. بس حتى تشوفها وبس أما تاخدها فما بقبل، لو بدها تقوم القيامة. بدك يصير قتل؟".

وعند سؤالها "لماذا سيحصل قتل؟"

تقول: "أنا بدي اقتلهن إذا جنوا عالبنت! لن أسمح أن تزرع أفكار بعقل البنت وتقول إننا حرمناها منها. ما رح إقبل البنت تصير تروح عند أمها وتصير تعلمها أساليبها".

ولكن "هذا يؤكد أنكم تمنعون لقاءهما فعلياً".

تقول: "أخبرتكِ بأنني سأليّن قلب ابني ليسمح لها برؤيتها ولكن أن تذهب إليها أنا لن أسمح. قولي لها أن تهتم بأطفالها الجدد. طفلاها من عائلة وطفلتنا من عائلة أخرى. حفيدتي ليست من عائلتها. أنا سألت القضاء وقال لي أن أقدم أدلتي وعلى ضوئها لن يسمح لها يأخذها. فلتقدم هي أدلتها".

الجدة التي قالت في بداية الاتصال معها إن هذا موضوع يخص القضاء الشرعي ولا علاقة للإعلام به، لم توفّر دليلًا لإثبات أن نينا "عاشت حياتها" على غرار القاعدة المجتمعية الشائعة، ودعتها "للالتهاء بتربية أطفالها"، مؤكدة أنها لن تسمح لحفيدتها أن تتربى على طريقة والدتها.

"هدفي فقط ابنتي"

بطبيعة الحال، حق الرؤية قانوناً وشرعاً ينفصل عن متاهات الاتهامات التي يُفضل عدم الخوض بها في هذا الإطار، فالطرفان لديهما ما يقولانه، ويهددان بتقديمه للقضاء المختص، لكن العنصر الأهم في القضية هو رؤية الأم والابنة لبعضهما البعض. والأم تصر على حقها بأن تكون على علاقة دائمة مع ابنتها وعدم اقتصار ذلك على المشاهدة أمام منزل جديها.

تصر نينا على إبقاء هويتها سرية. وتقول: "أنا أعلم كيف سيكون تأثير ذلك على ابنتي، أنا فقط أريد ضمان حقي وحقها، والوعود المنقوصة والمشروطة لا تحقق ذلك"، مضيفة "هدفي ليس التشهير بأي طرف، هدفي فقط ابنتي".

الجدة التي خاضت بأمور شخصية نتحفظ عن ذكرها، كما نتحفظ عن ذكر تفاصيل شخصية ذكرتها نينا، تعتبر أن لجوء الأخيرة للإعلام هو إساءة بحق حفيدتها.

تنفي الجدة مرة أخرى محاولات الوالدة للتواصل مع ابنتها، بينما يسقط سهواً من لسانها سؤال الأم لـ"النواطير والغرباء عن مدرسة الطفلة". تعترف بذلك معترضة على "هذه التصرفات".

وحين تنتبه للأمر، تعود لتصوّب على أولاد نينا الآخرين، مقسمة في المقابل على أنها لم تخبر الطفلة بأن أمها ميتة.

تقول: "أنا مش مانعة الأم تشوف ابنتها، أبوها هو يلي مانع. أنا فقط أنتظر لتصبح الطفلة لديها نضوج كافي وتصبح بعمر يؤهلها. حينها نقول لها: تفضلي شوفي بنتك. شو بدكن تصدموا البنت يا متعلمين يا صحافيين بتقبلوا البنت تضيع؟".

بعد استخفاف الجدة بالموضوع القضائي وهجومها على فكرة تدخل الإعلام في المسألة، تنهي الاتصال بحدة. بعد ذلك، تتصل السيدة التي كانت قد دخلت في الوساطة، وتنفي أن تكون قد قالت لنينا في وقت سابق إن ابنتها تظن أنها ميتة، موضحة "أنا فقط قلت لها أن تنتظر حتى العطلة الصيفية لكي يتم التمهيد للطفلة، لكي لا يؤثر الأمر عليها تعليمياً وتربوياً ونفسياً".

السيدة التي قالت إنها تلقت اتصالاً من الجدة تسألها "مع من أتابع الأمر بعد أن كلفت (نينا) الصحافة بالقضية؟"، أعلنت أن تدخلها أتى من منطلق إنساني وأنها ستنسحب بسبب الاستهانة بوعدها.

بدورها ترد نينا بالقول: "أعلم أنهم سيقولون هذا لابنتي. سيقنعوها بأنني تخليت عنها. سليهم كيف حاولوا أثناء طلاقي إجباري على التوقيع على التنازل إلا أنني لم أقبل. أنا لم أوقع على التنازل ولم أتنازل. لماذا كلما سمعت صوتي أقفلت الخط؟ لماذا يحاولون إخفاء هوية مدرستها عني؟ ولماذا أسأل الناس عن مدرسة ابنتي؟ لماذا أحاول التواصل مع المدرسة؟ لماذا أرسلت الوسيطة؟ حرموني من ابنتي وهم من كانوا يحاولون جعلي أتعب من متابعة الأمر. نعم كانت أساليبي ضعيفة ولكنني لم أكف يوماً عن السؤال".

في المقابل، لم تنجح محاولات التواصل مع الأب. لم يكن يرد على الاتصال. أرسل رسالة يستفسر عن المتصل، وحين علم بشأن متابعة الموضوع إعلامياً اختفى.

من طفلة محرومة من والدتها إلى أم محرومة من طفلتها

عن معاناتها الساكنة وسعيها الصامت، يختبئ خلف إجابات نينا الكثير من الخوف والضعف اللذين حملتهما من طفولتها.

"لقد تربّيت على الضعف، لم أكن أعرف كيف أنتفض، أنا أصلاً لم أكن أنتفض لحقي، كنتُ أخاف من أي شيء، لم أكن أحصل على المساندة والدعم منذ صغري وهكذا بقيت إلى أن أدركتُ متأخّرةً أن عليّ أن أنتفض بنفسي"، تقول نينا ملمّحةً إلى أنها تخلّصت بعناء من شخصية الماضي "وأنا اليوم قوية، لن أسكت حتى أستعيد حقي بأمومتي وحق ابنتي بي".

أكثر ما يُخيف نينا التي تزوجت بعمر مبكر "لكي أنستر، هكذا كان يعتبر أبي"، هو أن تعيش ابنتها ما عاشته هي نفسها، فقد ترعرت في كنف عائلة لا تختلف عن عائلة طليقها من حيث النظر إلى الأنثى كعورة، وتجربتها الشخصية لا تعدو كونها استنساخاً لحياتها في منزل والدها، وهذا ما يبرّر برأيها عدم تحرّك والدها للمّ شملها بابنتها.

أكثر ما يُخيف نينا التي تزوّجت بعمر مبكر "لتنستر" كما قال والدها، هو أن تعيش ابنتها ما عاشته هي نفسها، فقد ترعرت في كنف عائلة لا تختلف عن عائلة طليقها في النظر إلى الأنثى كعورة...  قصة نينا التي حرمها طليقها ووالدته والشرع من ابنتها، ومحاولاتها اليوم لاستعادتها 

"والداي انفصلا حين كنتُ طفلة، لم يكن يسمح أبي بلقائنا بوالدتي، وكنا أخي وأنا نسمع أن أمنا تركتنا وتزوّجت. أمي تزوّجت بالفعل، لم أكن أعلم شيئاً عن ظروفها. للأسف هي أثبتت ما كان يُقال لنا، ويبدو أنها انشغلت فعلاً بحياتها أو أنها اضطرت للحفاظ على عائلتها فأهملتنا"، تقول مضيفة "أنا صحيح تزوّجت، ولديّ أطفال من زوجي الجديد، إلا أنني لم أهمل السؤال عن ابنتي أبداً، أحاول ولو بطرقي المتواضعة الاجتماع بها، زوجي يدعمني كثيراً وأمه كذلك، ولكنني لم أفكر يوماً بأنني سأستسلم إن لم أتلقّ دعمه. كنتُ أحتاج لدعمها، كنتُ أحتاج لأن أصدّق ولو بيني وبين نفسي أنها تقوم بأيّ شيء لأجلنا".

وعن احتمال أن تكون والدتها قد واجهت المصير نفسه الذي تواجهه نينا اليوم، ما حال دون حضورها في حياتها، تقول نينا: "أنا لم أستبعد هذه الفكرة، ولكن أعلم أنني كأم أحاول حتى آخر نفس. أنا أقول ما أشعر به، قد تكون أمي حاولت في فترة محددة ثم استسلمت. قد أكون أخذتُ العبرة من استسلام أمي، ولا أريد تكراره".

حرمان الأمهات من أطفالهن... في المدارس أيضاً

على الرغم من شيوع فكرة امتثال الكثير من المدارس لأوامر الجهة التي تقوم بتسجيل الطفل ودفع مستحقات الدراسة المالية، الأمر الذي تُحرم بسببه الكثير من الأمهات المحرومات من الحضانة من متابعة أمور أطفالهن الدّراسيّة، كان لا بد من الاستفسار من نينا عن سبب عدم توجهها إلى مدرسة ابنتها.

"المدرسة لن تتجاوب معي في هكذا حالات، بل هي تمتثل لإرادة الوالد بعدم السماح للأم المطلقة برؤية أطفالها".

تجيب: "لم أكن أعلم اسم مدرستها إلا قبل فترة قليلة. عدم تحقيق التواصل معهم كان يمنعني من معرفة مدرستها. هم أيضاً يحرصون على ألا أعرفها. ولكن قام أحدهم بإخباري عنها نهاية شهر أيار/ مايو الماضي".

وتتابع: "فكرت حينها في ما لو أستطيع زيارتها في المدرسة، ولكنني علمت بأنني لن أستفيد بشيء لأن المدرسة لن تتجاوب معي في هكذا حالات، بل هي تمتثل لإرادة الوالد بعدم السماح للأم المطلقة برؤية أطفالها داخل المدرسة".

وتُردف "تخيّلي، تواصلت مع المدرسة عبر تطبيق مسنجر، وأخبرتهم قصتي بالكامل، وسألت عن إمكانية مساعدتي للالتقاء بابنتي أو على الأقل أن يخبروني عن أمورها ولكن كل ما فعلوه هو سؤالهم من أكون، وبعدها توقفوا عن التجاوب معي نهائياً".

"أنا غير موجودة بالنسبة لابنتي. هي الآن بعمر التسع سنوات ولا تعرف أي شيء عني، حتى لو رأيتها في طريقي لا أستطيع أن أقترب منها، لن أعرّضها لصدمة غير مسؤولة".

واقعٌ يشرّع الأبواب أمام محاباة الجسم التربوي لذكورية القوانين، وتواطئه مع الأعراف والقوانين على الأمومة والطفولة، ويذكّرنا بمعاناة نادين جوني التي كتبت ذات مرة عن محاولاتها متابعة أمور ابنها الدراسية من المدرسة نفسها، إلا أن جواب الناظرة كان حينها: "أهل بيو محذريني إنك تجي لهون، ومانعين تعرفي عنو شي. أصلاً إنت ممنوع تفوتي لهون. ما بعرف كيف سمحولك أصلاً". 

هذه الحقيقة المؤسفة التي تواجه الكثير من الأمهات اللواتي يحلمن حتى بمتابعة الاوضاع التعليمية لأطفالهن، ولكن التجبّر الذكوري يفرض على المدارس عدم السماح بهذا الحق الطبيعي، والوعي التربوي المدفون في درج المحاسبة واللامسؤولية التربوية يساعدان على ترسيخه ربما لأن: "الزبون دائماً على حق". 

في هذه المرحلة، أصبح الأمر أصعب بالنسبة لنينا. "أنا اليوم، لا أستطيع أصلًا أن أفكر بالأمر. أنا غير موجودة بالنسبة لابنتي. هي الآن بعمر التسع سنوات ولا تعرف أي شيء عني، حتى لو رأيتها في طريقي لا أستطيع أن أقترب منها، لن أعرّضها لصدمة غير مسؤولة! أُغلقت أبواب الحلول بوجهي"، تقول الأم التي تخاف أن يلحقها مصير الأمهات اللواتي رحلن قبل أن يتمكّنّ من استعادة حقهن بفلذات أكبادهن.

نينا: سأتابع الموضوع قضائياً

تسعى نينا اليوم للحصول على دعمٍ حقوقي لاستعادة ابنتها، وهي ككثيرٍ من الأمهات اللواتي لا يستطعن متابعة قضاياهن، سواء المتعلّقة باستعادة حق الحضانة أو تنفيذ حق الرؤية، بسبب عدم القدرة على تحمّل أعباء وتكاليف المتابعة القضائية.

"أود الوصول إلى نهاية سعيدة ومضمونة، لا أريد وعوداً، ولن أسمح أن يتم استغلال قضيتي وتحجيمها كما حصل مع لينا جابر ويقال: لماذا لم تتقدم برفع شكوى"، تقول ممنيّة النفس أن يتم تبنّي قضيتها من قبل جهة حقوقية من أجل متابعتها وإيصالها نحو النهاية السعيدة.

- ماذا تقولين لابنتك في حال عرفت بالأمر في المستقبل؟ 

- "ماما أنا عايشة، أنا موجودة، لست ميتة. لم أكف يوماً عن التفكير بك والسؤال عنك. أنا رح إمشي بالقضية للآخر كرمالك، كرمال إرجع شوفك وضمك لصدري. وانشالله يا رب إقدر عوضك الحنان يلي انحرمتي منو". 

- ماذا تقولين لوالديكِ؟ 

- "الله يسامحكم. يقولون لي إن ابنتكِ مهما كبرت ′مرجوعها لحضنك′. لا يوجد هكذا كلام. إن لم أسع لأجلها كيف سأضمن عاطفتها تجاهي؟ أنا أعلم هذا الشعور جيداً، لن أسمح أن تعيشه ابنتي".

- ماذا تقولين لطليقك وعائلة ابنتك؟

- "لا أقول سوى كلمة واحدة: الله لا يسامحكم، منكن لله. لن أسامحكم لا ليل ولا نهار، لا دنيا ولا آخرة. حرمتموني من ابنتي وحرمتم ابنتي مني. تقولون إنكم تخافون الله، تصلّون وتصومون، وتحرموننا أنا وابنتي من بعضنا البعض، ومن ثم أعلم أنكم تخبرونها بأنني ميتة!! كيف تقولون أنكم مسلمين ومؤمنين؟".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image