لاتزال كثير من النساء في مصر تعاني في حياتها الزوجية، حتى باتت حياتهن منحصرة في التزاماتها عند كثير من شرائح الطبقة الوسطى، وقد لفتت معاناة الزوجة المصرية انتباه السينما، فاستعرضت بعض جوانبها في أفلام، مثل "أريد حلاً، 1975" للمخرج سعيد مرزوق، الذي يعرض مشكلة درية مع زوجها التي وصلت إلى طلبها الطلاق، كذلك هناك فيلم "السادة الرجال، 1987" لرأفت الميهي، فعرض معاناة الزوجة فوزية التي تتحول إلى رجل في إطار كوميدي.
وقدم المخرج يسري نصر الله فيلم "احكي يا شهرزاد، 2009"، وتدور أحداثه حول المذيعة هبة يونس المهتمة بقضايا المرأة، كما إنها في الوقت نفسه زوجة تعاني من مشكلات كثيرة مع زوجها، وتعرضت منه لكثير من العنف والإهانة.
مثلما عانت درية، فوزية، وهبة من العيش مع أزواجهن، الكثيرات لازلن يعانين، حتى بات الحديث عن الضغوطات والاعتداءات اليومية هو السائد في جلسات الزوجات، وأحاديثهن.
"سجينة تسلط الزوج"
روت صديقتي سلوى عما عايشته والدتها هناء (60 عاماً)، أستاذة جامعية من القاهرة، مع والدها من تسلُّط، وفرض آراء، بما فيها القرارات الخاصة بعملها.
وحكت لي صديقة أخرى، وفاء (25 عاماً)، لا تعمل وتسكن في محافظة بورسعيد، عما تعرضت له من عنف جسدي على يد زوجها الذي ضربها ضرباً مبرحاً، معلقة على ذلك: "كل حتة في جسمي كانت بتوجعني".
في الحالة الأولى لم تكن هناء ذات شخصية قوية على الإطلاق، ما كان يسمح لزوجها بالتحكم في قراراتها، وحتى لا تكون هي صانعة المشكلات، لم تكن لتحتج كثيراً على كلامه، ما أثر على مشاعر بناتها، فبتن يعانين من التحكم منذ الصغر، حتى في اختيار كلياتهن ثم وظائفهن، ولم يتخلصن من هذا سوى بالزواج، وظلت الزوجة حبيسة تسلط زوجها، بحسب رواية ابنتها سلوى.
تقول وفاء (25 عاماً) إنها صُدمت كثيراً من رد فعل الناس على ضرب زوجها لها، خاصة الرجال، قالو لها أنها "رخّصت نفسها، بقبولها الزواج منه"، وكأنها الملامة على عنفه وليس هو
أما في حالة وفاء، فمن المفترض أنَّ زوجها هذا كان يجمعها بها علاقة حب قبل الزواج بخمس سنوات، وكانت تنتظر اليوم الذي سيجمعهما فيه بيت واحد، خاصة وأنه كان هناك معارضة شديدة من قبل الأهل، لأنه من مستوى مادي أقل، لكنها تمسكت به أمام الجميع، وقد أتى اليوم الذي أصبحا فيه سوية، ولكن مع أول مشكلة حقيقية انهال بالضرب عليها.
وتقول وفاء إنها صُدمت كثيراً من رد فعل الناس على ضرب زوجها لها، خاصة الرجال، قالو لها أنها "رخّصت نفسها، بقبولها الزواج منه"، وكأنها الملامة على عنفه وليس هو.
"خان عشرة ربع قرن"
في إحدى الجلسات الحميمة مع والدة صديقة مقربة، السيدة منى (52 سنة)، استفاضت في الحديث عن زواجها الذي استمر 25 عاماً، قبل أن يتزوج بأخرى.
خمس وعشرون عاماً لم تعرف فيهم يوماً "طعم الراحة"، على حد وصف منى، وترى حالها يشبه حال كثير من السيدات المصريات، في السنوات العشر الأولى من الزواج كانت تستيقظ في الصباح الباكر، ترتب المنزل، تعد الإفطار لزوجها وأولادها، وتعد أولادها للذهاب إلى المدرسة، فتلبسهم الزي المدرسي، وتمشط شعرهم، ولأنها معلمة في مدرسة الأبناء، بطبيعة الحال تصطحبهم معها يومياً إلى المدرسة، وترعاهم حتى أثناء عملها، وفي نهاية اليوم الدراسي تعود بهم إلى البيت، وقبل أن تنزع عنها ملابسها، تبدأ في إعداد الغداء، وبعد الانتهاء من تناول الغداء، تقرر أن تستريح قليلاً حتى يأتي ميعاد رجوع الزوج، وهنا لابد وأن تستيقظ لتُعد الطعام لزوجها، وتجلس معه.
أما بالنسبة لزوجها، فقد كان دائم الشجار معها بسبب مصاريف البيت والأولاد، وكانت تساعده في أغلبها، لكنه كان رجلاً مثل بقية الرجال، يعتقد أنه لابد أن يكون العقل المدبر، فكان يرفض أن يمنح زوجته مصروفاً للبيت، ويدَّعي أنه يستطيع إدارة البيت أفضل من زوجته، ولكن العكس كان يحدث دائماً، وبسبب سوء تصرفه كان المال ينفذ قبل منتصف الشهر، ويضطر أن يستدين، وفي النهاية لا يستطيع تسديد هذه الديون، فتساعده الزوجة في تسديدها، كذلك كانت تقوم بشراء الكثير من الأشياء لأولادها، الذي لا يفكر الأب أبداً في حاجة الأبناء لها، رغم أن دخلها الشهري أقل من دخل زوجها بكثير، ولكنها كما تقول عن نفسها: "تعرف كيف تُمسك بزمام الأمور".
"كان قلبي يرق، فلا أستطيع أن أترك أولادي وأرحل".
"أسهل كلمة على لسان زوجي خلاص مايتعلموش، هجيب منين؟"، تقول منى، كلما تعثرت أحواله المادية كان الزوج يردد هذه الجملة، ولكنها لا يهوّن عليها ضياع مستقبل أولادها، فكانت تتدارك الأمور قبل أن تسوء أكثر، وفي كل مرة مشابهة كانت تحدث مشاجرات عنيفة تصل إلى حد طلب الطلاق، ولكن مع تدخلات الأهل ينتهي الأمر بالصلح، وعن السبب الآخر في رجوعها إليه مرة أخرى، تقول منى: "كان قلبي يرق، فلا أستطيع أن أترك أولادي وأرحل".
مضت السنوات على هذه الوتيرة حتى كبر الأبناء، وأنهوا تعليمهم، فأصبحت ابنتها وصديقتي مهندسة، والتحق أخوها بكلية تجارة خاصة، تولت السيدة منى دفع مصاريفها بالكامل، بعد أن رفض الأب حتى المشاركة في دفعها، بحجة أنه يعاقب ولده الذي لم يحصل على "مجموع عال" في الثانوية العامة.
تنهي منى حديثها: "وبعد كل ما عانيته معه، تزوج عليَّ، في آخر خلاف بيننا قال لي إن مهمتي بالنسبة إليه قد انتهت، شعرت وقتها أنه تزوج عليَّ، ومع الوقت تأكد لي الأمر، فترك البيت ورحل".
"يجرّ والدتي من شعرها"
"أتذكر مرة أن والدي جرَّ أمي من شعرها بثياب المنزل على سلالم العمارة"، هذا ما قالته كاميليا صديقتي (24 سنة)، في حديثها عن والدتها السيدة ليلى (50 سنة)، وتسكن في القاهرة، وتعمل في مجال التدريس.
دائما ما كانت تحكي لنا كاميليا عن مشكلاتها مع والدها، وتقول إنه رجل "شكاك" كما وصفته، فقالت: "عندما كان يتشاجر مع أمي، ويأتي غرباء للصلح بينهما، كان يتهم أمي بما ليس فيها، ويقول إنها امرأة سيئة الخلق".
تحكي كاميليا أنه في أي خلاف، كبر أو صغر، لابد لوالدها أن يضرب والدتها، ويسبها بأفظع الشتائم، أمامها وأمام أخوتها الصغار.
"بعد أن كبرت في ذلك البيت الذي يهين فيه والدي أمي، كما أنه كان يهينني أنا أيضاً بالسب والضرب وكذلك الشك، قررت الانفصال نفسياً عن حياتهم فهم لا يعلمون عني شيئاً وأنا أيضاً"
أضافت كاميليا لرصيف22: "كنت أتحايل على أمي أن تنفصل عن والدي، لكنها كانت أضعف من اتخاذ هذه الخطوة".
هددت والدة كاميليا زوجها كثيراً بطلب الطلاق، لكن في نهاية المطاف كانت تعود للعيش معه، حالها حال كثير من السيدات المصريات اللواتي لا يستطعن الابتعاد عن أولادهن، فقلب الأم لن يطمئن على أولاده مع أب مثل هذا، وما كان من والدة كاميليا سوى تفادي الخلافات مع زوجها حتى تتجنب الإهانة أمام أولادها، وخاصة بعد أن تقدم بها العمر.
"بعد أن كبرت في ذلك البيت الذي يهين فيه والدي أمي، كما أنه كان يهينني أنا أيضاً بالسب والضرب وكذلك الشك، قررت الانفصال نفسياً عن حياتهم فهم لا يعلمون عني شيئاً وأنا أيضاً"، تقول كاميليا.
عندما لاحظت والدة كاميليا انفصالها عنهم، قررت الذهاب بها إلى طبيب أمراض نفسية، وأصرت على الذهاب معها في الجلسة الأولى.
تنهي كاميليا حديثها قائلة: "عندما انتهت جلستي مع الطبيب، طلبت مني أمي انتظارها في الخارج، وقالت إنها بحاجة للحديث مع الطبيب قليلاً، انتظرت في الخارج، وبعد مرور وقت قليل خرجت أمي وهي تبكي، في داخلي ساورتني فكرة أنها بالتأكيد تحدثت معه عن أبي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...