"متّ كريماً في سريرك، لا مسجوناً ولا مقتولاً ولا معتدىً عليك، وأطال الله عمرك حتى شاهدت جميع أعدائك الذين تآمروا عليك في السجون".
بهذه الكلمات رثى عمر علاء مبارك جده الراحل، الرئيس المصري الأسبق الذي توفي في 25 شباط/فبراير، إثر تدهور حالته الصحية جراء جراحة أجراها في المعدة في وقت سابق من الشهر الجاري.
وفي تدوينة عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي عدّد عمر، الحفيد المثير للجدل دائماً، علامات "حسن الخاتمة" في وفاة جده، بحسب تعبير المصريين.
غير أن منشور عمر الذي طالما استفز المصريين بإبرازه مظاهر بزخه وثرائه وإصراره على أن جده "أعظم رجل وأعظم رئيس" في منشوراته المتتالية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تسبب بمنشوره هذا باستفزاز غير مسبوق لعدد كبير من المشاركين والمنتمين إلى ثورة 25 كانون الثاني/يناير عام 2011 التي أطاحت جده بعد 30 عاماً في الحكم.
قال عمر: "مصر كلها تمطر يوم وفاتك كأن سماءها تبكيك. الجامعات والمدارس في أنحاء البلد في إجازة وكأنها أعلنت الحداد عليك. متّ في أول يوم من أيام (شهر) رجب كأن الله يفيض من فضله وكرمه عليك. (جاءت) وفاتك بعد أسبوع واحد من براءة نجليك اللذين كانا بارين بك وعطوفين عليك. متّ كريماً على سريرك لا مسجوناً ولا مقتولاً ولا معتدىً عليك".
"متّ كريماً وأعداؤك المتآمرون في السجون"... حفيد الرئيس المصري الأسبق، عمر علاء مبارك، يرثي جده معدداً دلائل "حسن خاتمته". هل قصد إظهار "الشماتة" لدى نشطاء ثورة يناير؟
ثم أردف: "أطال الله عمرك حتى رأيت بلدك قوية وجميع أعدائك الذين تآمروا عليك في السجون. وفجأة ملايين المصريين يحزنون ويِرثونك ويدعون لك بالخير ويترحمون عليك. ويقام لك حداد رسمي وجنازة عسكرية وكبار القادة والوفود يصلون عليك".
ويقصد بتعبير "علامات حسن الخاتمة" عوامل تساعد المحيطين بالمتوفى على تحديد حب الله له ومصيره بدخول الجنة أو النار من خلال "البشارة" بتعابير الوجه عن الغسل أو التكفين والوفاة في أيام "مفترجة" أي مفضلة دينياً وفي أشهر محرمة أو لا. وكلها بالطبع أمور تكهنية لجلب بعض العزاء لذوي المتوفى.
وحصد منشور عمر عبر فيسبوك أكثر من 12 ألف إعجاب وألف مشاركة ونحو خمسة آلاف تعليق حتى نشر هذه السطور.
هذه حقيقة جدك يا صغيري
ويرى مصريون كثر أن مبارك الجد سبب أساسي لضياع حاضر ومستقبل أجيال عديدة، عانت تحت حكمه التضييق والقمع والفقر. ويتهمونه هو وأسرته بنهب أموال الشعب ونشر الأمراض والفساد الذي ينخر مؤسسات البلد حتى الآن. ويقولون إن يديه ملطختان بدماء آلاف الأبرياء.
وطغى الركود الاقتصادي وانتشرت البطالة خلال حكم مبار الذي افتقد "الرؤية الشاملة للتنمية"، وفق خبراء. كما عانى المصريون جراء ما اعتبروه محاباة رجال الأعمال على حساب الطبقات المتوسطة والدنيا.
ورصدت جماعات حقوقية دولية ومحلية حوادث تعذيب وقتل واعتقالات واسعة في صفوف المعارضين والمعبرين عن وجهات نظر منتقدة لنظامه.
وحرص ناشطون على الرد على عمر والتوضيح له أن جده ما كان ليخرج من السجن لو استمرت الثورة حتى تحقيق جميع أهدافها.
وعلق الحقوقي المصري جمال عيد على رثاء حفيد مبارك قائلاً: "لكنه أصبح لصاً بحكم قضائي، يا صغيري الضال".
وأضاف في تغريدة أخرى: "أموال المصريين التي نهبها مبارك وتوجد في (بنوك) سويسرا تساوي 700 مليون فرنك سويسري. الفرنك السويسري يساوي 16 جنيهاً وعدد المصريين 100 مليون، ما يعني أن كل مواطن سُرق منه سبعة فرانكات أي حوالى 112 جنيهاً. أنا أسامح في الـ12 جنيهاً، وأريد الـ 100 جنيه الباقية الخاصة بي".
بعد حديثه عن بكاء السماء لجده… الناشطة الحقوقية والسياسية منى سيف ترفض الاشتباك مع حفيد مبارك أو الهجوم عليه. لماذا ننساق إلى الموقف نفسه؟
ورد حساب آخر على رثاء عمري بالقول: "لا يا نور عين جدك… مات مسجوناً بحكم قضائي نهائي في جريمة مخلة بالشرف". وصدر حكم قضائي نهائي بإدانة مبارك ونجليه في قضية الاستيلاء على هدايا القصور الرئاسية وجرى التصالح برد الأموال المنهوبة.
وأضاف ثالث على ذلك: "جدك مكانه السجون لولا الثورة المضادة والانقلاب العسكري"، في إشارة إلى إطاحة الجيش المصري حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي عام 2013 استجابة لمطالب شعبية واسعة.
واستنكر أحد المعلقين ما اعتبره "شماتة" حفيد مبارك بـ"المعتقلين السياسيين"، قائلاً: "حفيد حسني مبارك وهو يرثي جده لم ينس الحديث والشماتة بالمعتقلين (الذين تآمروا على جده) بينما مات هو على سريره وهم في السجون". ويقبع غالبية ناشطي الثورة في السجون، فيما هرب بعضهم إلى خارج البلاد وجرى تطويع آخرين لخدمة النظام الحالي.
وتعجب المعلق نفسه من أن "الفتى ربيب القصور والمال الحرام ذكر أن جده مات ميتةً كريمة! أود أن أسأل، وعذراً على جهلي: كيف هي ميتة ‘كريمة‘؟ وهل هي قريبة ‘محاسن‘؟"، في سخرية واضحة من دعوات الترحم على الرئيس الأسبق عملاً بـ"اذكروا محاسن موتاكم".
هاجموا المنافقين لا الحفيد
بين الفريقين، وقفت الناشطة السياسية والحقوقية منى سيف التي استنكرت محاولات الاشتباك والتعليق على رثاء حفيد مبارك. وكتبت عبر تويتر: "عالم عجيبة أوي؛ تاركين كل هذا ومتفرغين للخناق مع حفيد! المنطقي أن تخانقوا المحيطين بكم الذين وبشكل مفاجيء ينبشون عن أي ‘محاسن‘ لسبب الخراب في حياتنا ومستقبلنا (تقصد مبارك)، أو المعرصين (المنافقين) الذين كانوا يشتمونه في عز هزيمته (إبان ثورة 25 كانون الثاني/يناير عام 2011) والآن يعتبرونه أعظم قائد أو المجرمين الذين يشبهونه ويسعون لتأمين مستقبلهم".
وختمت: "بإمكانكم أيضاً أن تتجاهلوهم جميعاً لأن جرائم نظام مبارك واضحة ومحفورة في ذاكرتنا كلنا مهما حاولوا أن يطمسوها... لكن حفيد؟ إذا كانوا هم فاسدين ويستغلون الولد وعلاقته بجده، فلماذا ننساق نحن إلى الأمر نفسه؟!".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...