شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"الفن حرام وما يأكل عيش"... حياة فنانين تشكيليين في اليمن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 26 فبراير 202004:10 م

"قبل الحرب كنا أحياء، أما الآن فنحن نعيش تحت القبور، خنقتنا الصراعات الدائرة في البلاد منذ خمس سنوات، وكبتت على أنفاسنا"، بهذه الجمل يصف الفنان التشكيلي علي دحان، حال الفنانين التشكيليين اليمنيين.

يطلق علي تنهيدات عميقة، بملامحه التي رسمت الحرب همومها عليه، جالساً في دكانه الصغير في سمسرة النحاس في مدينة صنعاء القديمة، الدكان الذي كان يضج يوماً بالزائرين والسيّاح.

يرسم دحان لوحات فنية على قطع القماش، بالألوان الزيتية، يجسّد فيها معالم اليمن، وتاريخه، وجمال مبانيه، وأيضاً الأزياء القديمة للمرأة اليمنية.

يرى علي أنَّ رسوماته سحرت السياح الغربيين الذين كانوا يتوافدون إلى محله في الماضي، حيث باع أكثر من ثلاثمائة لوحة فنية لمسؤولين وسياح أوروبيين.

"بيئتنا طاردة للفنّ"

يجلس علي الآن مسترجعاً الذكريات، ويقلِّب صفحات دفتره الذي يحوي بين أوراقه شهادات من الزائرين الغربيين لمحله الصغير، للقضاء على الملل، بعد أن توقف الناس عن الدخول إلى مرسمه، ففي اليمن يكافح الملايين حالياً للحصول على "لقمة العيش".

يرى دحان، الذي بدأ بالرسم منذ نعومة أظافره، أنَّ البيئة اليمنية طاردة للفن، كما أن الدولة ذاتها لا تشجع الفنانين، وحتى المسؤولين والأثرياء لا يحبذون شراء اللوحات الفنية، كما في الدول العربية والغربية.

يحكي علي قصته مع مسؤول يمني زار محله مؤخراً، لكنه لم يلتفت إليه ولو حتى بكلمة ثناء.

يعتبر الفنان التشكيلي علي دحان الرسم في اليمن كمن يغني بجانب أصم لا يسمع، فلا يوجد اهتمام حكومي، ولا معارض فنية، ولا سياحة أيضاً، "كل شيء انهار مع الحرب"

يقول علي دحان لرصيف22: "زارني أحد المسؤولين، ومعه صديق من عمان، استبشرت بالخير، لكنه اطلع على الرسومات، وخرج بصمت، حاولت أشرح له عنها، لكنه لم يعرني انتباهاً، وخرج من المحل دون النطق بكلمة، وليس هو الأول فالعشرات من المسؤولين اليمنيين لا يشجعون الفنون، ويعملون على إجهاضها".

عمل الفنان علي دحان لكل لوحاته صوراً مطبوعة صغيرة لعلَّه يبيعها بسعر زهيد يتناسب مع حال اليمنيين، ليوفر مصاريفه الشخصية، لكنه ورغم ذلك لا يجني سوى إيجار المركبة التي تقله إلى منزله بشكل يومي.

ويصرّ على فتح محله كل صباح، وممارسة الرسم بالألوان، يكمل لوحات التي يرى أنها "سُرقت منها ملامح الفرحة فبدت باهتة وحزينة أيضاً".

يرسم علي منذ طفولته جمال اليمن، ومعالمها التاريخية، وعاداتها الأصيلة، محاولاً الاستمرار على خطاه القديمة لينسى مرارة الحرب وآلامها.

يعتبر علي الرسم في اليمن "كمن يغني بجانب أصم لا يسمع، فلا يوجد اهتمام حكومي ولا معارض فنية، ولا سياحة أيضاً، كل شيء انهار مع الحرب".

"أغلقت مرسمي وأعمل بالتدريس"

عبده المطري، فنان تشكيلي متفرد بفنه، يرسم المطري لوحاته من فصوص الكريستال، لوحاته التي تضيء محله ليلاً، عجزت عن إنارة حياته التي أظلمتها الحرب، بحسب تعبيره.

يبيع عبده لوحاته لمسؤولين خليجيين وغربيين، فهي لوحات غالية الثمن، وأيضاً تستغرق اللوحة الواحدة من عمره أسابيع لإنجازها.

يرسم المطري لوحات أيضاً بوجهين مختلفين لذات اللوحة، فإذا حركها يمنة أظهرت صورة، وإذا حرَّكها بالاتجاه الآخر أظهرت صورة أخرى، يجسِّد من خلالها حال الإنسان بين الشباب والشيخوخة، ويمزج الإنسان بمعلم تاريخي أو صورة شخص آخر.

كان لعبده المطري، الذي يعمل معلماً للغة الإنجليزية، مرسم في مدينة صنعاء القديمة لكن ظروف الحرب أجبرته على إغلاقه.

في منزله يعمل المطري على رسم لوحاته الفنية وفق طلبات زبائنه، ويشير إلى أنَّ الإقبال تراجع كثيراً بسبب إغلاق مطار صنعاء أمام السياح، منذ أربع سنوات.

"كان العمل يسير بشكل ممتاز قبل الحرب، لكنه الآن تراجع كثيراً، ولا أبيع في الشهر الواحد حتى لوحتين".

يقول المطري: "كان العمل يسير بشكل ممتاز قبل الحرب، لكنه الآن تراجع كثيراً، ولا أبيع في الشهر الواحد حتى لوحتين وأحياناً يمر شهر ولا أبيع شيئاً، ناهيك أن أسعار المواد مرتفع جداً".

يتملَّك المطري الحزن لتشتت أعماله الفنية في كل القارات والدول، ويعتقد المطري "أن كل قطعة فنية يتم إنجازها لا يختلف ثمنها المعنوي عن أي قطعة أثرية، ولذلك أتحسَّر أن أعمالي الفنية مشتتة في كل القارات والدول".

ويواجه الفنان التشكيلي في اليمن تحديات كثيرة، منها رفض المجتمع للفن، بالإضافة إلى ظروف الفقر، فيجب على الفنان أن يعمل بمهنة أخرى أيضاً لتوفير الطعام والشراب لأسرته، بحسب المطري.

"أين حقوقنا؟"

بدأت الفنانة سبأ القوسي الرسم منذ طفولتها، بأصابع الفحم على جدران سطح المنزل، إلى أن أضيفت حصة الرسم في بعض المراحل الدراسية، حينها بدأت تطور موهبتها في الرسم، لتصبح واحدة من البارزات في الفن التشكيلي في اليمن.

ترى سبأ أن الرسم هو إعادة تشكيل جمالية للبيئة والطبيعة، ولهذا نوعت لوحاتها بين مناظر طبيعية، بورتريه ومعالم تاريخية، لتحاكي لوحاتها جمال قريتها بمحافظة ذمار، وتجسِّد كل لوحة المرحلة التي رسمت فيها، والمكان الذي زارته.

وخاضت سبأ في مدارس فنية عديدة، وأثمرت نتاجاً فنياً لا بأس به، من المدرسة الواقعية والطبيعية حتى التجريدية.

وخلال السنوات الأخيرة عكست القوسي بإحساس الفنان الذي يكابد ويعبر عن معاناته بريشته وألوانه، واقع البلد الذي دمرته الحرب وشردت أبناءه.

"التشدُّد الديني الذي تبنته بعض التيارات الدينية، أثر على ثقافة المجتمع بأفكاره المناهضة للفن، وجعلته في قائمة المحظورات والشبهات التي تمس العقيدة"

"كان نتاجي الأخير مجموعة من اللوحات تجسد الحرب وآثارها على الوطن، ورصدت بعض الضحايا الذين علقت صور مآسيهم في ذاكرة المجتمع والتاريخ"، تقول سبأ في حديثها لـرصيف22.

ولا تعرض سبأ لوحاتها للبيع، لكن عندما تجد من يرغب بحب ومصداقية في اقتنائها، ترضى بالبيع، وهناك إقبال على لوحاتها بالذات التي تحمل سمات شعبية تراثية، واللوحات السريالية التي يرغب بعض الكتّاب والشعراء في استخدامها كأغلفة لمؤلفاتهم.

كانت لوحة "الكفيف وحمامة السلام" أبرز لوحاتها التي تجسد الواقع اليمني، بحسب سبأ، والتي تهافت عليها الكثيرون وتنازعت عليها أكثر من جهة دولية ومنظمات لاقتنائها، وعرض عليها مبالغ خيالية، ولكن لوحتها اختفت من مركز المكفوفين بصنعاء، وما يزال مصيرها مجهولاً حتى الآن.

"يحرّمون الفن"

تواجه سبأ في حياتها الاجتماعية موجات من الأفكار المتشددة، الرافضة للفن، تقول: "التشدد الديني الذي تبنته بعض التيارات الدينية، أثر على ثقافة المجتمع بأفكاره المناهضة للفن/ وجعلته في قائمة المحظورات، والشبهات التي تمس العقيدة، وهذا مفهوم مغلوط عن الدين والحياة".

ولفتت سبأ إلى عوامل أخرى تؤرق الفنان اليمني، وأهمها العامل الاقتصادي، توضح رأيها أكثر: "بات الإنسان اليمني مهموماً بلقمة عيشه، ومصادرها الأساسية التي لا تتيح له المجال لتذوق الفن، ناهيك عن افتقار الفن لحقوقه من جهاته المختصة والرسمية، حيث تحولت المؤسسات إلى ساحة صراع حول آليات التمويل والدعم، ما أحبط الفنان اليمني واضطره للبحث عن جهات خارجية تحتضن إبداعه، ليواصل مسيرته الفنية دون أي عرقلة نفسية أو مادية، وهو ما بدى جلياً في ازدهار أعمال كثير من الفنانين خارج اليمن الذين لمعت أسماؤهم".

أما المطري، فيقول منهياً حديثه: ""أصبح كل شيء ضد الفنان في اليمن، المجتمع يقول لك الفن ما يؤكل عيش، وإن لم ترى أنت ما تصنعه جميلاً فسيعمل الكثيرون على تشويهه".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image