شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"مافيش أجازة إلا لو بتموت"... عن ظروف عمل "قاسية" يعيشها مصريون

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 24 فبراير 202003:11 م

نستيقظ كل يوم قبل موعد الدوام بساعة، نسرع بارتداء الملابس، نخوض رحلة شاقة في المواصلات، نقضي 8 ساعات في العمل، ومن ثم نعود للمنزل للأكل، ومشاهدة التليفزيون، وتصفح السوشيال ميديا، وأخيراً ننام، لشحن بعض الطاقة لتكرار العمل ذاته طيلة أيام الأسبوع.

السيناريو السابق يقوم به عدد كبير من الموظفين، ويحاول البعض منهم طلب إجازة للترفيه، وتفريغ الطاقة السلبية التي اكتسبها من دوامة العمل، لكن يصطدم برفض إدارة الشركة أو المؤسسة، إما لأسباب معروفة، أبرزها عدم وجود بديل يحلّ مكانه، أو توفيراً للنفقات، فالإجازة الرسمية أو السنوية تكون مدفوعة الأجر.

"كيف مرّت سنوات عمري؟"

تعمل آيات محمود (27 عاماً) في مجال الحسابات،  تسكن في مدينة 6 أكتوبر بضواحي القاهرة، وكثيراً ما تطالب بالإجازات الرسمية، التي تكون يوماً كل شهر أو شهرين، لكن المدير يرفض الأمر بحجة أن ظروف العمل لا تتناسب مع الإجازة الرسمية التي أقرّتها الدولة، وعلى الرغم من أنه يطبق جزءاً من مادة في قانون العمل، إلا أنه يتجاهل عن قصد الجزء الآخر.

ينصّ قانون العمل على وجوب أن يدفع صاحب العمل أو المنشأة ضعف الأجر اليومي للعامل إذا جعله يعمل في يوم إجازة، لكن في الغالب لا يحدث ذلك، وقد لا يحصل على يوم الإجازة مرة أخرى.

"أفكر في المدير أثناء رؤيتي للبحر".

تقول آيات، إن سنوات من عمرها مرت دون أن تدري كيف، موضحة لرصيف22: "خلّصت جامعة، وبدأت أنزل تدريب في شركات ناشئة، ومن ثم مؤسسات كبيرة، وكنت أتجاهل الحصول على إجازات حتى شعرت أن ثلاثة أعوام مروا، وأصبح عمري 26 سنة، لم أر البحر أو أخرج للتسوق من دون التفكير في العمل أو المدير".

لم تكن آيات الأولى التي واجهت الإنهاك الذي ينجم عن العمل لفترات طويلة دون الحصول على إجازة، والابتعاد بقدر الإمكان عن كل ما يخص العمل.

"العمل بقى مرتبط بنا حتى ونحن في السرير"، بحسب آيات، حيث ترى أنّ التكنولوجيا والبريد الإلكتروني ربطا الموظف بالعمل حتى في أوقات راحته: "المدير يرسل أحياناً استفسارات على الميل، أو يتصل عقب انتهاء أوقات العمل، وإذا لم أرد تصبح مشكلة، ويوجّه لي اتهاماً بالتقصير والإهمال".

"حين أرى طائراً في قفص، كل ما يفعله الأكل والشرب والنوم والقفز بين الحين والآخر داخل القفص، أفكر أن حياتي لا تختلف عن ذلك الطائر، أعتقد أني أفعل الأمور ذاتها، وأن الحياة أصبحت من دون معنى"

في مايو 2019، أدرجت منظمة الصحة العالمية، حالة الإرهاق من العمل، المعروف علمياً بـ"الإرهاق الوظيفي"، ضمن قائمة التصنيف الدولي للأمراض، وذلك بعد سنوات شهدت جدلاً بشأن اعتبار ارهاق العمل حالة طبية يجب التعامل معها أم لا.

تستنزف المواصلات، خلال الذهاب والعودة من العمل، عدداً من ساعات اليوم، إضافة لساعات عمل تزيد عن 8 ساعات، كل ذلك بجانب قصر الإجازة الأسبوعية على يوم واحد، أو رفض الإدارة الإجازات الرسمية والسنوية.

وصفت منظمة الصحة العالمية "إرهاق العمل"، بأنه متلازمة ناتجة عن إجهاد مزمن في مكان العمل، لم يتم التعامل معها بنجاح، وتمتاز هذه الحالة بثلاثة أعراض، الشهور باستنزاف الطاقة أو استنفادها، زيادة مشاعر السلبية أو التخويف المتعلقة بالوظيفة وتراجع الكفاءة المهنية.

بحسب قانون العمل المصري، فإن ساعات العمل 8 ساعات يومياً في القطاع الخاص، أما في القطاع الحكومي فتتراوح بين 6 و8 ساعات، لكن الفارق أن الموظف يحصل في الأخير على حقوقه فيما يخص الإجازات السنوية والرسمية، أما موظف القطاع الخاص فيجاهد للحصول على تلك الحقوق، وحين يطلبها يكون باستحياء، بحسب تقارير صحفية محلية.

"المدير كان كالمغشي عليه"

تأثّر مجدي عبد الرسول (47 عاماً) كاتب وصحفي، يسكن في محافظة الجيزة جنوب القاهرة، سلباً من منعه من الإجازات خلال فترة طويلة من العمل دون انقطاع، وأثر ذلك على معنوياته، ما أحدث نتائج عكسية على إحساسه بمهامه الوظيفية، فأصبح يمارس عمله بشكل روتيني، وليس بشكل إبداعي.

يقول عبد الرسول لرصيف22، إنه فور حصوله على الإجازة التي دامت أسبوعاً، بعد مرور أشهر من العمل المتواصل، كان هناك فارق إيجابي كبير، حيث ارتفعت معنوياته بشكل مختلف عما سبق، وهو ما اتضح بعد العودة إلى العمل مرة أخرى، من خلال كتابته التي ظهر عليها الطابع الإبداعي.

ترتب على المنع من الإجازات غياب مصطلحات كان موجودة لدى الطبقة الوسطى في العقود الماضية، إذا كان هناك ساعات للقيلولة في منتصف اليوم، والتي كانت تساعد كثيراً في تحسين العلاقات الاجتماعية، كذلك غياب الحفلات التي كانت تكثر يومي الخميس والجمعة والخروج، لكن حالياً اقتصر الترفيه لدى الكثيرين على إجازات الأعياد، وبات يوم الإجازة الأسبوعي للنوم لاستجماع بعض الطاقة لتكرار الأسبوع مرة أخرى، بحسب عبد الرسول.

"كانت نظرة المدير حين تقدمت بطلب إجازة طويلة كنظرة المغشي عليه"، هكذا يصف عبد الرسول تعامل الإدارة مع إجازاته، ويقول: "برغم إنها حقي القانوني لكن الإدارة حاولت الضغط عليّ لمنعي من الحصول عليها، ولكن مع إصراري عليها لم يكن أمام المدير غير الاستجابة لها".

"هل تعاني من مرض مزمن؟"

اضطر نادر باسم (26 سنة) لتقديم استقالته من مؤسسة تعليمية، بسبب رفض الإدارة إعطاءه إجازة نتيجة تعرضه لاكتئاب، يقول نادر: "المشكلة في مصر أنك صعب تعترف إنك مريض مرض مزمن، وفرصة حصولك على شغل بتكون نادرة جداً".

يعاني نادر من اضطراب ثنائي القطب، وأحياناً ما يتعرض لاكتئاب نتيجة اختلال في كيمياء المخ، ولا يكون لذلك سبب، يوضح نادر: "طلبت إجازة يومين وتم رفضها، واضطريت أقول إني عندي اكتئاب، وقالي مفيش حل قدامي أديك إجازة إلا لو بتموت".

"خلصت جامعة، وتدربت في شركات ناشئة، ومن ثم مؤسسات كبيرة، وكنت أتجاهل الحصول على إجازات حتى شعرت أن ثلاثة أعوام مروا وأصبح عمري 26 سنة، لم أر البحر أو أخرج للتسوق من دون التفكير في المدير"

في مصر يضطر الموظف إلى اتباع استراتيجية للحصول على الحقوق البسيطة مثل الإجازة أثناء المرض النفسي، وذلك بالذهاب إلى دكتور للحصول على شهادة مرضية، وهو ما يفعله نادر، الذي يوضح: "في أي شغل، لما كنت بكون محتاج إجازة كنت اروح لدكتور يكتب لي روشتة بأني مصاب بالربو، حتى أستطيع الحصول على إجازة أثناء النوبة النفسية التي أتعرض لها، لأن مفيش اعتراف بالمرض النفسي".

خلال عمليات التوظيف، يوجد سؤال في استمارة التوظيف: "هل تعاني من أي أمراض مزمنة؟" خلال إجراء مقابلة العمل، وذلك من أجل تصفية المتقدمين للعمل، واستبعاد كل من يجيب بالموافقة، حتى لا يحصل على إجازات مرضية، وبالتالي يعرض المؤسسة أو الشركة لخسارة يوم أو أيام عمل، بحسب تفكير صاحب المنشاة، وفقاً لتجربة نادر أثناء تقدمه لفرص العمل المتاحة.

يقول نادر مفسّرا: "تعد رغبة المديرين في منع الإجازات عن الموظفين من أجل الظهور بالصورة المثالية عند أصحاب العمل، وتعبيراً عن أن قلبه على الشغل، ويترتب على ذلك أن الموظف قليلاً ما يجلس مع عائلته، فضلاً عن انخفاض إنتاجيته في العمل".

وتظنّ آيات أنها في بدايات الإصابة بالاكتئاب، بسبب "دوامة إرهاق لا مفر منها"، تقول واصفة إحساسها بنفسها، الذي تغير بعد سنوات من العمل المستمر: "حين أرى طائراً في قفص، كل ما يفعله الأكل والشرب والنوم والقفز بين الحين والآخر داخل القفص، أفكر أن حياتي لا تختلف عن ذلك الطائر، أعتقد أني أفعل الأمور ذاتها، وأن الحياة أصبحت من دون معنى".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image