من المؤكد أن الابتسامة العريضة قد أرتسمت على وجوهكم في اللحظة التي قرأتم فيها العنوان؛ نحن في حضرة قنبلة الكوميديا المصرية والعربية، الوجه الضّاحك الذي لا ينسى والموهبة المتفجرة المختصرة في خمسة حروف "شكوكو"، الاسم الذي شكّل شهرته وأصبح علامة مسجّلة لخفّة الدّم والكوميديا وسرعة البديهة والحضور الطاغي في تاريخ السينما والمسرح في مصر، نتذكّره بعد مرور 35 عاماً على رحيله، في مثل هذه الأيام من فبراير عام 1985.
محمود إبراهيم إسماعيل موسى الشهير بـ"شكوكو" ابن حي الجمالية في وسط القاهرة، والذي خرج منه نجيب محفوظ، هو نفس المكان الذي جاء منه نجم المونولوغ الشعبيّ الذي يعدّ أحد أبرز العلامات في تاريخ الكوميديا المصرية خلال القرن العشرين، وُلد في 1 مايو 1912م، ودخل في صراعٍ مبكّر مع والده بسبب شقاوته التي كانت بدايتها مع عمله في مهنة النجارة صباحاً وهي المهنة التي ورثها عن والده، ولكن نهايتها كانت مع الغناء والرقص في الأفراح الشعبية مساءً، لتبدأ رحلة "شكوكو" مع الفنّ والجمهور مبكراً جدّاً في سنّ الطفولة.
صاحب الجلابية والطاقية
اشتهر شكوكو بالجلباب البلدي والطاقية الطويلة حتى أصبحا علامة مسجلة باسمه، صاحبتْه الطاقية التي يضعها على رأسه وهو يغنّي ويمثّل، وانتشرت تماثيله التذكارية المعبّرة عن مرحِ المصريين، كما انتشرت تلك الدمية المبهجة "عروسة شكوكو" بين كلّ عشاق مهنة الأراجوز في مصر.
اشتهر شكوكو بالجلباب البلدي والطاقية الطويلة حتى أصبحا علامة مسجلة باسمه، صاحبتْه الطاقية التي يضعها على رأسه وهو يغنّي ويمثّل، وانتشرت تماثيله التذكارية المعبّرة عن مرحِ المصريين
عام 1946م كان عاملاً فاصلاً في مسيرته الفنية، عندما قام بتكوين فرقة استعراضية تحمل اسمه، وضمّت معه كلّاً من الفنّان عبد العزيز محمود، وتحية كاريوكا وسميحة توفيق، وقامت الفرقة بتقديم عروضها على مسرح حديقة الأزبكية بالعاصمة المصرية.
7 أقلام على خدّ عنتر!
قدّم شكوكو الكثير من الأغاني الاستعراضية في السينما وعلى خشبة المسرح، من أشهرها: افتتح الحفلة، ألفين سلام وفرحنا لك، أنا معلم وابن معلم، الجدعنة من جدى وأبويا، جرحونى وقفلوا الأجزخانات، يا خولى الجنينة ادلع يا حسن، يا ستهم، يا مسافر وقلوبنا معاك. وقد تحوّل أغلب تلك الأغاني والمونولوغات إلي أيقونات في الذاكرة السمعية المصرية والعربية، كما أثرى شكوكو شاشة السينما بالعديد من الأدوار الكوميدية الرائعة، من أشهرها بطولته لفيلم "عنتر ولبلب"، والذي تابعنا فيه قصة الأقلام السبعة الشهيرة التي لا ينساها جمهور السينما العربية، بعد أن أصبحت رمزاً لانتصار الحقّ حتى لو كان في حالة من الضعف، ومن أبرز الأفلام التي شهدت مشاركة شكوكو وصنعت مجده السينمائي: شلة الأنس، شباك حبيبي، يحيا الفن، بلدي وخفة، الدنيا حلوة، الأسطى حسن.
حكاية الأراجوز
تأثير شكوكو استمرّ في الموالد المصرية والسّاحات الشعبية بعد رحيله، والسرّ عند مصطفى عثمان الشهير بـ"عم صابر المصري"، شيخ لاعبي الأراجوز المصريين، والحكاية الكبيرة في تاريخ الدّمى التقليدية التي توّجت رحلته قبل رحيله عن دنيانا بشهور، بعد تسجيل "الأراجوز" ضمن التراث العالمي الغير مادي لدى منظمة اليونسكو، وذلك بعد أكثر من 50 عاماً قضاها بصحبة الأراجوز.
خطف عرض الأراجوز قلب "عم صابر" بسبب شكوكو، وذلك عندما تسلّق الشجرة لأول مرّة ليشاهد عرض الأراجوز الذي كان يقدمه محمود شكوكو في ملهى "الكيت كات"، لتبدأ بعدها رحلة عم صابر في التنقّل بين موالد مصر وتعلّم الفن على يد كبار لاعبي الأراجوز، في شارع محمد علي، حيث تحوّل هناك للاعب أراجوز محترف يحافظ على الإرث الفنّي الذي تركه شكوكو خلفه.
صنع الفنان إبراهيم البريدي لوحة تشكيلية لشكوكو بجلابيته وطاقيته الشهيرة، كما قدّم لوحة مشتركة له مع الأيقونة العالمي "شارلي شابلن"
الفنان التشكيلي الكبير جورج بهجوري، أحد عشاق ملامح شكوكو الذين قاموا برسمِه، قال في أحد مقالاته التي صاحبها بلوحة جديدة قدّمها به، "إن الفنان العبقري (شكوكو) استطاع ان يُضَحك الشعب المصري وأن ينتج له فناً عبر عن روحه وحياته، ومازال فن شكوكو حياً، ومازلنا نُعجب بهذا الفنّ ونَطرب له ونضحك منه ونقبل عليه ونحبّه ، ورغم أنه لدينا معاهد للموسيقي وأساتذة للفن، لكن لا المعاهد ولا الأساتذة يهتمون بظاهرة فنية مثل شكوكو، فتولد وتعيش ثمّ تنتهي عندما يتقدّم العمر بصاحبها ويُطويها النسيان بعد ذلك!".
ولم يكن بهجوري هو الفنان التشكيلي الوحيد الذي رسم شكوكو، بل يوجد الكثيرون الذين فعلوها، ومنهم الفنان إبراهيم البريدي، الذي صنع لوحة تشكيلية لشكوكو بجلابيته وطاقيته الشهيرة، كما قدّم لوحة مشتركة له مع الأيقونة العالمي "شارلي شابلن".
عبقرية شكوكو
مفاتيح عبقرية شكوكو متعددةٌ، أبرزها أنه كان أمّياً لا يعرف القراءة والكتابة، ورغم ذلك أثرى الفنَّ العربي بأكثر من 600 منولوغ، وكانت أغلب تلك المونولوغات من تأليفه، كما أن شكوكو هو أول مونولوغست قام بتسجيل المونولوغات في تاريخ الإذاعة المصرية، كما أن نجاح شكوكو في رسم شخصية بصرية له منذ بدايته كان أحد علامات نبوغه، فالجلباب البلدي والطاقية نجحت في أن تعبرَ العصور، وبقيت "عروسة شكوكو" في يد الأطفال حتى الوقت الحالي، رغم غياب صاحبها عن دنيانا منذ أكثر من ثلاثة عقود.
طبيعة مونولوغات شكوكو كانت مختلفة أيضاً عن السائد في زمانه، والدليل أرقام الاستماع المرتفعة لها حتى يومنا هذا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويوتيوب، وربما لو كان شكوكو مازال حياً لكان أحد المنافسين الكبار في ساحة الستاند أب كوميدي.
كان شكوكو محبوباً على المستوي الاجتماعي وفي الوسط الفني، وربما كان زفاف ابنه "سلطان" مظاهرة حبّ جماهيرية عبرت عن شعبية شكوكو بين زملائه الفنانين المصريين والعرب. كما قدّم شكوكو دوراً وطنياً بارزاً أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ونجح في جمع تبرّعات مالية كبيرة لصالح المجهود الحربي مستغلاً شعبيته، وهو ما ساعد على ترسيخ قيمته الفنية والاجتماعية وسط المصريين، ليتحوّل إلى أيقونة فنية لا تغيب عن قلوب المصريين والعرب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...