كعادتها، كانت سهام عيدان تعمل على تأمين قوت عائلتها عبر جمع بعض ما يمكن استخدامه من نفايات أحد المطامر، ولكن قدرها الأليم، بل الإهمال والفساد، عاندها قبل أيام، إذ باغتها الموت بخطأ كارثي ارتكبه عمال في بلدية أمانة بغداد، الجهة الحكومية المسؤولة عن عمليات جمع نفايات العاصمة العراقية.
تفترض العائلة أن القصة المأساوية بدأت عند وصول آليات الأمانة إلى موقع الطمر الصحي في منطقة النباعي شمال بغداد. سارعت سهام البالغة من العمر 32 عاماً إلى مكبّ النفايات، في محاولة منها للظفر ببعض النفايات التي تعتاش عليها، عبر بيعها، لكنها لم تكن تعلم أن نهايتها ستكون كحياتها، بين النفايات.
المطمر الصحي في منطقة النباعي حيث لقيت سهام حتفها.
بدأ عمال البلدية برمي النفايات، ولم يكونوا يعلمون أن أحداً يوجد أسفل العربة، فما كان منهم إلا أن طمروا سهام تحت أكوام النفايات، في واقعة تضاف إلى المآسي التي يعيشها العراقيون.
ثم انصرف العمال من المكان دون أن يعلموا ما ارتكبوه. تركوا سهام تختنق تحت أكوام النفايات التي جثمت بثقلها عليها، كما جثمت آلام الحياة على صدرها.
خمسة أيام حتى العثور على الجثة
لم تنته المأساة هنا، إذ لم تتكشف القضية في اليوم نفسه. غياب سهام دفع عائلتها إلى البحث عنها في الطمر، بجهود ذاتية، ومن دون مساعدة السلطات، واستمرت عملية البحث خمسة أيام، قبل أن تكتشف الكارثة في 15 شباط/ فبراير.
يقول ذوو سهام: "عندما ذهبنا إلى مركز الشرطة، لم تتعاون السلطات معنا، لكن ثلاثة من عناصر الشرطة حضروا إلى منزل الضحية وأخبرونا بإبلاغ المركز عند العثور على الجثة".
زوج سهام مع أطفاله السبعة.
بألم وحسرة وغصة تكاد تقطع أنفاسه، يروي نصير شنين، زوج سهام، القصة لرصيف 22 ويقول: "خمسة أيام من البحث المتواصل. عثرت على زوجتي وهي مدفونة تحت أكوام النفايات. لم يقدّم أحد لنا المساعدة، فحتى الجهات الحكومية تجاهلت مناشدتنا، ورفضت مساعدتنا في عملية البحث عن زوجتي".
بصوته المتعب، يضيف: "نذهب أنا زوجتي وأطفالي كل يوم إلى المطمر الصحي، بسبب الفقر الذي نعاني منه، وعدم وجود أي مورد مالي توفره لنا الدولة. نعتاش ونوفّر قوتنا اليومي من مخلفات الآخرين".
ذوو سهام أمام مجلس العزاء في منطقة النباعي، شمال بغداد.
لم يكن نصير يملك المال الكافي لاستئجار المعدات الخاصة بالحفر، للبحث عن زوجته، لكن أهالي منطقة النباعي لم يديروا له ظهورهم كالجهات الحكومية، بل وفّروا الحفارات، واستمرت عملية البحث عن سهام أياماً، حتى وجدوها جثة هامدة بين أكوام النفايات.
ماتت سهام ونصير لا يمتلك ثمن يافطة لنعي زوجته، إذ يعادل ثمن هكذا يافطة عمل يوم شاق بأكمله كانت تكابده سهام.
بدأ عمال البلدية برمي النفايات، ولم يكونوا يعلمون أن أحداً يوجد أسفل العربة، فما كان منهم إلا أن طمروا سهام تحت أكوام النفايات، في واقعة تضاف إلى المآسي التي يعيشها العراقيون
محاولة تضليل؟
في شهادة وفاة الضحية، لم يكتب سبب الوفاة.
يتهم حسين (21 عاماً)، أحد أقارب الضحية، الجهات الرسمية بمحاولة تضليلهم، ويؤكد أنهم "تجاهلوا مناشداتنا".
بحسرة كبيرة، يضيف: "الإنسان العراقي أصبح رخيصاً لدى السلطات إلى درجة كبيرة، ماذا لو كانت هذه الحادثة في دولة أخرى، كيف كان سيتم التعاطي مع القضية؟".
عائلة الضحية حمّلت أمانة بغداد المسؤولية الكاملة عن الحادثة، وهي الآن تطالب الجهات المعنية بفتح تحقيق عاجل.
سهام التي كانت تجني يومياً من عملها عشرة آلاف دينار عراقي، وهو مبلغ زهيد يعادل نحو ثمانية دولارات، وكانت تضطر للذهاب إلى المطمر الصحي لتأمين قوت عائلتها، تركت اليوم خلفها سبعة أطفال في حالة فقر وعوز.
الحي الذي تسكنه عائلة الضحية في منطقة النهروان.
8 ملايين فقير في العراق
تشير تقارير إلى أن معدل دخل الفرد العراقي انخفض ووصل دخل بعض الفقراء إلى أقل من 600 دولار سنوياً، وأن معدل الفقر ارتفع إلى نحو 25%، والبطالة إلى 30%، فيما تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من ثمانية ملايين فرد يعيشون تحت مستوى خط الفقر في بلد يسكنه نحو أربعين مليون نسمة، وتضم أرضه ثروة نفطية هائلة.
"الإنسان العراقي أصبح رخيصاً لدى السلطات إلى درجة كبيرة، ماذا لو كانت هذه الحادثة في دولة أخرى، كيف كان سيتم التعاطي مع القضية؟"
وتنتشر في المحافظات العراقية مهنة العمل في مكبات النفايات، حيث تخرج عائلات بكامل أفرادها كل يوم إلى مواقع الطمر الصحي، وتنقب في تلالها بحثاً عن الخردة لبيعها.
جيوش العاملين في مكبّات النفايات تواجه مخاطر كبيرة تحيط بهم، إذ تسبّبت هذه المهنة في أمراض مختلفة لكثيرين منهم، فضلاً عن جروح مختلفة كذلك، بسبب حطام الزجاج والعلب المعدنية المطمورة بين النفايات.
سهام وعائلتها ضحايا آخرون من ضحايا الفساد والإهمال في العراق، وقصتهم واحدة من قصص الفقر الذي تعاني منه شريحة مسحوقة من شرائح المجتمع العراقي.
الآن، تطلق أسرة الفقيدة نداءات استغاثة لانتشالها من واقعها الكارثي وتوفير حياة كريمة لها، وكذلك كشف ملابسات وفاة سهام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع