شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الإخوة اليهود الذين وهبوا للعالم

الإخوة اليهود الذين وهبوا للعالم "ميكي ماوس" المصري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 12 فبراير 202010:16 ص

أوشي درمان/ هآرتس

يبدو هذا اليوم كأنه ينتمي لما قبل التاريخ المتخيل، ولكن كانت هناك أيام، تسبق بكثير ولادة النتفليكس والتليفزيون متعدد القنوات، التي انتظرنا فيها أسبوعاً كاملاً، كل أسبوع، حتى نشاهد فيلماً.

تكرر هذا المشهد كل يوم جمعة بعد الظهيرة، على مدار أكثر من ثلاثة عقود، من 1968، سنة تدشين التليفزيون الإسرائيلي، وحتى منتصف التسعينيات. من مطولة حتى إيلات، اجتمع شعب إسرائيل حول نار القبيلة: "فيلم عربي"، مفهوم إسرائيلي شعبي يتضمن أفلام السينما التي وصلت في غالبيتها الكاسحة من مصر إلى التليفزيون الإسرائيلي الشاب وأحادي القناة.

ففي 1948 عاش في مصر بين سبعين إلى ثمانين ألف يهودي. أغلبهم، مثل عائلة فرنكل، اضطروا للمغادرة تاركين كل شيء خلفهم.

دراما تمزق القلب، قصص حب تراجيدية، هجر يسيل الدموع من العين، وكوميديات وحشية أحيانًا في حدود الجانر، كل هذا كان الغذاء الأساسي في المحتوى الثقافي الإسرائيلي، ودفع مئات الآلاف للتخلي عن قيلولة السبت المقدسة لصالح فقرة من الثقافة الأسبوعية والتي جاء مصدرها من أعداء الدولة المجاورين.

شرق أوسط جديد/ قديم. منذئذ، في عيون أغلبية الإسرائيليين، عندما يتحدثون عن السينما أو التليفزيون المصري، يظهر فوراً الاستدعاء النوستالجي للفيلم العربي الذي كان يُعرض يوم السبت بعد الظهيرة. ولكن قلائل جداً من يعرفون أن هذه الصناعة المتشعبة للغاية، مدينة بشكل غير قليل لعائلة يهودية واحدة وصلت مصر في 1914 وتسببت في ثورة على الشاشة العربية.

قصة عائلة فرنكل هي من البداية قصة عن التجوال والهجرة اللذين ميزا الوضع اليهودي في غالبية القرن العشرين. خلال خمسين عاماً تمكنت هذه العائلة المبدعة من القفز بين خمس محطات: رتشيتسا (روسيا)، يافا، الإسكندرية، القاهرة، باريس.

بدأ كل شيء في 1905، عندما ترك بتسلئيل وجنشا فرنكل الإمبراطورية الروسية في أعقاب الشغب ضد اليهود. هاجرا لأرض إسرائيل [فلسطين] ليستقرا في يافا ويفتحا مطبعة فيها. مع اندلاع الحرب العالمية الأولى بدأت السلطات العثمانية في إبداء التشكك تجاه القادمين من الإمبراطورية الروسية، واتُهم يهود كثر من أصول روسية بالعمالة للعدو.

بمساعدة يهود الولايات المتحدة هاجر أبناء عائلة فرنكل، مع عشرات الآلاف من اليهود، على السفن من يافا إلى الإسكندرية. بتسلئيل، والذي كان يرتزق من عمله مصورًا حتى في روسيا، نقل إلى أبنائه جرثومة السينما. اعتاد أبناء العائلة في كل المناسبات على تصوير أنفسهم.

الإخوة فرانكل. أول من استخدم الرسوم المتحركة في السينما المصرية

إذا استخدمنا مصطلحات السينما، ففي نهاية العشرينيات، وقعت لحظة الأزمة في تاريخ العائلة، عندما عُرض فيلم "ميكي ماوس" لوالت ديزني على الشاشات. تحكي الأسطورة العائلية أن قرار تبشير العالم العربي بأفلام التحريك قد نضج في قلوبهم بينما يشاهدون الصورة الأيقونية لميكي. من أجل تحقيق حلمها، هاجرت العائلة مجدداً، وهذه المرة للقاهرة، حيث تركزت صناعة السينما لمصرية، كما قاعات العرض الكبرى.

كان لبتسلئيل وجنشا فرنكل ثلاثة أبناء: دافيد، الرسام والعبقري الهارب من الواقع، وهرشل، وهو الذي كانت رجلاه على الأرض والمسؤول عن التسويق والتوزيع، وشلومو، الموهوب تقنياً وصاحب القدرة الهائلة على أن يخلق، من كل شيء تقريبًا، كاميرا سينما أو فوتوغرافيا.

"كان الإخوة الثلاثة مهووسين بالسينما والكمال حتى الجنون"، يحكي يتسحاك روزنبلوم، ابن أخي الإخوة فرنكل، في الفيلم التوثيقي "بكرة في المشمش"، للمخرجة طل ميخائيل عن الإخوة. "لقد علموا أنفسهم ببساطة صناعة التحريك والسينما، وفي ثماني أشهر أنتجوا الفيلم المصور الأول في تاريخ العالم العربي. رسم دافيد آلاف الصور، وصنع شلومو جهازاً خاصاً مكّنه من عرض الفيلم أمام الزبون دون قاعة عرض". هذا الجهاز، والذي كان بمثابة تليفزيون سابق لزمنه، تشكّل من صندوق أُدخل فيه شريط السيلولويد، ومصباح كان يعرض الصور على شاشة صغيرة. داخل هذا الجهاز رُكب مكبر صوت متحرك كان يردد شريط الصوت.

أصبح "مشمش أفندي" شخصية وطنية مصرية. طلبت شركات تجارية من الإخوة إعلانات يقوم ببطولتها، استخدم النظام شخصيته لأغراض دعائية، حصلت وزارة الزراعة على فيلم يعلّم فيه "مشمش أفندي" الفلاحين كيفية التعامل مع دودة القطن

عندما زار الإخوة، ومعهم الفيلم، منتجاً مصرياً معروفاً، [يقال إنه طلعت حرب] قال لهم: "بكرة في المشمش" (غدًا في موسم المشمش)، أي، انسوا هذا، هذا لن يحدث أبداً. ولأن اليأس لم يكن أحداً من صفات الإخوة فرنكل، فقد واصلوا، وفي إشارة للمنتج المصري سموا الفيلم "مافيش فايدة"، أي: لا جدوى من هذا.

حظى البطل المصور للفيلم أيضاً باسم يغمز، بشكل ساخر، لهذا المنتج الموزع: "مشمش أفندي"، نوعاً من ميكي ماوس مصري، يلبس طربوشاً، طويلاً بشكل مبالغ فيه، واجتماعي، يجد نفسه في مواقف غريبة، ويتخلص منها بفضل حس الدعابة الجسماني والسحر الذي يتمتع به.

الفيلم الذي يبلغ طوله ثماني دقائق ونصفاً، عُرض على الشاشات في القاهرة والإسكندرية في 1936، على مدار أربعة أسابيع متوالية. تدفق الجمهور للقاهرة، وكان الحماس يدوي من الجدار للجدار. وسرعان ما بدأ العمل في التدفق على الشقة الصغيرة للعائلة في القاهرة، والتي كانت في المقابل مسكناً، شركة إنتاج وقاعة عرض، مع بكرات تصوير بلا نهاية، أجهزة تسجيل، كاميرات للتصوير السينمائي والفوتوغرافي متناثرة في كل اتجاه. "كان استوديو الإخوة بمثابة البيت"، حكى روزنبلوم، "هناك رسموا، لوّنوا، صوّروا وطوّروا الفيلم. لم تكن هناك زاوية واحدة في البيت غير مستغلة لهذا الهدف".

أصبح "مشمش أفندي" شخصية وطنية مصرية. طلبت شركات تجارية من الإخوة إعلانات يقوم ببطولتها، استخدم النظام شخصيته لأغراض دعائية، حصلت وزارة الزراعة على فيلم يعلّم فيه "مشمش أفندي" الفلاحين كيفية التعامل مع دودة القطن، وقبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، استضافت وزارة الدفاع فيلماً دعا فيه "مشمش أفندي" الشعب المصري للاستجابة لدعم الجيش. جلب عمل الإخوة فرنكل لهم ميدالية رسمية من قبل الدولة.

في هذا الوقت بدا أن حلم الإخوة الموهوبين قد تحقق وأن مستقبلهم المهني على الطريق الصحيح، ولكن دولة إسرائيل أقيمت عندئذ وابتلعت كروت اللعب. كان الإعلان عن إقامة الدولة هو في نفس الوقت إعلاناً عن تصفية المستقبل المهني للإخوة في مصر. في شوارع القاهرة اندلع العنف، وأممت أعمال المواطنين اليهود بل وفُصلوا من مكاتب الحكومة والبنوك، من مشاريع ومؤسسات التعليم. وفق التقديرات، ففي 1948 عاش في مصر بين سبعين إلى ثمانين ألف يهودي. أغلبهم، مثل عائلة فرنكل، اضطروا للمغادرة تاركين كل شيء خلفهم.

يعد يوم 8 فبراير، 1936، قبل 84 عامًا، حجر أساس تاريخي في حكاية السينما العربية. كان هذا هو اليوم الذي عرض فيه في قاعة "كوزموجراف" بالقاهرة فيلم التحريك الأول على أرض أفريقيا، على يد الإخوة المجهولين في بيت فرنكل

أبحر الإخوة فرنكل إلى فرنسا، بقصد الهجرة من هناك إلى أرض إسرائيل [فلسطين]، ولكن مبعوث الوكالة اليهودية في ميناء مارسيليا كان يفكر بشكل آخر. خوفاً من التكدس، فقد منعهم من شحن صناديق المواد والأفلام وأجهزة التصوير على السفينة. رفض الإخوة الصعود لمتن السفينة بدون مشروع حياتهم، وبقوا في فرنسا ليستقروا في باريس. هناك، حاولوا استعادة عملهم الفني، ولكن بلا نجاح. في نهاية الأمر أهملوا عملهم السينمائي واتجهوا لمجالات أخرى.

ديدياه فرنكل، ابن شلومو وابن أخي دافيد وهرشل، حكى أنه مع رحيل واحد من عميّه، طلب أبوه منه التخلص من كل المعدات والمواد الأصلية التي حُفظت في قبو بيت العائلة في ضواحي باريس، ولكن ديديا لم يكن قادراً على تنفيذ الطلب. عندما اكتشف، بعد مرور سنوات أن الكلام عن أفلام مصورة قديمة ونادرة، جرى نقلها للأرشيف الوطني لفرنسا من أجل ترميمها والحفاظ عليها. هكذا نجا الكنز التاريخي، مشروع حياة الإخوة فرنكل، وخُلّد.

يعد يوم 8 فبراير، 1936، قبل 84 عامًا، حجر أساس تاريخي في حكاية السينما العربية. كان هذا هو اليوم الذي عرض فيه في قاعة "كوزموجراف" بالقاهرة فيلم التحريك الأول على أرض أفريقيا، على يد الإخوة المجهولين في بيت فرنكل. هذا هو الوقت لكي نعبر لهم عن القليل من الاحترام.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image