شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"الفدائية الحلوة"... عن نادية لطفي التي فضحت الاحتلال الإسرائيلي واعتزلت "العفن"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 4 فبراير 202004:04 م

"لم أعتزل الفن، اعتزلت ‘العفن‘... هذه ليست السينما التي أعرفها. دخلتها أشكال لا أعرفها ولا أفهمها. أنا لا أستطيع أن أوقع عقداً على ‘سيناريو مسموم‘، فالجمهور بالنسبة إلي أمانة في ما يتعلق بما أقدمه له. أبسط الأشياء أن أمتنع عن تداول المواد السامة، لأن الفنان الذي يفعل ذلك يقتل الروح والفكر والأمانة ويعطي جمهوره مفتاح الانحراف والسقوط".

تصريح كهذا لا يصدر عن فنان، عادةً، بل عن مناضل. فالفنانون غالباً ما يحذرون إغضاب الزملاء أو اتهامهم بالتعالي. لكن نادية لطفي يمكنها أن تقول هذا، فهي "الفدائية والمناضلة" بقدر ما هي فنانة ذات تاريخ فني يمتد نحو 60 عاماً.

رحلت بولا محمد شفيق، الشهيرة بنادية لطفي، في 4 شباط/فبراير، عن عمر ناهز 83 عاماً بعد معاناة طويلة مع المرض الذي لم تستلم له، وكيف تستسلم وهي التي وصفت نفسها بـ"الوحش الكاسر". 

لديها سيرة فنية لا تكاد تضاهيها سيرة من سِيَر حسناوات السينما المصرية، فهي "ليدي السينما المصرية" و"نجمة الأفلام الكلاسيكية" المعروفة بأداء جميع الأدوار. كانت الرومانسية الحالمة في "السبع بنات"، والفتاة الشعبية الشرسة في "أيام الحب"، والمناضلة في "جيوش الشمس"، والنسوية في "عدو المرأة" و"للرجال فقط"، والراقصة في "بديعة مصابني" و"الأخوة الأعداء" و"أبي فوق الشجرة" و"قصر الشوق"، والمرأة اللعوب أو فتاة الليل في "رجال بلا ملامح" و"السمان والخريف".

"الحلوة" التي سحرت عبد الحليم حافظ برموشها وعشقها الدنجوان رشدي أباظة… رحيل ليدي السينما المصرية نادية لطفي بعد 60 عاماً من العطاء الفني

وإذا بحثنا عن أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية فسنجد عدداً غير قليل من أفلام لطفي: "النظارة السوداء" و"الخطايا" و"الناصر صلاح الدين".

لكن جانباً لا يقل إشراقاً في حياتها قلما ركزت عليه الشاشات ووسائل الإعلام حتى أن العديد من عشاقها لا يعرفه.

لكن "الحلوة" التي تغنى العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ بسحر رموشها وعينيها ومنحها الدنجوان رشدي أباظة مكانة خاصة في قلبه، وشاركت في نحو 80 عملاً فنياً، لم تقنع يوماً بصور الفنانات النمطية، فشاركت الجنود والفدائيين في معاركهم.

مسيرة نضال وطني وقومي

في حوار لموقع "اليوم السابع" المحلي أواخر عام 2016، أسفت لطفي لعدم اهتمام التلفزيون المصري ببث فيلمها "جيوش الشمس" الذي سجلت فيه شهادة الجنود المصابين وجرحى حرب السادس من تشرين الأول/أكتوبر عام 1973، داخل مستشفى قصر العيني مع المخرج شادى عبد السلام.

وأعربت عن ضيقها من إهمال نشر صورها مع الجنود على الجبهة آنذاك لرفع الروح المعنوية في صفوفهم. 

غير أن "نضال" لطفي كان قد بدأ قبل ذلك بكثي. كتب الصحافي فوميل لبيب في مجلة "السينما والمسرح"، عدد نيسان/إبريل عام 1976، عن لطفي أنها "فنانة بصمات رحمتها واضحة مع أسر الشهداء عام 1967 (النكسة)، ومع الجنود في الخنادق في سنوات الاستنزاف، ومع أبطال المعارك في 6 أكتوبر… ثم مع البائسين من أهل الفن، وهي تجمع لصندوق الفنانين ما تستطيع".

أشار لبيب أيضاً إلى عمل لطفي ضمن فريق المتطوعات في أعمال التمريض بمستشفى المعادي العسكري بعد انتصار تشرين الأول/أكتوبر، إذ أقامت في قصر العيني وأسعفت الجرحى حتى أنهكت صحتها.

سيرة نضال ومواقف إنسانية تضاهي تاريخها الفني… نادية لطفي التي دعمت الجنود على الجبهة، والمرضى منهم في المستشفيات، وجمعت التبرعات لأسر الشهداء وساندت الفقراء والمرضى من الفنانين

برغم ذلك، ظلت تعرب عن فخرها بأن مشاركتها في الحرب لم تقتصر على تجسيد الأفلام السينمائية فحسب.

عام 1982، كان للطفي موعد آخر مع النضال الحقيقي إذ ذهبت إلى لبنان لدعم المقاومة الفلسطينية عبر رصد مجازر الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته وفضحها عبر وسائل الإعلام العالمية.

ومكثت أسبوعين مع أفراد المقاومة الفلسطينية، وهذا ما عرضها للخطر الشديد الذي لم تهابه كعادتها. ثم قامت بجولة في عواصم العالم للهدف نفسه حتى عاجلها المرض مرة أخرى.

ومنحها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسام "نجمة القدس" مطلع العام الماضي، تقديراً للفنانة التي سجلت آخر ظهور فني لها عام 2000، في أوبريت "القدس هترجع لنا".

وكانت لطفي قد أعلنت، عام 2003، شروعها في إعداد كتاب وثائقي يرصد الحروب والاعتداءات العسكرية التي تعرض لها العالم العربي منذ عام 1956، بما في ذلك الغزو الأمريكي للعراق.

ترى لطفي أن الفنان لا بد أن يكون له دور وطني في خدمة مجتمعه، هذا ما قالته عام 2017، مستنكرة قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل برغم اعترافها بأنه "غير مفاجئ".

كل هذه المواقف البطولية تتواءم مع فكر لطفي التي قالت سابقاً في حكام مصر: "معرفش أحب الرؤساء... الحكام رجال بلا ملامح، ولا أتعامل معهم بمنطق الحب والكره. أحب والدي أو خالي، لكن الحاكم أرصده وأقيم أعماله، وعلى أساسها أحط له الأرقام وأقيمّه".

جانب إنساني لافت

وفي حين لم تظهر لطفي في أي عمل درامي منذ دورها في مسلسل "ناس ولاد ناس" عام 1993، لم يخفت نجمها في المواقف الإنسانية النبيلة.

من أبرز هذه المواقف، دعمها الفنان والمخرج زكي فطين عبد الوهاب الذي أشاد بوقوفها إلى جانبه في رحلته مع العلاج من سرطان الرئة في العام الماضي.

ترى لطفي أن الفنان لا بد أن يكون له دور وطني في خدمة مجتمعه

قال: "من غيرها مكنتش أقدر أعمل أي حاجة، حسيت بجد أني مفقدتش أمي. كان لديها ثقة بأني سأشفى من المرض. بجد مش قادر أوفي كل اللي عملته معايا ولا عارف أرد لها الجميل إزاي".

ولدى رحيل الفنانة ماجدة، في الشهر الماضي، أصرت لطفي أن تنعيها في رسالة صوتية، مشيدةً بـ"بصمات الراحلة وتاريخها الفني الوطني"، ومشيرةً إلى "دورها في مؤازرة الأمة العربية في حربها ضد الاستعمار. هي من الفنانين القلائل الذين ارتبطوا بالأحداث الوطنية في عالمنا العربي".

حصدت لطفي العديد من الأوسمة والجوائز. في غيابها يفقد الفن العربي إحدى أيقوناته اللامعات، والتي تركت بصمة فارقة في السينما المصرية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image