هجوم عنيف تعرض له المتظاهرون في ساحة الحبوبي وسط مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار الجنوبية، مساء 26 كانون الثاني/يناير، خلّف قتيلاً واحداً على الأقل وعدة إصابات وحرائق في خيام الاعتصام بالساحة تماماً.
كان هذا أحدث تطور عقب يومين من العنف المتصاعد ضد المتظاهرين في البلاد ومحاولات فض اعتصامهم في بغداد ومدن جنوبية بالقوة من قبل رجال الأمن وميليشيات مجهولة، تزامنت كلها مع التحول اللافت في موقف الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر وتهديده بالوقوف إلى جانب قوات الأمن.
ومساء 26 كانون الثاني/يناير، قدم الصدر مجموعة من "النصائح" التي بدت أقرب إلى "الشروط" واعتبرها ضرورية لـ"عدم انحراف الثورة من قبل بعض المندسين أصحاب الأجندات الخارجية المشبوهة".
ومن "نصائحه"، طلب "عدم الإضرار بالمال العام والخاص، وعدم قطع الطرق مطلقاً لأنه يضر بالمصالح العامة للمدينة، وإرجاع الدوام في عموم مدارس العراق فوراً بما فيها الناصرية الفيحاء، وإعلان البراءة من المحتل (يقصد أمريكا) فوراً وبصورة صريحة وجلية لا يشوبها الشك، لإيصال رسالة بأن ثورتنا عراقية خالصة لا تدار من الخارج".
نحو 15 قتيلاً و300 مصاب خلال الأيام الأخيرة… محاولات متكررة لفض اعتصامات المتظاهرين في العراق، والزعيم الصدر يضع شروطاً لدعم الحراك الشعبي
لماذا غيّر الصدر موقفه؟
ولفت إلى أن "إعلان العداء لجميع دول الجوار بهذه الصورة أمر غير مقبول ولا يصب في مصلحة بلدنا"، مبيّناً أن "الثورة حققت شوطاً جيداً في الإصلاح، وبقي على رئيس الجمهورية تكليف شخصية غير جدلية ولا عدائية لرئاسة مجلس الوزراء بأسرع وقت ممكن لإجهاض المخططات الخارجية الخبيثة".
وقال إنه إذا ما تحقق ما "نصح به" فإنه "من الإنصاف دعم الثورة بل تأييدها من جميع فئات الشعب وليس مني فحسب".
يشكل هذا الموقف تحولاً عن موقف الصدر المعلن السابق من التظاهرات الشعبية، إذ أعلن في 23 تشرين الأول/أكتوبر الماضي تسخير أتباعه لحماية التظاهرات، مبرزاً أنه عاهد الله ألا يكون "ظهيراً للفاسدين بل نصيراً للمصلحين كما علمني أبي".
وقال الصدر آنذاك: "إخوتكم في (التيار الصدري) بجميع تشكيلاته في خدمتكم. وثقوا وصوروا ما يحدث قدر الإمكان. صبر الفاسد سرعان ما ينفد وصبركم أطول فاعتصموا بحبل الله ولا تيأسوا، فسلميّتكم أعظم من جدرانهم وسلاحهم. وأخيراً اعلموا أنه لو تم الاعتداء عليكم مرة أخرى فسنتصرف بما يليق وبما يرضي الله ويرضيكم".
منذ ذاك الحين، دعم مؤيدو الصدر الاحتجاجات المناهضة للحكومة ووفروا لهم الحماية في بعض الأحيان من هجمات قوات الأمن والمسلحين المجهولين. غير أنهم بدأوا الانسحاب من ساحات الاعتصامات في ساعة مبكرة من صباح 25 كانون الثاني/يناير.
وأعقب ذلك شروع قوات أمنية في إزالة الحواجز الخرسانية من محيط ساحة التحرير في بغداد، وهذا ما دفع البعض للربط بين سحب الصدر لأتباعه وتهديده بالتخلي عن المتظاهرين ومحاولات الفض هذه.
وقبيل بيانه الأخير، نقل المقرب من الصدر، صالح محمد العراقي، عنه عبر تويتر تهديده للمتظاهرين: "أوقفت الدعم الإيجابي والسلبي، إن جاز التعبير، لكني أردت إرجاع الثورة إلى مسارها الأول لا معاداتها، وإن لم يعودوا فسيكون لنا موقف آخر في مساندة القوات الأمنية البطلة والتي لا بد لها من بسط سلطتها لا الدفاع عن الفاسدين".
هجمات ضدهم تزامنت مع سحبه أنصاره… ناشطون عراقيون يتهمون الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بالتواطؤ مع قوات الأمن
وبعدما كان موقفه من إيران يتأرجح بين التأييد والرفض، يبدو أن الصدر اختار الانحياز إلى بلد الجوار حالياً.
وفي 24 كانون الثاني/يناير، خرج مئات آلاف العراقيين في تظاهرات وصفت بـ"المليونية" استجابةً لدعوة الصدر ومطالبةً بخروج القوات الأمريكية من البلاد.
وكان مقرراً أن يحتشد الملايين من أنصاره أمام السفارة الأمريكية في بغداد في 26 كانون الثاني/يناير، غير أنه تراجع عن ذلك في اللحظة الأخيرة، معرباً عن خشيته من حدوث "فتنة داخلية".
وأدت هذه التحولات في مواقف الصدر من التظاهرات الشعبية إلى انتقادات واسعة للزعيم الشيعي، فأطلق متظاهرون هتافات ضده، واتهمه ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي بخيانة التظاهرات والتآمر مع قوات الأمن.
شعب العراق يحطم الأصنام
— yousef-alalawnah يوسف علاونة (@yousef_alalawna) January 26, 2020
من كان يصدق أن أهل مدينة الصدر سينقلبون على مقتدى الصدر؟
سينقلب العراقيون حتى على المرجعية ويستعيدون 70 مليار دولار هربها مهمد رزا السيستاني إلى لندن
وسيحاكم العراقيون المرجع نفسه
فقط اصبروا على هذا الشعب العظيم#العراق #عاش_العراق #العراق_العظيم pic.twitter.com/426ZF4Zsna
لكنّ موالين له اعتبروا أنه يتعرض "لهجمة أمريكية"، مدشنين حملة تأييد له عبر وسميْ "مع قرار الصدر" أي الانسحاب من التظاهرات، و"عراقيون ومقتدى الصدر يمثلنا" في مواجهة وسم "مقتدى الصدر لا يمثلنا".
اتباع المرياع الصدر منزعجين من هتافات اهالي البصره ضد صنمهم.??#العراق pic.twitter.com/6SBCDziKPt
— د.ماجد محمد (@Dr_Magid1987) January 25, 2020
وحدثت اشتباكات بين مؤيدين للصدر وبعض المتظاهرين وصلت إلى إطلاق النار.
هجوم وحرق خيام متظاهرين
وبعد منتصف ليل 26 كانون الثاني/يناير، هجم مسلحون مجهولون على المتظاهرين في ساحة الحبوبي (وسط الناصرية الجنوبية) وأحرقوا خيام المعتصمين وبعض المحال التجارية والشقق السكنية ثم هربوا، وتولّت فرق الدفاع المدني إخماد النيران.
نبقى سلميين
— Ala'a Al-Rikabi (@AlaaAIRlkabi) January 27, 2020
تروح خيمة تجي الف خيمة
والعار باقي للاحزاب ودولة الميليشات
ما نتخلى عن السلمية . pic.twitter.com/gbImF7amSj
وتوفي متظاهر واحد وأصيب أربعة بالرصاص عقب الهجوم، وفق ما صرح به مدير صحة ذي قار عبد الحسين الجابري لموقع "ناس" المحلي. في حين رشّح مصدر أمني لموقع "السومرية نيوز" العدد للزيادة، لافتاً إلى وفاة شخصين وإصابة 18.
وتفادياً لتكرار هذه الهجمات، أغلق متظاهرو الناصرية الغاضبون، صباح 27 كانون الثاني/يناير، جميع جسور المدينة وأشعلوا النار في الإطارات، فيما شرع آخرون في إعادة بناء الخيام من الطابوق (الطوب المحروق) في "الحبوبي" تحسباً لأي اعتداء آخر.
ذي قار ...
— Mustafa Hamid ?? (@mustafairaqi0) January 27, 2020
استمرار توافد المتظاهرون الى ساحة الحبوبي في مدينة الناصرية .. #العراق_ينتفض pic.twitter.com/wHEyHdg91x
وكانت التظاهرات العراقية قد استعادت زخمها في الأسبوع الماضي بعد فترة من الهدوء النسبي والترقب عقب اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في بغداد فجر 3 كانون الثاني/يناير.
محاولات متكررة لفض الاعتصامات
وفي 25 كانون الثاني/يناير، استخدم الأمن العراقي القوة لإعادة فتح الطرق في بغداد والجنوب مع محاولات لإزالة خيام المعتصمين في عدة مدن. ووقعت اشتباكات سقط على إثرها أربعة قتلى.
رداً على ذلك، احتشد المتظاهرون في ساحة التحرير ببغداد وبساحات الاعتصام الرئيسية في مدن الجنوب منذ الصباح الباكر في 26 كانون الثاني/يناير، تخوفاً من "مخطط" لفض الاعتصامات وإنهاء الاحتجاجات قبل تنفيذ المطالب التي يصر عليها المتظاهرون المستمرون في الاحتجاج منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
الوطن جابهم
— د. زيد عبد الوهاب الاعظمي (@zaidabdulwahab) January 26, 2020
مو الباصات pic.twitter.com/z9XLU6wvQ5
وتكررت مساء 26 كانون الثاني/يناير محاولات فض الاعتصامات بالقوة والهجمات ضد المتظاهرين بعدما أطلق رجال الأمن الرصاص الحي لتفريق تجمعات محدودة في ساحتي الخلاني والوثبة القريبتين من ساحة التحرير مقر الاحتجاج المركزي في العاصمة العراقية.
وأسفر ذلك عن سقوط نحو 17 مصاباً، بينهم ستة بأعيرة نارية، وفق قول مصدر شرطي لوكالة فرانس برس.
علماً أن اعتداءات الليلة الماضية أسفرت عن 12 قتيلاً (تسعة في بغداد وثلاثة في الناصرية). بالإضافة إلى 230 مصاباً خلال الأيام الثلاثة الماضية، وفق ما أعلنته المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان في العراق في 26 كانون الثاني/يناير.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...