بين الحنين والأسى وأحلام كثيرة بقيت معلقة، تهل الذكرى التاسعة لثورة 25 يناير التي حملت مطالب بسيطة هي "عيش، حرية، عدالة إجتماعية". هي ذكرى حفرت ملامحها في قلوب أصحابها، ومرت السنوات ولا يزالون يبحثون عن "طاقة نور" لتحقيق تلك المطالب.
أحداث كثيرة مرت وكيانات سياسية خرجت من رحم الثورة لكنها انتهت كما انتهت الثورة، غير أن كياناً وحيداً كان له تأثير كبير لدى شباب الثورة، وقد خرج من رحم الميدان واستمر عدة أشهر حتى قرر أعضاؤه الإعلان عن حله بعدما تمكنت الخلافات السياسية منه ونجحت في تفجيره.
"ائتلاف شباب الثورة" الذي جمع العديد من الكيانات السياسية وقت الثورة، ورفع شعار" لا تفاوض قبل الرحيل"، كان تسارع الأحداث على الساحة السياسية أكبر من طاقة أعضائه، فكانت نهاية التجربة. مع ذلك، ظلت عالقة في أذهان محبيها وتكررت الدعوات المنادية بضرورة عودته من جديد.
اليوم، تبدو تلك الدعوات متأخرة كثيراً بعدما أصبح أعضاء الائتلاف مطارَدين ومهاجرين ومعتقلين، لكن التجربة نفسها تحمل الكثير من الأسرار التي تفيد العودة إليها والتنقيب في فصولها.
"الشعب يريد إسقاط النظام"
يعود أحد أعضاء الائتلاف الذي فضل عدم ذكر إسمه لأسباب أمنية إلى تلك الفترة، ويروي أن هناك بعض التنسيقيات وُجدت قبل إطلاق دعوة التظاهر يوم 25 يناير وكان من المفترض أن تقتصر مطالبها على إقالة وزير الداخلية حينذاك حبيب العادلي ومحاكمته وإلغاء قانون الطوارئ، وقد جاء ذلك عقب عدة تحركات احتجاجية انطلقت بعد وفاة الشاب خالد سعيد على يد قوات الأمن متأثراً بجراحه.
حبيب العادلي
أثناء الاجتماعات التنسيقية بين عدة حركات شبابية، على رأسها "شباب من أجل العدالة والحرية" و"6 أبريل" و"شباب حزب الجبهة"، تم الاقتراح بالتواصل مع مسؤول صفحة "كلنا خالد سعيد" وائل غنيم لتنسيق خطة المسيرات التي ستنطلق في ذلك اليوم والإعلان عنها عبر الصفحة.
يقول عضو الائتلاف: "برغم كل هذا لم تعلن جماعة الإخوان المشاركة بشكل أو بآخر حتى يوم 23 يناير، إذ تواصل معنا العضو في شباب جماعة الأخوان محمد عباس الذي أكد أن الجماعة لم تعلن موقفها، ولكن الشباب يريدون الانضمام والتنسيق في المسيرات التي ستنطلق يوم 25 يناير"، مضيفاً "تم الاتفاق على أن الشباب المنضمين من جامعة الأخوان المسلمين سوف ينطلقون من المسيرة السرية التي لم يعلن عنها عبر مواقع التواصل الإجتماعي".
يلتقط محمد عباس، وهو أحد شباب الأخوان المفصولين، خيط السرد ويستطرد قائلاً: "لم تشارك الجماعة رسمياً في الدعوات الأولى لـ25 يناير لكنها لم تمنع أحداً من المشاركة، وهذا ما دفعني للتنسيق مع الكيانات السياسية التي دعت للتظاهر ذلك اليوم"، لافتاً إلى أن "شباب الإخوان وفتياتهم كانوا حريصين على الانضمام لمسيرة ناهيا، وفي هذا اليوم تحديداً اصطحبت شقيقتي الصغرى التي كانت تبلغ من العمر 16 عاماً، لا سيما أنني شعرت بالخجل من أن أخاطر بدعوة فتيات الجماعة للنزول وأترك شقيقتي جالسة في المنزل".
ويستكمل محمد عباس: "اخترنا ميدان التحرير قبلة لنا، واستطاعت تلك المسيرة دخوله بعد تشاور بين الكيانات التنسيقية، وتظاهرنا فيه ساعات طويلة حتى فُضّت التظاهرة بالقوة عند منتصف الليل".
ويتابع: "قبل الفض بساعات قليلة، اجتمعت الكيانات التنسيقية في الميدان وأصدرت بياناً أولياً بالمطالب التي كانت تتضمن إقالة حبيب العادلي ومحاكمته وإلغاء قانون الطوارئ وتعديل الدستور، وأثناء الاجتماع بدأ الشعب في الميدان يهتف ′الشعب يريد إسقاط النظام′، فما كان علينا إلا أن مزقنا هذا البيان وتم كتابة آخر جديد تضمن المطالب التي رفعها المتظاهرون، وكان على رأسها إسقاط النظام".
هدوء ما قبل العاصفة
"قبل المخاطرة قررنا مراقبة الأوضاع، واتفقنا على الحفاظ على كوادرنا من الهجمة الأمنية حتى تيقنا أن التحرك مستمر ولم يتوقف"، هكذا يلخص عضو ائتلاف شباب الثورة الذي رفض ذكر اسمه يومي 26 و27 يناير، والتحركات التي قام بها الشعب المصري قبل الإعلان عن "جمعة الغضب" في 28 يناير.
ويشير إلى أن قرار النزول مرة أخرى للميدان يوم 28 يناير أتى بعد عدة اجتماعات تنسيقية ضمّت أغلب الكيانات السياسية المدنية، بالإضافة إلى شباب الإخوان، إذ تم الإتفاق على انطلاق 5 مسيرات من عدة أماكن متفرقة".
من جهته، يروي محمد عباس أن الجماعة يوم 27 يناير كانت قد اتخذت قراراً رسمياً بالمشاركة في "جمعة الغضب".
ويقول: "اتفقنا مع مسؤول محافظة الجيزة في الجماعة على حشد الأعضاء وكان رده ′بتكليف مني بلغوا الأعضاء واحشدوا كما تريدون′، مستكملاً "انطلقنا في مسيراتنا المحددة ووزعنا المهمات، ثم حدث المشهد المهيب الذي لم يكن متوقعاً، وخرج المشاركون بالآلاف من عدة مناطق للمشاركة في جمعة الغضب".
ويشير عضو ائتلاف شباب الثورة إلى أن انقطاع الاتصال في مصر وانقطاع الإنترنت ساهما بشكل كبير في حشد المتظاهرين، فـ"يوم 28 يناير انقطعت الاتصالات وعادت من جديد يوم 29 يناير الساعة التاسعة صباحاً وتم إلغاء اجتماع الكيانات السياسية الذي كان من المقرر أن ينعقد لتشييع جنازة الشهيد مصطفى الصاوي التي خرجت من ميدان التحرير بأعداد هائلة... ومنذ ذلك الحين دخلنا الميدان، وأعلنا الاعتصام حتى الرحيل".
"ائتلاف شباب الثورة" الذي جمع العديد من الكيانات السياسية وقت الثورة، كان تسارع الأحداث أكبر من طاقة أعضائه، فكانت نهاية التجربة سريعة... كثر من أعضائه اليوم بين مطارد ومهاجر ومعتقل، لكن التجربة تحمل أسرار كثيرة تفيد العودة إليها
استمر الاعتصام أربعة أيام حتى قرر أنصار نظام مبارك إخلاءه بالقوة، فتجمعوا عند مسجد مصطفى محمود واقتحموا الميدان بالجمال في مشهد دموي سُمي بـ"موقعة الجمل".
يقول محمد عباس: "مع اشتداد الأمر والهجوم على الميدان بالجمال تواصلنا مع مكتب الإرشاد، فردت الجماعة بضرورة الانسحاب، لكن الموجودين في الميدان من أعضاء الجماعة رفضوا الأمر، وبعد ساعات قليلة مدت الجماعة الميدان ببعض المجموعات لتقوية أوضاعهم، لا سيما بعد إصابة أعداد كبيرة جداً جراء الهجوم".
"لا تفاوض قبل الرحيل"
قررت الكيانات التي اعتادت التنسيق بعضها مع بعض الإعلان عن نفسها يوم 6 فبراير، فيما رفعت شعار "لا تفاوض قبل الرحيل".
جاء ذلك بعد الاجتماع الذي ضمّ رئيس الاستخبارات العامة وقتذاك عمر سليمان وجماعة الإخوان وبعض شباب الحركات السياسية، بينما اعتبرت الكيانات السياسية التي كانت قد شكلت لجنة تنسيقية في ما بينها الاجتماع "ضربة قاصمة"، وهذا ما دفعها للإعلان عن نفسها تحت مظلة "ائتلاف شباب الثورة" الممثل للميدان، رافعة شعار "لا تفاوض قبل الرحيل".
عمر سليمان
تقول سالي توما وهي كانت في عداد مؤسسي ائتلاف شباب الثورة: "من أحد الأسباب التي جعلت الكيانات السياسية تعلن عن الائتلاف هو وجود بعض الشباب إلى جانب جماعة الإخوان في اجتماع رئيس الاستخبارات العامة"، لافتة إلى أن "اللجنة التنسيقية حينذاك تلقت دعوة للاجتماع، لكنها رفضت الحضور".
سالي توما
هذا الأمر أكده أيضاً عباس الذي أشار إلى أن الاجتماع كان الفرصة حتى يعلن الائتلاف عن نفسه، وتم ذلك في مؤتمر صحافي عُقد في مقر "جريدة الشروق" ثم تشكّل المكتب التنفيذي للائتلاف الذي تضمن ممثلين عن منظمات شبابية معتصمة في ميدان التحرير.
ومن هذه المنظمات "حركة شباب من أجل العدالة والحرية"، وشباب "6 أبريل"، وشباب "الجمعية الوطنية للتغيير"، وشباب "حزب الجبهة"، وشباب "جماعة الأخوان" و"مستقلون".
تفاوض ولقاءات مع المجلس العسكري
رحل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عن الحكم يوم 11 فبراير، في خطاب أذاعه التلفزيون الرسمي وألقاه نائب الرئيس عمر سليمان، لكن رحيله جاء مشروطاً بتفويض إدارة شؤون البلاد إلى المجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية.
بدأ الائتلاف بتلقي دعوات رسمية للاجتماع مع المجلس العسكري، وفي نقاش حاد استمر ساعات رفض البعض، وعلى رأسهم "حركة شباب من أجل العدالة والحرية"، حضور الاجتماع، لكن النقاش انتهى بالاتفاق على حضور جميع ممثلي الكيانات من دون استثناء.
كان اللقاء الرسمي الأول الذي جمع شباب الثورة المتمثل في "الائتلاف" بجهة رسمية متمثلة في "المجلس العسكري" بعد رحيل الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
كان محمد عباس أحد الحاضرين، إذ يروي ما دار في الداخل قائلاً: "حضر الاجتماع ممثل أو اثنان عن كل كيان داخل الائتلاف"، مستشهداً بالصورة الشهيرة التي جمعت أعضاء الأخير وأعضاء من المجلس العسكري، من بينهم عبد الفتاح السيسي بصفته رئيساً للاستخبارات الحربية واللواء محمود حجازي.
ويُخبر: "تم الاجتماع في مقر الاستخبارات الحربية في مصر الجديدة والذي كان مقر مجلس قيادة الثورة عام 1952، وجرت مناقشة عدة قضايا، أهمها المحاسبة والمحاكمة لمن اعتدى على الثوار في الميدان يوم موقعة الجمل وتسليم السلطة وإيقاف المحاكمات العسكرية للمدنيين"، مضيفاً "وقتذاك، وعدونا بتنفيذ المطالب وهو ما لم يحدث".
بعد رحيل مبارك، بدأ الائتلاف بتلقي الدعوات، وكان اللقاء الرسمي الأول الذي جمع شباب الثورة المتمثل في "الائتلاف" بجهة رسمية متمثلة في "المجلس العسكري"... القصة الكاملة لـ"ائتلاف شباب الثورة" الذي وُلد خلال الثورة في مصر
يستذكر محمد عباس ما قاله اللواء حجازي في الاجتماع من "دون مبرر أو مقدمات" وهو ما اعتبره "غير مفهوم في التوقيت"، حين توجه لأعضاء الائتلاف منبهاً: "أوعوا الثورة تتسرق منكم وأوعوا الإخوان يسرقوا منكم الثورة، واعملوا حزب سياسي للائتلاف"، لينتقل الحديث لاحقاً إلى مسألة تعديل الدستور وتحسين الاقتصاد المصري والوعد بأن يتم تسليم السلطة خلال ستة أشهر.
بدوره، يشير القيادي في ائتلاف شباب الثورة الذي فضل عدم ذكر اسمه إلى أن موازين القوى، منذ فض الميدان وخروج الإخوان منه عقب رحيل مبارك رغماً عن باقي الكيانات السياسية، بدأت تأخذ شكلاً جديداً، وبدأت قوتان أساسيتان تظهران في المعادلة السياسية: المجلس العسكري وجماعة الإخوان اللتان اتفقتا على ضرورة خروج الائتلاف من المعادلة، حتى أصبحت بقية الكيانات بعيدة عما يدور في الكواليس، ثم حدث ما كان متوقعاً وانتهى الأمر بالعداء بين الائتلاف والمجلس العسكري.
استمرت الاجتماعات بين المجلس العسكري والائتلاف، لكن عمر هذه الاجتماعات لم يكن طويلاً إذ انتهت مع توتر الأوضاع السياسية في البلاد وتعرض التظاهرات والاعتصامات للعنف من قبل الشرطة العسكرية.
يروي المدوّن عبد الرحمن فارس أنه لم يحضر سوى اجتماع واحد أو اثنين مع المجلس العسكري، ومن أبرز تلك الاجتماعات برأيه كان ذلك الذي حصل في 25 فبراير، بعدما قامت قوات الشرطة العسكرية بالهجوم على مئات المعتصمين في ميدان التحرير وأمام مقر مجلس الوزراء للمطالبة بإقالة رئيس الوزراء أحمد شفيق واستكمال باقي مهمات الثورة.
وقتها، اعتقلت الشرطة العشرات منهم وجرت محاكمتهم عسكرياً بتهم تراوحت بين حيازة سلاح وخرق حظر التجول والتعدي على قوات الجيش.
أحمد شفيق
في شهادته، يقول فارس: "ذهبت إلى اجتماع الائتلاف في ذلك اليوم متأخراً، وكان الأعضاء قد قرروا لقاء المجلس العسكري وإلقاء بيان الائتلاف عليهم تعقيباً على الأحداث التي وقعت في الميدان، وقد تم تكليفي إلقاء البيان".
ويستطرد: "حضر الاجتماع من المجلس العسكري اللواء سامي دياب واللواء محسن الفنجري واللواء محمود حجازي، وبالفعل بدأت في قراءة البيان الذي كان شديد اللهجة في التعبير عن مدى غضب الائتلاف من أحداث الميدان".
"لم أكد أنتهي من القراءة حتى فوجئت باللواء محسن الفنجري يجذب البيان من يدي ويمزقه، وهو يلوم الحاضرين بشدة ′إزاي تكلموا قيادات البلد كده!′، وانتهى الإجتماع بوعد من الحاضرين بعدم تكرار هذا الأمر والاعتذار الرسمي للشعب المصري، وفي صباح اليوم التالي أصدر المجلس العسكري بياناً رسمياً تضمنت كلماته الافتتاحية اعتذاراً وعبارة ′رصيدنا لديكم يسمح′".
والجدير بالذكر هنا أن بيان المجلس العسكري جاء ليعتذر عما وصفه بـ"احتكاكات غير مقصودة بين الشرطة العسكرية وأبناء الثورة"، مؤكداً عدم صدور أوامر بالاعتداء على من وصفهم بـ"أبناء هذا الشعب العظيم".
نُشر البيان عبر صفحة المجلس العسكري في فيسبوك، وفي الوقت نفسه كان "عدد من أبناء ثورة يناير" يواجه محاكمات عسكرية عاجلة، انتهت بأحكام قاسية بالسجن على معظمهم، لتمثل هذه الواقعة أول محاكمة عسكرية لمدنيين بعد تولي المجلس العسكري شؤون الحكم في 11 شباط/ فبراير 2011.
بعد هذا الاجتماع، بدأت العلاقة بين المجلس العسكري والائتلاف بالتوتر، وراح المجلس يتجنب لقاء الائتلاف والأخير يرفض دعواته.
ويرى فارس أن من أكبر الأشياء التي جعلت المجلس العسكري يغضب على الائتلاف هو رفض أعضاء الأخير حضور الاجتماع الموسع الذي دعا إليه يوم 29 نيسان/ أبريل عام 2012 للاتفاق على النسب والمعايير الخاصة بالتشكيل الجديد للجمعية التأسيسية للدستور، وجمع فيه عدة قوى سياسية تكونت عقب ثورة يناير.
وجاء رفض الائتلاف وقتذاك لوجود بعض عناصر محسوبة على نظام مبارك، بالإضافة إلى بعض الأمور السياسية التي صدرت عن المجلس العسكري وكان الائتلاف يرفضها، ومنها ما عبّر عنه الأخير في بيان رفض حضور الاجتماع بالقول: "لا نستطيع أن نقبل هذا الحوار وسط ما يحدث من محاكمات عسكرية للثوار".
"الإخوان" تفصل أعضاءها
يروي محمد عباس الذي كان يمثل شباب الإخوان داخل الائتلاف حينذاك: "بدأت الخلافات بيننا كممثلين عن شباب الأخوان داخل الائتلاف وبين الجماعة بعد دعوتنا لأحد المليونيات التي سُميت بجمعة الوقيعة في مايو عام 2011، وجاء بيان الإخوان مخالفاً للدعوة وتتضمن جملة شهيرة ′لا نسمح بالوقيعة بين الشعب والجيش′، ورغم قرار الجماعة بعدم المشاركة، أصرّ ممثلو الإخوان داخل الائتلاف على المشاركة، وفي اليوم التالي من دعوتنا وحشدنا للمليونية، أصدرت الجماعة بياناً رسمياً على لسان أمينها العام محمود حسين جاء فيه أن الجماعة ليس لديها ممثلون في ائتلاف شباب الثورة".
ويوضح محمد عباس: "تم فصلنا من الجماعة مع إصدار هذا البيان، وجاء هذا لسببين أساسيين هما إحساس الجماعة بالتورط في المسار السياسي الذي اتخذه الائتلاف بالإضافة إلى شعور مجلس شورى الجماعة بالخوف من توجهاتنا السياسية التي توافقت مع توجهات أغلب أعضاء الائتلاف، إذ إن شباب الأخوان طالبوا من مجلس شورى الجماعة التصويت والخروج بقرار أن الجماعة لم تشارك في الانتخابات البرلمانية إلا بنسبة محددة ولن ترشح أحداً للانتخابات الرئاسية".
خلافات وانقسامات فجرت الائتلاف
رغم ظهور الائتلاف متماسكاً أمام الإعلام وفي الاجتماعات المتعددة مع المجلس العسكري أو مع القوى السياسية الأخرى التي ظهرت عقب الثورة، فإن الخلافات السياسية كانت قد نشبت بين أعضائه حتى انتهى بهم الأمر إلى قرار حله في حزيران/ يونيو عام 2012 بعد أشهر من التجميد.
يشير فارس إلى أنه برغم اعتراضه على الموعد الذي أعلن فيه الائتلاف حل نفسه، إذ كان يرى أن هذا الأمر سيكون محبطاً لقطاع كبير من الشباب، إلا أن "الخلافات كانت قد كبرت جداً بسبب اختلاف التوجهات السياسية وتنوعها داخل الائتلاف".
"يحضر عامل تنحية الائتلاف بعض القضايا المهمة جانباً، فلم ينظر لها بجدية، ومن تلك الملفات ملف المرأة وملف المسيحيين، إذ كنت المسيحية والمرأة الوحيدة أيضاً الموجودة داخل الائتلاف".
ويتفق محمد عباس مع فارس على أسباب انفجار الائتلاف، منها أن "أعضاءه بدأوا في تكوين أحزاب سياسية، وهذا ما ساهم في تزايد التوجهات السياسية، بالإضافة إلى الانقسامات وسط بعض الكيانات المنتمية له وأبرزها ما حدث مع 6 أبريل وانقسامها إلى جبهتين، بالإضافة إلى رفض دخول عناصر جديدة من قبل أعضاء الائتلاف".
أما سالي توما، التي كانت المرأة الوحيدة الموجودة رسمياً داخل الائتلاف ورفضت حضور أي اجتماع مع المجلس العسكري، فقد رأت أن هناك أسباباً عديدة أدت في نهايتها إلى حل الائتلاف.
تقول: "كان منها الخلافات التي نشبت بين أعضاء الائتلاف بسبب اختلاف التوجهات السياسية، وظهرت تلك الخلافات بشدة مع الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أعقبت ثورة يناير".
"بالنسبة لي كنت من أشد المعارضين لقائمة الثورة مستمرة التي تشكلت من بعض أعضاء الائتلاف وشاركت في انتخابات البرلمان عام 2012، وبالرغم من أني كنت من أشد المعارضين للمشاركة في الانتخابات البرلمانية عموماً، شاركت في العمل الجماهيري لقائمة الثورة مستمرة".
وتضيف توما: "كنت مع الآراء التي نادت بالدستور أولاً قبل الانتخابات البرلمانية. ومع الانتخابات الرئاسية الأولى عام 2012، زادت الخلافات بين أعضاء الائتلاف. في ذلك الوقت، أطلقت حملة ′كاذبون′ التي حققت نجاحاً كبيراً بعدما كشفت أكاذيب المجلس العسكري وأحداث العنف التي وقعت في الميدان بين الثوار والشرطة العسكرية، كما نظمنا عروضاً في الشارع في عدد من أنحاء الجمهورية وخاصة في محافظة القاهرة".
وتشير توما إلى تعدد التوجهات السياسية داخل الائتلاف، وهذا ما أدى إلى تعدد القرارات ووجهات النظر مع وجود عدم توافق فكري بين الأعضاء، وكل ذلك تسبب في نشوب الخلافات التي أنهت الائتلاف".
بالإضافة إلى تلك الخلافات، "يحضر عامل تنحية الائتلاف بعض القضايا المهمة جانباً، فلم ينظر لها بجدية، ومن تلك الملفات ملف المرأة وملف المسيحيين، إذ كنت المسيحية والمرأة الوحيدة أيضاً الموجودة داخل الائتلاف، بالإضافة إلى التعالي الذي أصاب بعض الأعضاء خلال تلك الفترة، وعدم الانخراط الحقيقي وسط الجماهير التي تعددت مطالبها في احتجاجات ظهرت عقب الثورة".
كما تشير توما إلى أن "الحملات التي ظهرت عقب الثورة كانت الأكثر نجاحاً واختلاطاً بالجماهير، واستطاعت أن تفعل ما فشل فيه الائتلاف. ومن تلك الحملات ′كاذبون′، و′لا للمحاكمات العسكرية′ التي رفضت مثول المدنيين أمام المحاكم العسكرية، لأن تلك الحملات لم يكن فيها إقصاء لأحد واختلطت بالجماهير بشكل أكبر".
وتضيف موضحةً أنه مع تزايد الاختلافات داخل الائتلاف، رأى عدد كبير من أعضائه أن الحل هو الخيار الأفضل، وخصوصاً أنه أصبح بعيداً عن الشارع وتحركاته ومطالبه.
وتختم كلامها بالإشارة إلى أن الائتلاف تعرض للكثير من المزايدات والهجوم غير المبرر من الحركات الثورية التي شُكّلت عبر الثورة، وهذا ما أضعف موقفه، لافتةً إلى أن أعضاء الائتلاف الآن أصبحوا مطاردين بين مهاجر ومعتقل ومهدد.
"مع الأسف فشل الائتلاف في توسيع دائرته، وظل منغلقاً على نفسه حتى تمكنت العصبوية من أعضاء المجموعة".
رأي آخر جاء من عضو بارز في الائتلاف رفض ذكر اسمه، وهو: "مع الأسف فشل الائتلاف في توسيع دائرته، وظل منغلقاً على نفسه حتى تمكنت العصبوية من أعضاء المجموعة"، مشيراً إلى أن "فشل الائتلاف في توسيع دائرته ساهم كثيراً في خروجه من المعادلة السياسية وظهور قوى أساسية متمثلة في الإخوان والمجلس العسكري عملت على إزاحته من المشهد السياسي وتهميشه".
وتحل الذكرى التاسعة لثورة يناير بينما يوجد عدد من أعضاء الائتلاف رهن الحبس الاحتياطي على خلفية قضايا سياسية، من بينهم محمد القصاص الذي كان من الإخوان وفُصل، وزياد العليمي الذي كان في "حملة دعم البرادعي"، وشادي الغزالي حرب الذي كان يمثل "شباب حزب الجبهة".
في المقابل، ترك آخرون البلاد بعد مطاردات أمنية، منهم الناشط اليساري خالد السيد الذي كان يمثل "حركة شباب من أجل العدالة والحرية"، ومنهم محمد عباس وإسلام لطفي من شباب الإخوان داخل الائتلاف والمدون والناشط عبد الرحمن فارس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...