شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
وسط اتهامات بالشعبوية وتجاهل الأزمات... كيف يرى تونسيون أداء رئيسهم الجديد؟

وسط اتهامات بالشعبوية وتجاهل الأزمات... كيف يرى تونسيون أداء رئيسهم الجديد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 17 يناير 202011:45 ص

من أسوار الجامعة إلى أسوار قصر الرئاسة في قرطاج، ثلاثة أشهر قضاها الرئيس التونسي قيس سعيّد حتى وصل إلى سدة الحكم بنسبة 72 في المئة من أصوات شعبه خلال رئاسيات 2019.

كان فوزه مفاجئاً للجميع، خاصة أنه حصل دون حملات انتخابية تُذكر، وقلب موازين القواعد الاتصالية المُتعارف عليها ومن بينها الاتصال السياسي الذي يُبنى أساساً على الإعلانات والحملات الانتخابية والبرامج والمشاريع التي يستقطب من خلالها المرشح أكبر عدد من الناخبين.

ضرب الرجل بالسياسات الاتصالية عرض الحائط ونجح بالتأثير في الناخبين، لا سيما في طلاب الجامعات الذين اصطفوا بأعداد كبيرة وراءه ورأوا فيه منقذاً، بعدما ملوا وعود السياسيين الواهية لسنوات عدة.

"لست في حملة انتخابية لبيع أوهام والتزامات لن أحققها، بل أنا ملتزم بما أقول وأعد به، عكس وعود الأحزاب التقليدية التي لم يكن حظ الشعب التونسي منها إلا كحظ المتنبي من وعود كافور الإخشيدي"، كان هذا التعليق الأشهر له.

وحين وصل إلى المنصب، لفت سعيّد الانتباه من خلال إلغائه بروتوكولات الرئاسة والخطابات المرتجلة واعتماده سياسة الحياد أو السكوت إزاء قضايا كثيرة، لكن السؤال المطروح هنا، هل سياسة الصمت والاتصال غير المدروس بإمكانها أن تكون الحل دائماً أم أن لها تبعات سلبية؟

كسر بروتوكولات الرئاسة

بعد يوم فقط من إعلانه رئيساً لتونس، توجه سعيّد إلى المقهى الذي اعتاد ارتياده لسنوات طويلة في حيه الشعبي، محاولاً كسر البروتوكولات الرئاسية المتعارف عليها.

في السياق ذاته، رفض الرئيس الجديد الإقامة الدائمة في قصر قرطاج، متخذاً الأخير مقر عمل كموظف لدى الدولة نهاراً قبل أن يعود ليلاً إلى بيته المتواضع في المنيهلة، أحد الأحياء الشعبية في العاصمة التونسية.

وفي ما يخص زوجته القاضية إشراف شبيل، أعلن سعيّد أنها لن تحظى بلقب "السيدة الأولى"، وبأنه سيعمل على إلغاء هذا البروتوكول، مؤكداً أن جميع نساء تونس هن "سيدة أولى". كما كشف أنه سيتخلى عن مظاهر الترف والمواكب والامتيازات التي يحصل عليها رئيس الجمهورية عادة.

هذه الخطوات كانت محط ترحيب لدى مؤيدي الرئيس، وبدأوا بتداول فيديوهات وصوراً ترصد سلوكياته وعاداته اليومية بعد توليه رسمياً منصب الرئاسة، فتارة يقومون بتصويره في أحد المقاهي الشعبية، وطوراً عند حلاق الحي.

يقول محمد، الطالب في كلية الحقوق، لرصيف22: "الرجل متواضع ونيته سليمة ولا أرى في ذلك أية شعبوية كما يقولون في الإعلام. انظروا إلى رؤساء الدول المتقدمة الذين يتنقلون بالدراجات، هل تلك شعبوية أيضاً؟".

تؤيد أسماء (35 عاماً) كلام محمد، قائلة لرصيف22: "انتخبت سعيد عن قناعة، ولا زلت عند رأيي إذ يكفي أن الرجل نظيف اليد".

في المقابل، يسخر كثر من تصرفات رئيس الدولة آنفة الذكر، ويعتبرونها مزايدة وشعبوية مفرطة، وصولاً إلى وضعها في سياق عدم احترام هيبة المنصب الذي تولاه. ومن هؤلاء صفية (40 عاماً) التي تقول: "لسنا ضد كل تلك التصرفات لكن همنا أكبر من ذلك بكثير".

"فوبيا الطائرة"

كان أول موقف في السياسة الخارجية لسعيّد تراجعه عن زيارة رسمية إلى الجزائر التي كان قد قال إنها ستكون وجهته الأولى في الزيارات الخارجية، لحضور اليمين الدستورية التي أداها الرئيس الجزائري المنتخب عبد المجيد تبون.

تراجع الرئيس عن الزيارة أثار جدلاً واستغراباً كبيرين بين التونسيين، واعتبروه هفوة سياسية كما يصف المحلل السياسي عبد الله عبيدي لرصيف22، قائلاً: "على الرئيس أن يكون منسجماً مع الرأي العام، فعلاقة الشعبين وطيدة ومن حق الشعب أن يلوم رئيسه في مثل هذه الهفوات".

فسّر آخرون الأمر بطريقة ساخرة، فانتشر هاشتاغ "قيس سعيّد سافر أنت لست شجرة"، ومن ضمنه كان هناك تعليقات تلمّح إلى أن لدى الرئيس فوبيا من ركوب الطائرة.

بعد يوم فقط من إعلانه رئيساً لتونس، توجه نحو المقهى الذي اعتاد ارتياده لسنوات طويلة في حيه الشعبي، محاولاً كسر البروتوكولات الرئاسية... جولة على أداء قيس سعيّد منذ استلامه الرئاسة، وسط اتهامات له بالشعبوية 

استدعى الأمر خروج المكلفة بالإعلام في رئاسة الجمهورية رشيدة النيفر لتنفي مسألة الفوبيا، مبررة تأجيل الزيارة بسبب "تعطل مسار تشكيل الحكومة في تونس"، قائلة: "ما يتم تداوله بخصوص خوف الرئيس من ركوب الطائرة إشاعة لا أساس لها من الصحة، والرئيس استقل الطائرة في عدد من المناسبات".

لاحقاً، قام سعيّد بزيارته الخارجية الأولى منذ توليه الحكم، فزار سلطنة عمان لتقديم واجب العزاء في وفاة السلطان قابوس بن سعيد والتي ربما استبعدت إشاعة خوفه من ركوب الطائرة، إلا أنها لم تضعه خارج دائرة الانتقاد بشأن سياسته الخارجية.

زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس الشهر الماضي أثارت بدورها حفيظة بعض الأحزاب السياسية في تونس، فعبّرت قياداتها عن استيائها بل رفضها للزيارة، داعية رئاسة الجمهورية إلى الشفافية التامة مع الشعب التونسي بخصوص أهدافها (الزيارة) واللقاءات المرتبطة بها ومخرجاتها.

كما استنكرت تلك الأحزاب وصول معلومات مهمة إلى الرأي العام عبر وسائل الإعلام التركية، لافتة إلى ضرورة توضيح الخيارات المتبعة في هذا الشأن وإطلاع التونسيين على مثل هذه المسائل السيادية.

سياسة اتصالية غير موفقة

يُقلّ الرئيس في إطلالاته الإعلامية، وهو ما يستدعي تذمر صحافيين في كثير من الأحيان من غياب المعلومة وسياسة التعتيم التي يعتمدها مكتب الإعلام لدى رئاسة الجمهورية.

وكتبت الصحافية التونسية ورئيسة جمعية الصحافيين الشبان سيدة الهمامي على صفحتها الفيسبوكية: "النفير النفير… ضد إعلام النيفر واتصال رشيدة".

"من أستاذ جامعي إلى رئيس للجمهورية، ربما يشرح ذلك التصرفات التي عابها البعض، فالرجل لا يزال يتحسس خطواته"... مقابل فريق يستمر في الدفاع عنه، ثمة من يتهم الرئيس التونسي بالشعبوية وتجاهل الأزمات الفعليّة 

وبعد توليه الرئاسة، لم تكن خطابات سعيد على مستوى التطلعات، فوصفها كثيرون بالخطابات الشعبوية الجاهزة على غرار خطابه في مدينة سيدي بوزيد في ذكرى اندلاع شرارة الثورة الذي أشار فيه إلى وجود "مؤامرة تُحاك في الظلام".

كلمات اعتُبرت مُبهمة من أعلى هرم سلطة في البلاد، بينما رأى مناصروه أن خطابه قريب من الفئة التي انتخبته.

يقول حسان، وهو أستاذ جامعي، لرصيف22: "الرجل لم يرتكب خطأ فادحاً ليتم الهجوم عليه بكل تلك الاتهامات، بينما سياسة تونس الخارجية واضحة منذ زمن وهي الالتزام بالحياد إزاء المسائل الخارجية".

وفي حادثة أخرى، أثار خطابه في القصرين تهكماً وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي حيث أعاد سعيد جملته الشهيرة: "الدستور الحقيقي هو الذي خطه الشباب على الجدران".

وتداول تونسيون على مواقع التواصل صوراً لكلمات خُطّت على الجدران لا تمت لمطالب الشباب بصلة، وأطلقوا عليها أسماء فصول من الدستور في إطار السخرية من الخطاب الذي اعتبروه شعبوياً لم يرتق لتطلعات الشباب.

ويتساءل المختص في علم الاجتماع معاذ بن نصير في حديثه لرصيف22: "هل تمّ انتخابك لكي تُحدثنا عن المعاني السوسيولوجية لفن الكتابة على الجدران؟".

في المقابل، يدافع منذر، وهو طبيب في مستشفى حكومي، عن كلمة الرئيس، ويقول لرصيف22: "النقد الموجه للرئيس سطحي، ومنتقدوه لم يجدوا في خطابه ومواقفه نزعة أيديولوجية بل خطاباً تجميعياً على عكس بقية السياسيين الذين يمتهنون الشعبوية، وسعيد أقرب منهم إلى الشعب الذي خط مطالبه بالفعل على الجدران أيام الثورة".

"صلاحياته ليست محدودة كما يظن"

"انتقال سعيّد من أستاذ جامعي مساعد إلى منصب رئيس الجمهورية ليس هيناً، وربما يشرح كل تلك التصرفات التي عابها البعض، فالرجل لا يزال يتحسس خطواته الأولى في أروقة الحكم"، على حد تعبير العبيدي.

"سعيّد الذي انتقل من مساعد داخل أسوار الكلية على مرّ ثلاثين عاماً إلى رئيس للجمهورية لا يزال إلى الآن تحت وقع الصدمة، صدمة المكان وصدمة المنصب وصدمة العلاقات المتشعبة وصدمة الأحزاب وصراعاتها". 

ويقول العبيدي: "لا ننكر أن للرئيس هفوات إلا أننا لا يمكن أن نلومه فقط، هو مطالب بفهم تسيير دواليب الدولة وأن يتفاعل إيجابياً مع الحكومة الجديدة، كي لا يؤثر سلباً على المسار الديمقراطي ويحافظ على الأمن القومي".

ويضيف: "الرئيس مُطالب باستكمال المسار الديمقراطي وتقريب وجهات النظر مع جميع الأطياف السياسية في ما يخدم مصلحة البلاد، خاصة بعد إسقاط تشكيلة الحكومة وعليه أن يتفاعل بايجابية مع الحكومة الجديدة، وخاصة وزراء السيادة على غرار وزارتي الدفاع والخارجية لأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة وقراراته مهمة".

وتعقيباً على مسألة القرارات المهمة، يشرح المحلل السياسي إلى "المرحلة الحساسة التي تشهدها الجارة ليبيا"، قائلاً: "صلاحيات الرئيس ليست محدودة كما يظن فهو مسؤول عن الجيش والخارجية والأمن القومي، لذلك فسياسة السلبية واللا موقف التي يعتمدها سعيد لن تخلف سوى المشاكل على جميع الأصعدة إن استمرت".

من جهته، يعتبر بن نصير أن "سعيّد الذي انتقل من مساعد داخل أسوار الكلية على مرّ ثلاثين عاماً إلى رئيس للجمهورية لا يزال إلى الآن تحت وقع الصدمة، صدمة المكان وصدمة المنصب وصدمة العلاقات المتشعبة وصدمة الأحزاب وصراعاتها وصدمة الكتل وتناحرها"، معلقاً "أنا لا ألومه عندما ألقى البارحة كلمته على مشارف معتمدية تالة في خطاب فارغ المُحتوى، خطاب شخص يعيش عزلة اجتماعية وسياسية، خطاب شُعبوي بامتياز".

ويختم: "على الرئيس تجاوز فعل الصدمة المكانية والزمانية، والتأسيس لمفاهيم وأسس ومبادئ الجمهورية الثانية والبدء بمعالجة أهم مشاكلنا الاجتماعية من بطالة وفقر وسوء حال وغلاء معيشة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image