"الإنسان لا يختار بلده أو جنسيته أو أبويه. هذه أمور تولد معه. لو كان الأمر بيدي لاخترت أن أكون سويدياً أو أستراليا أو كندياً لأعيش حياة رغدة دون عراقيل. ولكن قدري هو أن أولد صحراوياً ومن شعب ما زال يكافح من أجل الحرية والاستقلال".
هكذا لخص الصحافي والباحث الصحراوي البشير محمد لحسن (33 سنة) علاقته بالقضية الصحراوية، مضيفاً: "أنا جزء من هذا الشعب، ولا يمكنني التنكر لها الواقع الذي أتأثر به، وأحاول التأثير فيه وتغييره قدر ما استطعت".
حديث لحسن لرصيف22 أتى على هامش مؤتمر الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) الـ15، الذي عقد في تفاريتي، شمال الصحراء الغربية، بين 19 و23 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وناقش مستقبل القضية الصحراوية وجددت فيه الجبهة التي تأسست سنة 1973 وتطالب باستقلال الصحراء الغربية، هيئاتها القيادية.
القضية ترسم شخصية الإنسان
يعتبر الصحراويون أن دولتهم ليست مجرد حلم بل نواتها قائمة ولكن في المخيمات، وأن قضيتهم تشكل شخصياتهم، سواء أكانوا في المخيمات أو المناطق الخاضعة للسيطرة المغربية.
يقول لحسن: "حلم الدولة هو مسؤولية كل صحراوي وصحرواية. عليه الدفاع عنه بقدر ما يستطيع. هو حلم منشود وهو أيضاً واقع وحقيقة، فالدولة مجسدة في أماكن اللجوء ولكن يجب أن تكون مجسدة على أرض الصحراء الغربية"، ويتابع: "لا يهم إنْ لم أتمتّع بها أنا أو أبنائي أو أحفادي. سأعمل على زراعة القضية فيهم وفي كل مَن هم حولي وسأعمل على فرضها بكل الوسائل".
البشير محمد لحسن
تنقسم الصحراء الغربية إلى منطقتين هما الساقية الحمراء شمالاً، ووادي الذهب جنوباً، وتبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع. ويفرض المغرب اليوم سيطرته على 80% من مساحتها، أما جبهة البوليساريو فتسيطر على ما تبقى، ومنه ناحية تفاريتي.
الفصل الحديث من تاريخ الصحراء يعود إلى مرحلة تصفية الاستعمار، هي التي كانت حتى عام 1975 خاضعة للاستعمار الإسباني. رغم إصدار محكمة العدل الدولية حينذاك رأياً استشارياً يدعو إلى منح سكانها حق تقرير المصير، سيّر ملك المغرب الحسن الثاني "المسيرة الخضراء"، في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر 1975، وهي تظاهرة شعبية شارك فيها حوالي 350 ألف مغربي، وعنوانها العلني كان حث إسبانيا على الانسحاب، ولكن غايتها كانت استلام السيطرة على المنطقة منهم.
بعد ذلك بأيام، عقدت إسبانيا والمغرب وموريتانيا "اتفاقية مدريد الثلاثية" التي قضت بانسحاب القوات الإسبانية وتسليم الأرض للمغرب وموريتانيا. رفض الصحراويون هذه الترتيبات وأعلنوا "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، وشكلوا حكومة أدارت من المنفى جيش التحرير الشعبي، وخاضوا، بمؤازرة الجزائر، معركة ضد المغرب وموريتانيا أدت إلى انسحاب الجيش الموريتاني، عام 1979، وحلول الجيش المغربي مكانه.
الآن، يقدّر عدد الصحراويين بنصف مليون نسمة، يقطن أكثر من ربعهم في خمس مخيمات للاجئين تأسست أواخر سنة 1975، وتحمل أسماء مدن صحراوية هي الداخلة، السمارة، العيون، أوسرد، وبوجدور، ولكنها مقامة في منطقة تندوف الجزائرية.
يشير لحسن إلى أن للإنسان الصحراوي خصوصية ناتجة عن قضيته الشائكة. يشرح: "حين تولد لاجئاً ابن قضية مثل القضية الصحراوية، سيؤثر ذلك على حياتك، وقد أثّرت على حياتي لأنني ولدت لاجئاً في مخيمات اللاجئين الصحراويين في الجزائر. درست المرحلة الابتدائية في مخيمات اللاجئين، وكان عليّ الانتقال إلى الجزائر في مرحلة التعليم المتوسط والثانوي وثم الجامعي، والتعوّد على البعد عن العائلة منذ الصغر".
"درست في الجزائر وكان عمري لا يتجاوز 12 سنة. كنت أقضي تسعة أشهر بعيداً عن أهلي وأعود إليهم في العطلة الصيفية فقط"، يروي، ويضيف: "أثّرت القضية على حياتي المهنية أيضاً، ففي مخيمات اللاجئين لا توجد الكثير من فرص العمل، فمهما درس الإنسان عليه امتهان مهنة أخرى خارج تخصصه. ذلك ما يفرضه واقع المخيم. فلو درست هندسة الاتصالات أو الهندسة المعمارية أو هندسة الطيران مثلاً، عليك الخروج من المخيم إنْ كنت تريد ممارسة هذه المهن، وهو ما حدث معي".
وتؤثر القضية الصحراوية على الصحراويين من الناحية الاجتماعية، برأي لحسن. "هناك التأثير العائلي، فالعائلات الصحراوية يفصل بينها الجدار المغربي الذي بناه المغرب لتقسيم الصحراء الغربية. ففي حالتي مثلاً، لم أرَ أعمامي في حياتي، وأجدادي لم أرَ أي منهم، سواء من جهة الأب أو الأم وأخوالي وخالاتي لا يزالون يعيشون في الجزء المحتل من الصحراء، وبضعهم لديه قناعات تختلف عن قناعاتي، وهذا من التأثيرات المباشرة لاختلاف ظروف الصحراويين. نحترم بعضنا وبيننا ود لكن لكل منا قناعاته."
بدوره، يشدّد سيد أحمد مفتاح، وهو مهندس إعلام آلي ومن سكان مخيمات اللاجئين الصحراويين، ومدير الإعلام في وزارة الثقافة الصحراوية، على أهمية الصحراء الغربية بالنسبة إليه.
سيد أحمد مفتاح
"الصحراء الغربية المحتلة أو الساقية الحمراء ووادي الذهب بالنسبة إلي هي الأرض والعرض التي لا يمكن في يوم من الأيام التفريط فيها، أو الاستغناء عنها"، يقول لرصيف22 ويضيف: "هي ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا. هي سيمفونية عزفتها أرواح أجدادنا الشهداء ليبقى صداها يتكرر في وجداننا. من أجلها تنازلنا عن كل شيء في ذواتنا، فسنة 1976 سقط جدي شهيداً وهو يؤدي صلاة الظهر بعد تعرض بلدة تفاريتي المحررة حالياً إلى قصف عنيف من قبل قوات الاحتلال المغربية... وجرحت أمي وجدتي وخالي... وسقط المئات من أبناء الصحراويين".
يرى مفتاح أن "الدولة أصبحت حقيقة لا رجعة فيها، لأن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية هي دولة مؤسسة للاتحاد الإفريقي وعضو كامل العضوية فيه، وتحظى باعتراف دولي وتمتلك مؤسسات السيادة، ولا ينقصها سوى أن تبسط السيادة على كامل ترابها المحتل".
لا يخفى عليه أن مقومات الدولة الحديثة غير متوفرة للصحراويين، ولكنه يقول: "من غير المعقول أن تبني بنية تحتية متكاملة على أرض اللجوء الذي تسبب في قسوة العيش وندرة العمل ومصادر العيش الكريم".
أثر تجربة الشعب الصحراوي ظاهر في شخصية مفتاح. يعرف أن هذا الأثر ساهم في تكوين معالمها. "قسوة اللجوء وتشتيت الأهل وندرة مصادر العيش كلها عناوين لحياتنا التي فرضها علينا المحتل"، يقول، قاصداً القوات المغربية.
يروي أنه بعد انسحاب "الشقيقة موريتانيا" من الصحراء، قام "العدو المغربي" ببناء جدار دفاعي طوله أكثر من 2700 كيلومتراً، و"لتأمينه قصف آلاف الصحراويين بقنابل النبالم والفسفور المحرمة دولياً، ففروا إلى الحدود الثلاثية بين الصحراء الغربية وموريتانيا والجزائر... تشتت العائلات الصحراوية بين ضفتي الجدار والمهجر والشتات".
ويؤكد الدكتور سليمان الشيخ حمدي، وهو خبير أمني في شؤون منطقة الساحل والصحراء، لرصيف22 أن المغرب "لم يكن يفرّق بين مقاتلي البوليساريو والتجمعات المدنية فكان يقصفهم بقنابل النبالم".
استمرت الحرب الطاحنة بين جيش التحرير الشعبي الصحراوي والقوات المغربية حتى سنة 1991، عندما تدخلت الأمم المتحدة ووافق المغرب على مقترح البوليساريو بإجراء استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي، ولا توجد إحصاءات رسمية حول الخسائر البشرية التي نتجت عنها.
ولكن القضية لم تُحلّ وثار خلاف حول طبيعة الاستفتاء نفسه. يشرح حمدي أن إشكالية ظهرت حول مَن يحق له التصويت في الاستفتاء الذي سيقرر بقاء الصحراء الغربية في المغرب أو استقلالها عنه ومَن لا يحق له، مضيفاً أن المغرب تلاعب بديموغرافيا المنطقة، وقام بـ"توطين مغاربة من الشمال والوسط من أجل تغيير التركيبة السكانية".
الواقع يشكّل الوجدان
لا يختلف طرح الناشطة في جبهة البوليساريو والمخرجة عائشة بابيت ( 26سنة) كثيراً عن طرح زملائها، رغم أنها تقطن في الأراضي الواقعة تحت سيطرة المغرب والتي يعتبرها الصحراويون "مناطق محتلة".
عائشة بابيت
هي أيضاً تعتبر أن الدولة الصحراوية واقع وليست حلماً. تقول لرصيف22: "الدولة الصحراوية كانت حلماً يراود المقاومة الصحراوية إبان الاستعمار الإسباني وراود الحركة الطليعية، لكن منذ 27 شباط/ فبراير 1976 أعلن الشهيد الولي مصطفى السيد تأسيس دولتنا، ومنذ اليوم الموالي حصدت الاعترافات، إذن الدولة الصحراوية ليست حلماً بل هي حقيقة إقليمية وقارية ودولية لا رجعة فيها".
ويُعتبر الولي مصطفى السيد أكثر الشخصيات الصحراوية مرجعية لدى الصحراويين، وكان أحد قادة حركة التحرر الصحراوية ضد الاستعمار الإسباني ثم لاحقاً ضد السيطرة المغربية، وهو من مؤسسي جبهة البوليساريو وكان زعيمها السياسي والعسكري.
"الإنسان لا يختار بلده أو جنسيته أو أبويه. هذه أمور تولد معه. لو كان الأمر بيدي لاخترت أن أكون سويدياً أو أستراليا أو كندياً لأعيش حياة رغدة دون عراقيل. ولكن قدري هو أن أولد صحراوياً ومن شعب ما زال يكافح من أجل الحرية والاستقلال"
"سنبقي مشتتين بين بلاد غربة ومهجر ومخيمات، مقسمين روحياً وعاطفياً بين هذه المناطق"... مواطنون من الصحراء الغربية يتحدثون عن صعوبات تشتتهم بين مناطق يسيطر عليها المغرب وبين مخيمات للاجئين وبين دول المهجر
وعن تأثيرات القضية الصحراوية عليها، تعلّق عائشة: "بالطبع يتأثر الإنسان بواقعه، ويشكل هذا الواقع وعيه ووجدانه. أنا ولدت في الجزء المحتل من الصحراء الغربية، وتعلقت وجدانياً، منذ نعومة أظافري، بالجزء المحرر من بلدي وبمخيمات العزة والكرامة. اعتُقلت أول مرة في مدرستي الابتدائية سنة 2006 وكنت أبلغ من العمر 12 سنة، أنا وبعض رفاقي الناشطين في الحركة التلاميذية في بوجدور المحتلة، عشت أحد أخطر أيامي مع المحتل، هددنا مدير المدرسة وأعوانه بالقتل وإبعادنا إلى أعماق المغرب. حرمني الاحتلال من استكمال تعليمي. حاولت عدة مرات اجتياز امتحان الباكالوريا (الشهادة الثانوية) كمرشحة حرة ولم أتمكن من ذلك، دون مبرر. هذا نموذج فقط يقدم صورة كاملة عن الوضع في المناطق المحتلة".
تشير إلى أن لدى الصحراويين "قناعة بأن النضال فعل ثوري وطني لا يجب أن يتوقف". تضرب مثلاً بإضراب الناشطة الحقوقية أميناتو حيدر، الحاصلة عام 2019 على جائزة نوبل للسلام البديلة (جائزة رايت ليفليهود)، والتي كتبت، أثناء نزولها في مطار العيون، في الخانة المخصصة للجنسية إنها صحراوية وليست مغربية، فأعادتها السلطات إلى إسبانيا، وهنالك دخلت، في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر، في إضراب مفتوح عن الطعام ما اضطر السلطات المغربية إلى السماح لها بالعودة، بعد 33 يوماً، تحت الضغط الإعلامي والدولي.
تتعدد أشكال "النضال" برأي بابيت. "السفر في حد ذاته نضال"، تقول مضيفةً: "أسافر إلى دول أجنبية فقط لهدف واحد وهو إيصال صوت الشعب الصحراوي إلى العالم".
لا يختلف رأي محمد سالم محمد محمد عبد الله الملقب بـ"داهي"، وهو ناشط وصحافي صحراوي مقيم في الأقاليم الخاضعة لسيطرة المغرب لكنه منخرط في جبهة البوليساريو، عن رأي باقي المتحدثين في أهمية القضية الصحراوية وفي أن الدولة الصحراوية واقع.
داهي
"الصحراء الغربية هي الوطن الذي آمن به شعبنا وظل يناضل من أجل تحقيق استقلاله"، يقول لرصيف22.
يحكي بكثير من الأسى عن واقع شعبه تحت السيطرة المغربية. يقول: "نحن نناضل من أجل الاستقلال والحرية. شعبنا في كل أماكن تواجده يقدّم تضحيات جساماً. وفي المناطق المحتلة تسيطر دولة الاحتلال بقبضة من حديد وتمارس ساديتها وانتقامها من الشعب الصحراوي المقاوم للاحتلال".
يتحدث عن أن "تجليات القمع والتضييق على الشعب الصحراوي موجودة في كل مناحي الحياة، فالتعليم ضعيف في المناطق المحتلة وكل طالب أو تلميذ ينشط في المقاومة السلمية يتعرض للطرد، لذلك تجد فيها أعلى معدلات التسرب المدرسي، والاحتلال لا يوفر الدراسة الجامعية للصحراويين في مناطقهم فيضطر الطالب للسفر إلى المدن المغربية واستئجار منزل".
ويشير إلى صعوبة تنقل الصحراويين الذين يجاهرون بمناصرة خيار الاستقلال. "حين تكون مناضلاً صحراوياً من أجل الاستقلال والحرية تظل عرضة للتضييق والمنع من حقك في التنقل. فمثلاً، الوفد الذي شارك في المؤتمر الخامس عشر لجبهة البوليساريو تعرّض لتضييق أثناء عودته إلى مدينة العيون المحتلة، وعمدت أجهزة الاحتلال إلى عزله عن باقي المسافرين وتفتيشه وتمت مصادرة العديد من الكتب والجرائد والأعلام الوطنية الصحراوية منه، وظل الوفد لوقت متأخر في المطار. هذا جزء بسيط من عمليات التضييق على الصحراويين".
ويضيف: "أما أي موظف أو عامل صحراوي فيصعب عليه المشاركة في التظاهرات والوقفات لأنه سيكون عرضة للانتقام والطرد من العمل وهناك أمثلة كثيرة على ذلك".
نضال رغم الركود
تشهد القضية الصحراوية منذ وقف إطلاق النار عام 1991 ركوداً شديداً على صعيد إيجاد حل لها، في وقت يستمر الشعب الصحراوي في دفع ثمن ذلك في المنافي والمخيمات، وأيضاً في المناطق الداخلية التي تخضع لسيطرة المغرب.
ويروج البعض لضرورة قبول أطراف الصراع بحلول وسطى وتقديم تنازلات لحل الملف.
يؤكد البشير محمد لحسن أنه هو شخصياً متضرر من جمود الملف. يقول: "جمود الملف يؤثر عليك شخصياً بحيث لا يمكنك وضع خطة شخصية لنفسك لأن حياتك مرتبطة بقرارات آخرين حول قضية حلّها ليس بيديك. فلو كنتُ موريتانياً أو جزائرياً أو من أي دولة أخرى لاستطعت تنظيم حياتي الشخصية والتخطيط لها، مثل أين سأستقر وأين سأبني منزلاً، وأين سأتقاعد، وغير وذلك من الخطط التي يضعها أي إنسان، لكن بما أنني ابن هذه القضية فليس بإمكاني ذلك".
"سنبقي مشتتين بين بلاد غربة ومهجر ومخيمات، مقسمين روحياً وعاطفياً بين هذه المناطق"، يقول، لافتاً إلى تأثير هذا الأمر على العائلة "فكل عائلة صحراوية لها ابن يعيش في موريتانيا وآخر في الجزائر وواحد أو اثنان في إسبانيا أو فرنسا وغيرهما من الدول، وأصبح لقاؤنا افتراضياً في الغالب".
رغم ذلك، يصرّ على مطلب التحرير الكامل للأرض الصحراوية ويقول: "أعتقد أن البوليساريو تمثل كل الصحراويين المؤمنين بحقهم في الوجود وتحرير الوطن وتكوين دولة تمثلهم. هذا ليس إقصاء لطرف لكنه حقيقة يؤكدها الواقع، فقد فشلت كل التيارات التي حاولت أن تحل محل البوليساريو أو تنافسها على تمثيل الشعب الصحراوي في أن تجد لها مكاناً في قلوب الصحراويين، وفشلت في أن تقنع الناس بمشاريعها".
ويضيف: "البوليساريو لم تعد فقط حزباً سياسياً أو حركة بل أصبحت فضاء تتزواج فيه الأفكار والتيارات، حيث تضم التيار الإسلامي والعروبي واليساري والقبلي واليميني والليبرالي"، مبدياً اعتقاده بأن "البوليساريو لا يمكن أن تحيد عن التحرير وعن الاستقلال لأن ذلك سيجعلها تحيد عما كلفتها به الجماهير".
وبرأيه، لم تقدَّم أي حلول وسطى ترضي نسبياً الشعب الصحراوي أو فئة واسعة منه. والآن، "الحل الذي يطرحه الاحتلال المغربي مرفوض من الشعب الصحراوي والحل الذي تطرحه جبهة البوليساريو مرفوض من الاحتلال".
وكانت السلطات المغربية قد اقترحت عام 2007 إقامة حكم ذاتي موسع في الصحراء، وهو ما رفضته البوليساريو التي تتمسك بحق تقرير المصير.
يرى سيد أحمد مفتاح أن الشباب مل من الوعود الكاذبة التي تطلقها الأمم المتحدة. ويقول: "كرهنا العالم العربي والإسلامي لعدم وقوفهم معنا وإنصاف حقنا. ولم نعد نؤمن سوى بالرجوع إلى الكفاح المسلح كخيار أوحد لاسترجاع حقنا بدمائنا".
يعتبر أن جبهة البوليساريو لا تطالب بحلول تعجيزية بل تطالب بالحل الواقعي الذي يضمن رضا جميع الأطراف وهو استفتاء لتقرير المصير، و"عند ذكر الاستفتاء كلنا نعرف أنه يحتوي على عدة أوراق كالاستقلال أو الانضمام للمغرب أو الحكم الذاتي"، متسائلاً: "لماذا لا يقبل المغرب بالاستفتاء؟ هل يخشى الحقيقة؟".
وعن قضية الركود، تعلّق عائشة بابيت بأنه "ليس هناك ركود، فهناك حركة تضامن عالمية نشطة مع القضية الصحراوية وهناك قرارات إفريقية داعمة لحقنا في الوجود والاستقلال وهناك أخيراً أحكام إفريقية وأوروبية تؤكد سيادة الشعب الصحراوي على ثرواته وحقه في تقرير المصير".
لكنها تعترف بأن هناك "واقعاً آخر في الأمم المتحدة وهناك جمود". وتعتقد أن "أنصاف الحلول يتمناها ضعاف الحجة. فبرأيها، "الشعب الصحراوي قرر الاستقلال التام وانتهى الأمر".
بدوره، يرى داهي أن المجتمع الدولي "متواطئ مع الاحتلال". ويقول: "اليوم كل الشعب الصحراوي قيادة وقاعدة متفق على أن تضحياته من أجل السلام استنفذت وعلى المجتمع الدولي استيعاب ذلك، فإما تطبيق خطة السلام أو إعلان افلاس اتفاق السلام في الإقليم بما في ذلك عملية وقف اطلاق النار".
ويشدد على أن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره "غير قابل للتصرف"، و"كل الحلول التي تعتبر وسطى ما لم تحقق تقرير مصير الشعب الصحراوي هي مرفوضة جملة وتفصيلاً".
واقع الشباب الصحراويين
يعاني الشباب الصحراويون من مصاعب كثيرة، أكان يعيش في المخيمات أو في المناطق الخاضعة لسيطرة المغرب.
يقول بشير محمد لحسن: "مَن يعيشون في الأراضي المحتلة واقعهم معروف، فهناك تهميش وانعدام للتنمية وإقصاء وتضييق سياسي. أما في المخيمات فالتحديات والظروف مختلفة، إذ تنعدم فرص العمل وهناك توظيف في الدولة لكن الرواتب زهيدة ولا تسمى رواتب بل استفادات، لذلك يزاول معظم الشباب مهنة أخرى، ويعتمد الناس على القطاع الخاص".
ويشير داهي إلى أن "نسبة الشباب هي الأكبر في الهرم السكاني الصحراوي، وهذه الفئة تعاني البطالة بنسب مرتفعة تتجاوز 20%، بينما ينهب الاحتلال الثروات من صيد بحري وفوسفات ورمال، ما يدفع بعض الشباب الصحراويين إلى المغامرة في قوارب الموت هرباً من واقع القمع والحرمان، في وقت تشهد المناطق المحتلة تدفقاً هائلاً للمستوطنين المغاربة الذي يوفر لهم الشغل ويستحوذون على المناصب الشاغرة في الوظيفة العمومية".
ولكن كل هذه المصاعب لا تثير الاهتمام المطلوب من المجتمع الدولي برأي مفتاح الذي يقول إن الصحراويين "يجدون أنفسهم مكبلي الأيدي في عالم لا يفهم إلا لغة النار من أجل فرض الحقوق".
شارك كل من بشير وداهي وسيد أحمد وعائشة في مؤتمر جبهة البوليساريو الأخير. جمعتهم أرض تفاريتي مع مئات الشباب لنقاش واقع قضيتهم. لكل واحد منهم نظرته. يتفقون في الكثير ويختلفون في بعض الأمور.
يرى بشير أن مؤتمر البوليساريو الأخير لم يلبِّ طموحات وتطلعات الشعب الصحراوي. يقول: "هذه أول مشاركة لي في مؤتمرات الجبهة وقد جئت بتوقعات كبيرة مثل كل المشاركين، ولكن المؤتمر لم يكن على مستوى الانتظار، فكان عبارة عن محطة للتجديد للقيادة السياسية، ولم يحدث نقاش عميق للقضايا المصيرية مثل العلاقة مع الأمم المتحدة والعودة إلى الكفاح المسلح، لكنني أتمنى من القيادة السياسية الجديدة أن تعرف أن هدفنا هو تحرير الأرض وليس البقاء في المنفى".
ولكن لمفتاح رأي آخر. يقول: "المؤتمر الأخير تمخض عنه الكثير من المخرجات كتحويل المقرات الرسمية للدولة الصحراوية إلى المدن المحررة وتغيير طريقة التعامل مع بعثة المينورسو (بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية) ورفع مستوى الجاهزية القتالية لجيش التحرير الشعبي الصحراوي، كما تمت زيادة كوتا النساء في المراكز القيادية".
وتعتقد عائشة أن أهم مخرجات المؤتمر تمثلت "في رسائل هي في نظري تصعيدية خاصة الموجهة منها إلى الأمم المتحدة والاحتلال المغربي، وهذا إنْ دل على شيء فإنه يدل على الحسم في القرار الذي ستتخذه الجبهة في المرحلة القادمة إن لم تقم الأمم المتحدة بواجبها تجاه آخر مستعمرة في إفريقيا".
وبدوره، يعتبر داهي أن المؤتمر وجّه رسائل مهمة، "أهمها أن الشعب الصحراوي نفد صبره وليس مستعداً للاستمرار في التعاون مع المنتظم الدولي دون وجود خطة واضحة تمكنه من تقرير مصيره"، و"أن الجيش الشعبي الصحراوي لم يستقل بعد عن لعب دوره ومستعد لكل الاحتمالات".
وحسب البيان الختامي للمؤتمر، أجمع المؤتمرون على أن أي محاولة للمساس بحقوق الشعب الصحراوي المشروعة وتحديداً حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال تُعتبر مرفوضة جملة وتفصيلاً، وتشكل خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه.
وعبّر المؤتمر عن دعمه التام والقوي للقرار الذي اتخذته الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب يوم 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 بخصوص ضرورة إعادة النظر في مشاركتها في عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.
* يُنشر بالتزامن على المَنصَّة في إطار تعاون بين الموقعين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...