تسير ريهام باستسلام، بينما يسحبها زوجها بقسوة، ممزوجة بفخر غير مُبرَّر لغرفة النوم، كفَّت عن المقاومة منذ سنوات لتتجنَّب لكماته، وصفعاته، وكلماته المهينة. يمارس الجنس على عجل ثم ينام، لتواصل بكاءها المكتوم، ولكنها بكت أكثر يوم علمت أنها حامل للمرة الثانية.
قررت الإجهاض، وريهام ليست وحدها، فكثير من المتزوجات قررن الاكتفاء بطفل واحد لأسباب مختلفة، ويرين حملهنّ بطفل آخر غير مقبول بدرجات متفاوتة، فالبعض يضطررن للاحتفاظ به، بينما تبحث أخريات عن الإجهاض الآمن، وقد يلجأن لإجهاض غير آمن إن لم يجدن سبيلاً آخر.
"طفل من زوج يغتصبني"
تتذكر ريهام (27 عاماً)، مقيمة في أحد الأحياء الشعبية في القاهرة، أنها قبلت الزواج من والد طفلها فقط لأنه ابن خالتها، فلم يكن يمتلك مميزات كالتي تتمناها الفتيات، ولكنها فكرت أنه قريبها ولن يسيء إليها مثل الرجال الذين لا تعرفهم، أو هكذا تصوَّرت، ولكن أملها انهار مع تلقيها الصفعة الأولى في الشهر الأول من الزواج.
أربع سنوات مرت على زواجهما، وهو يغتصبها، ويضربها إذا قاومت، رفضت أمّها طلاقها، وأخبرتها أنه يمارس "حقه"، وأنّ رفضها خطأ وحرام أيضاً، تقول ريهام لرصيف22: "وجدت نفسي وحيدة بلا سند".
بعد الحمل بطفلها الأول، تحسَّن مزاج زوجها، وبدأ يعاملها بشكل أفضل، فتحمَّست للحمل علَّه يصلح علاقتهما، ولكن موجة لطفه لم تستمر طويلاً، فقررت بعد إنجابه، واستمرار تدهور علاقتها الزوجية أن يكون طفلها الأول والأخير، وبدأت تناول عقاقير "مانع الحمل" دون علمه، ولكنها فوجئت بحملها الثاني، وبدأت رحلة مريرة للتخلص منه.
جربت ريهام الطرق الشعبية التقليدية للتخلص من الحمل، كتناول جرعات عالية من فيتامين سي، وشرب القرفة، والمشروبات الحارة، وكذلك القفز من أعلى الفراش، ولكن لم تنجح، كما لم تكن محظوظة مع طبيبتها، فبمجرد أن أخبرتها أنها لا ترغب في استمرار الحمل، سبتها، واتهمتها بأنها حملت من آخر غير زوجها، وطردتها من العيادة.
بدأت ريهام البحث عن أدوية الإجهاض المنزلي، إلا أنها لم تجدها في الصيدليات، وأخبرها أحد الصيادلة أن بيعها محظور، لجأت للسوق السوداء، وعثرت على شخص يبيع الشريط مقابل 500 جنيه، رفع سعرها في اليوم التالي لألف جنيه.
تواصلت ريهام مع طبيب عبر الإنترنت ليجري لها عملية الإجهاض، طلب ما يعادل 450 دولار وهو ما يفوق قدرتها المادية، وحين طلبت تخفيض التكلفة أرسل لها صورة عضوه الذكري، وعرض تقليل التكلفة مقابل زيارة عيادته قبل ساعتين من موعد العملية.
تواصلت ريهام مع طبيب عبر الإنترنت ليجري لها عملية الإجهاض، طلب ما يعادل 450 دولار وهو ما يفوق قدرتها المادية، وحين طلبت تخفيض التكلفة، أرسل لها صورة عضوه الذكري
فوجئت مي، فتاة سعودية في الثلاثينات من العمر، بحمل جديد، وزاد الأمر صعوبة باكتشافها الحمل بتوأم، قررت وزوجها التخلص من الحمل، فهم بالكاد يوفرون احتياجات الأطفال الثلاثة
حصلت ريهام في النهاية على عقاقير "الإجهاض المنزلي" بمساعدة صديقة لها مقابل 350 جنيهاً للشريط، أي بما يعادل 10 أضعاف سعره الرسمي، وبعد أيام من النزف أصيبت بالهزال والإغماء، تم نقلها للمستشفى في النهاية لتجري عملية كحت للرحم للتخلص من بقايا حملها.
"المساعدة تدخلني السجن"
لا تعترف معظم الدول العربية، ومن بينها مصر، بالحق في الإجهاض، إلا إن كان الحمل مهدِّداً لسلامة الحامل، فقانون العقوبات المصري يعتبره جنحة يعاقب عليها بالحبس، للمرأة التي تقوم بالإجهاض ومن يساعدها، حسب المادتين 261، 262.
تقول هدير، وهو اسم مستعار لطبيبة مصرية، تقوم بعمليات إجهاض طبي في عيادتيها بالقاهرة، إنّ غلق مجال الإجهاض الآمن أمام النساء يدفعهن للمخاطرة بحياتهن.
تتذكر هدير واقعة ألهمتها بتغيير موقفها من الإجهاض، تقول لرصيف22 أنّ فتاة عبثت برحمها بإبرة تريكو لتتخلص من حملها، كانت السبب في حسم موقفها من مساعدة الراغبات في الإجهاض.
"غلق مجال الإجهاض الآمن أمام النساء يدفعهن للمخاطرة بحياتهن".
تعلم هدير أن عملياتها السرية قد تعرّضها للسجن، وأنّ نظرة سيئة تحيط عملها، ويتهمها البعض أنها تقوم بهذه العمليات من أجل المال، ولكنها ترى أنها تقوم بحماية مريضاتها، وأن أجرها المرتفع نسبياً وسيلة لحماية مستقبلها، وعائلتها إذا افتضح الأمر.
لا تنصح هدير باللجوء للإجهاض الدوائي، لأنه يعرض المريضات للنزيف والتعامل مع الدماء لفترة أطول، ويضر بنفسيتهن، كما قد لا يكون حاسماً في إنهاء الحمل، وقد يسبب تشوهات للجنين إذا استمر الحمل، وقد تبقى أجزاء من الجنين في الرحم وتتعفن وتسبب صدمة تسمم تهدد بالوفاة، لذا ترى أن إخراج الجنين، وكحت الرحم هو الأفضل للتخلص الآمن، والمؤكد من الحمل، وكذلك لسلامة الجهاز التناسلي للمرأة.
إجازة شرعية من ثلاثة أطباء
مي، ربة منزل، سعودية من الرياض، في الثلاثينيات من العمر، لديها ثلاثة أطفال، كانت قد قررت الاكتفاء بهم بسبب ظروفها المادية، فوجئت بحمل جديد وزاد الأمر صعوبة باكتشافها الحمل بتوأم، قررت وزوجها التخلص من الحمل، فهم بالكاد يوفرون احتياجات الأطفال الثلاثة.
تحدثت مي مع طبيبتها، ولكنها أخبرتها أن طلبها سيتم رفضه، فحصولها على الإجهاض الآمن في أحد المشافي السعودية لن يحدث دون الحصول على "إجازة شرعية" بناء على تقرير من ثلاثة أطباء يؤكدون فيه خطورة الحمل على صحة الأم، ولا يوجد سبب آخر لقبول الإجهاض في المملكة.
الحصول على إجهاض آمن بالسعودية شديد الصعوبة في ظل الإجراءات والاشتراطات الصعبة للسماح به، وتتزايد صعوبة الأمر في حال رغبة المرأة وحدها التخلص من الحمل، حيث تشترط إجراءات الموافقة على الإجهاض موافقة المرأة ووليها أو الوصي عليها، كما أن التوجهات الرسمية لا تقبل بإجهاض الأجنة المشوهة، وهو ما يصعب معه تقبل الحديث عن الحق المطلق في الإجهاض.
فكرت مي في استخدام حبوب الإجهاض التي تباع في السوق السوداء، ولكن زوجها قرر أن الحل الأفضل خاصة مع تقدم عمر الحمل، واحتمال عدم فعالية الحبوب، هو أن يسافرا لإحدى الدول التي يسهل فيها الإجهاض، كان أمامهما عدة خيارات بينها السفر إلى تونس أو مصر أو المغرب، وفي النهاية قررا السفر إلى مصر، دفع الزوج 2000 دولار مقابل التخلص من الحمل.
التونسية أوفر حظاً
هاجر الثلاثينية التونسية، قررت هي الأخرى الاكتفاء بطفلتها الأولى، كانت أسبابها مختلفة عن سابقتيها، فهي لا تعاني من العنف الجسدي أو الجنسي كما لا تعاني مشكلات مادية.
تزوجت هاجر بعد قصة حب استمرت سنوات، فرحت كثيراً بحملها كما فرح زوجها أيضاً، ولكن المحب تغير كثيراً بعد الزواج، فقد كثيراً من اهتمامه وشغفه بعلاقتهما، حاولت استرجاعه ولكنه بقي مهتماً بالنظر لهاتفه والسهر مع أصدقائه.
ظنت أن حملها سيغير الأمور للأفضل، ولكنها لم تحظ بأي رعاية أو اهتمام من زوجها، أصيبت باكتئاب الحمل ثم اكتئاب الولادة، كانت تتحمل عبء رعاية الطفلة وحدها بينما تصارع رغباتها في قتل الطفلة والانتحار، وزوجها في عالمه الافتراضي لا يعرف عنها شيئاً.
تخلصت هاجر من رغباتها الانتحارية بصعوبة بعد ثلاث سنوات من عمر طفلتها، كانت قد قررت خلالها وبشكل نهائي ألا تحصل على طفل آخر.
قرار هاجر بالإجهاض لم يكن يسيراً، هي تشعر بالانزعاج لأن زوجاً غير مسؤول دفعها للتخلص من جنينها، وتشفق على الجنين أيضاً لأنها ستحرمه من الحياة دون ذنب، كما تخشى على نفسها من تداعيات الأمر ولا تعرف كيف ستتأثر بقرارها وهي منهكة لازالت من معركتها الطويلة مع الاكتئاب، ولن تحتمل انتكاسات جديدة.
"تشفق هاجر على الجنين لأنها ستحرمه من الحياة دون ذنب".
رغم صعوبة ما عانته هاجر وما قد تعانيه، فإنها الأوفر حظاً بين رفيقاتها، حيث يبيح القانون التونسي الإجهاض الآمن منذ سنة 1973، بشرط ألا يزيد عمر الحمل عن 12 أسبوعاً، ويتم الإجهاض في المشافي والعيادات الخاصة المعترف بها من قبل الدولة، ولا تحتاج المرأة لشرح أسباب اختيارها الإجهاض، وما إذا كانت متزوجة أم لا.
ذهبت هاجر، بالفعل لأحد المشافي التونسية وأخبرتهم عن رغبتها بالإجهاض، وتمت العملية دون مضايقات أو أسئلة مزعجة، عانت بعدها من حالة نفسية سيئة استمرت لشهور، ولكنها تحسنت ببطء بدعم من طفلتها، بعد أن قررت التخلص من زواجها أيضاً.
تقدر منظمة الصحة العالمية، عدد حالات الإجهاض غير الآمن بحوالي 25 مليون حالة في العالم سنوياً، معظمها في البلدان النامية، تموت منهن 47 ألف سيدة على الأقل سنوياً، فيما تتعرض 5 مليون سيدة منهن لمضاعفات، كالنزيف، والعدوى، وثقب الرحم، وتضرر الجهاز التناسلي.
يحدث الإجهاض في الدول العربية كما غيرها من دول العالم، ولكن الفارق أن النساء العربيات، باستثناء التونسيات، مضطرات لمواجهة الوصم والاستغلال المادي والجنسي، بالإضافة لمخاطر الإجهاض غير الآمن، كخيار وحيد متاح للتخلص من الحمل غير المرغوب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
أحمد لمحضر -
منذ ساعةلم يخرج المقال عن سرديات الفقه الموروث رغم أنه يناقش قاعدة تمييزية عنصرية ظالمة هي من صلب و جوهر...
نُور السيبانِيّ -
منذ يومينالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 3 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري