شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"أشبه بدعوة للعودة والموت في بلادنا"... لاجئون سوريون بمصر يشكون قطع المعونات عنهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 24 ديسمبر 201902:47 م

"لا أعرف كيف سأؤمن مصاريف عائلتي واحتياجاتها بعد ما حدث. إنها كارثة حقاً"، بهذه الكلمات بدأ أبو زياد (53 عاماً) حديثه لرصيف22، بعد أن وصلت إليه رسالة من المفوضية السامية للاجئين في مصر منذ أيام، تعلمه بإخراجه من دائرة الدعم الغذائي نهائياً مع نهاية العام الحالي.

يعمل أبو زياد بمجال تصليح السيارات، وبالكاد يغطي دخله الشهري، والذي يبلغ 450 دولاراً، إيجار المنزل ومصاريف أولاده الأربعة، وبعضهم في المرحلة الجامعية. يعتبر الرجل أن إيقاف المعونة الشهرية يضر بعائلته، كما المئات من الأسر السورية التي تعيش في مصر، والتي وصلتها نفس الرسالة النصية عبر الهاتف.

وتبين هذه الرسالة بأن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وبرنامج الأغذية العالمي الشريك لها، لن يستطيعا تقديم المعونة الشهرية خلال الفترة القادمة، وهي عبارة عن بطاقات بمقدار 400 جنيه مصري، توزع على العائلات المحتاجة، وتصرف من أحد مراكز التسوق التي تتعامل معها المفوضية.

ولم توضح المفوضية في رسالتها، أو عبر أي طريقة أخرى، أسباب هذا الإجراء الذي ستتضرر منه مئات العائلات السورية، التي كانت تعتمد على تلك المعونة لسدِّ جزء من مصاريفها الشهرية. دفع ذلك بآلاف اللاجئين السوريين المقيمين في مصر للاحتجاج بين بعضهم البعض وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، حول هذا القرار الذي يعتبرونه غير عادل على الإطلاق.

"سبع سنوات من اللجوء، رضينا بالذل والقهر لأجل أطفالنا، أما اليوم فلم يعد الأمر محتملاً، العالم كله ضدنا، وكأنهم يريدون لنا الموت!".

نقص في التمويل

يعتقد الحقوقي المصري عصام حامد، المتخصص بشأن اللاجئين السوريين في مصر، بأن ما تمر به المفوضية السامية لشؤون اللاجئين من نقص في التمويل وتراجع الدول المانحة عن وعودها في التكفل باللاجئين السوريين، هو أحد أهم أسباب قطع المساعدات المفاجئ عن طالبي اللجوء السوريين في مصر، والذين يبلغ عددهم أكثر من 120 ألفاً.

ويؤكد حامد خلال لقاء مع رصيف22 بأن امتداد أزمة اللجوء لكل هذه السنوات ينعكس سلباً على حال اللاجئين، ويؤدي إلى فتور داعميهم وشركاء هؤلاء الداعمين من المنظمات الدولية، مشيراً إلى أن هذا النقص ربما يتضاعف مع الأيام القادمة ويشمل خدمات أخرى تقدم للاجئين، خاصة في مجالي الصحة والتعليم.

ويضيف الحقوقي، الذي يعمل في مجال دعم القضايا المجتمعية والقانونية للاجئين السوريين في مصر مع العديد من الهيئات الدولية، أن حدة النقص في الموارد المقدمة من الجهات والدول المانحة ازدادت خلال العامين الماضيين، لينعكس ذلك مباشرة على السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين وعلى نوعية وكمية الخدمات المقدمة لهم.

غياب التوزيع العادل

يشير محمد طارق، وهو اسم مستعار لأحد موظفي المفوضية في مصر، إلى أن غياب التدقيق والتحقق من مدى احتياج الأسر الممنوحة، أدى لحدوث خلل كبير في عملية التوزيع الحاصلة خلال السنوات الماضية، حيث تحصل أسر على مساعدات لا تحتاجها، مع امتلاك أفرادها دخلاً ثابتاً أو مشاريع صغيرة تعينهم على الحياة، في حين تمنع المساعدات عن عائلات أخرى هي بأمس الحاجة لها.

ويؤكد طارق في حديثه لرصيف22 أن هذا الأمر يعود لأسباب كثيرة، منها عدم وجود متابعة حقيقية من قبل موظفي المفوضية للأسر المسجلة وأحوالها، وعدم وجود معايير دقيقة للمنح، فضلاً عن ادعاء بعض الأسر المرتاحة مادياً عوزها، من خلال تظاهرها بعدم ملكية عمل ثابت أو منزل جيد، "يؤدي هذا في نهاية المطاف لإلقاء عبء إضافي على المفوضية، وحجب المساعدات عن العائلات المستحقة فعلاً"، يضيف الموظف.

ويعتقد طارق أن على المفوضية أن تعيد النظر في ملفات ملتمسي اللجوء، مع فحص شامل لها وتتبع لأصحابها، من أجل معرفة مستحقي المعونة الفعليين، وبالتالي الوصول لتوزيع عادل قائم على منح من يستحق المعونة فعلاً، وقطعها عمن يمتلك عملاً مجزياً أو مشروعاً خاصاً يدر عليه أرباحاً كافية.

قرار مجحف بحق الضعفاء

يرى الشاب السوري علاء، وهو واحد ممن حرموا، مع عائلته المكونة من سبعة أفراد، من المساعدات الإنسانية الغذائية، أن هذا القرار مجحف بحق كثير من الأسر السورية، وشكّل بالنسبة لعائلته "حدثاً مفاجئاً وكارثياً سيؤثر دون شك على كامل حياتنا"، وفق حديثه.

يجني علاء من عمله في المجال المكتبي، في مدينة السادس من أكتوبر بضواحي القاهرة، دخلاً يقدر بمئتي دولار، وإلى جانب الدخل الشهري لأخيه الذي لا يتجاوز 250 دولاراً، تتدبر العائلة بالكاد دفع إيجار المنزل وفواتير المياه والكهرباء والغاز وتكاليف الدراسة.

يقول الشاب الثلاثيني في حديثه لرصيف22، إنه قد يضطر لحرمان أخوته من متابعة تعليمهم إن استمر الوضع على ما هو عليه، "فاحتياجات أسرتنا تتجاوز شهرياً 800 دولار، وما كانت تمنحه المفوضية من معونة بالكاد يكمل مصاريف الأسرة، أما الآن وبعد قطعها ستزداد الحياة صعوبة".

ويؤكد علاء بأن المساعدات التي ستحجب اليوم عن العائلات السورية لا تشمل تلك التي تدعي الحاجة فقط، فأسرته وعشرات الأسر التي يعرفها تعيش حالة مضنية، حتى أنه لا يستطيع التفكير بالحصول على استراحة من العمل ولو ليوم واحد.

يتمنى الشاب وجود آلية تضمن توزيع المعونات بعدالة أكبر، والتأكد من وصول تلك المعونات للعائلات المستحقة حقاً، ويرى بأن على المفوضية دراسة حالات كافة اللاجئين السوريين، والتأكد من عدم امتلاكهم لأي عمل خاص، أو مشروع يدر عليهم أرباحاً كبيرة، "هكذا يمكنهم فعلاً معرفة من يستحق المساعدة وتخصيصها له".

"لا أعرف كيف سأؤمن مصاريف عائلتي واحتياجاتها بعد ما حدث. إنها كارثة حقاً"، بهذه الكلمات بدأ أبو زياد حديثه لرصيف22، بعد أن وصلت إليه رسالة من المفوضية السامية للاجئين في مصر، تعلمه بإخراجه من دائرة الدعم الغذائي نهائياً مع نهاية 2019
ولم توضح المفوضية في رسالتها، أو عبر أي طريقة أخرى، أسباب هذا الإجراء الذي ستتضرر منه مئات العائلات السورية، التي كانت تعتمد على تلك المعونة لسدِّ جزء من مصاريفها الشهرية

"موتوا في بلادكم"

"سبع سنوات من اللجوء، رضينا بالذل والقهر لأجل أطفالنا، أما اليوم فلم يعد الأمر محتملاً، العالم كله ضدنا، وكأنهم يريدون لنا الموت!".

عبارات مختنقة خرجت من الحاج الخمسيني صادق، والذي غادر سوريا مصاباً قبل عدة أعوام، ليلجأ إلى مصر، مستعيناً في حياته فيها على عمل ابنه الأكبر في محل عطورات في القاهرة، والذي يجني منه راتباً لا يزيد عن مئتي دولار شهرياً، وعلى المعونة التي كانت تقدم من قبل المفوضية قبل أن تنقطع هذا الشهر.

يطلق الحاج صادق العنان لقهره خلال حديثه مع رصيف22، معبراً عن معاناته ومعاناة أسرته، ومؤكداً أن قطع المعونة عن أمثاله من السوريين وأسرهم البائسة، هو أشبه بدعوة صريحة لهم بأن يعودوا ويموتوا في بلادهم بمختلف طرق الموت التي اختبرها السوريون خلال السنوات الماضية.

وبحسب الحاج صادق، فإن أغلب الأسر ستعود لا محالة إلى سوريا إن استمر الوضع على ما هو عليه، فالمعيشة في مصر أصبحت باهظة جداً، والكثير من الأسر التي لا تمتلك معيلاً، أو تلك التي تعيش على عمل معيل واحد، أصبحت تحت خط الفقر والعوز تماماً، خاصة بعد إيقاف المساعدات الغذائية التي كانت بمثابة معين لها على تحمل تكاليف الحياة.

"هو ضغط غير مباشر كي نعود لبلاد لم تنعم بالأمان بمجملها حتى اليوم"، يقول الرجل، مضيفاً: "في نهاية المطاف سنختار الرجوع إلى سوريا، لكننا سنكون كمن يعود إلى الموت بقدميه".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard