قد تضلّ دفعة دولية نحو ضمان تخفيف عبء الديون عن الصومال طريقها بسبب خطأ بيروقراطي غير مقصود من الولايات المتحدة، وهذا ما يهدد بتقويض الجهود الطويلة الرامية إلى تحقيق الاستقرار في إحدى أقل البلدان الإفريقية نمواً وأكثرها تضرراً من الصراع.
يتعلق الأمر بانضمام الصومال لـ"مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (HIPC)". وقد تسبب "الخطأ الأمريكي" بإثارة قلق بعض المسؤولين الأمريكيين حتى أن السفير الأمريكي في الصومال (شرق إفريقيا) يفكر في الاستقالة إذا لم يُصحح الخطأ، وفق ما أكده مسؤولون حاليون وسابقون في السياسة الخارجية الأمريكية لمجلة "فورين بوليسي".
أشارت المجلة في تقريرها المنشور في 11 كانون الأول/ديسمبر، إلى أن واشنطن تخصص سنوياً نحو نصف مليار دولار للمساعدات والتنمية في الصومال دعماً لحكومته الهشة التي تكافح عنف الجماعات الإرهابية وعدم الاستقرار المزمن.
فرصة مهمة للخروج من الأزمة
في ظل التحديات التي يواجهها الصومال، تحاول الحكومة الصومالية برئاسة حسن علي خيري، وبدعم من واشنطن، إنجاز عدد من الإصلاحات الصعبة التي لا تحظى بشعبية لجعل السياسات الحكومية أكثر موائمةً للمعايير الدولية لا سيما في ما يتعلق بالإدارة الاقتصادية والشفافية.
منحت الإصلاحات الصومال فرصةً لتلقي تخفيف عبء الديون بحلول ربيع عام 2020 في إطار برنامج يديره صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يطلق عليه مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (HIPC).
من شأن تلك الخطوة رفع الحظر عن الصومال للحصول على المساعدة المالية الدولية التي هو في أمس الحاجة إليها، وتمثل مفتاحاً لمساعدته على تعزيز نموه الاقتصادي المتقلب وتحقيق الاستقرار في مؤسساتها الفيدرالية.
يرى مسؤولون أن تخفيف عبء الديون سيكون له مجموعة من التأثيرات الإيجابية، منها السماح للصومال بتقوية جيشه ومواجهة حركة الشباب، إحدى أكثر الجماعات الإرهابية دموية في العالم، والعاملة من مناطق غير خاضعة للحكومة في الصومال.
بحسب "فورين بولسي"، سبق أن أرسلت وزارة الدفاع الأمريكية قوات مميزة للمساعدة في تدريب الجيش الصومالي وتأهيله لمحاربة "الشباب"، كما تقوم بغارات جوية في الصومال تستهدف مسلحي الحركة بانتظام.
يعتقد المسؤولون الأمريكيون أن تخفيف عبء الديون يساعد الصومال على إعادة ترتيب قواته انتهاءً بتخفيف العبء على الجيش الأمريكي وبرامج المعونة التي تقودها واشنطن في واحدة من أفقر بلدان العالم.
وزارة الخارجية الأمريكية أسقطت "سهواً" من أولوياتها محو ديون الصومال الأكثر فقراً والأقل نمواً، وهذا ما يهدد بحرمانه من الانضمام إلى "مبادرة الدول المثقلة بالديون"
السفير الأمريكي لدى الصومال يفكر في الاستقالة إذا لم تحل الأزمة. ومسؤول أمريكي لا يصدق "أن تبدد كل استثماراتنا في الصومال بسبب خطأ بسيط وصغير كهذا"
"لا توجد تنمية اقتصادية واستقلال عسكري من دون صندوق النقد الدولي و(برامج البنك الدولي)"، يوضح مسؤول أمريكي سابق مطلع على الملف.
وتخفيف عبء الديون أمر ملحٍ للصومال نفسه، فالبلد فقير ويغرق في الديون الخارجية (4.7 مليار دولار أي ما يعادل إجمالي الناتج المحلي)، ولا سبيل لديه لسدادها لا سيما أن 96% منها متأخرة. كما أن الصومال يواجه كارثة مناخية متسارعة تزيد من حدة الجفاف الذي طال أمده.
وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن قرابة ثلث سكان الصومال يحتاجون المساعدات الإنسانية وأكثر من 80 % منهم يعيشون في فقر.
إذاً، ما الأزمة؟
لكن شروط انضمام الصومال إلى "مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون" تتطلب من الدائنين الرئيسيين، بما فيهم الولايات المتحدة، الموافقة على محو ديون الصومال جميعها، وإلا فلن يستطيع الانضمام على الإطلاق.
أحد المسؤولين الأمريكيين المطلعين على الأمر قال: "إذا لم تسهم الولايات المتحدة، فإن الصفقة برمتها ستنهار".
وبعدما كان ضمان تخفيف عبء الديون عن الصومال في عداد أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة لسنوات، يمكن أن تخرج القضية حالياً عن المسار المرجو لعدم إبلاغ وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكيتين المشترعين بتقديم تفويض بمحو ديون الصومال (نحو مليار دولار) قبل أن يضع الكونغرس اللمسات الأخيرة على قوانين الاعتمادات المالية للبلاد.
في سياق متصل، أكد 6 مسؤولين حاليين وسابقين ومساعدين في الكونغرس هذا لـ"فورين بوليسي"، معربين عن اعتقادهم أن وزارة الخارجية الأمريكية "لم تنتبه" إلى هذا الأمر حينما سارعت لإعداد أولويات موازنتها بالتنسيق مع البيت الأبيض.
وعلّق أحد المسؤولين: "لا أصدق أن كل ما استثمرناه في الصومال يمكن تبديده بسبب شيء صغير وبسيط هكذا".
واعتبر آخر: "أنها مجرد قصة بيروقراطية. هذا غبي للغاية".
وقالت مصادر "فورين بوليسي" إن سفير الولايات المتحدة لدى الصومال، دونالد ياماموتو، يفكر سراً في الاستقالة إذا لم تستطع الحكومة الأمريكية حل المشكلة.
ويحاول بعض المساعدين والمسؤولين الأمريكيين إيجاد حل حتى اللحظة الأخيرة، لكن إلى الآن لم يلفت أي مسؤول كبير في إدارة الرئيس دونالد ترامب المشترعين إلى أن تخفيف عبء الديون عن الصومال يعد أولوية، وغرقت القضية برغم أهميتها وسط العشرات من الأولويات الأخرى في فواتير الإنفاق الفيدرالية الضخمة.
يذكر أن بلداناً أخرى قد صاغت خططاً لإعفاء الصومال من ديونه لضمان انضمامه إلى مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون.
ففي وقت سابق من العام الجاري، وبعد طلب وزارة الخزانة الأمريكية، وافق الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وقطر على تغطية 150 مليون دولار أمريكي من ديون الصومال البالغة 330 مليون دولار لصندوق النقد الدولي. في حين وافقت النرويج على دفع نحو 360 مليون دولار لسداد ديون الصومال للبنك الدولي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين