تُعتبر "حركة النهضة" التونسية من أكثر الأحزاب المستقطبة للشباب والمستثمرة فيهم بعد سياسة التغييب والوصاية التي عاناها قبل الثورة، غير أن علاقة شباب النهضة بحركتهم بصورة عامة وبقياداتهم بصورة خاصة تشهد مداً وجزراً ناتجين من طريقة ممارسة الحركة للحكم في البلاد.
منذ فوزها بأول انتخابات ديمقراطية عرفتها تونس بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 وممارستها للحكم، برز دور شباب النهضة رقيباً على الحركة.
وتجلّى أول تفاعل لشباب النهضة مع الحركة من خلال إطلاقهم في آب/أغسطس عام 2012 حملة "اكبس" (اضغط) للضغط على الحكومة من أجل تحقيق أهداف الثورة واستبعاد رموز النظام السابق المحسوبين على "حزب التجمع الدستوري الديمقراطي" المحلول من النشاط السياسي ومن تقلد مناصب في الدولة.
اليوم، بعد مرور ثماني سنوات على انخراط النهضة في الحكم، تشهد علاقة شبابها بقياداتهم تغيرات ملحوظة.
تململ كبير
قال عضو مكتب محلي لحركة النهضة في منطقة كندار في محافظة سوسة أحمد سوف الجيل (38 سنة) لرصيف22 إن تململاً كبيراً يسبغ علاقة شباب النهضة بقياداتهم.
استدل الجيل على موقفه بما يتعرض له شباب الحركة في محافظته من استغلال أثناء الإعداد للمحطات الانتخابية المهمة والمناسبات مقابل تغييبهم لدى اتّخاذ القرارات المصيرية "بحجة أن الوضع لا يسمح وأنهم يفتقرون إلى الخبرة".
ولفت عضو المكتب المحلي إلى أن حالة الفتور في العلاقة بين الطرفين سببها كذلك أن القيادات تنظر إلى شباب الحركة على أنهم متهورون، قائلاً: "نشعر بحالة غضب من الوضع الذي وصلنا إليه، لسنا ممثلين في مناصب الحركة المهمة برغم نشاطنا الإعلامي والميداني المكثف مقارنة بشباب بقية الأحزاب".
سوء تصرف
شعور الإقصاء يشاطره كذلك عضو مكتب محلي آخر في محافظة سوسة هو سيف الدين الشملي (38 سنة) الذي تحدث عن وجود ما وصفه بـ"سوء تصرف في شباب النهضة الطلبة في الجامعات الذين تم حصرهم في فضاءات الجامعات وإقصاؤهم من المشاركة في المكاتب المحلية للحركة للتفاعل واكتساب خبرة في العمل السياسي".
وتساءل الشملي في حديثه لرصيف22 عن أسباب إبعادهم عن المكاتب المحلية والجهوية للحركة، في وقت يعتبر أنهم "فاعلون وناشطون حتى يشعروا وكأنهم حزب صغير وحيد داخل حزب كبير، فلماذا هذا الفصل؟".
استغلال فاحش
بدوره، قال مهندس الطاقة أحمد ضياء غزي (24 عاماً) الذي كان عضواً سابقاً في أحد مكاتب النهضة في إيطاليا: "هنالك إشكالية بين شباب النهضة والقيادات التي تستغلهم استغلالاً فاحشاً كحطب حرائق بين القيادات".
"هنالك تباعد بين قواعد الحركة المتمثلة في المحليات وبين القيادات، يظهر من خلال عدم الرجوع إلى القواعد عند اتخاذ أي قرار".
تغييب قيادات النهضة لشبابها لدى اتخاذ قرارات مصيرية أكدته عضو مكتب محلي المشرفة على شؤون المرأة في منطقة مساكن في محافظة سوسة فادية الضيف (37 سنة)، قائلة: "هنالك حرية تعبير في المكاتب المحلية، لكن تفاعل القيادات مع آراء الشباب لا يوجد إلا في حالات قصوى يلتقي فيها رئيس الحركة راشد الغنوشي ببعض المجموعات، لكن ماذا بعد؟".
وقالت الضيف لرصيف22 إن "شباب النهضة يُعاملون كوقود في معارك بين أجنحة مختلفة داخل الحركة"، مضيفة أن "هنالك تباعداً بين قواعد الحركة المتمثلة في المحليات وبين القيادات، ويظهر من خلال عدم الرجوع إلى القواعد عند اتخاذ أي قرار وعدم الاستناد إلى مواقفها والنقاش معها في كل التفاصيل".
ودعت المتحدثة قيادات النهضة إلى فتح المجال أكثر لشباب الحركة والاستماع لهم لا استغلالهم وحسب، فضلاً عن شكواها من أن "الحركة بصورة عامة تنظر كذلك إلى العنصر النسائي داخلها كمحرك انتخابي فقط وليس كعنصر حقيقي فاعل".
ممارسات غير ديمقراطية
من جهة ثانية، لم يخف الجيل امتعاضه من عدم احترام قيادات الحركة لخيارات القواعد بعد تدخل المكتب التنفيذي وتغيير نتائج انتخابات الحركة الداخلية لاختيار القوائم المرشحة لخوض الانتخابات التشريعية التي شهدتها تونس في 6 أكتوبر/تشرين الأول من العام الحالي.
وكشف الجيل أنه كان شاهد عيان على تغيير النتائج في دائرة سوسة، وأن الحديث كان يدور قبل ستة أشهر من الانتخابات بأن القائمة جاهزة وبأن العملية الانتخابية المزمعة هي مجرد ذر رماد على العيون، متسائلاً: "ماذا عن حديث قيادات الحركة عن احترام العملية الانتخابية الديمقراطية ونتائج التصويت؟".
وأشار الجيل إلى أن هذه الممارسات دفعته إلى التفكير بسحب انخراطه وبعدم المشاركة في الحملة الانتخابية الأخيرة، "إلا أنه تراجع في آخر لحظة".
غير فاعلة
من جهته، أوضح سيف الدين الشملي أن "ضغوط الواقع كثيرة، من بينها اتحاد الشغل وبقية الأحزاب المنافسة وما يسمى بالثورة المضادة، وهي من تتحكم فعلياً في غالبية قرارات قيادات النهضة".
"يتعرض شباب الحركة للاستغلال أثناء الإعداد للمحطات الانتخابية المهمة مقابل تغييبهم لدى اتخاذ القرارات المصيرية بحجة افتقارهم للخبرة"... شباب من "النهضة" يتحدثون عن علاقتهم بقياداتهم
جمود، استغلال، أخطاء وإقصاء... بهذه الكلمات وصف عدد من الشباب المنتمين لـ"النهضة" علاقتهم بقيادة الحركة بعد ثماني سنوات على انخراطها في الحكم
كما رأى أن هذه الضغوط هي من جعلت من النهضة غير صانعة للحدث، إذ تأتي غالبية مواقفها تفاعلية فحسب مع محيطها الخارجي.
وذكّر الشملي ببعض الأخطاء التي ارتكبتها قيادات الحركة واصفاً إياها بـ"غير المبررة"، وأبرزها تقليد عدد مهم من القيادات مناصب في حكومة الترويكا عام 2014. وقال: "كان من الأجدر لها أن تعيّن رئيس الحكومة من النهضة وتتفرغ لكتابة الدستور ليخف الضغط عليها".
كذلك اعتبر الشملي أن "قيادات النهضة فهمت تلك المرحلة خطأ، إذ كانت مرحلة تأسيسية انتقالية للاهتمام أساساً بالدستور"، مشدداً على أنها "كانت تستطيع الخروج من تلك المرحلة بأقل الأضرار لو أحسنت التصرف"، حسب تعبيره.
أما عن شعار التوافق الذي ترفعه قيادات النهضة، فقال الشملي: "أنا مع سياسة التوافق واحترام نتائج الصندوق لمصلحة البلاد، غير أن ذلك لا يعني القبول بسياسة الانبطاح والرضوخ لجميع شروط بقية الأحزاب وتقديم تنازلات".
أخطاء فادحة
من جانبه، رأى الشاب النهضوي أحمد ضياء غزي أن قيادات حركته ارتكبت أخطاء تتلخص في "عدم قدرتها على اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب"، كعدم امتثالها لمقترح أمين عامها المتخلي حمادي الجبالي عام 2013 بتكوين حكومة تكنوقراط.
عزا الشاب هذه الأخطاء إلى أن قيادات "النهضة" وبعض مستشاريها يتعاملون مع الحركة على أساس أنها جماعة وليست حزباً.
ورأى غزي أن مخالفة القيادات مقترح الجبالي كان خطوة لافتعال المشاكل بتعيين وزير الداخلية القيادي في حركة النهضة علي العريض رئيساً للحكومة، في فترة حساسة أتت بعد اغتيال الناشط السياسي اليساري شكري بلعيد في 6 فبراير/شباط 2013 واتهام النهضة بالضلوع في الحادثة.
ومن أخطائها الفادحة أيضاً، حسب ذكر غزي، الاكتفاء بإبرام اتفاق شفهي مع حزب "نداء تونس" ومؤسسه الباجي قايد السبسي، و"هذا ما جعل النهضة غير قادرة على السيطرة على الوضع".
وعزا الشاب هذه الأخطاء إلى أن قيادات "النهضة" وبعض مستشاريها يتعاملون مع الحركة على أساس أنها جماعة وليست حزباً، مؤكداً رفضه إقدام قيادة الحركة على اقتراح اسم الحبيب الجملي لرئاسة الحكومة الجديدة.
واعتبر غزي أن الحركة تتعمّد في اختياراتها اقتراح أسماء تكون "ضعيفة الشخصية وقابلة للتطويع من قبلها، لأن الحركة تزخر بعدد من الكفاءات ولا تفتقر إليها".
ورأى غزي أن النهضة فشلت في تحقيق مطلب وحيد من مطالب الثورة الثلاثة وهو تحسين اقتصاد البلاد، إلى جانب مطلبي تحسين الوضعية السياسية ودعم الحريات، مرجعاً ذلك إلى الأوضاع الداخلية والإقليمية لتونس.
أجواء مشحونة
ومن خلال تصريحات شباب "النهضة" لرصيف22، كان ثمة إجماع على أن تصرفات بعض المشرفين والمسؤولين على المكاتب المحلية لحركة النهضة دفعت ببعض شبابها إلى اتخاذ قرار الانسحاب الكلي من الحركة على غرار مقاول الكهرباء زبير مسعودي (29 عاماً) رغم انخراطه فيها منذ عام 2011.
وقال مسعودي: "قبل سنتين قررت الخروج لأن العديد من المسؤولين الإداريين بدأوا استغلالي بعدم منحي أجري مقابل الخدمات التي أقدمها، بحجة أني ابن العائلة ولا بد من أن أقدم خدماتي مجاناً لهم".
وتابع: "كما أن الأجواء المشحونة بين المشرفين وعرقلة بعضهم بعضاً لم تشعرني بالراحة ولم أجد نفسي بينهم، لذلك قررت المغادرة".
قصص نجاح
في المقابل كان لحاتم قزاح (29 عاماً)، المنخرط في النهضة منذ سنة 2011، رأي آخر، إذ قال إنه شغل بضعة مواقع داخل الحركة ولم يلمس إقصاء أو استغلالاً ممنهجاً من القيادات للشباب.
في المقابل، شدّد لرصيف22 على أن تجارب الإقصاء التي لمسها فردية، باعتبار أن العمل السياسي ليس مجرد هواية عرضية، إنما "هو عمل حياتي والشاب الذي يريد أن يكون فاعلاً سياسياً عليه أن يأخذ بكل عوامل الفعل السياسي، وهذا ما يغيب عند بعض شباب الحركة".
وأشار قزاح إلى وجود عدد وافر من قصص نجاح شباب داخل الحركة على غرار الشاب عبد الفتاح الطاغوتي الذي يشغل خطة معتمد أول وخليل البرعومي الذي يشغل خطة نائب المكلف بالإعلام في الحركة وهما يحققان -حسب وصفه- نجاحاً باهراً.
ورأى أن العلاقة بين شباب النهضة والقيادات مباشرة من خلال لقاءات مسترسلة مع القيادات العليا للنهضة، من بينهم مؤسسها ورئيسها الغنوشي.
وأكد القزاح أنه يجد نفسه وتوقعاته كشاب من الحركة في قرارات قياداته التي يقول إنها حققت الكثير من المنجزات، منها تركيز الديمقراطية وترسيخ التداول على السلطة وتركيز الحكم المحلي التشاركي.
وختم حاتم قزاح بأن "الحاجز الذي يمنع حركة النهضة من التطور على المستوى الديمقراطي والممارسة هو التناول الإعلامي لما يحدث داخلها، والذي يركز على أسماء معينة دائمة الحضور، غافلاً عن النجاحات والعمل السياسي الكبير داخل أسوار الحركة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...