كثيرا ما رددنا أن الدعارة أقدم المهن التي مارسها البشر، ولم ترتبط بحضارة أو مناخ أو أرض، ففي الريف بُنيت لها الأكواخ، وفي الصحراء ضُربت لها الخيام ورُفعت الرايات، وفي المدن شُيّدت لها البيوت والأزقة وعُيّن الحراس والعسس والحكماء.
إذ إن الحاجة إلى الجنس عند المجتمعات البشرية، قديمها وحديثها، مثل حاجتها للماء والهواء، وما انحطّت أمة إلا وقد صادرت هذا الحق وحاصرت هذه الحاجة وكبتتها.
وكان اليونان أعرق تلك الحضارات التي جعلت من البغاء مهنة، فكانت تفرض ضريبة عليها وتفتح المدارس الخاصة بها لكي تُعلّم الفتيات فنون الغواية، وهناك كانت تكتسب خبراتها وتحسّن مواهبها الأخرى الفنية والأدبية، كالعزف على القيثارة وقراءة الشعر والتفلسف أحياناً.
وفي أثينا كان لكل فيلسوف غانيته. أما الدولة الحديثة فذهبت إلى مزيد من مراقبة هذه الحاجة، فظلت تعطي رخص تعاطي الدعارة وفتح المواخير كما تعطي رخص فتح الحانات والمطاعم والمساجد. فالماخور عنصر من عناصر المدن العربية والغربية على السواء، حتى النصف الثاني من القرن العشرين حين بدأت أوربا تغلق مواخيرها.
وهذه الفضاءات بدورها أنتجت أنماطاً من المهن الأخرى، من القوادة إلى البطرنة إلى القحاب والغلمان، والذي أنتج بدوره مجتمعه الصغير بشيفرته اللسانية وبأزمنته الخاصة وفضاءاته الحميمة، وفي تلك الفضاءات المسيجة كانت تنشأ الحكايات والتراجيديات الصغرى تدور كلها حول البطلة: المومس، ولكل مومس قصة جاءت بها إلى المواخير أو أديرة الشهوات.
ولم تقتصر هذه التجارة على الأماكن المرخّص لها من السّلطة بل توسعت لتحتل الفنادق والطرق، فأصبحنا نتحدث عن فتيات الفنادق والخدمات الجنسية والسياحة الجنسية و"نساء الأرصفة". وقد اهتم الفن بكل أشكاله بهذه العوالم وهذا النمط من الشخصيات، فرأيناها في النحت والمسرح والسينما والأدب.
لكن من هي المومس؟
المومس أو القحبة هي من تشتغل بالبغاء، تلك التي تقدّم وجبات وخدمات جنسية بمقابل. أما العاهرة، التي كثيراً ما تعامل كالمومس، فهي صفة أخلاقية يطلقها المجتمع الذكوري المحافظ على امرأة بالغت في التحرر وخرجت عن ضوابطه، والقحبة في معاجم العربية هي "المرأة البغي التي أعدت نفسها للزنا، وسمّيت بذلك لأنها كانت في الجاهلية تجلس في خيمة، وتؤذن طلابها بالدخول عليها بالسّعال".
المومس عند الروائي الأجنبي
تمثل المومس نمطاً من أنماط الشخصيات الروائية التي ظهرت في الرواية العالمية وشكلت مدونة مهمة، من ألكسندر دوما الابن في غادة الكاميليا، إلى غابريل غارسيا ماركيز في "ذاكرة غانياتي الحزينات"، إلى باولو كويلهو في إحدى عشر دقيقة، إلى أعمال كثيرة لستيفان زفايغ، إلى غانيات هنري ميللر في جل أعماله ومومسات تشارلز بوكاوسكي، إلى مومس كولن سيلز في رواية امرأة في القمة، وغانية أرثر غولدن في مذكرات فتاة الغيشا. ...
ومع الحداثة، أصبحنا أمام نوع جديد من الدعارة الافتراضية عبر الهاتف وعبر التلفزيونات المختصة وأفلام البورنو، وكثير من المحترفات وممثلات البورنو كتبن سيرهن الذاتية، من أشهرهنّ ممثلة أفلام الإباحة ليندا لوفليس التي كتبت سيرتها بعنوان، Ordeal وكتاب حياتي كعاهرة My Life as a Whore، لترايس بيتش الذي وثّقت عبره سيرة العاهرة مدام لورا ايفنس.
أنتجت "المواخير" أنماطاً من المهن الأخرى، من القوادة إلى البطرنة إلى القحاب والغلمان، والذي أنتج بدوره مجتمعه الصغير بشيفرته اللسانية وبأزمنته الخاصة وفضاءاته الحميمة، وفي تلك الفضاءات المسيجة كانت تنشأ الحكايات والتراجيديات الصغرى تدور كلها حول البطلة: المومس
لحاجة إلى الجنس عند المجتمعات البشرية، قديمها وحديثها، مثل حاجتها للماء والهواء، وما انحطّت أمة إلا وقد صادرت هذا الحق وحاصرت هذه الحاجة وكبتتها
مومس كون سيلرز
تبدأ رواية كون سيلرز "امرأة في القمة" بصوت الراوية المومس البانمية تقول: "لقد أسر لي كثيرون لأنني شبقة جداً في المعاشرة. أما أنا فأعتقد أنني أكثر النساء شبقاً في العالم في هذا المجال. وإذا كانت الممارسة تجعل من المرء أفضل في مجال عمله فإنني سأكون أفضل امرأة في مضمار عملي هذا ولا شك.
لا أذكر بالضبط عدد الرجال الذين مثلت معهم أدوار الحب السريعة الملتهبة. لقد أصبح معظمهم بالنسبة لي الآن أشباحاً عفا عليها الزمن فلم تعد واضحة المعالم والقسمات. على أي حال، هل من عاهرة يمكنها أن تحصي زبائنها الذين عاشرتهم؟".
تمثل هذه الرواية واحدة من الروايات التي خصّصها مؤلفها بالكامل لسيرة مومس منذ طفولتها حتى آخر عمرها، وأطلق لسانها لتروي تلك السيرة في نفس سير/ذاتي حميمي مسح كل سيرتها من أحداث وأحاسيس وتقلبات طبقية واجتماعية، وقصة صعودها من عالم ما تحت الصفر إلى عالم السلطة والمال، ومن الطريق إلى عالم القصور، وما لف ذلك من معاناة طويلة مع العنف والإجرام وتجارة السلاح.
يكتب الروائي الأمريكي هذه الرواية منتقداً في ذلك النظام الرأسمالي الأمريكي الذي جعل من هذه المومس تصل إلى القمة، ليكون لها نفوذ سياسي وعسكري عبر سطوتها على فراش النافذين.
مومسات ماركيز
أما غابريل غارسيا ماركيز فجرّه إعجابه برواية "الجميلات النائمات" للياباني كاواباتا إلى ذكريات مومساته، فيكتب "ذاكرة غانياتي الحزينات"، وفيها نقرأ حكاية ذلك الشيخ الذي أراد أن يحتفي بعيد ميلاده التسعين بطريقة مبتكرة، عندما يتذكر القوادة التي كان يذهب إليها زمن الشباب ويحاول الاتصال بها لكي تؤمن له عذراء تنام معه ليلته تلك.
يقول الراوي في مطلع الرواية: "في السنة التسعين من سنوات حياتي، رغبت في أن أهدي نفسي ليلة حب مجنون، مع مراهقة عذراء. تذكرت روسا كاباركاس، صاحبة بيت سري، اعتادت أن تتصل بزبائنها الجيدين، عندما يكون تحت تصرفها جديد جاهز. لم استسلم قط لهذا الإغراء، أو لأي واحد آخر من إغراءاتها الفاحشة، ولكنها لم تؤمن بنقاء مبادئي، فكانت تقول بابتسامة خبيثة: الأخلاق مسألة زمن أيضاً، ولسوف ترى".
هنا المومس القديمة التي صارت في موضع القوادة، التي تؤمن للشيخ رغبته المتمثلة في الصبيّة التي سينام إلى جوارها دون أن يضاجعها. تجربة أقرب إلى ما قرأه من عادات اليابانيين في رواية كاواباتا، ولكنها تحمل في عمقها فكرة فلسفية ووجودية، عندما يتجاور الجسد الضاج بالحياة والمقدم عليها، متمثلاً في جسد العذراء، وجسد الشيخ الخارج عن الخدمة، المترهل، جسد التجارب الفائتة، في حفلة وداع أخير للحياة.
هكذا يحملنا ماركيز عبر مومساته إلى عمق وجودي بعيد عن نقل الوقائع. لقد ارتقى بعالم الهامش والواقع القذر العنيف إلى عالم آخر، عالم نغمي وعميق وصوفي يعمه السلام، ونحن نرى الصبية تنام قريباً من الجسد الذكوري الهرم الذي يحرسها دون اعتداء. ذلك الجسد الذي ثقفته الأنا الراوية عبر الموسيقى والكتب. يقول الراوي: "كنت أمضيت سنوات في سلام مقدس مع جسدي، مكرساً نفسي لإعادة قراءة غير منتظمة لكلاسيكي المفضلين، ولبرامج موسيقاي الخاصة المنتقاة، غير أن رغبتي في ذلك كانت ملحة، حتى أنها بدت لي رسالة من الرب".
إن رغبة ماركيز في ليلة مع فتاة عذراء كانت رغبة في رثاء النفس التي توشك على الهلاك دون أن تنال شيئاً من الإطراء والجمال، فحياته تخلو من كل تشويق وإثارة، يقول الراوي: "يتيم الأب والأم، أعزب بلا مستقبل، صحفي متوسط الإمكانيات، ومتوصل أربع مرات إلى التصفية النهائية في مسابقات كارتا خينا دي إندياس الشعرية، والشخص المفضل لرسامي الكاريكاتير بسبب قبحي النموذجي..". هذا الاحساس بالغبن نتيجة النقص هو الذي قاده إلى تجربة النوم مع غانية عذراء ليودع العالم منتصراً.
غير بعيد عن ماركيز وقبله بسنوات، يكتب بوكوفسكي في كتابه "أجمل نساء المدينة، قصة الحياة في أحد مواخير تكساس"، يعرض فيه نموذج العاهرة التي تصبح جزءاً لا يتجزأ من روتين الواقع، دون أثر قرمزي أو تدجين النظرة إلى المومس. حيث نرى بوكوفسكي يتعامل بندية مع المومس ولا يراها كائناً مستضعفاً، وهذا ما نراه في أيضاً في روايته "هوليود" التي يروي فيها قصة كتابه لسيناريو فيلم "ذبابة الحانة".
مومسات الكاتب العربي
يتمدد حضور المومس في أعمال كتاب عرب كثر؛ الطاهر بن جلون وحنا مينه ونجيب محفوظ يوسف ادريس محمد زفزاف ومحمود المسعدي ورشيد بوجدرة وغيرهم من المدونة العربية، ويكسبها رموزاً ومعاني حتى ارتقت بها بعض الروايات إلى مستوى التيمة الكاملة، كما هو الأمر مع طارق الشيباني في روايته "للا سيدة"، وشخصياً قد كتبت هذه الشخصية في رواياتي "المشرط" من خلال "سيدة الروتند" وفي عشيقات النذل بـ"هند المونديال".
وكذلك فعل الروائي ماهر عبد الرحمان في "عين الحمام" عبر شخصية مليكة، مومس ذاكرة الطلاب الجامعيين. حيث تصبح مليكة ذلك الضوء الذي يطارده الطالب بعد أن أصبح كهلاً وخاض تجارب حياتية كبيرة خارج البلاد، ليعود إلى اللحظة الرحمية للشهوة التي تختزل معنى الحياة، فيتذكر مومسه الأولى، لتبدأ قصة أخرى لإعادة الحياة إلى الجسد الإيروسي المنتهك الذي صار خرقة بالية، عبر تاريخ العنف الذي سلطه عليه ذكور المكان.
غير أن المومس مع محمد شكري هي جماع تلك المومسات؛ مومس محضة لا تقول شيئاً غير هويتها دون محمولات أيديولوجية، وحتى لا يترك لها شكري مجالاً لكي تخرج من حيزها فهي مكتفية بفضائها الذي تسيطر عليه قدر الإمكان. إنها الثابت الذي يأتيه المتحول، ذلك الذكر الجريح. ومن ناحية أخرى هي المومس المثقفة المليئة بالحكايات.
إن المومس شخصية ثابتة في عالم محمد شكري، وليس غريباً، فشكري ابن الهامش الذي لم يغادره رغم شهرته، وحياته ابتدأت بكلمة قحبة التي يرددها والده العسكري العنيف شاتماً أمه، ليبدأ حياة البالغ مع فرج بلا أسنان مع المومس للا حرودة، لتتحول المومس إلى بديل للأم عنده وللزوجة، فشكري الذي لم يتزوج بتخطيط منه، كان يلوذ بحضن المومس كل مرة ليعالج جروحه النفسية، ولكنه لم يخرج من ثوب الذكر الذي يمارس بدوره عنفه الذي كره والده من أجله. وترتحل المومس من قصصه القصيرة إلى الخبز الحافي والشطار والسوق الداخلي ووجوه. لا شيء يفقده شكري من عالمه المتكون من الكتب والخمر والمومسات، عالم المتعة الذي شيده في بيت اللقلق الطنجاوي، حيث يتمدد كلبه المدلل.
في جريدة البايس الاسبانية 5 أكتوبر 2002 يجيب شكري محاوره الذي يتعجب من كثرة المومسات اللاتي تحدث عنهن في كتابه وجوه، ويسأله عن حقيقة ممارسته للجنس مع كل هؤلاء:
"كنت في السابق أمارس الجنس مرتين أو ثلاث مرات في اليوم مع نساء مختلفات، وكان يصل الأمر بي إلى الاستمناء قبل النوم. حدث وأنا عمري 19 سنة أن ضاجعت تسع نساء في يوم واحد. وبالطبع، أنا الآن أكتفي بمرة أو مرتين في الشهر، إذ لست في حالة تسمح بذلك. لكن مومسات الأمس كُنَّ أَحَنَّ، وكانت لديهن ثقافة، أقصد ثقافة شفهية، كن يعرفن حكي القصص، مثل فَاطِي، فاطمة المغربية الخالصة المنتمية إلى مدينة العرائش، إنها لا تزال على قيد الحياة في الدنمارك.
كان لمومسات الأمس وقت، أما مومسات اليوم فيشغّلن الساعة، ويخادعن: مرَّتْ خمس عشرة دقيقة". هكذا تبدو حاجة شكري للجنس هي حاجته لملهمة، لمزيد من القصص وتذمّره من قصر مدة المضاجعة لأن ذلك الزمن لا يسمح بالاسترسال وبالتداعي وبالحكي.
المومس في عالم شكري هي انعكاس له شخصياً، كما كان ذلك الكلب الذي التقطه من الشارع. لذلك فهو يرى ذاته في جراحات المومس، لا يحبها ولا يكرهها. عاطفة مركبة تجمعهما. لذلك هو لا يتوقف حتى عن تقصي أخبارهن بعد أن يتركنه، كما أشار إلى فاطي.
مومس يوسف ادريس
في كتابه نيويورك 80 يطرح يوسف ادريس الموضوع بقوة، عندما ينطلق منذ الصفحة الأولى مستعيناً بالحوار، مسائلاً ظاهرة البغاء، ليكشف الصدمة الحضارية بين العربي الاستعاري، والذي يخفي الأشياء وراء تسميات ليس هي التسميات، والشخصية الأجنبية التي تتعامل مع اللغة بعيداً عن التقديس لتسمي الأشياء بمسمياتها.
فنقرأ في بداية العمل هذا الحوار:
هو: من فضلك يا مدام، بالمناسبة... أهذه هي الطريقة الصحيحة في الحديث إلى السيدات، أم يجب أن أقول يا "مام"؟
(نظرة مفاجئة منها، نظرة دهشة منها، ثم امتعاض)
هي: ولماذا لا؟ فليكن، قلها سيدي إن شئت أو "مام" إن شئت.. لم لا؟ هذه طريقة شائعة جداً هنا.
هو1: سيدتي، من الواضح أنك، أنك..
هي: أجل، أجل، لأختصر وقتي ووقتك. أناCall Girl أتعرف معنى هذا؟ لأختصر أكثر، أنا ممن يسمونهم" المومسات".
هو: مومس؟ لماذا يسمى كل شيء هنا باسمه تماماً وعلى حقيقته؟ ألا يخجلون؟ على أي حال نحن أكثر أدباً، سموه نفاقاً أو ادعاء، ولكنه أرحم من الحقيقة الصارخة، والأسماء التي بالضبط على مسماها، مومس. الكلمة بشعة بأي لغة تقال، حتى لو كانت بالفرنسية، ومومس سارترها الفاضلة، مومس، وابل من "التابوهات" والتابلوهات والمناظر يتساقط متوحشاً كمطر نيويورك.
هكذا ينطلق يوسف ادريس في تلك الحوارية في تفكيك شخصية المومس وارتباكات الشرقي أمامها إذا ما فتحت فمها عوض أن تفتح ساقيها. حوار عميق في أسباب خوف الشرقي من ممارسة الجنس مع امرأة محترفة.
وتجدر الإشارة أن هذه الحوارية ليوسف ادريس (1960) تذكرنا بقصة قصيرة للتونسي محمد العريبي "حوار في الظلام" نشرت سنة 1937، جاءت في شكل حوار رجل مع مومس في كرسي حديقة عامة.
ما يضعف من هذا النص أنه يرحل ظاهرة موجودة بقوة في مجتمعاتنا العربية نحو الغرب، وكأن شرقنا خال منه، وإن كان برر ذلك بكشف النفاق الشرقي تجاه هذه الظاهرة.
قضية المومس... قضية وجودية حقيقية
يبقى حضور المومس في الرواية العربية محتشماً ومثقلاً بمحمولات سطحية في غالبها مرتبطة بالندم أو بالمغامرة، فتتحدث الرواية العربية كثيراً عن المواخير ولكنها لا تصفها، وإن وصفتها نقلت كليشيهات معروفة مكررة. تذهب تلك المدونة عادة إلى الشخصية الدالة على الفضاء وهي المومس. والغالب على الكتابة العربية تقديم الغانية ضمن تجربة عرضية للشخصية، فإما هي طيش شباب أو هي خطيئة كهل يمر بفترة عصيبة نفسي. أو مقاربة للمومس بصفتها ضحية مجتمع ذكوري أو يتم وفقر دفعوا بها إلى عالم الدعارة. وكل هذا دون معالجة درامية جدية للشخصية.
إن قضية المومس هي قضية الجسد المحض، تطرح قضايا وجودية حقيقية، منها كيف يمكننا أن نتعامل مع الجسد المشتهى؟ فهل تاريخنا مع الجسد المشتهى تاريخ أفكار المركيز دي ساد؟ إنها قضية تفضح تاريخ الاستبداد الشرقي من خلال تعاطينا مع الجسد الأنثوي الجريح. ولم تتعامل الرواية العربية مع المومس في غالبها إلا باعتبارها المومس الفاضلة، وليس كهوية مكتملة. وكثيراً ما حملوها وزر صراعات الأبطال الأيديولوجية، حتى أن البعض ورطهن في النضال ضد الاستعمار. والغالب على هذه الروايات أن مؤلفيها رجال وكأن المرأة الكاتبة تجهل ذلك الجزء المجتمعي المشكل لجنسها، أو تتجنب الخوض فيه، أو أن كتابة الذكور نابعة من التجربة.
ويبدو أن صورة المومس في الذهنية العربية لم تغادر مفهوم الطفل محمد شكري في "الخبز الحافي" للمرأة بشكل عام، عندما كان يراقب والده العنيف وهو يصالح أمه بالمضاجعة عندما يقول:
"حين يتشاجران. غالبا ما كان يدميها. لكن في الليل أسمعهما في الفراش يتضاحكان ويتأوهان بلذة. بدأت أعرف ما كان يفعلان. إنهما ينامان عاريين ويتعانقان. هذا ما يصالحهما إذن. عندما أكبر ستكون لي امرأة. سأخاصمها في النهار بالضرب والشتم، وأصالحها في الليل بالعري والعناق. أنها لعبة جميلة هذه ومسلية بين الرجل والمرأة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 19 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت