شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"الحكايات قاسية"... 10 سنوات على مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان في الأردن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 9 ديسمبر 201904:50 م

"جيل كرامة إلى الأمام"... بهذا الشعار يحتضن "مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان"، دورته العاشرة في العاصمة الأردنية عمان، شعار تشعر أنه يأتي بصيغة الأمر "المحبب والمقبول" للجمهور، أكثر منه اعتراف بأن جيل المدافعين عن حقوق الإنسان وكرامته، من روائيين وسينمائيين، قد التقطوا ثمار إنجازاتهم ذات العشرة أعوام.

المهرجان الذي فتح ذراعيه لعشاق أفلام المهرجانات وعشاق الكرامة أيضاً، يوم الخميس الماضي، ويختتم في الثاني عشر من الشهر الحالي، استهلت عروضه بفيلم تحريكي قصير يدعى "الورقة الأخيرة " من إيرلندا، لمخرجته أوليا جولوبيفا، عن ورقة شجر صغيرة تحلم بالتحليق في السماء، لتطير بعيداً مع الطيور الجميلة التي تحمل على أجنحتها الصيف والأمل بحياة أفضل.

"المغرب العربي وتحديداً المغرب وتونس بشكل خاص، حاضر بقوة في هذا العام، كما أن الأفلام العربية أكثر من أي سنة مضت".

وأبرز ما يميز مهرجان كرامة لهذا العام، بحسب مديرة المهرجان، المخرجة الأردنية سوسن دروزة، في حديث معها لرصيف22، أنه يعرض 100 فيلم من 36 دولة، بعد أن كان في سنته الأولى يعرض 60 فيلماً، وتضيف: "نعرض اليوم في عشر محافظات أردنية، وأضفنا لمسة تتعلق بمعارض فنية وأمسيات موسيقية أيضاً، كما أننا نتعاون مع مركز هيا الثقافي لتقديم أفلام أطفال".

ليس هناك ما هو مختلف بمفهوم الاختلاف في كرامة 10 بحسب دروزة، فما يزال الحرص على الإبقاء على إطار مهرجان كرامة موجوداً، فيما يتعلق تناول قضايا حقوق الإنسان في الأفلام، لكن ولأن الأفلام "قاسية"، حسب تعبيرها، و"متعبة نفسياً" أيضاً، لأنها تدخل في صلب انتهاكات في حقوق الإنسان: "نسعى إلى إضافة لمسات تخفف من وطأة تلك القسوة، وذلك من خلال عرض أفلام تعبيرية وتحريكية تضفي نكهة خفيفة الظل على القلب، كما أننا نحرص دائماً أن نبدأ المهرجان بفيلم قصير وليس بفيلم طويل الذي غالباً ما يكون ثقيلاً".

وعن أكثر هوية حاضرة في كرامة لهذا العام قالت دروزة: "المغرب العربي وتحديداً المغرب وتونس بشكل خاص، حاضر بقوة في هذا العام، كما أن الأفلام العربية أكثر من أي سنة مضت".

وتختم بإصرار على اختلاف المهرجان هذا العام فتقول: "عشرة أعوام على كرامة، تجعل من سنة المهرجان لهذا العام سنة تقييمية لما قدمناه على مدار تلك الأعوام".

"المهرجان يمنح مساحة مفتوحة"

وبعد عرض فيلمه القصير "بعد ثماني سنوات" تحدث رصيف22 مع المخرج السوري، من الجولان السوري المحتل، سليم أبو جبل، الذي تعد مشاركته في مهرجان كرامة لهذا العام الثانية، بعد أول مرة في العام 2015 عندما شارك بفيلمه "روشيما" ذي السبعين دقيقة، وحصل خلالها على جائزة المهرجان.

وتخصيص أفلام تتحدث عن حقوق الانسان، بحسب المخرج أبو جبل تعطي مساحة مفتوحة وليس تقييدية كما تحمله كلمة تخصيص من معنى إذ إن الأفلام في نهاية المطاف تتحدث عن بشر، الأمر الذي يهم أي إنسان.

ويتحدث فيلم "ثماني سنوات" والذي تم تصويره على فترتين، في العام 2010 و2018، عن يوميات أربعة أطفال في قرية النبي صالح، التي تعد رمزاً من رموز المقاومة الفلسطينية، قام المخرج بتصوير الأطفال عندما كانوا يشاركون بالمظاهرات السلمية في العام 2010 ضد جيش الاحتلال، ضمن سلسلة المظاهرات في تلك الفترة التي كانت تجابه فرض سيطرة جيش الاحتلال على قرية النبي صالح.

يعود المخرج بعد ثماني سنوات ويلتقي بأبطال فيلمه قبل عرضه في الـ 2010، ويبحث هو والمشاهد وحتى الأبطال أنفسهم، عن الفرق بين قبل وبعد ثماني سنوات، هذا الفرق الذي تقرأه في عيونهم وهم يشاهدون أنفسهم أطفالاً، تلك الحقبة التي تمنوا باعترافاتهم أن يعودوا إليها، فخلال كانوا أقوى وأكبر!

"بطلنا زي زمان": عبارة تكررت على لسان أبطال الفيلم بعد أن شاهدوا أنفسهم بفيديوهات موثقة كيف كانوا أكثر جرأة و"حماسة وطنية"، حتى أنهم تمنوا أن يعود بهم الزمن إليها، فهناك كانوا يواجهون بنادق الاحتلال ودباباتهم والغاز المسيل للدموع، ويستيقظون على مداهمات في ساعات الفجر لبيوتهم، كل ذلك "معلش" المهم أن يعود شعور الغيرة على الأرض، أرض النبي صالح، مثل ما كان عليه في تلك الحقبة.

ليس هناك ما هو مختلف بمفهوم الاختلاف في كرامة 10 بحسب القائمين عليه، فما يزال الحرص على إبقاء إطار المهرجان موجوداً، فيما يتعلق بتناول قضايا حقوق الإنسان، لكن الأفلام "قاسية"، حسب تعبيرهم، لأنها تدخل في صلب انتهاكات في حقوق الإنسان

تتواصل عروض كرامة وأنشطته يومياً في عروض عديدة، منها خارج عمّان ومن شمال إلى جنوب الأردن، إيماناً من المهرجان بأحقيّة هذه المدن بتذوق الفن السينمائي، وضرورة مواكبة قضاياه، بوصفه أداة فاعلة قادرة على طرح هموم الإنسان ومعالجتها سينمائياً

"النساء المغربيات حاضرات"

ومن بين الأفلام القصيرة أيضاً، الفيلم المغربي "المنصورة"، للمخرجة نجلاء بن مبارك، وتجسد بطولته صاحبة اسم الفيلم (منصورة)، مجسدة بصورة حقيقية واقع معاناة النساء المغربيات من القبائل السلالية، المحرومات من حق وراثة الأراضي الزراعية، كما أنهن محرومات من التملك والزراعة في هذه الأراضي أيضاً.

لكن منصورة، أو المناضلة منصورة، تتحدى كل ذلك الظلم الذي وصفته بالـ"بزاف" وتعلن حرباً لانتزاع حقها في الميراث الذي تركه لها أبوها مع أخيها وزوجته أيضاً، غير مكترثة للضرب الذي تتعرض له منهم، عندما يقومون بعمليات مداهمة لها وهي تزرع أرضها المسلوبة، بيديها المتشققتين من الشوك والأحجار القاسية.

وعلاوة على أنها مزارعة مع وقف التنفيذ، فمنصورة زوجة وأم أيضاً، تحرص على تأمين سلامة ابنها وبناتها، قبل أن تخرج من منزلها لتبدأ يوماً جديداً في حراكها ضد الذكورية القبلية التي حرمتها هي وأخواتها من حقوقهن، فتجدها تبالغ في إجراءات تأمين السلامة لعيالها، لدرجة أنها تمارس دوراً يذكّر بقصة ليلى والذئب، فكما الجدة كانت توصي حفيدتها بألا تمر من طريق الغابة خوفاً من الذئب، كذلك هي توصي ابنتها بألا تعود من جامعتها من طريق منزل خالها بل من طريق البقالة.

تشكل منصورة حراكاً نسوياً في منطقتها، وينجحن في إحياء قضية نساء السلالية وجعلها قضية رأي عام، هذه القضية قرعت الجرس لدى المنظمات الحقوقية في المغرب، وأصبحت قضيتهن على طاولة مجلس النواب المغربي، الأمر الذي أدى إلى تشكيل مجلس وصاية أنيط به وضع قانون ينظم عمل الأراضي الجماعية في القبائل السلالية، ويبقى السؤال ما إذا سينتصر القانون أم أن "القبيلة هي التي تقرر"، كما قال أخو منصورة في الفيلم؟

وموريتانيا أيضاً 

أما الفيلم الموريتاني القصير "سودة" للمخرجة أمل سعدبوه، فيعكس في عشر دقائق منه مفارقتين، أولهما بطلة الفيلم التي سميت بالسودة، ترجمة لشكل من أشكال العنف والتمييز ضدها بداعي العبودية من قبل الأسرة التي تعمل كخادمة عندهم. هذه الفتاة تتعرّض لكل ما تعنيه كلمة عبودية، لكنها في المقابل تفهم جيداً ماذا يعني أن تكون إنساناً، وماذا تعني كلمة كرامة، فتجدها بعد يوم طويل من الإهانات اللفظية والعنف الجسدي بحقها، تخاطب نجوم السماء وتستعرض حقوقها كإنسانة قبل أن تكون امرأة.

أما المفارقة الثانية، والموجودة بقوة في مجتمعاتنا العربية، عندما عرضت المخرجة شخصية رب الأسرة التي تخدم فيها "سودة"، الرجل الذي شارف على الستين والذي يترأس حلقات حفظ القرآن ويعلم أطفال القبيلة الدين، ولا يفارق المسواك فمه، نفس الفم الذي نهش به جسد سودة عند اغتصابها.

ينتهي الفيلم بإسقاط جميل قدمته المخرجة، عندما، وبعد جريمة الاغتصاب، تقوم سودة بتخييط ردائها الذي تمزق نتيجة الاغتصاب، وتجهّز "بقجتها" وتركض باتجاه الحرية.

وتتواصل عروض كرامة وأنشطته يومياً وتستمر حتى 12 من الشهر الحالي، في المركز الثقافي الملكي وعدد من الجامعات الأردنية، في عروض خارجية من الشمال إلى الجنوب، إيماناً من المهرجان بأحقيّة هذه المدن بتذوق الفن السينمائي، وضرورة مواكبة قضاياه، بوصفه أداة فاعلة قادرة على طرح هموم الإنسان ومعالجتها سينمائياً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard