لم يكد يمر أقل من أسبوع على صدور الحكم على صاحب أغنية الراب "عاش الشعب" بالسجن عاماً، حتى اعتقلت السلطات المغربية المدون محمد السكاكي، بعد نشره فيديو على موقع يوتيوب يتضمن انتقادات للأوضاع الاجتماعية في المغرب، شملت ملك البلاد محمد السادس.
وأعلنت النيابة العامة، أمس الأحد، توقيف السكاكي المعروف على نطاق واسع باسم "مول الكاسكيطة"، على إثر نشر فيديو "تضمن عبارات فيها سب للمواطنين المغاربة ووصفهم بأوصاف مهينة لهم وحاطةً من كراماتهم وتمس مؤسساتهم الدستورية"، لتُقرّرَ وضعه رهن تدبير الحراسة النظرية.
وأضاف المصدر: "تم ضبط كمية قليلة من المخدرات في حيازة المعني بالأمر ساعة إيقافه"، كاشفاً عن تقديم المدون إلى النيابة العامة فور انتهاء البحث، "ليتخذ في حقه القرار القانوني الملائم".
وانتقد محمد السكاكي في الفيديو الذي نشره الجمعة 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، خطب العاهل المغربي، واعتبرها "مجرد خطابات شكلية لا يتم تنزيلها على أرض الواقع"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات لا تُلبي انتظارات المغاربة الذين يتوقعون محاسبة المسؤولين، وعدم الاكتفاء بكشف تجاوزاتهم فحسب.
ولم يتوقّف مول الكاسكيطة عند انتقاد سلطات المغرب، والأوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد، بل وجّه انتقاداته أيضاً إلى جزء من الشعب بسبب "عدم الوعي بالمشاركة السليمة في العملية السياسية، والصمت أمام انتهاك حقوقه"، ناعتاً إياه "بالغبي".
"تهمة غريبة جداً"
وقالت خديجة الرياضي، العضو في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لرصيف22 إن فيديو مول الكاسكيطة لا يتضمن أية إهانة للمؤسسات "بل تضمن احتراماً لها برغم النقد الشديد اللهجة في حدود التعبير عن رأيه السياسي وغضبه الذي يعكس غضب المجتمع وأغلبية المواطنين من الأوضاع المأسوية التي يعيشونها".
واعتبرت الرياضي "إهانة المغاربة تهمة غريبة جداً"، فحسب رأيها "لا يوجد أي إهانة للشعب أكثر من تركه دون دواء ودون علاج، ودون تعليم، غارقاً في الجهل والأمية والعنف، ومتأخراً في مختلف التصنيفات الدولية"، وهذا ما انتقده الشاب السكاكي في الفيديو الذي نشره عبر اليوتيوب، تضيف الرياضي.
أما عن "ضبط كمية المخدرات"، فقالت، أن السلطة في المغرب اعتادت خلال متابعتها للنشطاء والمعارضين والصحافيين المنتقدين البحث عن تهم أخلاقية "حتى تعطي الاعتقال طابعاً غير سياسي، وهو ما لم يعد ينطلي على الحركة الحقوقية العالمية التي تعتبر هذه القضايا محاكمات سياسية".
ودعت الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان الى اعتبار المدون "معتقلاً سياسياً يجب إطلاق سراحه كما تجب الاستجابة لمطالب الشعب المغربي، وتوفير الحد الأدنى من الحياة التي لم تعد متوفرة للأغلبية الساحقة من المواطنين".
ولفتت إلى أن "كل من ينتقد المسؤولين الحقيقيين عن أزمة البلاد يُزج به في السجون".
اعتقال يمسّ حرية التعبير
"خاطب الملك بلغة مباشرة، أعترف أنني أتفادى أن أتكلم بها، ليس خوفاً، ولكن لأنني أعتبر أن هذا النوع من الخطاب من خارج المغرب وليس من الشجاعة في شيء"، هكذا عبّر الإعلامي في قناة الجزيرة، سعيد السالمي، عن رأيه في جرأة المدون السكاكي، قبل أن يضيف: "ها نحن نسمعه من داخل المغرب لأن السيل قد بلغ الزبى".
واعتبر الحقوقي المغربي خالد البكاري اعتقال مول الكاسكيطة "مساً بحرية الرأي والتعبير، وخرقاً حقوقياً يُضاف إلى باقي الخروق التي تشكل ردة حتى على مستوى الهامش التي كان مسموحاً به قبل سنوات"، وأضاف أن اتهامه بإهانة المؤسسات وكرامة المواطنين لغو "ما دام رأيه لم يتضمن دعوة للعنف أو الكراهية أو التكفير أو التمييز العنصري".
وأضاف البكاري: "الحقوقي حين يدافع عن مواطن في واقعة محددة لا تعنيه سوابقه العدلية، ولا شهاداته الجامعية، ولا مساره السياسي والنضالي من عدمه، ولا كونه يستهلك المخدرات".
وكانت المحكمة الابتدائية في مدينة السطات قد قضت في كانون الأول/ ديسمبر 2018، بـ8 أشهر وغرامة في حق الكساسي، على خلفية "إهانة موظف والدعوة إلى تنظيم تظاهرة غير مرخصة"، وذلك عقب خمسة أشهر على إطلاق سراحه بعدما قضى في السجن عاماً ونصف العام، إثر متابعته بتهم تتعلق بـ"النصب والحصول على مبلغ مالي من طريق التهديد بإفشاء أشياء شائنة".
السلطات تقبض على يوتيوبر انتقد خطب العاهل المغربي ووصفها "بالشكلية" كما وجّه انتقاداته إلى جزء من الشعب بسبب الصمت حيال انتهاك حقوقه
"اعتادت السلطة في المغرب خلال متابعتها النشطاء والمعارضين والصحافيين المنتقدين البحث عن تهم أخلاقية، حتى تعطي الاعتقال طابعاً غير سياسي، وهو ما لم يعد ينطلي على الحركة الحقوقية العالمية"
القانون يحمي الحق في الآراء المسيئة
في سياق متصل، قالت منظمة العفو الدولية، في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 إن "التعبير عن النقد السلمي للشرطة أو السلطات ليس جريمة، والقانون الدولي يحمي الحق في حرية التعبير، حتى عندما تكون الآراء المتبادلة صادمة أو مسيئة".
وتفاعلاً مع الحكم على مغني الراب محمد منير، المعروف باسم الكناوي، بالسجن عاماً، رأت المنظمة أن "هذا الحكم الشائن. لا يمكن أن يكون هناك مبرر لسجن مغني الراب لمجرد أنه مارس حقه في حرية التعبير".
وأعتبرت أن هذا الحكم يبعث برسالة واضحة، مفادها أن "السلطات المغربية لن تتردد في قمع الأشخاص الذين يعبّرون بحرية عن آرائهم، ويشير إلى أن الذين يتجرأون على انتقاد السلطات علنًا سيواجهون العقوبة".
وأوقفت السلطة في المغرب مغني الراب الكناوي، في تشرين الثاني/ نوفمبر، بعد أيام قليلة من صدور أغنيته "عاش الشعب" التي تنتقد السلطات المغربية، وملك البلاد بأسلوب غير مباشر، قبل أن توجه إليه المحكمة في ما بعد تهمة "إهانة" الموظفين العموميين بسبب شريط فيديو يهين فيه الشرطة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...