أعترف أن الصدفة وحدها صاحبة الفضل في اكتشافي فرقة الأخوة البحرينية، والاكتشافات الموسيقية أمر ممتع وله خصوصيته، عند الدخول إلى عالم الأخوة البحرينية، واكتشاف قائد ومؤسس الفرقة ومغنيها، علي بحر، وأن يسكنني شغف الكتابة عنه وتعريف الناس به خارج حدود الخليج، هنا في مصر تحديداً نادراً ما يعرفه أحد، إذ نادراً ما تؤخذ الموسيقى الخليجية على محمل الجد.
أغنية مشتاق (1997)، كانت أول ما سمعت للأخوة البحرينية، وكانت صدمة أن أجد كل هذه الصولوهات والتوزيعات المختلفة عن موسيقى الخليج التي اعتدناها. ما هذا الصوت؟ من أين جاء بكل هذا الوهن الجميل؟ صوت ليس طربياً ولكنه يدخل القلب من اللحظة الأولى، اسمه علي بحر. أتذكر بحر أبو جريشة وأبتسم، ما علاقته بالبحر؟ هل للبحر أثر فيه أم هي صدفة أن يتشابه صوته واسمه مع البحر بكل ما يحمل من تضاد؟
علي خميس إبراهيم بحر، من مواليد المحرق بالبحرين عام 1960، والده بحار ونهام، فأحب البحر وفن النهمة، فن الغناء مع العمل على سفن في رحلات الصيد أو البحث عن اللؤلؤ، ربما هذا هو سر صوته، علاقته بالبحر وغناؤه للنهم، وحبه للموسيقى والغناء، خاصة أن ابن خالته عازف الجيتار الهام، في البحرين والوطن العربي، محمود شمس، من الجيل الذي فتح السكة للأجيال الجديدة.
البداية من الأفراح
مع منتصف السبعينيات بدأ عزف الأورج والغناء في أفراح مدينته، يصاحبه شقيقه الأصغر عيسى، وصديق رحلته عازف الجيتار خالد الذوادي، فيما بعد. الأفراح وغناء الأغاني العربية المشهورة والخليجية والفلكلور البحريني والتعامل مع الحضور، كل ذلك كان بمثابة مدرسة تحضيرية لما بعد، وفي نفس الوقت، كان علي وجيله منفتحين على الموسيقى العربية من مصر أو الشام، والموسيقى الغربية وثورة الفرق الغنائية في ذلك الوقت، كبوب مارلي وموسيقى الريجي وإيقاعاتها الأفريقية الجميلة.
شهدت البحرين انفتاحاً على العالم الغربي في ذلك الوقت، الجيل الموسيقي ثار على القوالب الموسيقى القديمة، وظهرت الفرق الغنائية في جميع أنحاء العالم، فالجميع يحاول الهرب من الماضي وقوالبه. فقدّمت الفرق في البحرين موسيقى غربية بعيدة عن الموسيقى العربية والإيقاعات الخليجية، على سبيل المثال فرقة الوعد البحرينية والأصدقاء والشاركس وفرقة Six boys، وغيرهم من الفرق الكثيرة، كانت مرحلة انفتاح وحقل تجارب.
تأسيس فرقة الأخوة البحرينية
مع مشاهدة كل هذه التجارب، ومع دخول علي في الثمانينيات في تجارب غنائية غربية جاء الحدث الأهم في مسيرته: تأسيس فرقة الأخوة البحرينية. يقال إن الفرقة تأسست عام 1986، لكن اتضح أن الفرقة تم تأسيسها عام 1981، وكانت تتكون من بحر وشقيقه عيسى وخالد الذوادي وشقيقه إبراهيم، بالإضافة إلى سلطان سالم ونادر رفيعي، وأعتقد أن وجود أشقاء في الفرقة كان السبب في اختيار اسم الأخوة.
كان النجاح الحقيقي والوصول للشهرة مع نهاية الثمانينيات، قبل ذلك كانت الفرقة تغني أغاني أجنبية عديدة. لم تتوضح هوية الفرقة في البداية، فكانت تغني أغاني فيروز مثل "حبيتك بالصيف" و"سهر الليالي". كانت الجرأة مع الاحتفاظ بالأسلوب، وعدم الخوف من المقارنة، والاعتماد على مهارة العازفين وعلى رأسهم بحر على الأورج، وخالد على الجيتار، أسباباً مهمة في نجاحهم.
منذ عام 1988 وحتى بداية الألفية لم تتوقف ألبومات الأخوة عن التربع على عرش الأغنية البحرينية، نجاح جماهيري ساحق، حفلات داخل البحرين وخارجها في جميع دول الخليج، أعداد رهيبة من الحضور، فيديو كليبات، مقابلات تلفزيونية. بحر يسيطر على قلوب الجميع في الخليج، بصوته الذي يحمل من الحزن والشجن والصدق ما يجعله يدخل قلوب الناس بدون استئذان، الفرقة تحافظ على أعضائها الأساسيين دون أي تفرقة، مستمرين متحابين ومسيطرين على القمة.
منذ عام 1988 وحتى بداية الألفية لم تتوقف ألبومات الأخوة من التربع على عرش الأغنية البحرينية، نجاح جماهيري ساحق، حفلات داخل البحرين وخارجها في جميع دول الخليج
كانت الفرقة رغم نجاحاتها تتعرض للهجوم والنبذ من الوسط الفني، لأنهم يقدمون موسيقى غربية لا خليجية، إذ تعرضت للعديد من الانتقادات بسبب موسيقاهم وإيقاعاتها اللاتينية أو الأفريقية
لماذا إذن لم تحقق الفرقة الشهرة المستحقة؟
كانت الفرقة رغم نجاحاتها تتعرض للهجوم الدائم والنبذ من الوسط الفني، لأنهم يقدمون موسيقى غربية لا خليجية، إذ تعرضت للعديد من الانتقادات بسبب موسيقاهم الغربية وإيقاعاتها اللاتينية أو الأفريقية، لا يمكن للفرقة أن تكون الممثل الرسمي للبحرين أو الخليج عامة، لأنها "لا تمثلهم" من وجهة نظرهم الضيقة، لا يمكن أن تستمع لأغانيهم وتخمن من أين جاءوا، رغم أنهم قدموا أشكالاً من الغناء الخليجي، كالسامري، ولكن بطريقتهم وتوزيعاتهم، مثل أنا والليل والقمره والبارحة، لكن ذلك لم يشفع لهم، فهم في نظر النقاد فرقة غربية، والفرقة معترفة بذلك ومقتنعة به وقادرة على الإبداع فيه.
بلا لهجة مصرية
إذا سمعت أي أغنية للأخوة، سوف تذهل من جودة التوزيع والصولوهات، مع كل أغنية ستجد شيئاً جديداً، أعتقد أنه لا توجد فرقة في الوطن العربي أجمعه قدمت مثل هذا المستوى من الموسيقى، هذه الجودة والمتعة والجمال والاتقان جعلتهم في مكانة بعيدة عن كل الفرق الأخرى.
ما يميز الأخوة وسبب عدم انتشارها خارج الخليج، عدم تقديم أي عمل باللهجة المصرية أو الإيقاعات المصرية، رغم أن أي شخص يبحث عن الشهرة يجب عليه القدوم لمصر، أو على الأقل تقديم عدة أغان باللهجة المصرية، كي ينفتح له السوق العربي كله، إلا أن الأخوة لا يبحثون عن ذلك النوع من "الشهرة الزائفة"، رغم أننا سنجد أغاني فيها اقتباس من الموسيقى الريجي، منها أغنية "لا تحرق أعصابك" لبوب مارلي، ومن موسيقى أغنية للبينك فلويد "Dark Side Of The Moon" في أغنية "كل أشواقي"، بجانب تقديم عدة أغان باللغة الفصحى، مثل "أنت بسمة".
حياة ليست سهلة
لم تكن حياة بحر حياة خالية من المآسي والمشاكل، هاجر بحر إلى الإمارات في نهاية الثمانينيات وعاش هناك لفترة، وترك نفسه لشرب الخمر والمخدرات كما صرح في أحد حواراته الصحفية، وقال أيضاً إنه قام بأفعال طائشة كانت سبباً في دخوله السجن لمدة عامين، كل هذه التجارب كانت تزيد بحر حزناً في صوته وقوة لإكمال مسيرته واستمراره في النجاح مع الأخوة وبالأخوة، كان بحر يحب البحر ويتمنى أن يقدم النهمة مثل والده، وأن ينشد موشحات لو لم يسلك طريق الغناء العاطفي.
توقفت الفرقة لمدة ثلاث سنوات، وفي تلك الفترة أصدر بحر ألبومه الوحيد المنفرد، وساعده فيه بعض من أعضاء الفرقة، وكانت الإشاعات أن الفرقة ستتفرق، لكن ذلك لم يحدث، وعادت الفرقة كما كانت، ثم أصيب بحر في عام 2006 بجلطة وأحتاج السفر إلى ألمانيا للعلاج، وبعد وعود من أشخاص وعدم قدرته على السفر على حسابه الشخصي، قرر وزير الإعلام البحريني علاجه على حساب الدولة، وعاد بحر بصحة جيدة، وعادت الأخوة للحفلات واستمرت شعبيتها بازدياد.
في عام 2010 قدم بحر أغنية مسلسل "على موتها أغني"، لتكون آخر ما قدم في مسيرته الهامة، قبل أن يدخل في غيبوبة لمدة يومين ويرحل عن عالمنا في الثالث من تموز/ يوليو 2011.
رحل بحر وهو في بداية العقد الخامس، تاركاً وراءه إرثاً لا يمكن أن يمحى من ذاكرة البحرين خاصة والخليج عامة، استمرت الفرقة عدة سنوات بعد رحيله ومرض صديقه ورفيقه خالد، ثم توقفت وانتهت كواحدة من أهم الفرقة الغنائية في الوطن العربي كله، وليس الخليج فقط.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...