ما حدث صباح يوم 28 تشرين الأول/أكتوبر ليس مشهداً من فيلم سينمائي مصري، بل حادث وقع فعلاً، وكان من الممكن أن يمر مرور الكرام من دون معرفة تفاصيله لو لم يقرر أحد الركاب توثيق المشهد بهاتفه وفضح ما حدث.
شابان مصريان يعملان بائعين متجولين، طلب منهما موظف التذاكر، "الكمسري" كما يطلق عليه المصريون، دفع غرامة لعدم امتلاكهما التذكرة، فقالا له إنهما لا يملكان مالاً، فأمرهما بالنزول من القطار المسرع، وحين خافا أن يحرر محضراً لهما قررا القفز، أحدهما فصلت عجلات القطار رأسه عن جسده فمات على الفور، والآخر أصيب بكدمات.
القصة السابقة أكدتها تحريات النيابة، كاشفة عن أن الشاب الذي توفى اسمه محمد عيد وعمره 23 عاماً من منطقة شبرا الخيمة الشعبية في محافظة القاهرة، أما الشاب المصاب فاسمه أحمد سمير، وعمره 25 عاماً من سكان حي الشرابية الشعبي في العاصمة المصرية، وكلاهما يعمل بائعاً متجولاً، وقد أجبرا على القفز من القطار، "لأن ليس بمقدورهما دفع بدل غرامة لعدم امتلاك تذكرة"، وفق النيابة.
يقول حسن السيد، وهو أحد الركاب الذين شاهدوا الواقعة، لرصيف22 إن موظف التذاكر طلب من الشابين دفع 30 جنيهاً بدل غرامة لكل منهما (أقل من دولارين)، بالإضافة إلى شراء تذكرتين، لكنهما قالا له إنهما لا يمتلكان نقوداً، إذ ذاك عرض أحد الركاب أن يدفع عنهما ثمن التذكرة والغرامة لكن الموظف رفض وأخذ يتعامل معهما بعنف شديد.
يكمل الشاهد أن الموظف فتح للشابين الباب وطلب منهما النزول، وهددهما بتحرير محضر لهما إذا ظلا في القطار حتى المحطة التالية، فخافا وقررا القفز.
القصة التي ذكرها المواطن أكدها لرصيف22 أيضاً أحد ركاب القطار، وهو محمد صابر الذي قال إن الركاب أصيبوا بصدمة من تصرف الموظف، ولم يعرفوا كيف يتصرفون إذ ظنوا أنه يهدد الشابين فحسب.
ما حكاية الشابين؟
توجه محمد عيد وأحمد سمير إلى محافظة الإسكندرية معاً ليبيعا ميداليات توضع فيها المفاتيح، لكن بسبب الأمطار الغزيرة التي سقطت في الإسكندرية لم يستطيعا بيع البضاعة، فقررا العودة إلى القاهرة، ولم يكن معهما حتى ثمن التذكرة، فركبا القطار الذي يحمل الرقم 934، ويتجه من محافظة الإسكندرية الساحلية إلى محافظة الأقصر في أقصى صعيد مصر.
أحدهم دهسته عجلات القطار وفصلت رأسه عن جسده فمات، والآخر أصيب بكدمات... القصة الكاملة لشابين مصريين دفعهما موظف التذاكر للقفز من قطار مسرع لعدم امتلاكهما ثمن التذكرة
"الموظف فتح للشابين الباب وطلب منهما النزول، وهددهما بتحرير محضر لهما إذا ظلا في القطار حتى المحطة التالية، فخافا وقررا القفز"، كما يقول شاهد على الحادثة لرصيف22... ما حدث مع الشابين المصريين في القطار ليس مشهداً من فيلم سينمائي
كان القطار كعادته، مكتظاً بالركاب، وحين اقترب القطار من قرية دفرة التابعة لمركز مدينة طنطا في محافظة الغربية، وقع الحادث المؤلم، إذ مر موظف التذاكر "الكمسري" بين الركاب، وفي منتصف إحدى عربات القطار وقف أمام الشابين اللذين يبدو على ملامحهما الفقر، وطلب التذكرة، فقالا له إنهما لا يمتلكانها، إذ ذاك طلب منهما دفع الغرامة. وحين أفصحا عن أنهما مفلسان أجبرهما على النزول مع أن القطار مسرع، قائلاً لهما: اقفزا.
ماذا قال الشاب المصاب؟
الفصل الثاني من الحكاية بدأ حين عثر سكان قرية دفرة على الشابين في حال يرثى لها، ولم يعلم الأهالي ما حدث داخل القطار لكنهم أنقذوا أحدهما وهو المُصاب، ثم أبلغوا الشرطة. لاحقاً، قبضت مباحث السكة الحديد في مدينة طنطا على الكمسري بتهمة إجبار "بائعين على إلقاء نفسيهما من القطار، أثناء سيره بسرعة، لعدم دفعهما بدل تعرفة التذكرة والغرامة، وهذا ما تسبّب بمصرع أحدهما وإصابة الآخر".
الشاب أحمد سمير الذي أصيب في الحادث قال إنه فوجئ بالكمسري يطالبه وصديقه محمد عيد بالنزول من القطار بعد أن اكتشف عدم قدرتهما على سداد ثمن التذكرة وبدل الغرامة 30 جنيهاً (أقل من دولارين).
وبحسب شهادة سمير في تحقيقات النيابة، فإن الكمسري عاملهما بعنف، وخيّرهما بين الدفع أو النزول من القطار أو تسليمهما للشرطة، فقرر زميله القفز من القطار ليلقى حتفه في الحال، بعد أن هتف في الركاب: "هو القطر ده مفيهوش رجولة ولا إيه يا جدعان".
يكمل سمير أنه نجح في القفز إلى أعلى الرصيف. ويقول: "نطيت من القطر على الرصيف، ووقعت اتكعبلت على وشي، خطوة في التانية ومفيش تالتة، في التالتة كنت زاحف، وكان معايا شنطة الشغل"، ويؤكد أنه قبل نزوله من القطار قال للكمسري إنه لم يبع أي شيء من بضاعته، لذلك ليس معه نقود.
وكشف سمير عن أنه كان يعمل في مجال بيع الميداليات مع صديقه محمد عيد، وأنهما لم يتمكنا من بيع بضاعتهما بفعل الأمطار الغزيرة في الإسكندرية، فقصدا محطة القطار للعودة وهما لا يملكان ثمن التذكرة، مضيفاً: "الكمسري منه لله مرحمناش".
وفي شهادته أمام النيابة المصرية، قال أحمد سمير: "يا ريتني أنا اللي مت وأنقذت صديق عمري، مش عارف هقدر أعيش إزاي من غيره، ده هو كان راجل البيت، وهو اللي بيصرف على أخته وأمه المريضة، وفي آخر لحظة بص لي وكأنه بيوصيني عليها".
وكانت نيابة طنطا قد أمرت بنقل أحمد سمير إلى مستشفى جامعة طنطا للعلاج وإجراء التحاليل وسط إجراءات أمنية مشددة، وتبين أنه مصاب بكدمات طفيفة.
كيف علّق وزير النقل على الحادث؟
في وقت لاحق، خرج وزير النقل والمواصلات المصري كامل الوزير بتصريحات اعتبرها عدد كبير من الناشطين مستفزة، إذ قال إن موظف التذاكر لم يدفع الشابين من القطار، بل هما اللذان اختارا القفز.
خرج وزير النقل والمواصلات المصري بتصريحات اعتبرها عدد كبير من الناشطين مستفزة، إذ قال إن موظف التذاكر لم يدفع الشابين من القطار، بل هما اللذان اختارا القفز.
وتابع الوزير أن الشاب محمد عيد الذي دهسه القطار مات لأنه "بدين شوية" بحسب وصفه، وهذا ما جعله يقع بين القطار والرصيف، أما أحمد سمير فنجا لأنه "خفيف شوية" (وزنه خفيف).
ووفق الوزير، فإن سياسة سكك الحديد في ما يتعلق بتهرب بعض الأشخاص من شراء تذكرة تقوم على "عمل محضر لمن لا يدفع حق التذكرة في أول محطة شرطة من دون إشكال".
وبلهجة استفزت ناشطين كثر اعترض الوزير على قيام الشابين بركوب قطار مكيف وفاخر برغم أنهما لا يمتلكان سعر تذكرته، إذ قال: "مفيش معاك فلوس ورايح تركب قطار درجة أولى ممتازة أو فاخر... اركب قطار عادي تقدر تدفع فيه".
وعبّر مواطنون على وسائل التواصل الاجتماعي عن صدمتهم. كتب أحدهم: "على فكرة كلنا راكبين نفس القطر بس لسه الكمسري مجاش"، في إشارة إلى أن البلد أشبه بالقطار الذي حدثت فيه الواقعة المؤلمة، وأن الموت هو مصير الجميع.
ونشر مواطن آخر مقطع فيديو قديم لوزير النقل والمواصلات، وهو يهدد فيه موظفي التذاكر بقطع عيشهم إذا تساهلوا مع المخالفين والمتهربين من شراء التذاكر، معلقاً "من هنا بدأت الحكاية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Emad Abu Esamen -
منذ 6 ساعاتلقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ يومهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ يوممن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ يومجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...
Mazen Marraj -
منذ يومينإبدااااع?شرح دقيق وحلول لكل المشاكل الزوجية?ياريت لو الكل يفكر بنفس الطريقة..
بالتوفيق ان شاء الله في حياتكما الزوجية ?
Nawar Almaghout -
منذ يومينرداً على ما ورد من الصحفية زيزي شوشة في موقعكم
الذي أوقع محمد الماغوط وشقيقه عيسى بين براثن الآنسة زيزي وأشباهها
يبدو أن الصحفية ثقافتها لم تسمح لها بالغوص أعمق، و يدل عن بعدها كل البعد عن فهم ما يجري. وهي بسلوكها هذا، على أقل تقدير، تمثل المستنقع الفكري الضحل الذي تعيش فيه
رابط ردي في موقع العربي القديم
https://alarabialqadeem.com/mohmaghbor