منذ سنين، وعندما بدأنا استقبال بث محطات التلفزيون اللبنانية في الخليج، فوجئنا بشكل ومظهر ولباس مذيعات لبنان. كنا قد اعتدنا على المظهر الرسمي الذي تظهر فيه معظم المذيعات على كل المحطات العربية: سيدات في مقتبل العمر، بشعر مرفوع ولباس محتشم، أكمام طويلة وبدلات أقرب لبدلات العمل الرسمي. وفجأة ظهرت لنا شابات جميلات بشعر مفرود وملابس خفيفة قصيرة، بنطلونات وقمصان عملية بلا أكمام.
حينها التقيت بالإعلامية الجميلة ريما مكتبي في زيارة لها للكويت، وسألتها عن ملابس المذيعات اللبنانيات، وهي واحدة منهن، وكيفية ظهورهن على الشاشات الذي كان مستغرباً من الكثير من المشاهدين، وكان جوابها: هذا نحن في لبنان، وهكذا نلبس وهكذا نخرج، نحن لا نلبس على الشاشة مخالف لما نلبس في بيوتنا وفي زياراتنا وفي الشارع. هذه طبيعتنا، وما ترونه هو نحن كما نحن.
تذكرت كلام الإعلامية وأنا أقرأ حفلات التنمّر والتندر على فتيات لبنان في ساحات الحراك. البعض استكثر عليهن جمالهن والبعض طالبهن بتغيير ملابسهن، والبعض الآخر تمنى لو كان معهن في الساحات لينال بعضاً من ذاك الجمال. أما الأسوأ فكانت النكت الذكورية العنصرية التي تغافلت عن كل ما فعلته نساء لبنان، ولم تركز إلا على مظهرهن الخارجي، وتجاهلت أهم ما في الموضوع وهو أنه برغم جمال الثائرات وملابسهن المكشوفة وحريتهم الملحوظة لم تسجّل حادثة تحرش واحدة.
"منذ سنين، وعندما بدأنا استقبال بث محطات التلفزيون اللبنانية في الخليج، فوجئنا بشكل ومظهر ولباس مذيعات لبنان"... دلع المفتي تكتب عن "الثائرات الجميلات" وماذا قالت لها ريما مكتبي عن "ملابس المذيعات اللبنانيات" في ردٍ على سؤالها
"هذه هيئتهن التي يظهرن فيها في كل مكان، وهذه طريقة لباسهن، وليس من المنطقي أن نطالبهن بتغيير شكلهن وملابسهن للخروج في المظاهرات"... دلع المفتي تكتب عن "الثائرات الجميلات" في لبنان وحفلات التنمر التي تطالهن
ما يغفل عنه البعض هو أن نساء لبنان اللواتي خرجن برفقة أشقائهن وأزواجهن وأولادهن وبأعداد مهولة، نادين بالحرية والخلاص من الفساد، مطالبين بحقوق الشعب المسلوبة، خرجن كما هن، دون رتوش أو تجميل ولا حتى تقبيح. هذه هيئتهن التي يظهرن فيها في كل مكان، وهذه طريقة لباسهن، وليس من المنطقي أن نطالبهن بتغيير شكلهن وملابسهن للخروج في المظاهرات.
المرأة اللبنانية ليست بالضرورة أجمل نساء العالم، لكنها بالتأكيد أكثرهن اهتماماً بمظهرها وقوامها وجمالها، وتعرف تماماً كيف تُظهر أجمل ما فيها، وهذا لا يلغي أبداً ثقافتها وعلمها وقوتها وثورتها المستحقة على الظلم. فلقد وقفت اللبنانية المحجبة وغير المحجبة، المسيحية والمسلمة، السنية والشيعية والدرزية، يداً بيد ضد الطائفية، وهي تأخذ بيد ابنها وشقيقها وزوجها ووالدها وتحلم وتأمل بلبنان أجمل.
تقول غادة السمان: "الكحل ليس مرادفاً للتفاهة، التفاهة ألا يكون في عيني المرأة إلا الكحل"، ومن المؤكد أن في عيون اللبنانيات أكثر بكثير من مجرد كحل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ 3 أياملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 6 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...