شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
طمس إرثهم الحضاري... ضم البتراء إلى

طمس إرثهم الحضاري... ضم البتراء إلى "لائحة اليونسكو" ثمنه تهجير بدو البدول

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 2 نوفمبر 201901:14 م

سعياً منها لضم البتراء إلى لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، عمدت الحكومة الأردنية إلى استصلاح كامل المنطقة التي كان يقطنها بدو البدول، وهي واحدة من خمس قبائل بدوية من منطقة البتراء جنوب الأردن.

وبعد إخلاء المنطقة من سكانها وإنشاء حدائق البتراء الأثرية في مناطق سكنهم، أعيد توطين سكان القبيلة في مبان سكنية خارج حدود الحدائق، في قرية تدعى أم صحيون. وبرغم أن المخطط الأساسي للقرية تضمن مساحات لاستيعاب كامل سكان القبيلة، إلا أنه، يوجد أكثر من أربعمئة فرد من قبيلة البدول دون سكن اليوم، والعديد منهم عاطلون عن العمل، في ظل حؤول سلطات السياحة والتطوير في مدينة البتراء دون إجراء أي تحسينات اقتصادية أو سكنية في قرية أم صحيون منذ العام 2014.

فلماذا انتهى مشروع التوطين إلى هذا الحال المأساوي، وما هي المخالفات التي لم تراعها خطة اليونيسكو الأساسية لإنشاء الحدائق الأثرية؟ وما الذي آل إليه حال أفراد القبيلة بعد تدهور وضعهم الاقتصادي وطمس إرثهم الحضاري؟


حدائق البتراء الأثرية على لائحة التراث العالمي

كيف بدأت فكرة إخلاء البدول من منطقة البتراء، وما هي الأسباب؟

وضعت دائرة الحدائق الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1968، المخطط الرئيسي الأول لإنشاء حديقة البتراء، موجدة بذلك المبرر للحكومة الأردنية لإخلاء الأراضي من سكانها، وهم قبيلة البدول. جاء تقرير اليونيسكو بعد عدة سنوات ليصرّح "أن النشاطات الزراعية والرعوية للبدول إضافة إلى سكنهم في الكهوف وقيامهم بعمليات تنقيب غير رسمية وإتجارهم بالآثار، تشكل جميعها أسباباً جوهرية لتدهور الموقع الأثري، واعتبرت في تلك الفترة من الستينيات أن إبعاد العناصر البشرية غير الضرورية أمر أساسي لإظهار الموقع على أكبر قدر ممكن من الأناقة والتنظيم".

بعد أن أصبحت مدينة البتراء واجهة سياحية للأردن، اعتبر السكن في الكهوف أحد مظاهر التخلف، وتواجد بدو البدول في المنطقة بمثابة دعاية سلبية للبلاد، فاقترح المخطط الأساسي إبعاد البدو عن المنطقة كإجراء احترازي تقتضيه الضرورة، وتم إنشاء قرية جديدة كمشروع لتوطين البدو، كما يذكر كونزاليس دي بانزيلو في أحد التقارير الصادرة عن حملة الأمم المتحدة لحماية وتعزيز التراث. وبدعم من منظمة اليونيسكو والدائرة الفدرالية للحدائق العامة في الولايات المتحدة الأمريكية، تجاهلت وزارة السياحة الأردنية تاريخ وحضارة القبيلة التي قطنت المنطقة منذ بداية القرن التاسع عشر، وأشرفت بنفسها على مشروع التوطين.



حوالي أربعمئة فرد من قبيلة البدول هم دون سكن اليوم، والعديد منهم عاطلون عن العمل في ظل سلطات السياحة والتطوير في مدينة البتراء دون إجراء أي تحسينات اقتصادية أو سكنية في قرية أم صيحون منذ العام 2014
جاء في تقرير اليونيسكو "أن النشاطات الزراعية والرعوية للبدول، إضافة إلى سكنهم في الكهوف وقيامهم بعمليات تنقيب غير رسمية، واتجارهم بالآثار، تشكل جميعها أسباباً جوهرية لتدهور الموقع الأثري (بتراء)، واعتبرت في تلك الفترة من الستينيات، أن إبعاد العناصر البشرية غير الضرورية أمر أساسي لإظهار الموقع على أكبر قدر ممكن من الأناقة والتنظيم"

مشروع التوطين

لقد واجه مشروع التوطين ثلاث مشكلات إجرائية وتنفيذية، عدا عن المشكلة الإنسانية التي تم تجاهلها، أولها، تصميم الوحدات السكنية: لقد تضمن التصميم الأولي الذي وافقت عليه القبيلة، بناء منازل حجرية يقوم بتنفيذه سكان القبيلة أنفسهم، على أن تمتد على مساحات واسعة من الأرض، خصصت 70% منها كفناءات خارجية تصلح للزراعة وتربية الحيوانات، إلا أن مارغريت فان جيلدرمالسن تذكر في كتابها، "تزوجت بدوياً"، أن الوحدات السكنية التي تم تنفيذها في الواقع ارتكزت على تصميم مختلف كلياً، لتشكل 1/6 فقط من مساحة التصميم الأساسي، دون مساحات تسمح بتربية الدواجن والمواشي أو الزراعة، كما نفذت هذه التصميمات باستخدام مواد صناعية وبالاستعانة بعمالة خارجية على عكس الاتفاق مع البدول.

أما المشكلة الثانية فكانت في الموقع الذي تم اختياره، حيث يشير بانزيلو في تقريره إلى أن مسودة الخطة التي وضعتها منظمة اليونيسكو تضمنت تحقيق طلب البدول في أن تكون قريتهم في مقر القبيلة نفسه، قرب حقولهم جنوب جبل هارون، الأمر الذي لا يخدم البدول فقط، وإنما يسمح بخلق نقاط للوصول إلى المواقع الأثرية النائية في الحديقة. لكن تم تجاهل طلبهم لأن الوصول إلى جنوب جبل هارون يستدعي المرور من مركز مدينة البتراء الأثرية. وأخيراً قررت المنظمة بالتعاون مع السلطات أن أم صحيون هي المكان الأنسب لبناء القرية، رغم تواجد قبيلة اللياثنة فيها، والتي تجمعها عداوة تاريخية مع قبيلة البدول منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى الوقت الحاضر.

شكل غياب العامل التطويري من خطة مشروع التوطين المشكلة الثالثة والأكثر خطورة. بحسب بانزيلو فإن مشروع توطين البدول كان يجب أن يتضمن خطة مدنية تشمل الاقتصاد والزراعة في القرية، أسوة بمشاريع التوطين الأخرى التي قامت بها الحكومة الأردنية. فكما تذكر جيلدرمالسن لم يتم توفير بدائل تجارية تعوض السكان عن الأراضي الزراعية التي تركوها في البتراء، وبسبب تقليص المساحة السكنية عن المخطط الأساسي، فقد بقيت أكثر من 30 عائلة منهم دون أن تحصل على سكن أو أرض في قرية أم صحيون.

ورغم كل هذه المشكلات التي أحاطت بالمشروع فقد تم ترحيل البدول من أراضيهم عام 1985، وأزالت الدائرة العامة للحدائق كل آثارهم المعمارية، وبخاصة في الكهوف التي قطنوها، فسدّت مداخلها بأسوار لتستعملها كمستودعات للتخزين.


حماية الخصوصية الحضارية للبدول مشروع وهمي

أصدرت منظمة اليونيسكو عام 2008 تقريراً عنوانه العريض "الخصوصية الحضارية للبدو في البتراء ووادي رم"، يضع بدو البدول على لائحة حماية التراث العالمي. وتضمن التقرير الحفاظ على المعارف والمهارات والتقاليد المرتبطة بالقبيلة وبيئتها، واعتبر أن النمط السكني الجديد والتغيير الاجتماعي الذي لحق بأفراد القبيلة نتيجة له، يشكلان خطراً يحدق بخصوصيتهم الحضارية، إلا أن مشروع التوطين نفسه لم يذكر في التقرير بل تم تجاهله تماماً.

ولعل الإشكالية الكبرى تكمن في أن مشروع اليونيسكو وضع خطة زمنية تبدأ في ديسمبر 2006 وحتى مارس 2009، بميزانية قدرها صفر دولار أمريكي، وباختصار فإن البدول ليس لديهم معلومات عن قرار اليونيسكو الذي لم يتأتى منه شيء على أرض الواقع.

مستقبل أم صحيون

"لا مستقبل لأم صحيون" على حد تعبير أحد الشبان من قبيلة البدول الذي ولد وعاش في قرية أم صحيون، وإذا صحّ قوله فما الذي يمكن التنبؤ به لمستقبل البدول وتراثهم؟ ربما في ظل ما ذكر من وقائع ومشكلات وبعد حديث حركات استصلاح قائمة في أنحاء العالم عن هذا الموضوع، فإنه لا بد من اجتماع طرف ثالث مع أصحاب المصالح من المحليين لتباحث إمكانية وتأثير استرداد قبيلة البدو لأراضيها داخل مدينة البتراء الأثرية. 

المقال جزء من دراسة أعدتها الباحثة أبيغيل ستونر عن بدو البدول  بدعم من منحة Fulbright من جامعة براون Brown University في الولايات المتحدة. ترجمت المقال حلا علي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard