يأتي هذا المقال ضمن الملفّ المُعدّ لشهر أكتوبر 2019, في قسم "رود تريب" بـ"رصيف22" والمعنوَن "بصحتك يا ساقي... بارات عربية لا بدّ من زيارتها".
اتخذت أواني الخمر وأكوابها أشكالاً متنوعة ومواد مختلفة في صنعها، فجاءت على شكل قرون أو حيوانات أو رؤوس كائنات أسطورية، لتحمل دلالات على الآلهة وارتباط طقس العبادة بشرب الخمر، أو لتكون شاهداً على المناسبات الاجتماعية الرفيعة أو المنزلية المتواضعة التي كانت في العالم القديم.
يذكر موقع إينشنت بيجز أن ما عرف عن حضارة ما بين النهرين بحبهم لشرب الجعة من أوانٍ ضخمة باستخدام قشة طويلة صححته الدراسات الحديثة باكتشافاتها، فخلال الألفية الرابعة قبل الميلاد بدأت أواني شرب الخمر تتنوّع في أشكالها وأحجامها، فمنها ما كان على شكل حيوان يقف على قوائمه الأربع وعلى ظهره فوهة كالأنبوب، وقد تستخدم القشة للشرب منها عند الولائم. ولهذا الشكل من الأواني خصوصيته حين نتخيّل تطايرها في الهواء عند رفع الأنخاب وكأنها تبعث الحيوان الذي تمثله إلى الحياة، أو تصبح قناعاً يغطي وجه صاحبها فتجعله يبدو ككائن أسطوري هجين، نصف بشر ونصفه أسد على سبيل المثال.
كوب على شكل أسد من الألفية الثانية قبل الميلاد من بلاد الأناضول يعود لفترة التجارة مع الآشوريين القدماء، من مقتنيات متحف اللوفر في فرنسا.
كأس على شكل رأس كبش من بلاد الشام يعود للقرن الثالث عشر أو الرابع عشر قبل الميلاد من قرية إنكومي شمال قبرص، من مقتنيات المتحف البريطاني في لندن.
في الأواني اليونانية أيضاً نجد أن كؤوساً لها رؤوس حيوانات استعملت في العام 500 قبل الميلاد، كما تذكر الكاتبة كولين والش،
وقد ظهرت هذه الأشكال في الحضارة اليونانية خلال العصر البرونزي، حيث انتشرت رسومات للعيون والمناقير على الكؤوس لتبدو كؤوس الندماء وكأنها تحدق إلى بعضها البعض، ومنها ما احتوى على رسمة داخلية لوجه ميدوسا المخيف، كمشهد يفاجئ الشاربين وينبههم لنفاذ الخمر من الآنية. لاحقاً في الإمبراطورية الفارسية أصبحت هذه الكؤوس مرتبطة بالاحتفالات. تصف والش مجموعة الكؤوس في متحف هارفارد التي تحمل أشكالاً لعدة حيوانات، منها الثيران والأسود والطيور والظباء، وتعود للحضارتين الفارسية واليونانية، وتشير إلى وصف سوزان إيدنبو القيّمة على هذه المعروضات:
"هذا المعرض يعبّر عن أشخاص مختلفي الحس لكنهم اجتمعوا سوياً على وليمة خلال احتفال عالمي يتبادلون فن هذه الأواني والأفكار والمبادئ".
كيف ترفع الشعوب أنخابها؟ إطلالة على أواني الخمر وفنونها من العالم القديم
أواني الخمور في الشرق القديم... كرّم بها الملوك رعاياهم وفرسانهم، واستخدمتها الشعوب في طقوس دينية مقدسة رافقها شرب الخمر، كما بقيت مخبوءة في مقابر ملكيّة لمئات السنين
كوب على شكل نسر من أتيكا في اليونان يعود للفترة ما بين 470- 490 قبل الميلاد، من مقتنيات المتحف البريطاني في لندن.
كأس على شكل رأس الثور يعود لأواخر حضارة المينوان في القرن الثالث عشر والرابع عشر قبل الميلاد من التراكوتا الملون، من مقتنيات المتحف البريطاني في لندن.
كأس على شكل قرن من الفترة اللومباردية في القرن السادس أو السابع الميلادي، من الزجاج الأخضر الفاتح تزينه زخرفات باللونين الأبيض والأحمر، يعرضه متحف الميتروبوليتان في نيويورك.
إبريق إيراني فوهته على شكل منقار من القرن التاسع والثامن قبل الميلاد، مصنوع من الطين النضيج أو التراكوتا المزخرف برسومات ملونة، من مقتنيات متحفي هارفارد وآرثر ساكلر.
إبريق على شكل فرس النهر من النوبة في السودان، يعود للفترة ما بين 1550 و1700 قبل الميلاد، معروض في متحف الفنون الجميلة في بوسطن.
تتطرق والش للخامات التي صنعت منها هذه الأواني، فهي كانت حجرية وطينية وزجاجية، أو من مواد أثمن، كالبرونز والفضة والذهب والعاج، إلا أن أواني الخزف سمحت لصناعها كما يبدو بتطبيق أفكار إبداعية وتصاميم أكثر تعقيداً. فالأثينيون أبدعوا في تصاميم احتاجت إلى قوالب من شقين، كل منهما لحيوان مختلف، لينتجوا رؤوساً لكائنات أسطورية خيالية لها رمزيتها في اجتماع المتناقضات، مثل رأس الحمار ورأس الكبش.
كأس من التراكوتا من أتيكا في اليونان، نصف رأس حمار ونص رأس كبش يعود للعام 450 قبل الميلاد، معروض في متحف والترز في بالتيمور.
أما بالنسبة للأواني الفضية أو المذهّبة والمرصّعة بالأحجار الكريمة، فقد كانت دليلاً على رفعة مكانة المضيف، وخاصة في بلاد فارس في الحقب الأخمينية والبارثية والساسانية، وقد أدى ولعهم بها إلى تطوير تقنيات تساعدهم في الزخرفة على المعادن.
كأس من الفضة على شكل قرن قاعدته مقدمة كبش، من أواسط القرن الخامس قبل الميلاد من الحقبة الأخمينية في إيران، من مقتنيات متحف الميتروبوليتان في نيويورك.
كأس على شكل قرن في مقدمته جسم ظبي من الفضة المذهبة والعقيق والزجاج، من الفترة بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي من الحقبة البارثية في إيران، من مقتنيات متحف بول غيتي في لوس أنجلس.
تشير والش إلى أن معظم هذه الكؤوس والأواني كانت مرتبطة بمراسيم احتفالية، كرم فيها الملوك رعاياهم أو فرسانهم الذين احتفظوا بالكأس لأنفسهم بعد نهاية الاحتفال. كما تتعلق أيضاً بطقوس دينية مقدسة رافقها شرب الخمر وكان جزءاً هاماً منها، حتى أن هذه الأواني دفنت مع أصحابها في المقابر. وبرغم أن خامة الكأس وطريقة صنعه كانت تعكس مكانة رفيعة للفرد في مملكته، إلا أن النخب من العوام سرعان ما بدؤوا بالاقتداء بملوكهم في صناعة هذه الأواني، على حد تعبير إيدنبو.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...