في رسالة قيل إنها "توضيحية" للرأي العام، لكن بدت "اعتذارية" للجيش الجزائري وقائده، أحمد قايد صالح، أكد المجاهد الجزائري لخضر بورقعة، في 8 تشرين الأول/أكتوبر، من داخل سجن الحراش، أنه لم يكن يقصد الإساءة للجيش الوطني.
و
ورد في الرسالة التي نقلها محاميا بورقعة: "لم تكن نيتي الإساءة لمؤسسة الجيش الوطني الشعبي كهيئة نظامية تؤدي مهماتها وصلاحياتها الدستورية، فلم يكن قصدي سوى التنبيه والتحذير من الوقوع في أخطاء الماضي نفسها".
"إضعاف معنويات الجيش"
وتابع موضحاً أن تصريحاته، التي احتجز على إثرها، "عن تأسيس جيش الدولة الجزائرية المستقلة، هي عبارة عن شهادة تاريخية مسجلة في مذكراتي المنشورة قبل عدة عشريات ولا تعني أبداً الجيل الثالث من أبناء الاستقلال الذين تتشكل منه الأغلبية الساحقة من أفراد الجيش الشعبي حالياً".
والمناضل الجزائري محتجز منذ 30 حزيران/يونيو الماضي بتهمة إهانة هيئة نظامية والمساس بمعنويات الجيش أثناء السلم. وبحسب قانون العقوبات الجزائري تصل عقوبة هذه التهم إلى السجن 10 سنوات.
بورقعة المعروف بمعارضته الشرسة للأنظمة المتتابعة، لا سيما الرئيسين أحمد بن بلة وهواري بومدين، لم يشفع له عمره الذي بلغ الـ86 عاماً ولا تاريخه النضالي كأحد أبرز قادة حرب التحرير (1954-1962) ضد المستعمر الفرنسي.
ويسيطر الجيش على الجزائر بعدما ضغط على الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة للتنحي عن الحكم رضوخاً لمطالب الحراك الشعبي الذي بدأ في 22 شباط/فبراير الماضي وما زال مستمراً في المطالبة بمحاسبة جميع رموز النظام السابق الذي يتهمونه بالفساد ونهب أموال الشعب.
ونفذ الجيش، والمصالح الأمنية الموالية له، حملات اعتقالات واسعة لنشطاء في الحراك الشعبي ورموز وطنية وأي صوت يعارضهما، بحسب نشطاء جزائريين.
و
تزامنت رسالة بورقعة مع "قمع" الشرطة الجزائرية، في 8 تشرين الأول/أكتوبر، تظاهرة طلابية في ساحة الشهداء في العاصمة، مع توقيف العشرات من المشاركين فيها وتفريق البقية. وعدت هذه المرة الأولى التي تتعامل فيها مصالح الأمن مع تظاهرة طلابية بهذه الطريقة منذ بداية الحراك الشعبي، وفق مواقع محلية.
من هو بورقعة؟
ولد بورقعة في 22 آذار/مارس عام 1933، في مدينة العمارية بولاية المدية (جنوب العاصمة).
انضم لحزب الشعب في سن صغيرة وناضل في صفوفه حتى اشتعال الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، فانخرط في صفوفها كقائد عسكري برتبة رائد اشتهر آنذاك بوفائه للثورة.
لعب دوراً مؤثراً في الولاية الرابعة التاريخية (إحدى 7 ولايات استحدثها الثوار الجزائريون خلال ثورتهم) ضد الغزو الفرنسي للجزائر.
كما يعده جزائريون مرجعاً تاريخياً من مراجع ثورة تحريرهم، غير أن دوره لم يتوقف عند الفوز بالاستقلال في 5 تموز/يوليو عام 1962، إذ انتخب في أيلول/سبتمبر من العام نفسه ضمن المجلس الثوري الحاكم عن دائرة المدية.
المجاهد الجزائري التسعيني لخضر بورقعة متهم بـ"إضعاف الروح المعنوية للجيش وقت السلم"، تهمة تصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات. بعد مناشدات عديدة لإطلاق سراحه دون جدوى، بورقعة يخاطب الشعب برسالة من محبسه، فماذا قال فيها؟
لكن الأمور لم تدم على هذا الحال طويلاً، وتوترت علاقته برفاق السلاح وجرى اعتقاله في حزيران/يونيو عام 1968 خلال الأحداث التي عرفت بتصفية الساحة للرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين.
قضى بورقعة 8 سنوات في السجن حتى صدور عفو رئاسي من بومدين، تحديداً في عام 1975.
مطلع التسعينيات، نشر بورقعة مذكراته التي حملت اسم "شاهد على اغتيال الثورة"، روى فيها أهم محطات حياته، معرباً عن حسرته لإبعاد الثوار الحقيقيين عن الساحة واستبدالهم بعملاء للمستعمر وتصفية الحسابات بين الفرقاء الذين تعاضدوا سابقاً لنيل استقلال الجزائر.
وينظر إلى مذكراته على أنها من أهم المراجع التاريخية وأكثرها جرأة وصراحة في التوثيق لأحداث الثورة الجزائرية، لا سيما أنه رصد تفاصيل الكفاح المر ضد قوات الاستعمار الفرنسي وعملائه وحتى ما بعد الاستقلال وأزاح اللبس عن بعض الأحداث التاريخية التي كثرت الروايات بشأنها وتضاربت.
لماذا اعتقل؟
جرى التحقيق مع "عمي لخضر" كما يحب عامة الجزائرين أن ينادوه، بعد تصريحات قوية ندد فيها بممارسات الجيش الجزائري التي وصفها بـ"الميليشياوية"، في إشارة إلى اعتقال وسجن المتظاهرين والنشطاء وقمع الحريات.
و
قال بورقعة: "من 1962 تكونت ميليشيا خارج أرض المعركة والميليشيا هذه فعلت فعلتها حتى اليوم (قاصداً الجيش الجزائري الآن)" متابعاً "يقال لنا الجيش الوطني الشعبي هو سليل جيش التحرير الوطني… هذه ماكانش منها، ماكانش منها".
وأردف: "هذا النظام هو المافيا الوحيدة في العالم وعلى كوكب الأرض وفي حوض المتوسط الذي عنده دستور وعنده اليوم وزارة العدل وعنده سفارات تمثله… كيفاه نتعامل معاه؟ هذا النظام لص".
وعقب سجنه، قال حفيده عماد بورقعة إن توقيف جده جاء بسبب انتقاده رئيس أركان الجيش، قايد صالح.
ردود فعل غاضبة
اعتقال شخص بمكانة بورقعة وبرمزيته الوطنية لم يمر مرور الكرام، إذ
أعرب أقدم حزب معارض في الجزائر، حزب جبهة القوى الاشتراكية، الذي شارك بورقعة في تأسيسه في عام 1963، عن "غضبه" من اعتقاله.
وقالت حركة مجتمع السلم الإسلامية، في بيان، إن "سجن المجاهد تصرف خاطئ ويعطي رسالة سلبية تجاه التطورات المستقبلية (بالبلاد)"، مطالبةً بإطلاق سراحه "فوراً".
كذلك، اعتبر أكاديميون ونشطاء وصحافيون جزائريون اعتقاله "انحرافاً خطيراً"، وفق ما ورد في عريضة.
وأضافت العريضة التي نشرها الناشط الحقوقي والسياسي فضيل بوماله: "هذه الممارسات القمعية شبه اليومية ضد كل من يخالف السلطة الاتجاه أو الرأي أصبحت تشكل تهديداً حقيقياً لما تبقى من الحريات الفردية والجماعية". واعتقل بوماله في أيلول/سبتمبر الماضي.
رسالة اعتذار ومناشدات
بالعودة إلى رسالة بورقعة، أشار فيها إلى "اعتزازه" بالمؤسسة العسكرية في البلاد، قائلاً: "كرمت من طرف المؤسسة العسكرية ثلاث مرات، مرتين من قيادة الأكاديمية المتعددة الأسلحة بشرشال ومرة من قيادة الناحية العسكرية الأولى، وما زلت أحتفظ بالصور والأوسمة ببيتي في الوسط العائلي".
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...