شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"لسنا عديمي الإحساس وانطوائيين"... كيف تحرّك مطالعة الكتب إنسانيتكم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 24 سبتمبر 201906:26 م

في عالمٍ تسوده الشاشات الموجودة في كلّ مكان، يمكن ببساطة نسيان المتعة التي توفّرها المطالعة، بالإضافة إلى فوائدها على الصعيدين النفسي والاجتماعي.

صحيح أن الكتب تعلمنا الكثير عن العالم من حولنا وتساهم كذلك في تحسين مفرداتنا ومهاراتنا في الكتابة، ولكن هل يمكن أن تجعلنا قصص الخيال أناساً أفضل؟

بين التعاطف والعدائية

يعتقد الكثير من الناس أن المطالعة هي هوايةٌ خاصة بالأشخاص الساعين وراء الوحدة، والطامحين إلى عزل أنفسهم عن العالم من حولهم، من أجل الإبحار في عالمٍ آخر من نسج الخيال، لا سيّما وأن الكتب بشكلٍ عام لديها القدرة على إخراج المرء من وضعه المعيشي الصعب.

وعلى عكس مشاهدة التلفزيون، فإنه من الصعب مشاركة هواية المطالعة مع الآخرين، الأمر الذي ساهم في وضع محبي القراءة ضمن خانة الانطوائيين، بينما يُعتبر أولئك الذين يجلسون وراء الشاشة أنهم أشخاص اجتماعيون، حيث يسود اعتقاد مبني على فكرة أن أولئك الذين يفضلون مشاهدة التلفزيون يُبرزون سلوكاً اجتماعياً أكثر من محبي المطالعة، إلا أن النتائج أثبتت عكس ذلك، بحيث أظهر عشاق المطالعة سلوكاً أكثر تعاطفاً، في حين أن الأفراد الذين يشاهدون التلفزيون قد يكون لديهم سلوك معادٍ للمجتمع.

هذا الاستنتاج يستند إلى دراسةٍ أجرتها جامعة كينغستون في لندن، بحيث سأل الباحثون 123 شخصاً عن عاداتهم في القراءة أو في مشاهدة التلفزيون، وتوقفوا على مسألة الأنواع التي يحبونها، سواء كانت الكوميديا أو القصص الرومانسية أو الدرامية...

أظهر عشاق المطالعة سلوكاً أكثر تعاطفاً، في حين أن الأفراد الذين يشاهدون التلفزيون قد يكون لديهم سلوك معادٍ للمجتمع

ومن بعدها اختبر الباحثون المهارات الاجتماعية الخاصة بالمشتركين، فطرحوا عليهم بعض الأسئلة مثل: كم هي عدد المرات التي تأخذون فيها بعين الاعتبار وجهات نظر الآخرين مقابل وجهات نظركم الخاصة؟ هل تقدمون على مساعدة الآخرين ولو كان ذلك على حساب منفعتكم الشخصية؟

واتضح أن الاشخاص الذين يقرؤون أكثر، بخاصة قصص الخيال، هم أكثر ميلاً إلى إظهار سلوكياتٍ اجتماعيةٍ إيجابية ولديهم قدرة أكبر على التعاطف مع الآخرين، فالقارئ الذي ينجذب إلى قصص الخيال يتماهى مع الشخصيات وتزداد عنده ترجمة الأقوال إلى الأفعال، ومن ثم تزداد نزعة التعاطف لديه.

وتعليقاً على هذه النقطة يقول كيث أوتلي، الأستاذ الفخري لعلم النفس المعرفي في جامعة تورنتو في كندا، لصحيفة واشنطن بوست: "عندما نقرأ عن أشخاصٍ آخرين، يصبح بامكاننا أن نتخيّل أنفسنا مكانهم. هذا يتيح لنا فهم الناس بشكلٍ أفضل ونتعاون بصورةٍ أفضل معهم".

التماهي مع الشخصيات

من منا لم ينجذب في طفولته إلى قصة ليلى والذئب، وتمنى لو كان باستطاعه مساعدة الطفلة الصغيرة حتى لا تقع في فخ الذئب الماكر؟ من لم يقرأ قصة الأميرة النائمة وحزن بعدما وخزت إبرة الجنية العجوز يد الأميرة، ما جعلها تغرق في سباتٍ عميق؟ من لم يذرف دمعة حين نجح الأمير في العثور على فتاة أحلامه سندريلا، بعدما حاولت الكثيرات تضليله؟

في الواقع هناك العديد من القصص التي قرأناها وتعاطفنا مع الشخصيات لدرجة أننا تمنينا لو كان باستطاعتنا تغيير مجرى الأحداث، فالإنسان بشكلٍ عام يتماهى مع الشخصية الطيبة والحنونة ويتعاطف معها، في حين أنه يعادي الشخصية الشريرة ويتمنى موتها من السطور الأولى من القصة.

وفي هذا الصدد، سبق وأن أوضح أرسطو أنه عندما نشاهد مأساة معيّنة، يسيطر علينا نوعان من العاطفة: الشفقة (للشخصية) والخوف (لأنفسنا)، وتخبرنا الدراسات العلمية أنه عندما نقرأ قصة خيالية فإن أدمغتنا تتفاعل بالطريقة نفسها كما لو كنّا نمر بالتجربة نفسها، فمن دون أن نلاحظ حتى، فإننا نتخيّل شكل الشخصيات ونقارن ردود أفعالها مع الطريقة التي تصرفنا بها في الماضي، أو نتخيّل كيف يمكن أن نتصرف في حال واجهتنا الظروف نفسها في المستقبل.

لطالما استهوت سلسلة كتب هاري بوتر الشاب اللبناني جو (23 عاماً)، والذي يعمل في برمجة الكومبيوتر، فقد حرص على قراءة جميع الإصدارات فور طرحها في الأسواق: "ما كنت قفّي ولا كتاب منن، حتى إني كنت أخد الكتاب معي عالشغل لأنو محمس أعرف شو بدو يصير"، ويضيف لرصيف22: "بالنسبة لإلي هاري بوتر منّو مجرد قصة خيالية، فأنا صرت حسّ إنو البطل صديق إلي، بعتل همّو متل ما بينشغل بالي على رفيقي وكتير زعلت وقتا صار يفقد أصحابو وأقرب الناس لإلو"، هذا واستنكر جو نظرة البعض إلى الشخص الذي يحب المطالعة ووضعه في خانة الانطوائي: "نحنا إذا حملنا كتاب وتعلقنا فيه مش يعني إننا انطوائيين وبلا إحساس، بالعكس إحساسنا هوي يلّي بخلّينا نتعلق بالقصة ونحط حالنا محل الشخصيات".

من جهتها أكدت نسرين (27 عاماً) التي تعمل في حقل التعليم، أن الكتاب الذي أثار اهتمامها كان The Goldfinch بحيث أنها تعاطفت مع معاناة الطفل الصغير الذي فقد والدته في سنٍّ مبكرة، كما تأثرت كثيراً بالصداقة التي جمعت البطل بطفلٍ آخر، وأشارت إلى أن أحداث القصة تشبه إلى حدٍّ كبير ما حصل معها، وعن هذه النقطة تقول لرصيف22: "قصة الكتاب كتير قويي، ذكرتني شوي بقصتي ورجعتني لللحظة يلي خسرت فيها والدتي وكيف أصحابي هنّي يلي ساعدوني تاتخطى هالمحنة".

معضلة الدجاجة والبيضة

صحيح أن الدراسة التي أجرتها جامعة كينغستون في لندن كشفت أن عشاق المطالعة أظهروا أنهم أفضل على صعيد المهارات الاجتماعية، غير أنه اتضح أن المسألة تختلف بحسب نوع القصة التي نقرأها، خاصة وأن "أشكال الخيال لم تكن متساوية"، وفق ما قالته الباحثة روز تيرنر.

فعندما تم تقسيم القصص إلى أنواع، تبيّن أن قرّاء الكوميديا كانوا الأفضل لجهة التواصل مع الناس، في حين أن عشاق الرومانسية والقصص الدرامية كانوا الأكثر تعاطفاً والأكثر مهارةً في رؤية الاشياء من خلال وجهة نظر الآخرين.

إذا أتاحت لنا قصص الخيال فرصة التماهي مع آلام ومعاناة شخصيةٍ ما، فإننا قد نتمكن أيضاً من فهم الناس بشكلٍ أفضل، ما يجعلنا نقتل الشعور الداخلي بالوحدة ونشعر أكثر بعمق إنسانيتنا

هذه النتائج تبدو مثيرة للاهتمام إلا أنها، وفق موقع Peace Quarters، تثير معضلة الدجاجة والبيضة، فهل يمكن أن تساعد قراءة قصص الخيال على أن يصبح الشخص أكثر تعاطفاً، أو أن الأشخاص المتعاطفين يميلون ببساطة إلى قراءة المزيد من قصص الخيال؟

يبدو أننا بحاجة إلى مزيدٍ من الدراسات لتوضيح العلاقة التي تجمع المطالعة بمسألة التعاطف، ولكن يبدو أن التقاط كتابٍ ما من أجل جعل العالم أفضل، هي فكرة لا بأس بها على الإطلاق، فإذا أتاحت لنا قصص الخيال فرصة التماهي مع آلام ومعاناة شخصيةٍ ما، فإننا قد نتمكن أيضاً من فهم الناس بشكلٍ أفضل، ما يجعلنا نقتل الشعور الداخلي بالوحدة ونشعر أكثر بعمق إنسانيتنا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image