شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الأوضاع المأساوية لفناني غزّة... بين حصار الاحتلال وقمع حماس

الأوضاع المأساوية لفناني غزّة... بين حصار الاحتلال وقمع حماس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 16 سبتمبر 201909:53 م

أن تتحدث عن الفن في غزة، يعني أن يشقّ ذلك الفنَّان طريقه بنفسه، قد يواجه صعوبات بالغة، كحرب سياسية تحول دون تحقيق أحلامهم، فلا داعم لهم ولا ميزانية تُطوّر من آلاتهم، حتى اضطر عدد كبير منهم إلى بيع مقتنياتهم الشخصية، كالهواتف وأجهزة اللابتوب والمجوهرات لتطوير آلاتهم الموسيقية.

"سياسة الجلَّاد في بيئة خشنة"

تعرض الفنان الرابر "ساري ربايعة" (29 عاماً)، لطلقٍ ناري من قبل الرشاشات الإسرائيلية الثقيلة، اخترقت النخاع الشوكي بعد دخولها لصدره وخروجها من ظهره، أقعدته عن الحركة بشكلٍ كلي،  ذلك عام 2006، فأصبح بعدها أول رابر من غزة من فئة ذوي الإعاقة.

والفنان الكوميدي علي نسمان حققت معه حكومة حماس بغزة، بناءً على دعوى مقدمة ضده من "اللجنة القطرية"، عقب أغنيته الساخرة "ياللا ياقطر"، التي سخر فيها من المواقف السياسية لحماس أمام الأموال القطرية، وعلى الرغم من أن عمله الكوميدي تعدَّى صداه الأرض الفلسطينية، وأصبح محطة مشاحنات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين النشطاء المناصرين إقليمياً للإمارات وقطر، إلَّا أنَّ هذا العمل كان بإمكانياتٍ بسيطة في بيته، لا تتعدّى عدسة كاميرا الجوال.

كما واجه الفنان محمد لافي مضايقات هو الآخر، يقول لرصيف22:  "تعرضت للتعذيب، والضرب الشديد على  مدى 5 أيام، وشتائم بذيئة طيلة فترة اعتقالي في السجن عقب فيديو كليب بعنوان "بكفي" الداعمة للحراك الشبابي المسمى مستمرة".

وقد انطلق الحراك الشبابي من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وكان مطلبه تحسين ساعات الكهرباء لأهالي قطاع غزة أواخر عام 2017.

ويضيف لافي: "كانت هذه إحدى المرات السبع التي اعتقلت بها وأقساها، ثم تعرضت لاعتقال لآخر مرة في عام 2018 بعد أغنية "ازدهار"، وقام الأمن في غزة بمصادرة هاتفي ولابتوبي والاطلاع على خصوصياتي وخصوصيات الأهل".

الفنان أيمن مغامس، وهو من أوائل الفنانين في قطاع غزة من فئة الرابرز، ويقود فرقة PR المختصة بهذا الجانب، أوضح بأنهم ممنوعون من ممارسة أعمالهم الفنية في أي احتفالٍ أو مهرجان، كون حكومة حماس تعتبر ذلك من العادات السيئة الدخيلة على الشعب الفلسطيني، موضّحاً بأن الراب فن ولغة ووسيلة تواصل مع الجمهور، لا يتوقف على كونه أغاني فقط، فقد يكون السبب لأن أعمال الراب تركّز على فن الانتقاد والكشف عن العيوب السياسية في المقام الأول، يقول مغماس.

وأوضح بأن الوسائل القمعية على فريقه تعدّدت أشكالها، كان أبرزها "قيام مجموعة مسلحة من حركة حماس باختطاف الفنان خالد حرارة، بعد حفل في مركز رشاد الشوا الثقافي، عقدته منظمة UNDP الدولية، في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، حيث تم الهجوم بعد الحفل بدقائق، ومن غير المعروف ماذا حل به خلال فترة الاختطاف، ولكنه أصيب بأذى نفسي جعله يهاجر إلى الخارج، وهو الآن في السويد بعد طلب اللجوء".

وعلى صعيدٍ آخر، ما زال الفنان أيمن مغامس وفريقه ممنوعين من السفر عبر معبر رفح البري الفاصل بين جمهورية مصر العربية والأراضي الفلسطينية، بسبب أغنية راب ساخرة من أوضاع المعبر، والسياسة المصرية على سيادته، يقول مغماس أنه تم منعه من حضور مهرجان تكريم الفيلم الوثائقي "مقلاع الهيب هوب" الذي أُقيم في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وعُقد للفيلم مهرجان آخر في اليابان، وشارك فيه عدّة فنانين دوليين، كلهم حضروا إلا فناني غزة، نظراً لمنعهم من ذلك من قبل السلطات المصرية، بحسب مغماس.

كل ذلك له تأثيرات سلبية على الفن في غزة، يؤدي بين الحين والآخر لضمور الأعمال الفنية، وقد يؤدي العامل النفسي المترتب على ذلك لنتائج لا تقلّ سوءً.

وأشارت الصحفية المتخصصة في الفن، والناشطة في مجال الإعلام الفلسطيني، رفيف عزيز، إلى أنّ سياسة "الجلاد" التي تشهدها الأراضي الفلسطينية بشكلٍ عام وقطاع غزة بشكل خاص، من أكبر العوائق النفسية على استمرار عمل الفنان، فإن كان والده أو أحد من أهله شهيدا جراء اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، فإنه قد يواجه ضغوطاً مجتمعية، وستبقى اتهامات الخيانة لوالده أو لشقيقه أو لوالده مستمرّة تجاهه، من ناحية طرح تساؤل "كيف يجرؤ على الغناء ووالده شهيد؟".

وتكمل رفيف لرصيف22: "البيئة الفلسطينية خشنة بسبب الاحتلال الإسرائيلي، فمُعظم الشعب وُلد ووجد نفسه في بلدٍ مُحتل ترفع فقط شعارات المُقاومة، فيجد الفنان نفسه أمام خيارين، إما أن يُغني للثورة والمقاومة، أو يخرج من بلاده ليؤسس نفسه فنياً، بعيداً عن الخشونة الفنية الموجودة في بلده".

"البيئة الفلسطينية خشنة بسبب الاحتلال الإسرائيلي، فمُعظم الشعب وُلد ووجد نفسه في بلدٍ مُحتل ترفع فقط شعارات المُقاومة"

ندرة الموارد وغياب الدعم

يعاني الفنانون الفلسطينيون في غزة أيضاً من ندرة الموارد اللازمة لإقامة مشاريعهم، حتى على المستوى البدائي، فنان الرابر أيمن مغامس يقول أن جميع أعمالهم الفنية التي وصل صداها شرقاً وغرباً، كانت من إنتاجهم الشخصي في بيوتهم، لعدم توفير التمويل الكافي للفريق في غزة.

من أهم أسباب عدم توفر تمويل كافي لفناني الراب أنَّ حكومة "حماس" تحارب هذه الأنواع من الفنون، التي تتواصل مع الناس، وتنتقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية، بحسب الرابر الفلسطيني مغماس

ويضيف: رغم أن الإنتاج في المنازل ليس بجودة الإنتاج في الاستوديو، إلا أن أعمالهم تعدت الحدود وتخطت عدة بلدان، وكان أهمها فيديو كليب بعنوان (اليوم نغني) والذي نال صدى إعلامياً وجماهيرياً بشكلٍ واسع، لتكون هذه أول خطوة لهم في انطلاقة فنية بأسلوب جديد على مستوى الغناء الفلسطيني.

من أهم الأسباب عدم توفر تمويل كافي لهم بغزة، كما أشار مغامس، بالنسبة لفناني الراب أنَّ حكومة حماس في غزة تحارب هذه الأنواع من الفنون، وعلى هذا الأساس، كافة المساهمين والمنتجين الدوليين غير مستعدين للمغامرة بإنتاج أعمال في بلد تكفر بفنونهم.

باع مغامس هاتفه الشخصي، وزميله باع هديته الثمينة التي وصلت من أوروبا، ليوفر إمكانية الإنتاج في استوديو

هنا يضطرّ الفنانون بغزة أحياناً لبيع بعض مقتنياهم الشخصية لإنتاج عمل فني عالي الجودة، داخل أستوديوهات تكلّفهم أكثر من 1200 دولار، حيث باع مغامس هاتفه الشخصي، وكذلك زميله باع هديته الثمينة التي وصلت من أوروبا، ليوفر إمكانية الإنتاج في استوديو، وهي عقد من الفضة.

في هذا السياق تعلق رفيف عزيز: "إن العامل المادي من أهم معوّقات العمل الفني، فلا يوجد لدينا إنتاج قوي، أو تمويل حكومي للأعمال الفنية، لأن ثقافة الفن لدينا إن لم تكن تتمحور حول المُحتل والثورة، فهي غير مُعترف بها، والدليل أن مُعظم الأعمال الكوميدية التي انتشرت فجأة بجهود شخصية مثل "بس يا زلمة" الذي يقدمه محمود زعيتر، وسلسلة برامج مؤمن شويخ وغيرها، اختفت عن الساحة تماماً، لأنها لم تجد من يُغذّيها عربياً وعالمياً، ولا حتى من يُغذّيها لتستمر محلياً، فانتهت في أرضها، على الرغم من أن صداها وصلت لكل بيت فلسطيني".

وعلى الرغم من ذلك،  لايزال فنانو الموسيقى في غزة مستمرين، رغم عدم وجود تمويل حكومي أو خاص لمشاريعهم، وتعرضهم المتكرر للمنع من السفر، ولا يوجد مكاناً يجمعهم سوى مركز "سيد درويش"، الذي أُنشأ بجهود شبابية، لا يتجاوز مساحته 100 متر مربع، يضم آلات موسيقية متواضعة، وغرفتين للتدريب، ويعتبره الموسيقيون "الحضن الوحيد" لفناني الراب، وكذلك النوع العاطفي والرومانسي والشعبي وغيره، إضافةً للعازفين والموسيقيين بتخصصاتهم وفروعهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image