أعلن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، في 5 أيلول/ سبتمبر ما سُمي بـ"لائحة الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام المؤسسات الصحافية والمؤسسات الإعلامية أصول المهنة وأخلاقياتها والحفاظ على حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بمحتواها، والقواعد والمعايير المهنية الضابطة للأداء الصحافي والإعلامي والإعلاني، والأعراف المكتوبة".
الاسم الطويل للائحة يحدد مهماتها إذن، لكن في سياق رؤية الحكومة نفسها، وغياب آراء النقابات المهنية ذات الاختصاص، أو حتى آراء المؤسسات الصحافية والإعلامية.
وبحسب اللائحة، فإن التقيد بها شرط أساسي للحصول على ترخيص من المجلس الأعلى، وانتهاكها هو سبب كافٍ لسحبه.
ويختص المجلس الأعلى للإعلام في مصر بمنح تراخيص العمل للمواقع الصحافية والصحف المطبوعة والقنوات الفضائية والمحطات الإذاعية، كما يراقب الحسابات الإلكترونية الشخصية التي يتجاوز عدد متابعيها الـ5 آلاف شخص.
وبخلاف المعايير الطبيعية، والتي كانت محددة في ميثاق الشرف الصحافي منذ عام 1998، فرض المجلس الأعلى عدداً من المعايير الجديدة، والتي لفت الكثيرون إلى أنها "تنال من استقلالية العمل الصحافي، وتعين المجلس الأعلى للإعلام رقيباً على الصحافيين، وتغتصب سلطة النقابات المهنية، وكذلك النيابة العامة".
تحت عنوان "الضوابط والمعايير"، جاء بعض تلك المعايير الجديدة، منها "عدم تقديم محتوى من شأنه الإضرار بالنسيج الوطني أو من شأنه إحباط المتلقي أو إشاعة الذعر"، و"احترام المحتوى للغة العربية الفصحى وألا تستخدم اللغة السوقية أو الأجنبية في غير محلها"، و"عدم تناول كل ما من شأنه تهديد الأمن القومي، أو تهديد الاقتصاد الوطني"، و"عدم نشر أو بث مواد تحرض على الفسق والفجور أو تحرض على الشذوذ، واستضافة نماذج فاشلة تتنافى ثقافتها مع ثقافة المجتمع المصري".
ومن الواضح أن تلك القواعد تضيق كثيراً على طبيعة الموضوعات الممكن تناولها في العمل الإعلامي، وكذلك على تنوع الشخصيات المستضافة. كما أنها، تتناقض مع القانون المصري، الذي يتحدث صراحة عن "الشذوذ"، في الوقت الذي لا يتناول فيه القانون ولا الدستور ما يتعلق بالهوية الجنسية.
وتحت باب "الأكواد"، أي معايير أخلاق المهنة، جاءت نقاط أكثر إثارة للجدل. من بينها "إبراز أهمية القيم والأخلاق"، و"إبراز القيم الإنسانية وسماحة الأديان"، وهو ما يقيّد نشر المواد التي تتعارض مع الخطاب الديني الرسمي للدولة.
وبشأن تغطية الحوادث الإرهابية، حدد المجلس المعايير التالية: "عدم إذاعة أو بث أو نشر المواد الدعائية للتنظيمات الإرهابية أو بياناته"، وتالياً فإنه يقيد نشر بيانات إعلان المسؤولية وتبني عمليات العنف، كما يقيد نشر كل ما يتناقض مع الرواية الرسمية.
كذلك ضم هذا الباب بند "عدم إبداء أية آراء أو معلومات تؤدي للنيل من تماسك الشعب المصري أو روحه المعنوية". وعلى الرغم من الصياغة الفضفاضة لهذا البند، فإن الكثيرين رأوا أنه يضع قيوداً على نشر كل ما يتعلق بالعمليات الإرهابية الكبرى، التي تضم عدداً كبيراً من الضحايا، أو تكشف عن ثغرات أمنية فاضحة.
وتحت عنوان "كود ضمان حماية مقتضيات الأمن القومي والاقتصاد القومي"، جاءت أكثر المعايير غرابة، من بينها: "عدم إثارة المواطنين أو تحريضهم على ما يهدد الأمن القومي، وعدم التحريض على مخالفة الدستور والقانون".
"عدم نشر ما يحرض على الشذوذ ويخالف قيم المجتمع، عدم تناول ما يهدد الأمن القومي، تجنب مشاهد التدخين، إظهار الدور البطولي لرجال الجيش"... هذه بعض المعايير التي وضعها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر للصحافة
"مجموعة من النصوص الكارثية، تستخدم كلمات مطاطة مثل: التعصب والكراهية والشذوذ، هذه كلمات لا معنى واضحاً لها وتتيح تطويع النص لأي غرض"... معايير جديدة للعمل الصحافي في مصر
تأتي هذه البنود بشأن الصحافة المستقلة والصحافة الحزبية المعارضة لتقيّد قدرة الصحافيين وكتّاب مقالات الرأي على تقديم خطاب نقدي للقانون وحتى الدستور، وهو حق أساسي كفله الدستور بالأساس، وتفرضه التزامات مصر الدولية المتعلقة بحرية التعبير والنشر.
أما في ما يتعلق بالأعمال الدرامية والمسلسلات، فشغل هذا الجزء نصيب الأسد من معايير المجلس الأعلى للإعلام الذي وضع العديد من المبادئ المتعلقة بالعمل الدرامي، من بينها: "احترام الأخلاق"، و"عدم اللجوء إلى الألفاظ البذيئة"، و"ضرورة خلو الأعمال الدرامية من مشاهد العنف غير المبرر"، و"تجنب مشاهد التدخين وتعاطي المخدرات"، و"إفساح المجال لمعالجة الموضوعات المرتبطة بالدور المجيد والشجاع الذي يقوم به رجال المؤسسة العسكرية ورجال الشرطة في الدفاع عن الوطن".
وعلّق عضو مجلس إدارة نقابة الصحافيين المصريين عمرو بدر على لائحة المجلس، قائلاً لرصيف22 إنها تأتي في سياق سياسة عامة تستهدف التضييق على حرية الصحافة والإعلام.
وأوضح بدر أنه "من الناحية المبدئية، فإن هذه اللائحة تمثّل اغتصاباً لسلطة نقابة الصحافيين باعتبارها الجهة الوحيدة المنوط بها تحديد معايير المهنة. وعلى الرغم من ذلك فإن المجلس لم يعرضها للنقاش على النقابة. وهذا أمر غريب ونرفضه".
وأضاف "على مستوى المضمون، فإن اللائحة تمثّل مجموعة من النصوص الكارثية، تستخدم كلمات مطاطة مثل: التعصب والكراهية والشذوذ، هذه كلمات لا معنى واضحاً لها وتتيح تطويع النص لأي غرض".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين