شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
فاطيما الإيرانية (11 سنة) تزوجت ميلاد (22 سنة) لكن تويتر أبطل الزيجة

فاطيما الإيرانية (11 سنة) تزوجت ميلاد (22 سنة) لكن تويتر أبطل الزيجة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 5 سبتمبر 201902:16 م

 يسألها الشيخ هل توافقين على الزواج من ميلاد (22 سنة)، تضحك فاطیما (11 سنة) وتغطي وجهها بحركة طفولية والجميع من حولها يهتف فرحاً، فيعيد الشيخ السؤال مراراً فتنطق بنعم. هكذا زوجت الإيرانية فاطيما ميلاد وهي طفلة. 

 قالت فاطيما “نعم” لتزويجها لكن المغردين في إيران قالوا “لا" ونجحوا من خلال مطالباتهم على موقع تويتر بوقف هذه الزيجة بالضغط على المحكمة لإنقاذ واحدة من آلاف القاصرات اللواتي يتزوجن سنوياً في إيران. 

إنقاذ تويتري للطفلة العروس

ألغت النيابة العامة في مدينة بهمئي التابعة لمحافظة كهكيلويه وبوير أحمد جنوب غربي إيران في 3 أيلول/سبتمبر عقد زواج القاصر الإيرانية فاطيما بعد انتشار فيديو من احتفال عقد قرانها على الشاب ميلاد، إذ شارك عدد من النشطاء والصحافيين في إيران في إعادة تغريد الخبر منتقدين القوانين التي تسمح بمثل هذه الزيجات.  

تدخلت نائبة الرئيس الإيراني معصومة ابتكار بتعليق على تغريدة بشأن الموضوع لتغير مصير الطفلة العروس وتستدعي المحافظ لمنع هذا الزواج، ملبيةً مطلب جمهور تويتر. بدورها النيابة العامة اعتبرت ما ارتكبه المأذون الشرعي وولي أمر الفتاة جريمة وفقاً للمادة رقم 1041 من القانون المدني الإيراني الذي يمنع زواج الإناث دون سن الثالثة عشرة والذكور دون سن الخامسة عشرة. لكن المأذون الشرعي حجة الاسلام خوب نجاد برر عقده لقران الطفلة بأنه عقد مؤقت لن يثبّت في السجلات الرسمية إلا بعد سنتين. 

ما وصل إلى محطات التواصل الاجتماعي من صور  مؤلمة لعقد القران الشرعي كان جزءاً من تسريبات نقلتها إحدى ضيفات الحفل وهي معرضة الآن لتهمة انتهاك خصوصية الآخرين، لكن ماذا عن الطفلات الأخريات ومصيرهن الموحش بعيداً عن العدالة؟

ضحايا بالآلاف وقانون ضعيف

تشير أرقام مركز الإحصاء في إيران إلى تسجيل 37 ألف حالة زواج لقاصرات تحت سن الخامسة عشرة خلال السنة الإيرانية 1394ش (بين شهري آذار /مارس 2014-2015). هذا الرقم المرعب امتنعت الجهات المختصة عن كشفه في السنوات اللاحقة خوفاً من الضغوط الإعلامية التي سيست هذه الظاهرة لمصلحة تيارات الداخل بعيداً عن الخطوات الجادة لمنعها اجتماعياً. تزامن ذلك مع محاولات فاشلة من الكتلة النسائية في البرلمان الإيراني لرفع السن القانونية لزواج النساء من 13 سنة إلى 16 سنة عبر مسودة قانون "رفع سن الزواج” لكنها لم تحظَ بتأييد أغلبية أعضاء البرلمان، الذي لم يكتفِ برفض المسودة فقط بل شن هجمات على المطالبين بها، معتبراً نص القوانين تشبهاً بالغرب يخالف الشريعة الإسلامية

أعراف وتقاليد بالية 

قضية زواج الفتيات القاصرات في إيران ليست عثرة قانونية فحسب بل هناك أيضاً عوامل ثقافية واجتماعية ودينية واقتصادية تقف خلفها. علماً أن خريطة زواج القاصرات في إيران يمكن أن تساهم في تحليل هذه الظاهرة، إذ ترتفع هذه النسبة في مناطق عشائرية ومذهبية كمحافظات خراسان الرضوية وأذربيجان الشرقية وخوزستان وسيستان وبلوشستان وأذربيجان الغربية وهرمزكان حيث يحمل النسيج الاجتماعي في هذه المدن خليطاً مختلفاً من السكان يغلب عليه الطابع العشائري في حين يتفشى بينهم ضعف التعليم والرعاية الصحية والفقر وبالتالي انتشار الجهل. فأغلب هذه المناطق تعاني الإهمال الحدودي والبعد عن العاصمة، فنجد المدن نفسها تتصدر قائمة كل ظاهرة سلبية، كالأمية وختان الإناث والجرائم والمخدرات وانتشار الأمراض. 

تشير أرقام مركز الإحصاء في إيران إلى تسجيل 37 ألف حالة زواج لقاصرات تحت سن الخامسة عشرة خلال السنة الإيرانية 1394ش (بين آذار /مارس 2014-2015)

الصحافي الإيراني خالد (اسم مستعار، 28 سنة) من مدينة الأهواز أوضح لرصيف22 أن العامل الثقافي والاجتماعي أحد أسباب زواج القاصرات، فالبيئة التي تعيش فيها الأسرة تغلب عليها الثقافة التقليدية والأمية، وأحياناً  ينظر  إلى الفتاة وصمة عار في الأسرة، وبالتالي فإن تزويجها يعني التخلص منها، وأحياناً العامل الاقتصاد يكون الأقوى لتزويج القاصرات لدى الأسر الفقيرة. 

خالد وفئة واسعة من الشباب الأهوازي يرفضون هذه الظاهرة ويرون أن مكافحتها تكمن "عبر طريقتين، الأولى تتحملها الحكومة وهي سن قوانين تمنع أي شكل من أشكال زواج القاصرات والتساهل الذي يقع فيه، والثانية تتعلق بتثقيف المجتمع والأسر وتبيّن التبعات السلبية المترتبة على هذا النوع من الزواج". 

جذور تاريخية ومبررات المتشددين

ينشر المعارضون لسن قانون رفع سن الزواج في إيران شعارات الحفاظ على التقاليد وعدم التشبه بالغرب، لأن لهذا الزواج منشئاً دينياً وسبباً بيولوجياً في بعض المناطق، فبلوغ الفتيات في سن مبكرة في المناطق الحارة يجعلهن جاهزات للزواج ولأن أهل الفتاة أدرى بمصلحتها عند البلوغ فمن حقهم تزويجها، يضيف هؤلاء المتشددون أن هذا النوع من الزيجات كان ناجحاً في الماضي ولم تشهد البلاد أزمات اجتماعية نتيجةً له. بالطبع لا يأخذ هؤلاء ارتفاع نسب الطلاق والصحة النفسية والجسدية لتلك الفتيات في الاعتبار. 

يستمد البعض من الجذور التاريخية لهذه الظاهرة مبرراً إضافياً لاستمرارها كزواج البدل ونكاح الشغار إذ تزوج فتاة مقابل فتاة لحذف تكاليف المهور أو خوفاً من الطلاق. كذلك هناك تقليد عشائري كان سائداً في إيران يسمى "وقف الدم" ويعقب عادةً حوادث القتل التي تنتهي بمنح القاتل فتاة من عائلته لعائلة القتيل. 

من العادات الأخرى الرائجة بين عشائر لرستان غرب إيران "زواج السرة"، الذي يقوم على قطع حبل السرة عند ولادة الفتاة على اسم أحد رجال العائلة وهي خارجة لتوها من رحم أمها على نية تزويجها منه، وغالباً ما تزف له في طفولتها.  

 قالت الطفلة فاطيما “نعم” لتزويجها لكن المغردين في إيران قالوا “لا" ونجحوا من خلال مطالباتهم على تويتر بوقف هذه الزيجة بالضغط على المحكمة لإنقاذ واحدة من آلاف القاصرات اللواتي يتزوجن سنوياً في إيران

من العادات الرائجة بين عشائر لرستان غرب إيران "زواج السُرّة" الذي يقوم على قطع حبل السرة عند ولادة الفتاة على اسم أحد رجال العائلة وهي خارجة لتوها من رحم أمها على نية تزويجها منه، وغالباً ما تزف له في طفولتها 

تسيس واستغلال إعلامي

يبيّن الباحث الاجتماعي الايراني (ع. م) لرصيف  22 "أن نص القوانين الجازمة هو المنفذ الوحيد الفعال لكبح هذه الظاهرة، إلا أن جهات حكومية ترغب في استثمار فقر الناس وجهلهم في المناطق النائية لخدمة بقائهم في السلطة، في حين لا يتحرك المجتمع المدني بجدية لتثقيف البيئات الحاضنة لهذه الظاهرة". 

وفقاً لرأي الباحث (ع.م)، فإن قضية زواج القاصرات طرحت في الإعلام مراراً وفتحت باب الجدل بين التيارات الفكرية في طهران والمدن الكبرى من دون أن تطرق باب تلك المدن الصغيرة المستمرة في تزويج القاصرات. ويبدو أن الضجة الإعلامية تنتهي مع كل حادثة في إيران من دون خطوات عمليّة بل تكتفي بتسجيل نقطة لمصلحة أحدهم. 

فاطيما ثم ميلاد هما ضحيتا مجتمع محافظ على عاداته البالية، ضحيتا عائلات خرجت من المدراس في وقت مبكر بسبب الفقر، ضحيتا مساجد لا ترغب في التنوير بل ترسخ الجهل وتعززه، ضحيتا نواب مثلوهما في البرلمان ورفضوا نص قوانين تحميهما، فهل تستمر القصة؟ 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image